Remove ads
إمام وعالم مسلم نجدي سعودي (1115 – 1206هـ / 1703 – 1792م) من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ ([ا] الوُهَيْبي،[ب] التَّمِيمي،[ج] الحنبلي،[د] النَّجدي.[ه] وُلِد سنة 1115 هجريّة[4] في قرية العُيَينة في مِنطقة اليمامة من إقليم نجد، وسط شِبْه الجزيرة العربيَّة.[5] عالم مسلم سُنِّي يَعُدُّه أتباعه ومناصروه أحَد أبرز أئمَّة الإصلاح، ومُجدِّدي الدِّين الإسلامي في القرن الثَّاني عشر الهجري،[2][6] فقد شرَع في دعوة المسلمين للعودة بالدِّين إلى ما كان عليه السَّلفُ الصَّالح في القرون الثلاثة الأولى المُفضَّلة، والتخلُّص مِمَّا عَدَّهُ بِدعًا وأفعالًا شِركيَّة انتشرت في أطراف الدَّولة العثمانيَّة حول ولاية الحِجاز وولاية اليمن والرُّبْع الخالي.[7]
)، المُشَرَّفي،شرع محمد بن عبد الوهاب في طلب العلم بعد حفظ القرآن الكريم في سن العاشرة،[5] فقرأ على والده عبد الوهاب بن سليمان بن علي وأخذ عنه الفقه على المذهب الحنبلي بسنده المتصل بأئمة المذهب إلى الإمام أحمد بن حنبل.[8] ثم انتقل إلى المدينة، وسافر إلى البصرة فبدأ في تصنيف كتابه الأشهر «كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد»،[9] ثم نزل الأحساء وجالس شيوخها، ومنها قصد حريملاء فدعا أهلها وأنهى فيها «كتاب التوحيد»،[وب 1] ولما كثُر إنكاره للأفعال التي رآها مُبتدعة وشركية، وقع بينه وبين أهل حريملاء نزاع واعتراض على دعوته وحاول بعضهم اغتياله ليلًا،[10] فخرج منها إلى العيينة مسقط رأسه وتلقاه أميرها حينها بالقبول وسانده في مشروع دعوته، واشتهرت أخباره حتى بلغ أمره سُلَيمان بن محمَّد رئيس الأحساء وبني خالد آنذاك، فأرسل مرتين إلى عثمان كتابًا يتهدده فيه إن لم يقتل محمدَ بن عبد الوهاب أو يخرجه من بلده بأن يقطع خراجه عنده في الأحساء، فتمَّ له ذلك.[11] فاختار محمد بن عبد الوهاب الانتقال إلى الدرعية، لتنامي قوة إمارتها في ذلك الوقت ولاستقلاليتها وعدم وجود سلطة خارجية عليها، فناصره الإمام محمد بن سعود، فتمَّت البيعة بينهما التي عُرفت فيما بعد بميثاق الدرعية.[12]
يُشار إلى الدعوة التي بدأها ابن عبد الوهاب باسم «الوهَّابيَّة» وهو لقبٌ أطلقَه خُصومُه على دعوته، إذ إنَّه لم يكُن يُسَمِّي دعوته باسمٍ مُعيَّن، كما أنَّ العديد من أتباعِه حاليًّا يَعُدُّون هذا المُصطَلح مَهينًا ويفضِّلونَ أن يُعرفوا «بالسَّلفيَّة».[وب 2] بَيدَ أنَّ العديد من الباحثين يَعدُّون السَّلفيَّة مُصطلحًا يَنطبقُ على عِدَّة مدارسَ إسلامية في أجزاءَ مختلفةٍ من العالم، في حين تُشيرُ الوهَّابيَّة على وجه التَّحديد إلى المدرسة السَّلفية السُّعوديَّة، التي كانت أكثرَ التزامًا وصرامةً من سائر المدارس السَّلفيَّة. وبحسب أحمد موصللي، أستاذ العلوم السياسيَّة في الجامعة الأميركيَّة في بيروت: «كقاعدة عامَّة: كلُّ الوهَّابيِّين سَلفيِّون، ولكنْ ليس كلُّ السَّلفيِّين وهَّابيِّين».[en 1] بينما يرى آخرون أنَّه باتَ من الصَّعب التَّمييز بين السَّلفيَّة والوهَّابيَّة بحُلولِ السَّبعينيَّات، وذلك بوصف الوهَّابيَّة إحدى السَّلفيَّات المُحدَثة وليست السَّلفية، وإشكاليَّة العَلاقة بين سلفيَّة أهلِ الأثر القُدامى وسلفيَّة ابن تيميَّة، وصولًا إلى السَّلفيَّة (الوهَّابيَّة) المُحدَثة.[13]
تُوفِّي محمَّد بن عبد الوهَّاب يوم الاثنين من آخر شوَّال سنة 1206 هجري في الدِّرعيَّة وله من العُمر 92 سنة، بعد مرضٍ ألمَّ به في أوَّل الشَّهر نفسه.[14]
هو: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، بنِ سُلَيْمانَ، بنِ عَلِيِّ، بنِ مُحَمَّدِ، بنِ أحمَدَ، بنِ رَاشِدِ، بنِ بُرَيْدِ، بنِ مُحَمَّدِ، بنِ بُرَيْدِ، بنِ مُشَرَّفِ، بنِ عُمَرَ، بنِ مِعْضادِ، بنِ رَيِّسِ، بنِ زاخِرِ، بنِ مُحَمَّدِ، بنِ عَلَوِيِّ، بنِ وُهَيْبِ، بنِ قاسِمِ، بنِ مُوسَى، بنِ مَسعُودِ، بنِ عُقبَةَ، بنِ سُنَيْعِ، بنِ نَهْشَلِ، بنِ شَدَّادِ، بنِ زُهَيرِ، بنِ شِهابِ، بنِ رَبِيعةَ، بنِ أبِي سَودِ، بنِ مالِكِ، بنِ حَنظَلَةَ، بنِ مالِكِ، بنِ زَيدِ مَناةَ، بنِ تَمِيمِ، بنِ مُرِّ، بنِ أُدِّ، بنِ طابِخةَ، بنِ إِليَاسَ، بنِ مُضَرَ، بنِ نِزارِ، بنِ مَعَدِّ، بنِ عَدنان.[5][15]
يُنسَب لأُسرتهِ عددٌ من علماءِ الدِّين:
تزوَّج محمد بن عبد الوهَّاب مرَّتين؛ إحداهما في أول شبابه ولم يُعرَف اسم زوجته ولا أُسرتها ولا من ولدت،[5] والثانية في العُيَينة بعد وفاة والده وزوجته هي "الجوهرة بنتُ عبد الله بن مُعَمَّر" ابنة الأمير عبد الله بن محمَّد بن حَمَد بن مُعَمَّر وعمَّة أمير العُيَينة آنذاك عثمان بن حَمَد بن مُعَمَّر بعد أن دخلها قادمًا من حُرَيملاء.[18] وله منها 6 أبناء: عليٌّ، وحسين، وعبد الله، وإبراهيم، وحسن، وعبد العزيز. والأخيرانِ تُوفِّيا في حياة والِدِهِما. ولم يُحصَر عددُ بناتِه، لكن عُرف منهنَّ 9 بنات، وهُنَّ: فاطمة، وسارة، وقَوِيَّتْ، وشايْعة (ضد خافية)، وهَيَا، ولطيفة، ومُنيرة، والجوهرة، ومُوضِي.[وب 3]
أقامت ذرّيَّة محمَّد بن عبد الوهَّاب في الرِّياض ومكَّة وبيشة وأبها والحريق، وحُملَ بعضُهم أسرى إلى مِصر، فحصل بذلك بعضُ الانتشارِ لدعوته فيها.[19][20]
ظهرت على محمد بن عبد الوهاب علامات النجابة والفطنة في صِغَره؛ فقد حفظ القرآن الكريم قبل بلوغه العاشرة، وبلغ الاحتلام (سِنَّ الرُّشد) قبل إتمام الثانية عشرة من عُمره. قال أبوه: رأيته أهلاً للصلاة بالجماعة لمعرفته بالأحكام. وزوَّجه وهو ابنُ اثنتَي عشرة سنة بُعيد بلوغه، ثم أذن له بالحج -للمرة الأولى- فحجَّ وقصد المدينة المنورة وأقام فيها شهرين ثم رجَعَ بعد الزيارة.[5][16] وَقتئذٍ شرع في طلب العلم، فقرأ على والده وأخذ عنه الفقه على المذهب الحنبلي بسنده المتصل بأئمة المذهب إلى الإمام أحمد بن حنبل.[8]
دخل المدينة بعد إتمامه الحجَّ في مكة -للمرة الثانية-، والتقى العالمَ السلفي عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي، فقرأ عليه وأجازه بكل ما حَواه ثبَتُ الشيخ عبد الباقي الحنبلي قراءةً ودرايةً من صحيح البخاري بسنده إلى مؤلفه، وصحيح مسلم بسنده إلى مؤلفه، وشُروحِهِما، وسنن الترمذي بسنده، وسنن أبي داود بسنده، وسنن ابن ماجه بسنده، وسنن النسائي بسنده، وسنن الدارمي ومؤلفاته بالسند. وقرأ عليه سلسلةَ العربية بسندها عن أبي الأسود عن علي بن أبي طالب، وكُتُبَ النووي كلَّها، وألفيَّة العراقي، والترغيب والترهيب للمُنذريّ، والخُلاصة لابن مالك (ألفية ابن مالك)، وسيرة ابن هشام وسائرَ كتبه، ومؤلفاتِ ابن حجر العسقلاني، وكتبَ القاضي عياض، وكتب القراءات، وكتاب الغُنيَة لعبد القادر الجِيلاني، وكتاب القاموس بالسند إلى مؤلفه، ومسند الإمام الشافعي، وموطأ مالك، ومسند الإمام الأعظم، ومسند الإمام أحمد، ومسند أبي داود الطيالسي ومعاجم الطبراني، وكتب السيوطي، وفِقهَ الحنابلة وأُصولَهُم.[24] قال عنه محمد بن عبد الوهَّاب: «كنت عنده يومًا، فقال لي: تريد أن أريَك سلاحًا أعددته للمَجمَعة؟ قلت: نعم. فأدخلني منزلاً عنده فيه كتبٌ كثيرة. وقال: هذا الذي أعددنا لها».[25] لكنَّ عبد الله توفي قبل أن يستعمل كتبه ويبدأ دعوته. ومضى الشيخ عبد الله إلى العلامة محمد حياة السِّندي المدني، فأخبره بتلميذه محمد بن عبد الوهَّاب، وعرَّفه به وبأهله، فاستفاد منه وأخذ عنه كتب الحديث إجازةً في جميعها وقراءةً في بعضها، وكَتَب كتاب الهَدي لابن القيم بيده، وكتب متن البخاري، ودرس النحو، وحفظ ألفية بن مالك.[25][26] وذلك بعد أن عَلِم عنه استقامة عقيدته التي وافقت منهجه السلفيّ، إذ كان ابن عبد الوهاب واقفًا يومًا عند الحُجرة النبوية والناس يَدعُون ويستغيثون عند قبر رسول الله ﷺ، فسأل شيخه السِّندي عن ذلك، فقال: «إِنَّ هَٰؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ مَّا كانُوا يَعْمَلُونَ».[27] كما التقى مدرّسَ الحديث علي أفندي بن صادق بن محمد بن إبراهيم الداغستاني وأجازه بكل ما حواه ثبَتُ الشيخ عبد الباقي الحنبلي قراءةً وتعلُّمًا وتعليمًا، ممَّا تقدم ذِكرُه في إجازة الشيخ عبدِ الله بن إبراهيم بن سيف النجدي للإمام محمد بن عبد الوهَّاب.[24] وأخذ عن المحدِّث إسماعيل العَجلوني وغيرِهما من العلماء.[28]
سافر إلى البصرة أكثر من مرَّةٍ،[29] والتقى علماءها وأخذ عنهم العِلم. في سنة 1136 هـ[30] دخل إلى قرية المَجموعة[و] ولازم العالم محمد المَجموعي وآخرين، فتعلَّم الفقه والنحو وكَتَب الكثير من اللغة والحديث. ثم عرض على المَجموعي عقيدتَهُ وفِكرَهُ المتمثل في «إنكار التوسُّل والتبرُّك بالقبور وبالأولياء، والبدع بجميع أشكالها»، فاستحسن المَجموعي قوله ووافقه عليه. أنكر على العلماء والعامَّة في البصرة ما عدَّه أعمالًا بدعيَّة وشِركيَّة، وصَنَّف في تلك المرحلة «كتاب التوحيد»،[9] ولمَّا زادت شدَّة إنكاره عليهم أخرجوه منها بعد أن آذَوهُ. وأثناء تَوجُّهِهِ إلى قرية الزُّبَير أدركه العطش الشديد وأشرف على الهلاك، لولا أن أنقذَه صاحبُ حمار مَكاري[ز] من أهل بلد الزُّبَير فسقاه وأوصله إلى القرية.[27] ثم قصد الأحساء عائدًا إلى بلده.[33]
لمَّا وصل الأحساء نزل عند العلامة المحقّق عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الشافعي الأحسائي الذي طلب إليه أن يُحضِرَ الجزء الأول من فتح الباري، وبيَّن له ما غلِطَ فيه ابن حجر في مسألة الإيمان، وبيَّن أن الأشاعرة خالفوا ما صدَّر به البخاريُّ كتابه من الأحاديث والآثار، وأجازه من طريقين.[34] وجالس عبد الله بن فيروز فوجد عنده الكثير من كُتبِ ابنِ القيم وشيخِه ابنِ تيمية، فدرَسها واستفاد منها.[35] مضى ابن عبد الوهَّاب إثر ذلك في رحلات قصيرة؛ فرجع إلى البصرة، ثم خرج منها باتجاه مكة قاصدًا الحج، فأخذ عن طبقة كبار تلاميذ عبد الله بن سالم البَصري وتلاميذ تلاميذه، ولم يثبُت أنه أخذ عن البصري مباشرة.[36] وبعد أن أتمَّ حَجَّه، انطلق نحو المدينة وهو ينوي الذهابَ إلى الشام بعد ذلك. بيدَ أنه تعرَّض للضَّرب وسرقة أمواله من سُرَّاق الحجيج في الطريق فانثنى عزمُه عن الذهاب للشام.[37] وقيل في رواية أُخرى: إنه فقدَ ماله في أثناء توجُّههِ إلى قرية الزُّبَير، بعد طَردِهِ من البصرة.[33] والمُشترك بين الروايتين أن الواقعة حصلت حين عَزمِهِ الذهابَ إلى الشام، فألغى ذلك، وهو مخالفٌ لما قِيل من أنه سافر إلى الشام كما ذكره خير الدين الزركلي في الأعلام،[38] وإلى فارس وإيران وقُمَّ وأصفهان، كما ذكره بعضُ المستشرقين ونحوهم في مؤلفاتهم. فهذه الأخبار غيرُ صحيحة؛ لأن حفيده عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ وابنه عبد اللطيف وابن بِشر نَصُّوا على أن محمد بن عبد الوهَّاب لم يتمكَّن من السفر إلى الشام.
قصد بلدة حُرَيمِلاء التي انتقل إليها أبوه عبد الوهَّاب سنة 1139هـ، بعد أن عزله عن القضاء محمد بن حمد بن مُعَمَّر (الثاني) المُلقَّب بـ خرفاش، إثر توليه السلطة بعد وفاة والده عبد الله بن مُعَمَّر. حاول محمد بن عبد الوهَّاب الجهر بدعوته وعقيدته بين أهل حريملاء، ولما كثُر إنكاره للأفعال التي رآها مُبتدعة وشركية، وقع بينه وبين والده وأناس في البلد نزاع واعتراض على دعوته، حال دون مواصلته نشر دعوته لأربع سنوات، وضع فيها كتابَه «التوحيد»، الذي يُعَدُّ أشهرَ كُتبهِ، وتبعه على آرائه ودعوته خَلقٌ كثير. أمَّا من عارضه، فحاول فئةٌ منهم اغتياله ليلًا، قيل إنهم من العَبيد التابعين لإحدى القبيلتين اللتين ترأَسان حريملاء، عندما علموا أنه حرَّض الأمراء على عقوبتهم لقاء تعرُّضِهِم للناس بالسَّلب والنَّهب، ولمَّا تَسَوَّروا عليه الجدار تفطَّن لهم الناسُ فصاحوا بهِم فهربوا.[10]
عاد ابن عبد الوهَّاب إلى العُيَينة سنة 1154هـ،[39] بعد أن خَلَفَ عثمانُ بن حَمَد بن مُعمَّر أخاه محمدًا في الإمارة والحكم، وتزوَّج فيها الجوهرةَ بنت عبد الله بن مُعَمَّر عمَّة الأمير. تلقَّاه عثمان بالقَبول وأكرمه وسانده في مشروع دعوته، حتَّى إنه وافقه على هدم قُبَّة الصحابي زيد بن الخطَّاب، التي كانت مَزارًا لأهالي قرية الجُبَيلة القريبة، لِما ورد في الحديث النبوي في صحيح مسلم عن النهي أن يُجَصَّصَ[ح] القبر وأن يُقعَد أو يُبنى عليه.[40]}} فسار معه عثمانُ ونحوُ 600 مُقاتل وهدموها دون قتال على الرغم من محاولة الأهالي الوقوفَ دون ذلك. وقطع أشجارًا كانت تُعظَّم وتُعلَّق عليها التمائم، وأمر برجم امرأة مُحصَنة زنَت واعترفت بذلك عنده.[41][42]
كل ذلك أسهم في اشتهار أخباره في الآفاق حتى بلغ أمرُه سُلَيمان بن محمَّد رئيس الأحساء وبني خالد آنذاك، فأرسل مرَّتين إلى عثمان كتابًا يتهدَّدُه فيه إن لم يقتله أو يُخرجه من بلده بأن يقطع خَراجَه عنده في الأحساء، فتمَّ له ذلك. أمر عثمانُ فارسًا عنده اسمه الفُرَيد الظَّفيري اللَّامي ومعه خيَّالة منهم طوالة الحمراني؛ بإيصال محمد بن عبد الوهَّاب إلى حيثُ يريد، فاختار الانتقالَ إلى مدينة الدِّرْعِيَّة،[11] لازدياد قوَّتها في ذلك الوقت، ولاستقلالها وعدم وجود سُلطة خارجية عليها.[12]
كما كان محمد بن عبد الوهاب متأثرًا بالإمام أحمد بن حنبل وبكُتُب ابن القيم وابن تيمية.[35]
أخذ عن محمد بن عبد الوهّاب كثير من أهل الدرعية والواردين عليها، وممن تتلمذ عليه:
قال ابن بشر: «وأخذ عنه من القضاة ممن لا يحضرني الآن عَدُّه عدد كثير. وأخذ عنه ممن لم يَلِ القضا من الرؤساء والأعيان ومن دونهم الجم الغفير».[50]
وصل إلى الدرعية في سنة 1158هـ،[51] فنزل في اليوم الأول عند عبد الله بن عبد الرحمن بن سويلم، وفي اليوم الثاني عند ابن عمه وتلميذه أحمد بن سويلم. ثم التقى في بيت ابن سويلم ببعض علماء الدرعية وشاركهم دعوته، فوافقوه وأرادوا أن يشيروا على ابن سعود بنصرته، فهابوه. فأتوا إلى زوجته الأميرة موضي وأخيه ثنيان، وأخبروهما بمكان محمد بن عبد الوهاب ووصفوا ما يأمر به وينهى عنه، فاتبعا دعوته وقررا نصرته. وحينما دخل محمد بن سعود على زوجته؛ أخبرته بمكانه وقالت له: «هذا الرجل ساقه الله إليك وهو غنيمة فاغتنم ما خصك الله به»، فقبل قولها ثم دخل على أخيه ثنيان وأخيه مشاري فأشارا عليه بمساعدته ونصرته. فزاره الأمير مع أخويه في بيت بن سويلم، ورحَّب به وأبدى غاية الإكرام والتبجيل وأخبره أنه يمنعه بما يمنع به نساءه وأولاده.[52] فعرض عليه ابن عبد الوهاب مشروع دعوته وما يرنو إليه، فوافقه ابن سعود على ذلك ووعده بالمساعدة والنصرة؛ بشرط أن لا يرجع عنه إذا حصل النصر والتمكين، وأن لا يمنعه من الخراج الذي ضربه على أهل الدرعية وقت الثمار. فتمَّت البيعة بينهما التي عُرفت فيما بعد بميثاق الدرعية. ومنذ ذلك اليوم انتقلت الدعوة إلى طور التنفيذ والجهاد. كان ابن عبد الوهاب مسؤولاً عن الشؤون الدينية، وابن سعود مسؤولاً عن القضايا السياسية والعسكرية. وهو ما شكَّلَ شبه تقاسمٍ للسُّلطة ظَلَّ قائمًا مدةً تُقارب 300 سنة بين آل سعود وآل الشيخ وأتباع ابن عبد الوهَّاب. وفَّر زخمًّا وضغطًا أيديولوجيًا للتوسع السعودي.
انتشر الخبر، وبدأ المهاجرون من أتباع محمد بن عبد الوهَّاب بالقدوم من العُيَينة وعدَّة بلدان، ممَّا جعل عثمان بن مُعَمَّر يندم على إخراجه من بلده، فركب إليه مع عدة رجال من سادة العيينة وأشرافها وسأله الرجوع، غير أن ابن عبد الوهاب فوَّض القرار إلى محمد بن سعود فأبى ذلك وأصرَّ على استبقائه، فرجع عثمان.[53] وبدأ محمد بن عبد الوهاب في إقامة الدروس لأهل الدرعية، وكانت له المشورة في جُلّ الأمور. ثم همَّ بإرسال الرسائل إلى أمراء ورؤساء وقضاة البلدان المجاورة وإلى مُدَّعي العلم فيهم، يدعوهم فيها إلى الامتثال لدعوته الدينية وتوحيد صفوفهم القتالية والسياسية، فمنهم من وافقه وبايعه كعثمان بن مُعَمَّر وأهل حُرَيمِلاء ومنهم من أعرَض أو سخر؛ فأمر بجهادهم.[54] فبدأت سلسلة معارك مُتصلة امتدَّت من سنة 1160هـ إلى سنوات بعد وفاة ابن عبد الوهاب. كان محمد بن عبد الوهاب يُشرف على تجهيز الجيوش وإرسال السرايا، وكانت الأوامر تصدر من عنده.[55]
من علماء نجد:[57]
من الأمراء المحاربين له:[58]
أشهد الله، ومن حضرني من الملائكة، وأشهدكم، أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة: من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله ﷺ، من غير تحريف ولا تعطيل؛ بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير. فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيّف، ولا أمثّل صفاته تعالى بصفات خلقه، لأنه تعالى لا سميَّ له، ولا كفء له، ولا نِدّ له، ولا يقاس بخلقه. فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً؛ فنَزّه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل، وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل، فقال: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ١٨٠ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ١٨١ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ١٨٢﴾ [الصافات:180–182]. والفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى، بين القدرية والجبرية، وهم في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية، وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية، وهم وسط في باب أصحاب رسول الله ﷺ بين الروافض والخوارج. |
استمرت الحروب بين أنصار دعوة محمد بن عبد الوهَّاب وأعدائها سنوات عِدَّة، سيطر فيها أنصاره بقيادة محمد بن سعود على عدة قرًى، فغيَّر هذا الأخير شكل الحكم من حكم دولة المدينة إلى حكم دولة، ونُشُوء الدولة السعودية الأولى في عام 1139هـ الموافق لـ 1727م.[وب 4] وفي سنة 1178هـ (ق. 1773م)، فُتحت الرياض بقيادة الأمير عبد العزيز بن محمَّد بن سعود، وفرَّ منها حاكمها السَّابق دهام بن دوَّاس.[59] بعد وفاة ابن عبد الوهَّاب، واصل آل سعود نشر دعوته في الحجاز، وفي سنة 1218هـ الموافق لسنة 1803م خضعت لهم أرياف الحجاز الجنوبية. ثم سيطروا على مكة سنة 1805م من غير أن يتعرَّضوا لأيَّة مقاومةٍ. وعُيِّن الشَّريف غالب الذي خضع للدرعية قائماً على مكة. وبعد عامين ضمّ السعوديّون المدينة المنوَّرة التي بايعهم أهلها على السمع والطاعة، وامتد نفوذهم على معظم شبه الجزيرة العربية.[وب 5]
استطاع القواسم الذين قبلوا تعاليم الدعوة الوهَّابية، ومِنْ خلفهم القوَّة السُّعوديَّة مِنْ توجيه ضرباتٍ موجعةٍ لأسطول الإمبراطورية البريطانية في عام 1806م، وأصبحت مياه الخليج تحت سيطرتهم.[fr 1] بلغت الدَّولة في زمن سعود بن عبد العزيز الأوج من النَّاحية السِّياسيَّة، إِذ وصلت كربلاء في العراق، وإِلى حوران في بلاد الشَّام، وخضعت لها الجزيرة كاملةً باستثناء اليمن؛ حيث استمرت رُسل الإمام سعود بن عبد العزيز في الوفود إلى الإمام المنصور علي في صنعاء، ومن بعده إلى ولده الإمام المتوكل أحمد بمكاتيب إليهما بالدعوة إلى التوحيد، وهدمِ القبور المشيدة، والقِباب المرتفعة، ثم وقع الهدمُ للقباب والقبور المشيدة في صنعاء، وفي كثير من الأمكنة المجاورة لها، وفي جهة ذمار وما يتصل بها.[60]
كان للتوسع السعودي في شبه الجزيرة العربية، مصدر تهديد للدولة العثمانية ومكانتها في العالم الإسلامي، وبخاصة بعد سيطرة السعوديين على الحرمَين الشريفَين. وحرصت الدولة العثمانية على استعادة تلك المكانة، والقضاء على الدولة السعودية، فنشبت حرب دامت ست سنوات و11 شهرًا ما بين سنتي 1226هـ-1233هـ الموافق لـ 1811م-1818م. انتهت بسقوط الدولة السعودية الأولى وتدمير عاصمتها الدرعية على يد قوات محمد علي باشا الوالي العثماني لمصر.[61] تسبب انشغالُ جيش محمد علي بالحرب اليونانية لحظة فارقة مكنت لعودة آل سعود إلى الحكم مرة أخرى على يد تركي بن عبد الله بن محمد آل سعود الذي أنشأ الدولة السعودية الثانية.
تعدَّت دعوة محمد بن عبد الوهَّاب في انتشارها جزيرة العرب حتى اتسعت من سومطرة شرقا إلى نيجيريا غربا. وعجلت في ظهور العديد من الحركات الإصلاحية المُتأثرة ببعض مبادئ الدعوة الوهَّابية أو المناصرة لها في عدّة بُلدان: كظهور محمد إدريس السنوسي في ليبيا. وبروز حركة الفرائضية على يد أحمد بن عرفان البريلوي في الهند، الذي عاد من الحج سنة 1236هـ متأثرًا بابن عبد الوهَّاب، فسعى لنشر ما تعلَّمه في إقليم البنجاب، مما أدَّى إلى قتله لاحقًا في اشتباك وقع بينه وبين السيخ بمعاونة الإنجليز لهم عام 1246هـ. ولكن دعوته ظلت باقية من خلال أتباعه الذين تابعوا ما بدأه.[62] ومنها أيضًا حركة عثمان دان فوديو من أفراد قبيلة الفلبي في غرب إفريقيا، الذي ذهب إلى مكة لأداء فريضة الحج فتأثر بالدعوة هناك حين كانت قوتها آخذة في النمو. فحارب الشرك والبدع في عشيرته وقومه وعمل للقضاء على الوثنية وعبادة الأموات التي كانت لا تزال مختلطة بالعقيدة الإسلامية في نفوس السودانيين هناك.[63]
أما في اليمن فظهر عدد من الشيوخ الدَّاعين إلى الامتثال والانقياد لتعاليم الدعوة الوهَّابية، وصار لهم أتباعٌ. ومن أبرزهم: محمد بن إسماعيل الصنعاني الذي مدحَ محمد بن عبد الوهَّاب بقصيدة شعرية بعثها له حين كان في الدِّرعية،[وب 6] ومحمد بن علي الشوكاني الذي دعا إلى التوحيد والاجتهاد ومحاربة البدع والتقليد الأعمى، وألف في ذلك رسالة أسماها القول المفيد في حكم التقليد.
ثم جاءت حركة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في مصر،[64] تلاها ظهور عدد من الجمعيات الإسلامية التي تأثرت بالدعوة الوهابية مثل: جمعية أنصار السنة المحمدية، ألّف رئيسها محمد حامد الفقي كتابًا عن أثر هذه الدعوة أسماه «أثر الدعوة الوهابية في الإصلاح الديني والعمراني في جزيرة العرب» وتُصدر هذه الجمعية الآن مجلة شهرية باسم التوحيد. وغيرهم الكثير من البُلدان الإسلامية.
رغم اختلاف الحركات الجهادية المُعاصرة المتمثلة في تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وحركة طالبان، إلاَّ أنهم لا يختلفون في تبنِّي ومُناصرة عقيدة محمد بن عبد الوهَّاب وطريقته في نشر دعوته، إذ تهدف هذه التنظيمات إلى تطبيق الشريعة الإسلامية عبر الجهاد المسلح. قال برنارد هيكل مدير معهد الدراسات عبر الإقليمية للشرق الأوسط المعاصر وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى بجامعة برينستون في تصريح لبي بي سي عربي: «بمجرد سقوط أي مدينة في قبضة الدولة السعودية كان محمد بن عبد الوهاب يعين فيها خطباء، يعلمون الناس منهجه في العقيدة. وكتب ابن عبد الوهاب عددًا من الكتب القصيرة التي أصبحت أساسًا لتعليم مذهبه - وهي الكتب ذاتها التي تستخدمها داعش اليوم. لكن تنظيم الدولة يرى أن الدولة السعودية انحرفت عن المعتقدات الصحيحة لمحمد بن عبد الوهاب، وأنهم هم الممثلون الحقيقيون للدعوة السلفية أو الوهابية».[وب 7]
أثيرت حول دعوة ابن عبد الوهاب شبهات وأقاويل وردود عديدة، ارتبطت بأهداف ومسلك دعوته، واعتبرها منتقدوه مخالفة للدين والسنّة. ومن أهم التُهم التي وُجهت له:
وافقه عدد من المخالفين له فيما دعا إليه من بيان التوحيد وتقريره، والنهي عن الشرك والتحذير منه، دون أن يوافقوه في مسألة التكفير والقتال.[65]
ذكر محمد بن عبد الوهَّاب هذه الشُّبهة فقال في رسالته إلى محمد بن عيد: «قبل الكلام، اعلم أني عُرفت بأربع مسائل: الأولى: بيان التوحيد، مع أنه لم يطرق آذان أكثر الناس. الثانية: بيان الشرك، ولو كان في كلام من ينتسب إلى العلم أو عبادة، من دعوة غير الله، أو قصده بشيء من العبادة، ولو زعم أنهم يريدون أنهم شفعاء عند الله؛ مع أن أكثر الناس يظن أن هذا من أفضل القربات، كما ذكرتم عن العلماء أنهم يذكرون أنه قد وقع في زمانهم. الثالثة: تكفير من بان له أن التوحيد هو دين الله ورسوله، ثم أبغضه ونفّر الناس عنه، وجاهد من صدق الرسول فيه، ومن عرف الشرك وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بُعث بإنكاره، وأقر بذلك ليلاً ونهاراً، ثم مدحه وحسّنه للناس، وزعم أن أهله لا يخطئون لأنهم السواد الأعظم. وأما ما ذكر الأعداء عني: أني أكفّر بالظن، وبالموالاة، أو أكفّر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله. الرابعة: الأمر بقتال هؤلاء خاصة، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. فلما اشتهر عني هؤلاء الأربع، صدقني من يدّعي أنه من العلماء في جميع البلدان في التوحيد وفي نفي الشرك، وردّوا على التكفير والقتال.»[68]
ثم أجاب عنها قائلًا: «ولكنهم يجادلونكم اليوم بشبهة واحدة، فاصغوا لجوابها. وذلك أنهم يقولون: كل هذا حق. نشهد أنه دين الله ورسوله، إلا التكفير والقتال. والعجب ممن يخفى عليه جواب هذا! إذا أقروا أن هذا دين الله ورسوله، كيف لا يكفر من أنكره، وقتل من أمر به وحبسهم؟!...»[69]
اعتبر عدة معارضين للدعوة الوهابية بأن المسلك الذي اعتمده ابن عبد الوهاب في دعوته يُعَدُّ من فعل الخوارج. رُغم نفيه وأتباعه الانتساب لهم وانتقادهم لهذه الطائفة.[70]
قال ابن عبد الوهَّاب: «الذي نُكفِّر: الذي يشهد أنّ التوحيد دين الله ودين رسوله، وأنّ دعوة غير الله باطلة، ثم بعد هذا يُكفِّرُ أهلَ التوحيد، ويُسمِّيهم الخوارج..».[73]
ردّ ابن عبد الوهَّاب عن هذه التهمة قائلاً: «إن قالَ قائلُهم: إنَّهم يكفرون بالعموم، فنقول: سبحانك هذا بهتانٌ عظيم..»[73]
اعتبره مخالفون ومؤيدون له مُبتدعًا لمذهب جديد في الإسلام أو مذهب خامس.[75] قال طه حسين في مجلة الهلال، العدد الخامس بتاريخ 1 مارس 1933م، في مقالة بعنوان «الحياة الأدبية في جزيرة العرب»: «ومن الغريب أن ظهور هذا المذهب الجديد في نجد قد أحاطت به ظروف تذكر بظهور الإسلام في الحجاز..»[76]
مع أنه وأتباعه ليس لهم مذهب خاص بهم، فهم في العقيدة سلفيون، وفي الفروع على المذهب الحنبلي، وفي الانتساب لطائفة أهل السنة والجماعة. قال ابن عبد الوهَّاب: «فنحن - ولله الحمد - متبعون لا مبتدعون، على مذهب الإمام أحمد بن حنبل..».[77]
ما يُمكن ملاحظته في أعماله نُدرة ذكره للصوفيّين، فهو لم يستخدم مُصطلح الصوفية على الإطلاق. فبدلًا من استهداف الصوفية كظاهرة أو جماعة، أدان ابن عبد الوهاب ممارسات معينة يطبقونها اعتبرها آثمة ومحرَّمة.[en 3]
مؤلفاته كثيرة، فقد ألَّف عددًا من الكتب والرسائل، منها:
جمعت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالمملكة العربية السعودية في عام 1396هـ الموافق لـ 1976م مؤلفاته وحققتها في 13 مجلدًا بعنوان «مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب». كما وضع الدكتور أحمد الضبيب مؤلفًا بعنوان «آثار الشيخ محمد بن عبد الوهاب: سجل ببليوجرافي لما نُشِر من مؤلفاته ولبعض ما كُتِب عنه»، ذكر فيه جميع مؤلفاته ورسائله، ونُشر عام 1402هـ الموافق لـ 1982م.
بقي ابن عبد الوهاب بعد توقف تدخلاته في الشأن العام مستشارًا لعبد العزيز الذي كان يَتَّبعُ توصياته، ومع ذلك انسحب من أي أنشطة عسكرية وسياسية نشطة لإمارة الدرعية وكرس نفسه للمساعي التعليمية والوعظ والعبادة. وكان آخر نشاطه الرئيسي في شؤون الدولة عام 1202هـ عندما دعا الناس إلى بيعة سعود بن عبد العزيز وريثًا شرعيًا للحُكم.
توفي محمد بن عبد الوهاب في الدرعية في عام 1206هـ (ق. 1792م). قال ابن غنام: «كان ابتداء المرض به في شوال، ثم كان وفاته في يوم الاثنين من آخر الشهر.» وكذا قال عبد الرحمن بن قاسم،[99] وكان بلغ من العمر نحو اثنين وتسعين عامًا، وتوفي ولم يخلف مالًا يُوزَّع بين ورثته.[14] دُفنَ في الدرعية، وقبره قبر عادي كغيره من القبور هناك، قرب وادي حنيفة في مقبرة قريوي.[100]
أصبح العديد من أبنائه رجال دين ذوي امتيازات، وعُرف أحفاده بآل الشيخ، وظلوا يشغلون مكانة خاصة في الدولة السعودية طوال تاريخها الذي لا يزال مستمرًّا. ازدهرت الإمارة أكثر من عقدين من الزمن بعد وفاة ابن عبد الوهاب؛ حتى هزيمة الدولة السعودية الأولى في الحرب العثمانية السعودية. قضى ابنُه عبد الله أيامه الأخيرة منفيًّا في القاهرة، بعد أن شهد تدمير الدرعية وإعدام ابنه سليمان بن عبد الله عام 1233هـ.
انتشرت لمحمد بن عبد الوهاب بعض الصور المزعومة على الإنترنت، إلا أنّه لم تثبت له أي صورة حقيقيَّة، وذلك لأن أقدم صورة ضوئية باقية لآلة تصوير ترجع للعام 1826م أو 1827م على يد لويس داجير؛ وكان ذلك بعد وفاته بخمس وثلاثين سنة.[وب-إنج 1][وب 11]
ظل منزل محمد بن عبد الوهاب في بلدة حريملاء معروفًا عند أهلها في حي غيلان، وكان تصميمه وحاله كمثل البيوت المجاورة، ومساحته قرابة 275 متر مربع (2,960 قدم2).[وب 12] بادرت الإدارة العامة للآثار والمتاحف بترميم بيت محمد بن عبد الوهاب، وأُعلِنَ عن الخبر في جريدة الرياض في 21 شوال 1412هـ. ولمّا علمَ بذلك عبد العزيز بن باز مفتي السعودية، نشرَ بيانًا باسمه واسم اللجنة الدائمة للإفتاء يُحرّمُ فيه هذا الترميم ويأمر بهدم البيت سدًّا لذريعة اتخاذ المكان مزارًا للتبرّك والغلو في شخص محمد بن عبد الوهاب؛
«لا يجوز تعظيم آثار العلماء بما يفضي إلى الغلو فيهم والشرك بهم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد.
فقد نشرت صحيفة الرياض في عددها الصادر في 21/ 10/ 1412 هـ مقالًا بقلم: س. د تحت عنوان: (ترميم بيت الشيخ محمد بن عبد الوهاب بحريملاء) وذكر أن الإدارة العامة للآثار والمتاحف أولت اهتمامًا بالغًا بمنزل مجدد الدعوة السلفية الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في حي غيلان بحريملاء؛ حيث تمت صيانته وأعيد ترميمه بمادة طينية تشبه مادة البناء الأصلية. إلى أن قال: وتم تعيين حارس خاص لهذا البيت. إلخ وقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية على المقال المذكور ورأت أن هذا العمل لا يجوز، وأنه وسيلة للغلو في الشيخ محمد رحمه الله وأشباهه من علماء الحق والتبرك بآثارهم والشرك بهم، ورأت أن الواجب هدمه وجعل مكانه توسعة للطريق سدًّا لذرائع الشرك والغلو، وحسمًا لوسائل ذلك وطلبت من الجهة المختصة القيام بذلك فورًا، ولإعلان الحقيقة والتحذير من هذا العمل المنكر جرى تحريره، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن باز»[101]
فصدر إثر ذلك أمر حكومي بهدم البيت، وأشرفت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الهدم ونقل الأنقاض خارج المدينة.[وب 12]
Seamless Wikipedia browsing. On steroids.
Every time you click a link to Wikipedia, Wiktionary or Wikiquote in your browser's search results, it will show the modern Wikiwand interface.
Wikiwand extension is a five stars, simple, with minimum permission required to keep your browsing private, safe and transparent.