Loading AI tools
قواعد استنباط ودراسة العقائد الإسلامية بإيراد الحجج عليها من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
علم أصول الدين ويسمى أيضاً علم العقائد، وعلم التوحيد، وعلم الكلام، كما سماه الإمام أبو حنيفة النعمان باسم الفقه الأكبر، وقد عرفه العلماء بأنه: علم يقتدر به على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج عليها، ودفع الشبه عنها وإلزام الخصم بها. وسمي أصولاً لا من حيث إنه قواعد استنباط ودراسة، بل من حيث إن الدين يبتني عليه، فإن الإيمان بالله تعالى أساس الإسلام بفروعه المختلفة.[1] وعرفه ابن خلدون بقوله: «هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة». فهو علم يعتمد النظر والاستدلال العقلي بعد الأصول النقلية من الكتاب والسنة والإجماع؛ لإثبات العقائد الإيمانية، وصيانتها من شبه المبطلين. وغايته إحكام العقائد الإيمانية بالعلم واليقين؛ لأن إيمان المقلد فيه نظر عند أئمة الإسلام. ولذلك عده الإمام أبو حنيفة من (الفقه الأكبر) الذي لا يعذر أحد من المسلمين بجهله من جهة الإجمال.[2]
وأصول الدين هي كل ما ثبت وصح من الدين، من الأمور الاعتقادية العلمية والعملية، والغيبيات الثابتة بالنصوص الصحيحة. وقد يطلق مصطلح أصول الدين ويراد به: أركان الإسلام وأركان الإيمان. فأركان الإسلام خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلا. وأركان الإيمان ستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. وأركان الإيمان الستة وأركان الإسلام الخمسة، جاءت مجملة وجاءت مفصلة، وكل ذلك بنصوص قطعية، وكل هذه القطعيات لابد للمسلم أن يعتقدها جملة وتفصيلا، ولا يشك فيها أو يعارضها.[3][4]
هو علم يُبحث فيه عن أسماء الله تعالى وصفاته وأفعاله، وأحوالِ المخلوقين من الملائكة والأنبياء والأولياء والأئمة، والمبدأ والمعاد على قانون الإسلام لا على أصول الفلاسفة، تحصيلاً لليقين في العقد الإيماني ودفعاً للشبهات. وقد عرّف العلماء هذا العلم بتعريفات متعددة منها:[5][6]
يستنتج من تعريفات العلماء لعلم أصول الدين الذي اشتهر باسم (علم الكلام) ومن عباراتهم المختلفة في موضوعه، ومسائله، ووظيفته، عدة أمور أهمها:[7]
تعريف علم أصول الدين باعتباره مركباً إضافياً من كلمة (أصول) وهي المضاف، وكلمة (الدين) وهي المضاف إليه. فكلمة (أصول): جمع. مفردها: أصل. ومعناها اللغوي: ما يبتنى عليه غيره سواء أكان الابتناء حسياً كالأساس الذي يشيد عليه البناء، فهو أصل له. أم كان الابتناء عقلياً كابتناء الأحكام الجزئية على القواعد الكلية. وقد تصرف العلماء في كلمة أصل فنقلوها من معناها اللغوي التي تدل عليه حقيقة، واستعملوها بعدة معان مجازية أهمها: ما يقابل الفرع، والقاعدة، والدليل، والراجح من الأمور. وكلمة (أصل) تُستخدم في هذا العلم بمعناها اللغوي، أي: ما يبتنى عليه غيره، وذلك لأن ما عداها من أمور الدين يبتنى عليها ويتفرع عنها. كما يصح استخدامها بالمعنى المجازي الأول، أي: ما يقابل الفرع. وذلك لأنها أصل في مقابلة علم الشرائع. وتستخدم أيضاً بالمعنى المجازي الثاني، أي القاعدة التي يبتنى عليها غيرها، لابتناء ما عدا أصول الدين عليها.[8] وكلمة (الدين): اسم عام يطلق في اللغة على كل ما يُتَعَبَّد الله به، وهو نظام إلهي سائق لذوي العقول إلى الخير وهو (الإسلام)، قال الله تعالى: ﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾ (سورة آل عمران: 19)، وقال تعالى: ﴿ورضيت لكم الإسلام دينا﴾ (سورة المائدة: 3). كما يطلق الدين على عدة معان مختلفة منها: الانقياد والطاعة والخضوع والاستسلام، والاستعلاء والملك والسلطان، والجزاء والحساب، والعادة والقضاء والمذهب والملّة والشريعة.[9] والمتدينُ هو المسلم المطيع المقرُّ بالجزاء والحساب يوم الميعاد، وهو خير العباد.[5][6]
سمي العلم الباحث في العقائد الدينية بأسماء مختلفة منها:[10][11][12]
وقد ذكر العلامة سعد الدين التفتازاني في (شرح العقائد النسفية) في سبب تسمية ذلك العلم بعلم الكلام أموراً هي:[5]
وعلم الكلام هو ذلك العلم الذي يهتم بمبحث العقائد الإيمانية التي أساسها التوحيد ويتناول الموضوعات التي تتصل بذات الله تعالى وصفاته وأفعاله، وما تضمن من خلق العالم، والخير والشر، والقضاء والقدر، والحشر والميعاد، وغيرها من الموضوعات التي تخدم المسائل الكبرى للعقيدة الإسلامية وتأييدها بالبراهين العقلية ضد شبهات الخصوم والمخالفين، ولذلك فهو يسمى أيضاً علم أصول الدين، إذ هو يتعلق بتأييد أصول العقيدة ذاتها، وهو في هذا يختلف عن علم أصول الفقه الذي يتناول الأحكام الشرعية في جانبها العملي، لذلك فعلم الكلام أو أصول الدين يعد الأساس أو نقطة البدء للعلوم الدينية الأخرى، ومن هنا سمي أيضاً بالفقه الأكبر، إذ أنه العلم الذي لا يستند إلى علم ديني أسبق منه، بل تستند إليه العلوم الأخرى.[13]
اعلم أن الملة المحمدية تنقسم إلى اعتقاديات وعمليات، فالاعتقاديات هي التي لم تتعلق بكيفية عمل، مثل: اعتقاد وجوب وجود القادر المختار ووحدانيته، وتسمى أصلية أيضاً. والعمليات هي ما يتعلق بكيفية العمل، وتسمى فرعية، فالمتعلق بالعملية علم الشرائع والأحكام; لأنها لا تستفاد إلا من (جهة) الشرع، فلا يسبق الفهم عند إطلاق الأحكام إلا إليها، والمتعلق بالاعتقاديات هو علم التوحيد والصفات، وعلم الكلام، وعلم أصول الدين. ولما كان هذا العلم أهم لابتناء العمليات عليه أوردوا البراهين والحجج عليه، واكتفوا في العمليات بالظن المستفاد من الأدلة السمعية، ولما كان عصر الصحابة والتابعين لهم بإحسان خالياً من البدع الكلامية، والشبه الخيالية، والخصوم المعتزلية، لم تكن أدلة علم أصول الدين مدونة هذا التدوين، فلما كثرت الشبه والبدع، وانتشر الاختلاف بين أهل العلم وفشا وسطع، وصار كل إمام بدعة له نحلة يعول عليها، وعقيدة يدعو الناس إليها، وأوضاع يرجع في مهماته إليها، دون علماء الكلام قواعده المعلومة، وأوضاعه المفهومة، لدفع الشبه والخصوم، وردهم عن تهافتهم إلى الصواب المعلوم، عن النبي المعصوم.
وعلم الكلام هو علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية أي المنسوبة إلى دين النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن لم تكن مطابقة للواقع; لعدم إخراج الخصم من المعتزلة والجهمية، والقدرية والجبرية، والكرامية وغيرهم، عن أن يكون من علماء الكلام، وإن خطأناه أو كفرناه. (وقيل): تعريف علم الكلام الذي هو التوحيد وأصول الدين: العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية، أي العلم بالقواعد الشرعية الاعتقادية المكتسبة من أدلتها اليقينية، سواء توقفت على الشرع كالسمعيات أم لا، وسواء كانت من الدين في الواقع ككلام أهل الحق أو لا ككلام المخالف، واعتبر في أدلتها اليقين; لأنه لا عبرة بالظن في الاعتقاديات بل في العمليات، (وموضوعه) هو المعلوم من حيث يتعلق به إثبات العقائد الدينية، إذ موضوع كل علم ما يبحث في ذلك العلم عن عوارضه الذاتية، ولا شك أنه يبحث في هذا العلم عن أحوال الصنائع، من القِدَم والوحدة، والقدرة والإرادة وغيرها ليعتقد ثبوتها له تعالى، وأحوال الجسم والعرض من الحدوث والافتقار والتركيب من الأجزاء، وقبول الفناء ونحو ذلك ليثبت للصانع ما ذكر مما هو عقيدة إسلامية، أو وسيلة إليها. وكل هذا بحث عن أحوال المعلوم كإثبات العقائد الدينية، وهذا أولى من زعم أن موضوعه ذات الله - تعالى وتقدس - للبحث عن صفاته وأفعاله، واعلم أنا لا نأخذ الاعتقادات الإسلامية من القواعد الكلامية، بل إنما نأخذها من النصوص القرآنية والأخبار النبوية، وليس القصد بالأوضاع الكلامية إلا دفع شبه الخصوم والفرق الضالة عن الطرق الحقيقية، فإنهم طعنوا في بعض منها بأنه غير معقول، فبين لهم بالقواعد الكلامية معقولية ذلك البعض. (واستمداد) هذا الفن من الكتاب المنزل، والتفسير والحديث الثابت، والفقه والإجماع والنظر. (ومسائله) القضايا النظرية الشرعية الاعتقادية. (وغايته) أن يصير الإيمان والتصديق بالأحكام الشرعية متقناً محكماً لا تزلزله شبهة من شبه المبطلين. (ومنفعته) في الدنيا انتظام أمر المعاش بالمحافظة على العدل والمعاملة التي يحتاج إليها في إبقاء النوع الإنساني على وجه لا يؤدي إلى الفساد، وفي الآخرة النجاة من العذاب المرتب على الكفر وسوء الاعتقاد.[14] |
علم أصول الدين من العلوم الدينية المصطبغة بصبغة عقلية، وأن موضوعه هو المعلوم من حيث يتعلق به إثبات العقائد الدينية، وأن غايته هي تقرير العقائد الإيمانية والدفاع عنها، وأن ما عداه من علوم الدين يبتنى عليه ويتفرع عنه، فهو أصل لجميع علوم الدين. وقيل: موضوعه هو ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته عند المتقدمين. وعند المتأخرين: موضوعه المعلوم من حيث يتعلق به إثبات العقائد الدينية تعلقاً قريباً أو بعيداً. وأرادوا بالدينية من قولهم (العقائد الدينية)، أي: المنسوبة إلى دين النبي محمد ﷺ، وذلك بأن يسلم المدعي منه، ثم يقام عليه البرهان العقلي، وهذا التسليم هو معنى التدين اللائق بحال المكلفين، حتى لو لم يؤخذ منه، لا يعد كلاماً ولا علماً دينياً، وإن وافقه في الحقيقة، لفوات أمر التدين، بل يعد من العلوم الحكمية. ويشترط فيه شرطان:[15]
وهذا النوع من العلم كان معروفاً عند الأمم قبل الإسلام، ففي كل أمة كان القائمون بأمر الدين يعملون لحفظه وتأييده، وكان البيان من أول وسائلهم إلى ذلك، لكنهم كانوا قلّما ينحون في بيانهم نحو الدليل العقلي وبناء آرائهم وعقائدهم على ما في طبيعة الوجود أو ما يشتمل عليه نظام الكون بل كانت منازع العقول في العلم ومضارب الدين في الإلزام بالعقائد وتقريبها من مشاعر القلوب على طرفَي نقيض، وإنما كان منهجهم في تقرير مسائل هذا العلم قائماً على تفسير النصوص وتأويلها، وإقناع الناس بالمعجزات أو إلهائهم بالخيالات. ثم جاء القرآن الكريم فنهج في بيان الدين عامة والعقائد خاصة منهجاً لم يكن عليه ما سبقه من الكتب المقدسة، فلم يقتصر على ذكر العقائد الإيمانية، ولم يطلب من الناس التسليم بها لمجرد حكايتها وإنما أقام البرهان عليها، وحكى عقائد المخالفين وأقام عليها الحجة، وخاطب العقل، واستنهض الفكر، وعرض نظام الأكوان وما فيها من الأحكام والإتقان على أنظار العقول، وطالها بالإمعان فيها لتصل بذلك إلى اليقين بصحة ما جاء به ودعا إليه.[16]
قال الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه (التفكير فريضة إسلامية):
من مزايا القرآن الكثيرة مزية واضحة يقل فيها الخلاف بين المسلمين وغير المسلمين؛ لأنها تثبت من تلاوة الآيات ثبوتاً تؤيده أرقام الحساب، ودلالات اللفظ اليسير، قبل الرجوع في تأييدها إلى المناقشات والمذاهب التي قد تختلف فيها الآراء. وتلك المزية هي التنوية بالعقل والتعويل عليه في أمر العقيدة وأمر التبعة والتكليف. ففي كتب الأديان الكبرى إشارات صريحة أو مضمونة إلى العقل أو إلى التمييز، ولكنها تأتي عرضاً غير مقصودة وقد يلمح فيها القارئ بعض الأحايين شيئاً من الزراية بالعقل أو التحذير منه؛ لأنه مزلة العقائد وباب من أبواب الدعوى والإنكار. ولكن القرآن الكريم لا يذكر العقل إلا في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه. ولا تأتي الإشارة إليه عارضة ولا مقتضبة في سياق الآية؛ بل هي تأتي في كل موضع من مواضعها مؤكدة جازمة باللفظ والدلالة، وتتكرر في كل معرض من معارض الأمر والنهي التي يحث فيها المؤمن على تحكيم عقله أو يُلام فيها المُنكِر على إهمال عقله وقبول الحجْر عليه...[17] |
المراد بأصول الدين القواعد التي يرتكز عليها الدين، والأسس التي يقوم عليها الإيمان بحيث إذا فُقدت أو فُقد إحداها لا يكون إيمان. وقد اختلف المسلمون فيما يعتبر من الأصول من العقائد الدينية وما لا يعتبر منها.
اتفق جمهور أهل السنة على أن أصول الدين (أركان الإيمان) ستة وهي:[18]
وهو أن يعتقد الإنسان بوجوده، ووحدانيته، وأنه لا مثيل له، ولا شبيه، وأنه متفرد بكل صفات الكمال من عدل وحكمة وعلم... منزَّه عن كل صفات النقص.
الملائكة أجسام نورانية، لهم قوة خارقة تدانيها قوة البشر، ولهم وظائف يؤدونها بصدق وإخلاص، وهم معصومون عن الخطأ عمداً وسهواً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ٦﴾ [التحريم:6] ووجود الملائكة ثابت بالدليل القطعي من الكتاب والسنة: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ٢٨٥﴾ [البقرة:285]. وليس الإيمان بالملائكة مستحيلاً عند العقل، بل هو من الممكنات التي يجوّز العقل وجودها. ومن هنا كان إنكار وجودهم كفراً بإجماع المسلمين، بل بنص القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ١٣٦﴾ [النساء:136] على أن الإيمان بنبوة محمد ﷺ ونزول القرآن عليه يستلزم الإيمان بالملائكة، فإنكار وجودهم إنكار للنبوة وللقرآن معاً.[19]
وقد ذكر القرآن الكريم أسماء تلك الكتب التي تضمنت التعاليم الإلهية منها صحف إبراهيم ﷺ وتوراة موسى ﷺ وإنجيل عيسى ﷺ. وقد دعانا الإسلام إلى التصديق بهذه الكتب وبجميع ما أنزل جملة، لكن الله سبحانه وتعالى ألزم المسلمين العمل بالقرآن لأنه متضمن لجميع التعاليم الإلهية، ومحتو لتلك الكتب: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ٤٨﴾ [المائدة:48].
اقتضت حكمة الله تعالى أن يبعث في كل أمة رسولاً، يعلّمهم الكتاب والحكمة ويدعوهم إلى عبادة الله وحده: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ٣٦﴾ [النحل:36] ومن أجل وحدة دعوة الرسل هذه، دعا الإسلام أتباعه إلى التصديق بجميع رسل الله - في الجملة - وعدم إنكار نبوة أحد منهم: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ٢٨٥﴾ [البقرة:285] كما أمر الإسلام أتباعه باعتقاد أن هؤلاء الرسل كانوا متصفين بأفضل الصفات البشرية من أمانة وصدق وذكاء، منزَّهين عن الرذائل والنقائص من خيانة وكذب وغباء: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ٧٣﴾ [الأنبياء:73].
وهو أن يعتقد الإنسان بوجود حياة أخرى بعد الموت، وذلك بعد أن يبعث الله تعالى الخلائق بعد موتهم للحساب والجزاء: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ٣١﴾ [النجم:31]، ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ٧﴾ [التغابن:7].
بعدما اقتضت حكمة الله تعالى خلق العباد، لم يتركهم هملاً بل أرسل إليهم: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ١٦٥﴾ [النساء:165]. وأنزل عليهم كتبه فبيّن لهم عقبى الهداية وعاقبة الغواية: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ١٠﴾ [البلد:10] وبعد أن بيّن لهم ذلك منحهم إرادة مستقلة تتصرف في حرية تامة، فتأتي ما تشاء وتدع ما تشاء من الأفعال: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ٢٩﴾ [الكهف:29] لكنه سبحانه أحصى أعمال خلقه وعرف بعمله الواسع الذي لا يحيطه شيء ما سيفعلونه من خير أو شر، وما سيكون منهم من هداية أو ضلال، وسجّل ذلك كله في كتاب: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ٤٩﴾ [الكهف:49].
فالقضاء هو: علم الله المحيط بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم الحساب والجزاء. والقدر هو: وقوع الحوادث في الأزمنة والأشخاص طبقاً لما في علم الله جلّت حكمته. ومعنى الإيمان بهما هو: الاعتقاد بأن ما يصيب الإنسان من خير أو شر واقع حسب تقدير الله تعالى وعلمه. وعلم الله بما سيقع من عباده ووقوعه منهم حسب هذا العلم والتقدير، لا يعني أن العباد مجبرون في أفعالهم، ملزمون بالإتيان بها وإلا بطل الثواب والعقاب، والأمر والنهي والوعد والوعيد، بل الإنسان هو الذي يخط أفعاله بنفسه متخذاً الطريق الذي يراه: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ٨﴾ [الزلزلة:7–8].
أما أصول الإسلام (أركان الإسلام) عند أهل السنة فهي ما وردت في الحديث النبوي:[20]
اتفق جمهور الشيعة الإمامية الإثنى عشرية على أن أصول الدين خمسة وهي:[21]
وهو الاعتقاد بأن الله واحد لا شريك له، وللتوحيد أربعة أقسام:
العدل في اللغة ضد الظلم، ويرادفه في ذلك الحق، والإنصاف، وقد فسّر الظلم في اللغة بعدة معان، منها وضع الشيء في غير محله، ومنها انتقاص الحق، كما في قوله تعالى: ولم تظلم منه شيئا ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا ٣٣﴾ [الكهف:33] أي: ولم تنقص منه شيئاً. أما الظلم في الاصطلاح الشرعي فقد فسره الشيخ الطبرسي عند تفسير الآية ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ٤٠﴾ [النساء:40] فقال ما نصّه: (إن الظلم هو الألم الذي نفع فيه يوفي عليه، ولا دفع مضرة أعظم منه عاجلاً ولا آجلاً، ولا يكون مستحقاً، ولا واقعاً على وجه الموافقة، وأصله وضع الشيء في غير موضعه، وقيل أصله الانتقاص من قوله تعالى: (ولم تظلم منه شيئا) فالظلم على هذا انتقاص الحق، إلى أن قال: (وإنما لا يختار الله الظلم ولا يجوز عليه الظلم، لأنه عالِم بقبحه مستغنٍ عنه، وعالم بغناه عنه، وإنما يختار القبيح من يختاره لجهله بقبحه أو لحاجته إليه لدفع ضرر، أو لجر نفع، أو لجهله باستغنائه عنه، والله تعالى منزَّه عن جميع ذلك وعن سائر صفات النقص والعجز).[22]
النبوة وظيفة إلهية يخص الله بها مَن يشاء من عباده، وهي لطف من الله بعباده، والمقصود باللطف هنا هو ما يكون معه العبد أقرب إلى الطاعة وأبعد عن المعصية، والرسول يحقق تلك الفائدة، ويشير إليه قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ١٣٤﴾ [طه:134] فلابد والحالة هذه من أن يرسل إليهم رسولاً ليبين لهم الأحكام، ويعرّفهم الحلال من الحرام، ويقيم الحدود، وينتصف للمظلوم من الظالم، ويحكم بين الناس بالعدل: ﴿لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل﴾ (سورة النساء: 165). والواجب على المسلم هو الإيمان بجميع رسل الله - في الجملة - والإيمان بنبوة محمد ﷺ خاصة إذ هو المعتبر أصل من أصول الدين الإسلامي.
وهي رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي ﷺ، ويعتقد الشيعة أن الإمامة منصب إلهي كالنبوة، فكما أن الله سبحانه يختار مَن يشاء من عباده للنبوة والرسالة، فكذلك يختار للإمامة مَن يشاء، ويأمر نبيه بالنص عليه، وأن ينصبه إماماً للناس من بعده، للقيام بالوظائف التي كان على النبي أن يقوم بها، سوى أن الإمام لا يوحى إليه كالنبي، وإنما يتلقى الأحكام منه مع تسديد إلهي، فالنبي مبلغ عن الله، والإمام مبلغ عن النبي.[23]
ومعناه أن يعيد الله الخلائق بعد الموت إلى الحياة لتجزى كل نفس بما تسعى، ويجب على المسلم أن يعتقد بأن الله يعيد الخلائق بعد الموت بأجسامهم وأرواحهم وعلى صورهم التي كانوا عليها في دار الدنيا للحساب والجزاء. قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ٨﴾ [الزلزلة:7–8].
اتفق المعتزلة على أن أصول الدين خمسة وهي:[24][25]
وهو إنكار التعدد والاعتقاد بأن الله واحد لا يشاركه غيره فيما يستحق من الصفات نفياً وإثباتاً على الحد الذي يستحقه، والإقرار به، ولذلك اشتدوا في حربهم للثنوية من الفرس القائلين بمبدأين هما النور والظلمة، كما أنكروا الصفات القديمة الزائدة على الذات فقالوا: هو عالم بذاته، قادر بذاته، حي بذاته، لا بعلم وقدرة وحياة.[26]
ومعناه أن الله عادل، وأن عدله - ما دام قد كلّف الإنسان - أن يجعل له قدرة وإرادة بحيث يكون الإنسان هو المحدث لأفعاله المسؤول عنها ولا يكون لله دخل في ذلك، وهذا الأصل موجّه ضد الجبرية القائلين بأن الله خالق كل شيء وفاعل كل شيء بما في ذلك أفعال الإنسان بحيث يكون الإنسان مجبراً.
ومعناه أن مرتكب الكبيرة ليس مؤمناً كما تقول المرجئة، وليس كافراً كما يقول الخوارج، وإنما هو في منزلة بين الكفر والإيمان، وهي منزلة الفسق.
ومعناه أن الله سيفعل ما وعد به وتوعد عليه، فقد وعد سبحانه المطيعين بالثواب، وتوعد العُصاة بالعقاب والعذاب.
والمقصود بالأمر بالمعروف: إيقاع المعروف. وبالنهي عن المنكر: زوال المنكر، وهذا الأصل يقضي بمجاهدة كل مَن خالف حكم الله أو أمره ونهيه.
أصول الدين التي أجمع عليها المسلمون على اختلاف فرقهم ومذاهبهم، والتي لا يكون إيمان بدونها، ثلاثة:[27]
ويشترط في الإيمان عدم إنكار ما علم من الدين بالضرورة كالإيمان بالملائكة والكتب السماوية، والرسل السابقين، والصلاة والزكاة والحج... وما إلى ذلك من فروض الدين التي ثبتت بالدليل القطعي من الكتاب والسنة، فإن هذه الأمور يشترط عدم إنكارها في الإيمان والإسلام لثبوتها بالدليل القطعي، ولأن إنكارها يتنافى مع تصديق النبي ﷺ وصحة شريعته الذي هو معتبر الإيمان. وجملة القول: أنه يعتبر مؤمناً ومسلماً كل مَن دان بهذه الأصول الثلاثة وصدّق إجمالاً بكل ما جاء به الرسول ﷺ، ولم ينكر شيئاً مما علم من الدين بالضرورة. ويعتبر كافراً كل مَن لم يعتقد بأحد هذه الأصول، أو أنكر ضرورياً من ضروريات الدين.
وجملة أصول الدين على قواعد فريقي أهل الرأي وأهل الحديث قد ذكرها الإمام عبد القاهر البغدادي المتوفى سنة 429هـ في كتابه (أصول الدين) حيث جعلها خمسة عشر أصلاً، وكل أصل منها يحتوي على خمس عشرة مسألة، فاشتمل الكتاب على مائتين وخمس وعشرين مسألة، وقد أجمعت الأمة الإسلامية على بعضها واختلفوا في بعضها، وهي كالتالي:[28]
Seamless Wikipedia browsing. On steroids.
Every time you click a link to Wikipedia, Wiktionary or Wikiquote in your browser's search results, it will show the modern Wikiwand interface.
Wikiwand extension is a five stars, simple, with minimum permission required to keep your browsing private, safe and transparent.