Loading AI tools
مدينة في لبنان من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
صيدا مدينة ساحلية تقع شرقي البحر الأبيض المتوسط، ثالث أكبر المدن اللبنانية وفقاً لعدد السكان بعد بيروت وطرابلس، وعاصمة محافظة لبنان الجنوبي، وإحدى أقدم مدن العالم التي ما زالت آهلةً إلى اليوم. تقع صيدا شمال صور بحوالي أربعين كيلومتراً، وجنوبي بيروت -العاصمة اللبنانية- بخمسةٍ وأربعين كيلومتراً.[5] ولا يتطابق موقع صيدا الحالي مع موقع صيدون الكنعانية التي كانت موغلةً إلى الشرق أكثر (يدل على ذلك أنّ معظم الآثار الكنعانية المكتشفة وُجدت في القياعة، والهلالية وأخيراً في تلة شرحبيل بن حسنة في بقسطا شرقي المدينة الحالية)، وبينما انحصرت صيدا ضمن أسوارها حتى أواسط القرن التاسعَ عشرَ فقد أخذت -فيما بعد- بالتوسع نحو الشمال والشرق عبر البساتين التي تغطي سهلها. يبلغ عدد سكانها ما يقارب الـ250 ألف نسمة حسب التقديرات المحلية لغياب الإحصاءات. 84% من السكان مسلمون سُنّة وحوالي 9% مسلمون شيعة وحوالي 6% مسيحيون عرب.[6]
صيدا | |
---|---|
صيدا | |
إطلالة على مدينة صيدا الحديثة، ويظهر جانبٌ من القلعة البحرية في مقدمة الصورة. | |
تاريخ التأسيس | 4000 ق.م (اليونسكو)[en 1] |
تقسيم إداري | |
البلد | لبنان[1] |
عاصمة لـ | |
بلدية | بلدية صيدا |
المسؤولون | |
رئيس البلدية | محمد السعودي[2] |
خصائص جغرافية | |
إحداثيات | 31.93333°N 35.93333°E |
المساحة | 7.79 كم2[3] كم² |
الارتفاع | 10 أمتار |
السكان | |
التعداد السكاني | 110,000 إلى 250,000 نسمة[4] نسمة (إحصاء ؟؟) |
معلومات أخرى | |
المدينة التوأم | |
التوقيت | EET (توقيت شرق أوروبا +2 غرينيتش) |
التوقيت الصيفي | +3 غرينيتش |
الرمز البريدي | 38954 |
الرمز الهاتفي | 961 |
الرمز الجغرافي | 61100 |
الرمز الجغرافي | 268064 |
معرض صور صيدا - ويكيميديا كومنز | |
تعديل مصدري - تعديل |
وصيدا مدينة عريقة ذات شهرة تاريخية واسعة، فقد كانت من أقدم دويلات المدن التي أسَّسها على شواطئ البحر المتوسط الكنعانيون (وهم الذين عرفهم الإغريق بالفينيقيّين في هذا السياق)،[هامش 1] وبقيت لقرونٍ تتنافس مع صور في دورها كعاصمة سياسيةٍ واقتصاديةٍ للدويلات الكنعانية. تعرَّضتِ المدينة منذ القرن الحادي عشر قبل الميلاد لاجتياحاتٍ عديدةٍ أرهقتها سياسياً واقتصادياً وأدَّت إلى تراجع مكانتها منذ أن غزاها الملك الآشوري تغلث فلاسر الأول، ثم شعوب البحر، فالملك البابلي نبوخذ نصر، ثم الإمبراطور الأخميني الفارسي قمبيز الثاني، ثم الإسكندر الكبير المقدوني، وأخيراً الرومان الذين ورّثوا البيزنطيين، كما تعرَّضت لزلازلَ عدةٍ عبر تاريخها كان لبعضها آثار فادحة. دخل العرب المسلمون صيدا أثناء الفتح الإسلامي لبلاد الشام، وكانت معظم العهد الإسلامي بلدة صغيرة، وشهدت مناوشاتٍ ومعاركَ وانتقالاً للسيادة عدّة مراتٍ فترةَ الحروب الصليبية، وبالرغم من استعادة المماليك لها إلا أنها بقيت معرَّضةً -خاصةً في عهد المماليك البحرية (1250-1383م)- لغاراتٍ من القراصنة الأوروبيين.
لم تستعد صيدا أهميتها السياسية والاقتصادية حتى ضمها الأمير فخر الدين المعني الثاني وشاد بها نهضةً عمرانيةً واقتصاديةً، وغدت -من بعدُ- مركز إيالة صيدا لمدّة قرنٍ تقريباً، قبل أن تنتكس مجدداً بعدما نقل أحمد باشا الجزار مركز الإيالة إلى عكا، وكذلك بسبب زلازلَ عدّة. تردَّت أحوال المدينة بفعل تبعات الحربِ العالميةِ الأولى وآثارها، ثم وقعت تحت الاحتلال الفرنسي لأكثرَ من ربع قرن، ومنذ تلك الفترة توضحت مكانة صيدا كمركزٍ لجنوب لبنان. تعرَّضت المدينة لدمار كبيرٍ بسبب الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان (82-1985)، وعرفت منذ العقد الأخير من القرن العشرين بعد الحرب الأهلية اللبنانية نمواً متسارعاً أدّى إلى تضخمها وتمددها نحو العديد من القرى المجاورة، وتقلّص المساحات الزراعية حولها.
تلعب صيدا دوراً استقطابياً مهماً على مستوى جنوب لبنان، وهي اليوم مركز محافظةِ لبنان الجنوبي ثالثِ محافظات لبنان وفقاً لعدد السكان ويتبعها ثلاثة أقضيةٍ، كما يوفر لها موقعها المتميز أن تكون صلة وصل بين الجنوب وبيروت، وبين الساحل والشوف وجزين. وقد ازدادت أهميتها بعد اكتمال الطريق السريع (الأوتوستراد) الجنوبي، وتتمركز في صيدا الدوائر الرسمية والمتاجر والمصارف والمؤسسات الخدمية والتعليمية والاستشفائية والصناعية الرئيسية، كما يؤمن لها مرفؤها فرصاً إضافيةً وخاصةً بعدما يجري توسيعه. تضم صيدا في ضواحيها مخيّميْن للاجئين الفلسطينيين هما مخيم عين الحلوة (أكبر مخيمٍ في لبنان) ومخيم المية ومية.
تختلف المصادر في أصل اسم مدينة «صيدا»،[7] فبعضهم نسبه للجذر السامي «صيد» أي من صيد الأسماك، وهي المهنة التي امتهنها أهل المدينة قديماً لكثرة السمك على شواطئها.[8] وُضِعَت نظريات أخر حول أصل الاسم، يعتقد بعضهم أنه من الجذر اللاتيني واليوناني «صيدون» -الذي يعود للجذر الكنعاني صيد- أو العبراني «صيدو»، واشتهرت المدينة باسم «صيدون العظيمة» في زمن يوشع بن نون.[9] وينسب بعض المؤرخين التسمية لـ«صيدون بن كنعان بن حام بن نوح»، وهناك حكاية تزعم بأن باني المدينة كان الملك الآشوري الأسطوري بيلوس، والذي سمَّاها -حسب الحكاية- تيمّناً بابنته «صيد»، لكن الإغريق حرَّفوا الأسطورة ونسبوها إلى صيدوس بن إيجيبتوس زاعمين أنه من بناها. كما يُقال إن أحد أبناء كنعان ويُدعى «صيدونيوس» هو مؤسِّس المدينة وصاحب الإشادة باسمها.[8][هامش 2]
يقول جاك نانتي المؤرخ الفرنسي في كتابه «تاريخ لبنان»:
أما القديس أوغسطينوس فيقول:
تعتبر صيدا -مع جارتها صور- أقوى مدينتين من بين جميع المدن الكنعانية، وقد ازدهرتا منذ العصر البرونزي (3000-1200 ق.م في الشرق الأوسط)[en 2] وأصبحتا من أهمّ المدن في شرق البحر المتوسط، إذ انطلقت من مدينة صيدا معظم السفن الكنعانية التي جابت هذا البحر ونشرت الثقافة والحضارة الكنعانية في أنحائه، وقد اشتُهِرَت -خصوصاً- بصناعة الصباغ الأرجواني هي وصور. أضحت هذه الصبغة شديدة النّدرة والغلاء حتى أمست علامةً على السلطة الملكية في بلدانٍ قديمةٍ عدة. فيما بعد تدهورت أوضاع المدينة بسبب الغزو المتكرّر لها، فأفل نجمها بعد غزو الإسكندر الكبير في القرن الرابع قبل الميلاد، وأُلْحِقَت بعدئذٍ (مثل سائر المدن الكنعانية المتآكلة) بالإمبراطورية الرومانية، ثم فتحها العرب المسلمون وظلَّت جزءاً من الدول الإسلامية حتى أصبحت مسرحاً للنزاع في الحروب الصليبية، ولو أنها لم تستعد مكانتها من بعد العصور القديمة.[en 3]
يعتقد بعض المؤرخين أن صيدا كانت أقدم المدن الكنعانية جميعاً،[11] وهم يختلفون في تاريخ تأسيسها وإعمارها بالضَّبط، إذ يُحدِّده بعضهم بعام 2800 ق.م، لكن الراجح لديهم أنها كانت عامرةً سنة 2500 ق.م، وقد وضعتها اليونسكو في المركز السابع ضمن قائمتها لأقدم عشر مدنٍ في العالم بتاريخ تأسيسٍ مقدرٍ عامَ 4000 ق.م،[12][هامش 3] وتُعد صيدا إحدى أقدم مدن الكنعانيين أو كما دعاهم الإغريق الفينيقيين (بالإنجليزية: phoenicians).[هامش 4] وقد شهدت صيدون عهداً من الازدهار والتألق لأكثر من ألفٍ ومئتي عامٍ قبل أن تبدأ بالتدهور قرابة القرن الخامس عشر قبل الميلاد.[13]
نعمت صيدا منذ فجر التاريخ باستقلالها الذاتي إذ حكمها ملوك من أبنائها حكماً وراثياً يؤازرهم مجلس أعيانٍ من مئة عضوٍ كانوا في معظمهم من الطبقة الأرستقراطية الثرية أو ما يُعرف بنظام حكمٍ أوليغاركي، وكان يتزعَّم المجلس والمدينة بأكملها حاكمٌ يُلقب بملك صيدون. وكانت صيدا وقتئذٍ من بين مدنٍ كنعانيةٍ عديدةٍ من دويلات المدن، أي مدنٌ تحكم مستقلّةً -رغم تقاربها الثقافي والحضاري- ولكلٍّ منها حكومة وجيش وإدارة تخصّها،[14] وكانت صيدا الرائدة بين هذه المدن في السياسة كما في الاقتصاد والتجارة عبر البحر المتوسط.[11][15] ازدهرت صيدا في هذا العهد وشهدت زيادةً في عدد سكانها في القرن العشرين قبل الميلاد، وكان سكانها يدينون بعقيدةٍ وثنيةٍ على غرار دويلات الكنعانيين الأخرى، فكان لكلِّ مدينةٍ من مدنهم إلهٌ تختصّ به، وكان إلهُ مدينة صيدا إشمون وهو إله الشفاء والمداواة،[16] كما عبدوا إلى جانبه الآلهة الكنعانية الكبرى مثل بعل وإيل. وكانت لغة المدينة هي الكنعانية التي انتشرت أبجديتها لاحقاً إلى لغاتٍ كثيرةٍ عبر العالم من ضمنها العربية والأبجديات اللاتينية.[17] ازدهرت صيدا اقتصادياً وجنت أرباحاً كبيرةً من التجارة بمصنوعاتٍ عديدةٍ من ضمنها الصبغ الأرجواني الشهير إضافةً إلى المصنوعات الزجاجية والتعدين وبناء السفن،[18] كما كانت تُصدِّر خمراً مشهوراً، وعُرفت بصناعاتٍ حرفيةٍ متنوّعةٍ منها نسج الصوف والكتان، والنقش، وصب الذهب والفضة، وصنع الأسلحة، ومنحوتات حفر العاج، وكان أهلها يجيدون الحراثة بالآلات وتبليط الطرق.[19]
إلا أن مصدر الدخل الأساسي الآخر للمدينة -عدا التجارة- كان الاستيطان، فقد أسس الصيدونيّون المستوطنات التجارية في أرخبيل بحر إيجة (البيلوبونيز) وعلى ساحل المورة وكانوا هم من أسسوا مدينة طيبة الإغريقية في المورة، وتسلطوا على سكان الإقليم بما فيهم قوم جزيرة إقريطش، وعقد هؤلاء الكريتيون حلفاً مع بعض الكيانات المجاورة كاليونان وإيطاليا، وتعلّموا الملاحة وأتقنوها وشنوا حرباً على الصيدونيين حتى أجلوهم عن جزرهم.[3] ثم أتى التدمير العنيف الذي اجتاح شرق المتوسط الناجم عن غزو أخلاطٍ من أقوام أطلق عليهم «شعوب البحر» منهم «البلست» أو «الفلستيون» (الذين منحوا فلسطين اسمها بعدئذ) نحو 1300-1200 ق.م ليضع حدّاً لتألقها وتفوقها على جيرانها.[3][20] وهو الذي ألحق ضرراً بالغاً بالمدن الكنعانية والحوض الشرقي للمتوسط بعامةٍ، وأودى نهائياً بمدينة أوغاريت.
تلا ذلك اجتياح يوشع بن نون بلاد الكنعانيين الجنوبية (فلسطين) فطرد كثيراً من أهلها مانحاً أراضيهم لشعبه، ودمر ما يقرب من إحدى وثلاثين مملكةً صغيرةً من دويلات المدن، فساء ذلك صيدا لأن هذه الممالك كانت مصدر ثروةٍ لها بفعل المبادلات التجارية، فكانت صيدا تستورد منها المحاصيل لاستهلاكها أو لإعادة تصديرها، فضلاً عن هجرة قبائل الفلستيين واستقرارها في صيدا وجوارها. وخضعت صيدا بعد ذلك -مع بلاد الشام جميعاً- للفرعون المصري تحوتمس الثالث (1479–1425 ق.م) من الأسرة الثامنة عشر، ودام الوجود المصري قرابة قرنٍ إذ يروي التاريخ أن زميردا ملك صيدون متحالفاً مع الحثيين ثار سنة 1354 ق.م على المصريين مستغلاً ضعفهم وحرر صور منهم، وعادت المدن الكنعانية لتنال استقلالها مجدداً.[21][22]
من بعد هذا الغزو أخذت مكانة صور تترسخ حتى تزعمت المدن الكنعانية ودانت لها صيدا ذاتها سياسياً، ويعتقد أن الصيدونيين حاولوا تدعيم مركزهم بكسب ودّ سليمان بن داود وتزويده بما يلزم لبناء هيكله وأسطوله في البحر الأحمر، لكن صور حافظت على مكانتها إلى أوان الغزو الآشوري، الذي كان فاتحة عودة نفوذ صيدا مجدداً.[23][24][25]
استطاع الملك الآشوري تغلث فلاسر الأول في القرن الحادي عشر قبل الميلاد (بدءاً من عام 1094 ق.م) احتلال جزيرة أرواد وفرض الجزية على جبيل وصيدا، وقد اتبع خلفاؤه أسلوب فرض الجزية، فعندما شنَّ آشور ناصربال الثاني حملته العسكرية التي أخضع فيها أهم المدن الكنعانية صور وصيدا وجبيل عام 876 ق.م فرضَ الجزية على هذه المدن، وألزمها بتقديم المعادن الثمينة والمنسوجات والخشب والعاج وغيرها إلى آشور،[25] ثم تجدد غزو الأشورييِّن للمدن الكنعانية في عهد شلمنصر الثالث الذي فرض الجزية على صور وصيدا عام 842 ق.م، وقد استمرت المدينتان بدفعها في العهود اللاحقة لملوك آشور، بل وأرغمتا مع عكا في عهد شلمنصر الخامس على تخصيص أسطولٍ من ثمانمئة قاربٍ لتشديد الحصار البحري على المدن الكنعانية الأخرى.[26]
حاولت مدينة صور قيادة ثورةٍ كنعانيةٍ لطرد الآشوريين، إلا أن الملك سنحاريب [(الإله «سين» حارب)] أخمد الثورة وأعاد احتلال المدن الكنعانية عام 700 ق.م، ثم عزل ملكَ صور -الذي كان الآشوريّون يُنصِّبونه زعيماً عليها- وعيَّن «أثوبعل الثاني» ملكاً على صيدا وزعيماً على تلك المدن بدلاً منه،[27] واستمرَّت الحال على هذا المنوال حتى العام 678 ق.م عندما ثار ملك صيدا «عبد ملكوت» على الإمبراطور الآشوري «آسرحدون» وأعلن استقلال صيدا، إلا أن آسرحدون عاد لاستردادها، ولاذ «عبد ملكوت» بالفرار قبلما يقع في الأسر ويُقطع رأسه، وبدأ آسرحدون حملة انتقامٍ من صيدا بتدميرها وتهجير سكانها وتعمير مدينةٍ جديدةٍ على أنقاضها سمَّاها «كار آسرحدون» أو «مدينة آسرحدون»،[28] وكان ذلك سنة 675 ق.م.[29]
أجمعت المدن الكنعانية وعلى رأسها صور على الاتحاد مع مصر ومملكة يهوذا لإخراج الكلدانيين (خلفاء الأشوريين)، حينذاك هاجمها نبوخذ نصر بجيشٍ جرارٍ سنة 574 ق.م، ودمر عدة مدنٍ منها صيدا وصور بعد حصارٍ طويلٍ أدى إلى انتشار الجوع والوباء، وخسرت صور نتيجة ذلك مكانتها لتعود صيدا لزعامة المدن الكنعانية، ولكن بعدما فقدت المدينتان استقلالهما.[30]
انهارت الإمبراطورية البابلية الحديثة (الكلدانيون) عام 538 ق.م أمام الفرس بقيادة «قورش»، وقام «قمبيز بن قورش» (529-522 ق.م) الذي ورث عرش الإمبراطورية الفارسية بضم بلاد كنعان ومصر، فأضحت سوريا إحدى الولايات الفارسية وغدت صيدا جزءاً منها سنة 526 ق.م؛ لكنها كانت متميزةً من بين جميع المدن الكنعانية بحيازتها العديد من الامتيازات في عهد قمبيز الثاني[30] الذي بنى فيها قصراً له. بقي الحكم الملكي في صيدا قائماً مثلما الحال في جميع المدن الكنعانية الأخرى رَغْم وقوعها تحت وطأة الفرس وحافظ الكنعانيون على استقلالهم بصورة حكمٍ ذاتيٍّ يقوم بأوده ملوكٌ محليون. وشهدت تلك الفترة ازدهاراً كبيراً في المدينة يظهر من طباعة رسومٍ للسفن الصيدونية على وجوه العملات الفارسية. واشترك الصيدونيون بعد ذلك في الحروب الفارسية اليونانية إلى جانب الفرس بما فيها معركة سلاميس (480 ق.م) الشهيرة.[31]
على أن أهل صيدا انتابهم السخط مع الوقت من تبعيَّتهم للفرس، فعقدوا حلفاً مع المدن الكنعانية الأخرى، وفي اجتماعٍ في طرابلس صرح ملك صيدا «ستراتون الأول» بعزمه على التحرر من الفرس مستغلاً -بخاصةٍ- أن بلاد الفرس وقتها كانت في مرحلة تدهورٍ، ووافقه الحاضرون بالإجماع، فجهز قواته وبدأت الثورة على الفرس من الحي الصيدوني في طرابلس ثم انتشرت، فهوجم القصر الملكي الفارسي في صيدا ودُمّر، وأحرقت مخازن العلف المخصصة لخيول الفرس، وأحرقت الذخيرة والمؤن المجهزة للفرسان، وجُهّز أسطولٌ بحريٌّ حربيٌّ، واستؤجرت مرتزقةٌ من خارج المدينة وزُوّدوا بالسلاح للدفاع. وعندما علم أوخوس الملك الفارسي بالأمر حشد قواته واتجه إلى سواحل كنعان، فلما وصل الخبر ملك صيدا الجديد «تنس» وبلغته أنباء الحشود الجرارة استنجد بالفرعون المصري فأمده بقوةٍ صغيرةٍ، عندئذٍ خاف على نفسه، وبادر بالتقرب من الملك الفارسي وانحاز إلى معسكره واعداً إياه بمساعدته في الهجوم على مدينته صيدا عن طريق الخديعة.[24][32]
أرسل فرعون مصر عدداً من رجاله إلى طرابلس مدعياً رغبته بالتشاور مع المدن الأخرى وأخذ مئةً من شبان المدن كرهائن، لكنه غير وجهته إلى معسكر الفرس وسلمهم إليهم، فقتل الفرس الشبان، وحاصر أوخوس صيدا فخرج له خمسمئة من أهلها طالبين الصلح؛ لكنه رفض وقتلهم، عندئذٍ أدرك الصيدونيون ألا مفر أمامهم من الانتقام الفارسي فبادروا بحرق مدينتهم وتدميرها مع أسطولهم البحري كاملاً، ثم أحرقوا منازلهم وأنفسهم كيلا يتركوا للفرس فرصةً للانتقام منهم. أما تنس ملك صيدا الخائن فأمر أوخوس بقتله، فحاول الانتحار لكنه فشل جبناً منه، فقامت زوجته بقتله، ثم قتلت نفسها. كان هذا الخرابَ الثاني الكاملَ لصيدا خلال تاريخها (351 ق.م). وفي قادم السنين سيحاول الباقون على قيد الحياة من أهالي صيدا إعادة بناء مدينتهم،[33] ومعها استعادة نفوذهم التجاري واسع الأركان.
انتصر الإسكندر الكبير على آخر ملوك الأخمينيين دارا الثالث (380-330 ق.م) في معركة إسوس عام 333 ق.م، ودانت للإسكندر البلادُ ورُحِّبَ به فيها، وأعلنت معظم المدن ولاءها له ومنها صيدا التي فتحت أبوابها لجيشه وكانت ذكريات الغزو الفارسي لاتزال عالقةً بالمخيلة العامة. عزل الإسكندر ملك صيدا «ستراتون الثاني» الذي نصَّبه الفرس، وعين مكانه قريبه ويدعى «عبدولونيم»، وأعاد لها جميع ممتلكاتها ووضع لها دستوراً خاصّاً بها، وولَّى على المدن الكنعانية حكاماً من أهلها، وأكد زعامة صيدا عليها نكايةً بصور التي لم تستسلم له إلا بعد طول حصار.[34]
بعد وفاة الاسكندر المقدوني تولى القائد اليوناني «لاميدون» حكم سوريا والمدن الكنعانية، ولكن حاكم مصر «بطليموس الثاني» طمع في إرث الساحل الكنعاني، وسارع إلى السيطرة عليه فغدت صيدا جزءاً من دولة البطالمة، ولم يدم حكم بطليموس سوى خمس سنواتٍ حتى تمكن حاكم آسيا الصغرى «أنتيجوناس» من الاستيلاء على بلاد كنعان وأصبحت صيدا مركزاً لها. ثم عاد بطليموس وسيطر مرةً أخرى على المدن الكنعانية ماعدا صيدا التي استمر ولاؤها لأنتيجوناس حتى توفي فعادت تحت ولاية بطليموس.[35] لبثت صيدا غير مستقرةٍ بسبب الحروب السجال الطوال بين البطالمة والسلوقيين للاستحواذ على بلاد كنعان، لكن -ومع ذلك- بقي وجودها حاضراً على رأس المدن الكنعانية. انتصر أنطيوخوس الثالث على البطالمة في معركة بانيوم (200 ق.م) الحاسمة، وبسط سيطرته على كامل أرض كنعان حتى غزة، وعندما بدأت الدولة السلوقية (312-64 ق.م) بالانهيار بادرت المدن الكنعانية إلى الاستقلال عنها، فاستقلت صيدا عام 111 ق.م، إلا أن استقلالها لم يَدُم طويلاً،[36] إذ سرعان ما ألْحقَها الرومان بالمقاطعة الرومانية المُسمَّاة سوريا فينيقيا وعاصمتها أنطاكية سنة 64 ق.م. شهدت صيدا والمدن الكنعانية ازدهاراً اقتصادياً في العهد الروماني، فقد حذق الكنعانيون حسناً كيف يستفيدون من الإمبراطورية المترامية الأطراف وبالأخص فترة السلام الروماني (27 ق.م-180م) كي يوسعوا تجارتهم، ويرسخوا ثقافتهم، ويحافظوا على تميزهم سادةً للتجارة الدولية في المتوسط في ظل الرومان، واستمرت صيدا ذات حكمٍ ذاتيٍّ مستقلةً جزئياً عن الحكم الروماني،[36] وإن لم يخلُ الأمر من بعض التقلبات مثلما فعل أغسطس (20 ق.م) عندما انتزع من صور وصيدا استقلالهما. وفي عام 203م منح الإمبراطور سبطيم سَويروس[هامش 5] صيدا لقب مستعمرةٍ،[37] وهو أحد أرفع الألقاب في الإمبراطورية يمنح لمدينةٍ غير رومانية. وعندما استغلت زنوبيا (حكمت 267-273م) ملكة تدمر تدهور شؤون الرومان، وشرعت بتوسيع سلطانها في الشام ومصر وآسيا الصغرى، دخلت صيدا تحت حكم مملكة تدمر ما بين العامين 269م و273م،[38] غير أن هزيمة جيشها بعد ذلك أمام الإمبراطور الروماني أورليان (حكم 270-275) أعاد المدينة للتبعية الرومانية ثانية.[37]
غدت صيدا أسقفيةً مطلعَ القرن الرابع، وشارك أسقفها في مجمع نيقية الشهير سنة 325م،[39] استمرَّ الوضع الإداري قائماً على حاله بعد انتقال صيدا وبلاد الشام بأكملها إلى الشطر الشرقي من الإمبراطورية وعاصمته القسطنطينية، كان شرقي الإمبراطورية الرومانية في الشام ومصر والجزيرة الفراتية يدر عوائدَ أعلى بكثيرٍ من أي مناطق أخر، وقسم معتبر من فضل رأس المال هذا كان يعود للفعاليات التجارية للمدن الكنعانية (فضلاً عن الغلال الزراعية من مصر والجزيرة وسوريا الداخلية)، ما شكّل أحد العوامل المهمة في تقسيم الإمبراطورية لتسهيل الإشراف عليه علاوةً على حمايته من تعاظم قوة الفرس الساسانيين، ولم يلبث الشطر الشرقي من الإمبراطورية الرومانية أن تحوَّل إلى إمبراطورية الروم في عام 395م.[40][41] وفي عهد ثيودوسيوس الثاني (حكم 401-405م) قُسِمَت الولاية إلى شطرين؛ الأول «فينيقيا اللبنانية» ويشمل جبل لبنان ومدن الداخل كدمشق وبعلبك، وعاصمته حمص، وثانيهما «فينيقيا الساحلية» ومن جملتها صيدا وباقي مدن الساحل كأرواد وعكا وبيروت وطرابلس، وعاصمته صور،[42][39] لكن أحوال المدينة في العهد البيزنطي تدهورت كثيراً مقارنةً بسالفه، وذلك لأسبابٍ عديدةٍ منها كثرة الحروب والغزو، والاضطهاد الديني، وارتفاع الضرائب، والكوارث الطبيعية كالزلازل،[43] والأهم تدهور التجارة المتوسطية بفعل سقوط روما (476م)، وسيطرة البرابرة على أوروبا الغربية الذي أدخلها -لقرونٍ- في ظلامٍ دامس. شهدت صيدا أواخرَ هذه الفترة تداولاً للسيادة بين البيزنطيِّين والفرس الساسانيين خلال سجالات حروبهم المديدة.[44] لكنها نعمت -على الرغم من ذلك- ببعضٍ من الازدهار الاقتصادي والحضاري والعلمي في ذلك الوقت، إذ ازدهرت تجارتها مع أوروبا الشرقية بفضل تبعيتها لبيزنطة، حتى إن مدرسة الحقوق الرومانية الشهيرة في بيروت انتقلت إليها بعد دمارها بزلزلةٍ سنة 551م،[45] وأقامت تلك المدرسة في صيدا لأكثر من عشرين عاماً قبل أن يدمَرها زلزالٌ آخر سنة 573م.[46]
فُتحت صيدا -على الأرجح عام 13هـ/636م- على يد يزيدَ بنِ أبي سفيان بعد فتح دمشقَ في جملة مدنٍ منها بيروت وعرقا (في عكار) وجبيل،[47] ولايزال أحد التلالِ المشرفة على المدينة القديمة -في «بقسطا»- يسمى نسبةً إلى الصحابي شرحبيل بن حسنة أحد قادة جيوش الفتح إلى الشام،[47] وكانت مدن الساحل ثغوراً ترابط فيها جيوش المسلمين درءاً من غاراتِ الروم. ثم غلبتِ الروم على بعض تلك السواحل أواخر خلافة عمر، فأجلاهم معاوية والي الشام ورممها وشحنها بالمقاتلة.[48] وفي القرن الهجري الثاني كان للمدينة أسقفٌ يدعى «بولس الأنطاكي» (ت 154هـ/770م) له مؤلفاتٌ في اللاهوت، مما يدل على وجود جاليةٍ نصرانيةٍ فيها، وأن معيشتها كانت مستقرةً ومؤمنة اجتماعياً ودينياً واقتصادياً.[هامش 6][49] وينسب لها من الأعلام في تلك الفترة «هشام الجرشي الصيداوي» (ت 156هـ) من أئمة الحديث له رواية عن مكحول ونافع وابن المبارك ووكيع، و«ابنُ جُمَيْعٍ الغساني» (305-402هـ) الحافظ الصيداوي، من الأئمة الثقات، رحل في طلب الحديث إلى مصر والعراق والجزيرة وفارس، وتوفي بصيدا. وقد تناوبت عليها أيدي الدول التي مرت على بلاد الشام ومنهم الفاطميون الذين ينسب لهم بناء القلعة البرية الواقعة على تلٍّ جنوبَ شرقي المدينة القديمة وتعرف بـ«قلعة المعز» نسبة للمعز لدين الله الفاطمي (حكم 341-365هـ/952-975م).[50]
ويبدو أن صيدا أصابت قدراً من الازدهار والنمو وعلو الشأن في العهد الفاطمي (استردها الفاطميون سنة 481هـ/1088 لآخر مرة[51])، كما تدل كتابات الرحالة، فقد وصفها ناصر خسرو الرحالة الفارسي سنة 438هـ/1047 بقوله: «وفيها يزرع القصب بكثرةٍ، ولها سورٌ حجري محكم، وثلاث بواباتٍ، ومسجدٌ جامعٌ تقام فيه الصلاة بخشوع تام وروح عالية، وقد فُرش الجامع كله بالحصير المنقوش. وللمدينة سوقٌ جميلةٌ مزينةٌ، بحيث إنني ظننت حين رأيتها أن المدينة قد زُينت لاستقبال السلطان أو للاحتفال بإحدى المناسبات، فلما سألت عن السبب قيل لي: التقليد في هذه المدينة أن تكون دائماً على هذا النحو. وللمدينة بساتين ذات أشجارٍ منسقةٍ حتى لَتقولَ إن ملكاً له ولعٌ بالبساتين قد غرسها، وفي هذه البساتين جوسق، وأكثر الأشجار هناك مثمرة».[52] ووصفها الشريف الإدريسي حين زارها سنة 548هـ/1154:[53]
سنة 492هـ/1099 مر بها الصليبيون في طريقهم إلى يافا أثناء الصليبية الأولى؛ فنهدت إليهم حاميتها وناوشتهم،[54] فكان أن ولّى دُقاق بن تتش (حكم 1095-1104) السلجوقي صاحبُ دمشق عضدَ الدولةِ أبا المحاسن الأرسلاني سنة 494هـ/1100 على بيروت وصيدا معاً لتصديه للفرنج عند نهر الكلب وكلفه بتحصينهما.[55] وسنة 499هـ/1106 دفع سكانها عنهم الصليبيين لقاء فديةٍ، وسنة 502هـ/1109 بعد احتلال طرابلس اضطر بغدوين (بلدوين) الأول (حكم 1099-1118) ملك بيت المقدس لفكِّ الحصار عنها بعدما أنجدها الأسطول الفاطمي والجند التركمان من دمشق، لكنه -وعقب سقوط بيروت سنة 1110م- شدد الخناق عليها براً وبحراً بمعونة كونت طرابلس وأسطولٍ جنوي، فسلمت صلحاً بعد سبعةٍ وأربعين يوم حصارٍ رغم محاولات الأسطول الفاطمي لنجدتها، وخرج حاكمها وحاميتها وكثير من أهلها إلى دمشق في 504هـ/3-12-1110، وبقي الآخرون تحت حكم بغدوين، غير أنه عاد بعد مدةٍ وجيزةٍ وفرض عليهم 20 ألف دينار رغم شروط الصلح. ومنحها لإحدى أخويات الفرسان الصليبية.[56][54] سنة 543هـ/1149 وخلال الصليبية الثانية اشتركت قوات صيدا وصور بالإغارة على دمشق، وسنة 546هـ/1152 تعرضت يافا وعكا وصيدا وبيروت وطرابلس لغارةٍ عنيفةٍ من أسطولٍ فاطمي من سبعين سفينةً قتل بها الكثير وأحرقت سفن.[54]
وبضم نور الدين زنكي دمشقَ زادتِ الغارات على المدن الصليبية، وكان لصيدا نصيبها كما في سنوات 553 و554 و560 عندما أغار عليها قائده أسد الدين شيركوه، ومع ظهور صلاح الدين (حكم 74-1193) أغار في جملة غاراته على نواحيها سنة 575هـ/1179 مما أسهم في عقد الهدنة بينه وبين بغدوين الرابع العامَ التالي. وشهدت سنة 583هـ/1187 بعد معركة حطين فرار أرناط (رينو دي شاتيون) منها إلى قلعة الشقيف الاستراتيجية على منعرج نهر الليطاني قبيل وصول صلاح الدين، فدخلها هذا دون قتالٍ ودكَّ حصونها ثم أمّرَ عليها سيف الدين بن المشطوب الهكاري. وفيما بين 593-600هـ/1197-1204 وقع صلحٌ بين الملك العادل والصليبيين كانت فيه صيدا مناصفةً بينهما. وسنة 614هـ/أواخر1217 دخلت قوات الصليبية الخامسة صور وصيدا والشقيف ونهبتها واستحرّت القتل فيها، وفي تلك الحملة انطلق ابن أخت ملك الهنغار من صيدا إلى جزين في خمسمئةِ رجلٍ، فأخلى أهل جزين البلد إلى الجبل حتى إذا نزل الصليبيون للراحة انقضوا عليهم بغتةً، فأسروا قائدهم وأثخنوا فيهم حتى قيل لم ينجُ منهم إلا ثلاثة.[54]
وسنة 624هـ/27-1228 دخلها فريدريك الثاني في الصليبية السادسة وكانت مناصفةً بين المسلمين والصليبيين في إطار هدنةٍ فخرقها، وقُتِلَ آنذاك كثيرٌ من أهلها المسلمين وهُجِّر الباقون، وأعاد فريدريك تحصين المدينة،[54] وبنى القلعة البحرية على نشزٍ صخريٍّ يبعد عن الشاطئ نحو ثمانين متراً شمال غربي البلد،[57] وعقدت بعد ذاك هدنةٌ لسنواتٍ عشرٍ بين الكامل وفريدريك، ثم استعادها الفرنج، وفي عام 630هـ/1233 سقطت المدينة بيد المغيث يوسف ثم الأشرف موسى ابن الملك العادل قبل أن يعيدها الصالح إسماعيل للفرنج. وفي سنة 647هـ/27-7-1249 استعادها أهل دمشق انتقاماً لنزول الصليبية السابعة في دمياط، لكن لويس التاسع بعد إطلاقه من أسره في مصر أقام في عكا أربع سنين (50-1254) يحضر لصليبيةٍ جديدةٍ، فعمّرَ قلعة صيدا البرية -وكانت خربةً إذ ذاك- سنةَ 651هـ/1253 السنةَ نفسَها التي استردَّ فيها المسلمون صيدا بعد معركةٍ عنيفةٍ قُتل فيها ألفان من جند الفرنج.[54]
وسنة 658هـ/59-1260 أغار صاحب صيدا الفرنجي على بعض أملاك حليفه كتبغا القائد المغولي بغية السلب فكان وبالاً عليه وعلى صيدا، إذ سيّر كتبغا فرقةً بقيادة ابن أخته فدُحرت وقُتل قائدها، فأتبعها بجيشٍ لَجَبٍ نهب المدينة وهدم تحصيناتها وذبح من لم يستطع الفرار ثم أحرقها وتركها خراباً بلقعاً خاويةً على عروشها كأن لم تغن بالأمس، ولما لم يقدر صاحبُها على إعمارها باع إقطاعيته للداوية سنة 659هـ/1261م،[58] فعمَروها وغدت مذ ذاك مقرهم الرئيس في المشرق (بالإنجليزية: Levant)، وبنى الإسبتارية (1261م) مقراً لهم أشبه بقلعةٍ ضمنه كنيسة كبيرة على الصخور المطلة على الشاطئ وهو الذي حوّله المماليك إلى مسجد صيدا الجامع (الجامع العمري الكبير)،[59][50] وسنة 664هـ/1266 وجه الظاهر بيبرس الأمير إيتامش لتحريرها فطلب الصليبيون الصلح، وعُقد صلحٌ لعشر سنواتٍ (667هـ/1269) ورد فيه أن تكون صيدا مناصفةً (الساحل للفرنج والجبل للمسلمين)، وأن يطلق الفرنج تجاراً كانوا أسروهم ويدفعوا دية قتلى ويهدموا قلعة الشقيف الاستراتيجية.[60] وفي النزاع بين بوهيموند السابع صاحب طرابلس وبين جاي الثاني صاحب جبيل وجيوم دو بوجيه مقدم الداوية[هامش 7] بين سنتي 677-681هـ/1278-1282م تعرضت صيدا لأضرارٍ بليغةٍ جراء غارةٍ من خمسَ عشرةَ سفينةً تقل جنداً لبوهيموند، والذين هاجموا القلعة البحرية وعاثوا في المدينة فساداً قبل أن يقعوا أسرى.[61] وفي عكا سنة 690هـ/1290 تسبب بعض الرعاع حديثي القدوم من أوروبا بنقض الهدنة حتى جعلوا يتعرضون بالقتل للمسلمين في الطرقات، وإذ رفض الأمراء تسليم القتلة عزم المنصور قلاوون على فتحها -وكان حرر طرابلس العامَ الفائتَ- إلا أن المنية عاجلته، فقام ابنه الأشرف خليل بذلك في (28-5-1291)، فأبحر الداوية منها إلى صيدا، وكان الأمير سنجر الشجاعي في الأثناء قد سار إلى صور فملكها دون قتال، فنهض منها إلى صيدا وحاصرها وضيّق عليها حتى حصر الأهلين الفرنج والداوية في القلعة البحرية، وفرَّ مقدم الداوية بكنوز الطائفة إلى قبرص واعداً بإرسال المدد، ولما لم يفِ بوعده وشرع سنجر بردم رصيفٍ يصل القلعة بالبر سارعوا -قبل إنجاز الرصيف- بالفرار إلى قبرص وأنطرطوس،[هامش 8] وعادت صيدا إلى أيدي المسلمين نهائياً في 15 رجب 690هـ الموافق لـ14 تموز/يوليو 1291، وسقط جميع ما بيد الفرنج من حصونٍ وبلادٍ في غضون سبعةٍ وأربعين يوماً من استرداد عكا. وأمر الأشرف خليل بهدم المدن المحررة (هدم سنجر القلعتين البرية والبحرية سنة 1291[62])، ثم عاد وأمر بإصلاح عمارة طرابلس وصيدا وبعض المدن، واستقدم المسلمين من تركمانٍ وغيرهم ووكلهم بحراسة الساحل من طرابلس إلى صيدا لئلا يترك الساحل خلواً عرضةً للغزو والغارات الصليبية من أرواد وقبرص.[63][61]
لم تتوقف غارات الصليبين على صيدا من بعد رحيلهم بغية السلب أو الأسر طلباً للفدية. تجسّد تهديد الصليبيَين في شرق المتوسط تلك الفترة في مملكة آل لوزينيان اللاتينية في قبرص (دامت 1192-1489)، وفرسان رودس،[هامش 9] وفي الجنوية وصراعهم على النفوذ التجاري مع البنادقة إضافةً لبعض القراصنة المغامرين الأوروبيين كالقطالونيين (الأراغونيين).[64] وسنة 706هـ/1306 نزل الفرنجة في صيدا وأمعنوا فيها قتلاً وأسراً ونهباً كثيراً، ولم تلحق نجدتا شهاب الدين بن صبح نائب صفد وحامية دمشق بالمعركة، لكن ابن صبح بعدما وصل -وكان الفرنج بعدُ على الجزيرة لم يرحلوا- فدى الأسرى الستين بثلاثين ألف درهم من ديوان الأسرى، وبلغت قتلى الفرنج بضعةً وثلاثينَ أُرسِل برؤوسهم إلى دمشق فعلقت على قلعتها. وتكرر الأمر سنة 756هـ/1355 عندما أبلى الأهلون بلاءً مجيداً ودمروا مركباً للفرنج، ثم افتُديَ الأسرى، وفي السنة التالية تكرر المشهد ذاته.[61][65] وشهد عهد بطرس الأول القبرصي (حكم بين 58-1369) توتراً عصيباً، فقد كان ذا سياسةٍ عدوانيةٍ قِبَلَ المسلمين بلغت ذروتها في حملته الصليبية على الإسكندرية (6-10/ 10/ 1365) التي خلفت بها أشنع ما شهدته عبر تاريخها من دمار. فسنة 365هـ/1363 وردت ثلاث سفن قبرصيةٍ بستٍ وسبعين من رجالٍ ونساءٍ وصبيةٍ كانت أسرتهم في غارةٍ على أبي قير، ففداهم أهل صيدا وأعادوهم إلى بلدهم. وسنة 369هـ/1367 أغار أحد قادة البحر القبارصة على الصرفند (15 كم جنوب صيدا) بثلاث سفنٍ فلم يظفر بأسرى غير نسوةٍ ثلاثٍ وعشرة أطفال،[66] وأواخر ذلك العام أغار جان دو مُرف أخو بطرس الأول في أربع سفنٍ على صيدا والبترون وأنطرطوس واللاذقية.[67] وفي العام التالي (770هـ/1368) جرت غارة أخرى لم تسفر عن شيءٍ ذي بال.[61] وسنة 784هـ/1382 أغار الجنوية واحتلوا البلد وعاثوا فساداً ثم استولوا على بعض المراكب قبل انسحابهم، وفي 806هـ/1403 أغار الجنوية أيضاً على بيروت وصيدا واستولوا في صيدا على مركبٍ قادم من دمياط بحمولةٍ قيّمةٍ وقاموا بالإبرار على ساحل صيدا لكنهم وجدوا العشران[هامش 10] مجتمعةً لنزالهم فلاذوا بالفرار، وسنة 816هـ/1413 أغار القبارصة على الدامور منتصفَ المسافة بين بيروت وصيدا، ثم دخلوا المدينتين، وكان السلطان المؤيد شيخ المحمودي (12-1421م) وقتذاك في بعلبك فنهض إليهم، وتضامَّ لحربهم داود الجركسي نائب دمشق وقاسم بن محمد الشهابي أمير وادي التيم وسيف الدين أمير الغرب بقواتهم، والتقى الجمعان في صيدا وصُرِعَ من القبارصة سبعون قبل أن يلوذ الباقون بالفرار.[61] وسنة 843هـ/1439 جرت معركة قُتِلَ وأسر بها عدد من المسلمين من أهل دمياط من تجار وبحارةٍ كانوا في صيدا بصدد التجارة وسلب الفرنجة ثلاث سفنٍ من الميناء.[61]
ودهم صيدا وباء الطاعون -وكان أعظمَ وباءٍ عرفته البشرية (46-1350) اتشحتِ الأرض بسواده من الصين إلى إنجلترا- ولئن لم تك لدينا بياناتٌ عما خلفه بصيدا من آثار فادحة، إلا أن الروايات عنه في سائر الأمصار توحي بعظم المصيبة وخاصة في الحواضر الساحلية، لأنه كان ينتقل بواسطة جرذان السفن.[68] على أن توالي الدمار والإعمار والحروب والغارات لم يُتحِ استقراراً راسخاً أو ازدهاراً دائماً، فيذكر أبو الفداء صيدا سنة 721هـ/1321 مدينةً صغيرةً تتبع ولاية الشام وبها قلعة،[هامش 11] ويروي المؤرخون أن صيدا بقيت إما خَرِبَةً أو بلدةً لا شأنَ لها إلى أوان فخر الدين الثاني.[69] وفرض منطق الأمور على المدينة عمارةً حربيةً كالقلاع والأسوار عنيَ بها المماليك،[70] وتخطيطاً متوائماً مع الخطرِ المباغِتِ، فكانتِ الأحياء من أزقةٍ ضيقةٍ متعرجةٍ يتوه بها الغريب، ذاتِ سباطاتٍ (قناطر) أحياناً يمكن من أعلاها تصيد المهاجمين، ومنازلَ بلا نوافذَ في الطوابق الأرضية.[57] ومع الخطر المتكرر جاء اضمحلال العمران وهجرة السكان، فقال عنها الرحالة أودولف السدهيمي (النصف الأول من القرن الرابع عشر الميلادي): «مدينة ساحلية تحيط بها أبراجٌ وأسوارُ مرتفعةٌ، لكنها مهجورة»، وقبله بقليلٍ لم يرَ فيها ابن بطوطة غير صادراتها لمصر: «على ساحل البحر، حسنة، يُحمل منها التين والزبيب والزيت إلى مصر»،[71] أما جون بولونر فرآها سنة (21-1422):[72] «مدينة فينيقية تشهد خرائبها في الوقت الحاضر بعظمتها، وخارج أطلالها بُنيت مدينة صغيرة حقاً، ولكنها حصينةٌ وينقصها الرجال للدفاع عنها.»
عقب دخول العثمانيين (1516م) باتت صيدا واحدةً من عشرة سناجقَ تتبع إيالة دمشق الشام. كانت تطورات الحياة وئيدةً سحابةَ القرن السادسَ عشرَ اضمحلت فيها البلد وغدت أشبه بقريةٍ وادعةٍ،[73][هامش 12] وبدت للرحالة سنديس عندما زارها (10-1611) مدينةً فقيرة،[72] إلى أن وليَ فخر الدين المعني الثاني إمارة الشوف فضمها واتخذها حاضرةً له (1594م) وأقره عليها والي الشام سنة 1009هـ/1600، ثم شهدت في ولايته الثانية (18-1633) انتعاشاً صريحاً إذ شجع الزراعة فيها وتربية دودة القز وصناعة الحرير والزيت والزجاج والصابون والصباغة والتجارة، فاجتذب التجار من أوروبا؛ الدويلاتِ الإيطاليةِ وهولندا وإنكلترا وبخاصةٍ فرنسا، وعينت هذه الدول قناصلَ لها في صيدا، وتطلب ذلك نهضةً عمرانيةً فشيد الخاناتِ كخان الإفرنج أو خان المير (1620م) وخان الرز، والحمامات كحمام المير (الحمام البراني)، وأعاد تعمير المرفأ -وكان قد دمره المماليك لئلا يرسوَ فيه القراصنة خلال غاراتهم- ووسعه، وأصلح قلعة البحر ورمم مسجدها، وبنى جامع السراي، وأنشأ جسراً على كلٍّ من نهري الأولي وسينيق وشبكة طرقٍ لتحسين المواصلات، وصاحبَ الثراءَ الجديدَ زيادةُ السكان وتشييدُ القصور والدور، لكنه أواخرَ عهده أطمى المرفأ بالحجار والرمال وحطام السفن ليعوق العثمانيين عن اقتحامه على الأرجح، وصارت السفن ترسو أمام «الزيرة»،[هامش 13] وتُجمع المصادر على أن صيدا ضَؤلت ضآلةً شاملةً من بعده.[74][75][47][76]
وسنة 1071هـ/1660 غدت صيدا لنحو قرنٍ إيالةً يتولاها باشا[77][78][هامش 14] بغية مراقبة الجبل وأمرائه،[79] [ومن توابعها الشوف وجبل عامل وصور]، ومن ولاتها أسعد باشا العظم (30-1734) وبعدها وليَ دمشق الشام حيث بنى قصر العظم المنسوب له، وخلفه أخوه سعد الدين (34-1743)، وخلفه سليمان باشا العظم (43-1744)، ثم عاد لها سعد الدين (44-1748)، وسنة 1749 ضم والي صيدا مصطفى العظم الُملقَّب بـ«القواص»[هامش 15] لأمير الشوف ملحم الشهابي (حكم 29-1753) بيروتَ، وكانت قضاءً (قائممقامية)،[80] وفي 19-10-1759 ضربت زلزلةٌ عظيمةٌ صيدا وجوارَها ثم أخرى في 14-11-1759، فكان أثرهما على عمران البلد كبيراً.[81] وفي النصف الثاني من القرن زارها الرحالة الفرنسي ڤولني (1757-1820) (بالفرنسية: Volney) وتكلم عها بتفصيلٍ وقدرها بخمسة آلاف نفس.[82]
وسنة 1184هـ/1770 عزم ضاهر العمر على ضمها فسار إليها وانتصر في النبطية مستعيناً بالمتاولة على يوسف بن ملحم الشهابي أمير الشوف المتحالف مع خاله إسماعيل أمير وادي التيم، ثم عين أحمد آغا الدنكزلي المغربي الأصل متسلماً على صيدا، فوجه الباب العالي عثمان باشا المصري والي الشام مع الأمير يوسف إليه وحوصرت صيدا سبعة أيام، وكادت تسقط لولا عمارةٌ بحريةٌ روسيةٌ وردت دعماً لضاهر العمر قصفت المحاصرين حتى أجلتهم إلى «حارة صيدا» شرقي البلد، وسار العمر ومعه قوات مصرية أعانه بها علي بك الكبير وانتصر على القوات العثمانية في الغازية (24-5-1771) جنوب صيدا، ثم أرسل لوالي الشام يعلن خضوعه للدولة العلية طالباً ولاية صيدا فاستجيب له سنة 1773، وبذا غدا يوسف الشهابي تابعاً له.[83]
وفي سنة 1187هـ/1773 سيّر عثمان باشا المصري والي الشام أحمد باشا الجزار متسلماً على بيروت، لكن الأخير انتقض عليه، فضيق عليه عثمان باشا حتى ألجأه للخروج من بيروت، فخرج الجزار إلى صيدا وانتصر في طريقه على كمينٍ هدف للقضاء عليه، ثم عاد لبيروت فدخلها ومنها إلى بعلبك. واتصل الجزار -وقد لمع اسمه- بضاهر العمر عارضاً خدماته، فاستقدمه هذا إلى عكا وعينه قائد جيشه، وكان العمر ثائراً على الدولة فانقلب الجزار عليه وقتله (وقيل قُتِلَ بمؤامرةٍ من أحمد الدنكزلي)، وسيطر على ولاية عكا فجمعت له الدولة صيدا معها،[76] فقام بطرد الفرنجة من تجارٍ ومقيمينَ من صيدا متخذاً من عكا قاعدةً لحصانتها،[هامش 16] فذوى نشاط صيدا وخبا بريقها، وإن بقيت الإيالة تدعى إيالة صيدا مع أن عكا قاعدتها.[هامش 17] وفي تقريرٍ للقنصل النمساوي (14-12-1833) أن إبراهيم باشا (ابن محمد علي وقائد الحملة المصرية على بلاد الشام) فكر بجعل صيدا قاعدةً له بعدما يُصلح ميناءَها،[84] وزاد الطين بلةً الزلزال الكبير عام 1837 الذي أتى على معظمها، وقام سليمان باشا الفرنساوي -المهندس العسكري للجيش المصري- في أعقابه بإنشاء سور يحيط بها من البر، ثم أتى القصف المدفعي البحري لعمارةٍ إنجليزيةٍ فرنسيةٍ واحتلالها سنة 1840 للضغط على محمد علي.[47]
إدارياً أُنشِئَت ولاية صيدا سنة 1256هـ/1840، ثم باتت أحد أقضيةٍ أربعة؛ بيروت وصيدا وصور ومرجعيون تؤلف سنجق بيروت وهو أحد ثمانيةِ سناجقَ تابعةٍ لولاية سوريا في (9 جمادى الآخرة 1281هـ/8-11-1864) وقاعدتها دمشق، وسنة 1285هـ/1868 كان يتبع قضاء صيدا 48 قرية. ويذكر أن أهالي صيدا تقدموا بعريضةٍ لضمها لمتصرفية جبل لبنان غالباً للإفادة من ميزات قانونها الخاص لا سيما الامتيازات الضريبية، بدعوى أن التقسيمات الإدارية غير متّسقةٍ سكانياً وجغرافياً، فمثلاً كان يتبع صيدا نصف مغدوشة ورُبْع عبرا، وباقي القريتين يتبع لجبل لبنان، وكان خلف العريضة ثلاث شخصياتٍ معروفةٍ من عائلات الأسير والزين والبزري، لكن السلطاتِ لم تستجبْ لها. وسنة 1306هـ/1888 غدت صيدا قضاءً في ولايةِ بيروتَ حديثةِ العهد، وامتدت ما بين قضائي جزين-مرجعيون وصور (تألف لواء بيروت من هذه الأقضية الثلاثة إضافةً لقضاء بيروت،[هامش 18] وتألفت ولاية بيروت من ألوية (متصرِفيّات) بيروت وطرابلس واللاذقية ونابلس وعكا). كانت تتبع لواء صيدا 128 قريةً بمساحة 355 كم²، وفي السنة التالية ضُمَّت له نواحي الشقيف وجباع والشومر وبات يتبعه 137 قرية، وسنة 1310هـ/1893 اقتُطع منه بعضُ المناطق وأضحى يتألف من 149 قرية.[76][85][هامش 19] وذكر رفيق التميمي ومحمد بهجة في كتابهما "ولاية بيروت" (1917) سنداً لبيانات دوائر النفوس الرسمية عدد سكان قضاء صيدا 54 ألفاً، وقضاء صور 41 ألفاً، وقضاء مرجعيون 31 ألفاً، بينما بلغ قضاء بيروت 50 ألفاً، وهي أربعة الأقضية التي تشكل لواء بيروت.[86] وعامي 1909 و1913 انتُخب أحد أبنائها رضا الصلح نائباً عن ولاية بيروت في مجلس المبعوثان العثماني.[87] ومن أعلامها النابهين تلك الفترة الشيخ يوسف الأسير (17-1889) درس في دمشق والأزهر، ودرّس العربية في مدرسة المعلمين العليا في إسطنبول ومدارس ييروت، وشغل منصب مفتي عكا وأول نائب عام (مُدّعٍ عام) لمتصرفية جبل لبنان.[88]
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى (14-1918) نال من صيدا الفقر ومصادرة المحاصيل والدواب لصالح الجيش، وتهربَ أبناؤها من «الجهادية» (التجنيد الإلزامي) كما الحال في جميع بلاد الشام، وكان توفيق البساط ابن صيدا ضمن قائمة ضحايا الإعدام في ساحة البرج (ساحة الشهداء) في بيروت (6-5-1916).[76] ونُفي رضا الصلح وابنه رياض إلى إزمير (16-1917).[87]
احتلّت الساحلَ السوري قواتُ الحلفاء من إنجليزٍ وفرنسيين سنة 1918، فيما احتلت قوات الثورة العربية الكبرى (16-1918) الداخلَ، وفي 30-9-1918 اقتحم رياض الصلح مع عددٍ من الشباب دار البلدية (السراي) في صيدا ورفعوا العلم العربي،[89] وعندما أعلن عن الانتخابات للمؤتمر السوري العام (19-1920) مثل فيه رضا الصلح (1860-1935) وابنه رياض (1893-1951) وعفيف الصلح صيدا،[هامش 20] واختير رضا الصلح وزيراً للداخلية في حكومة علي رضا الركابي (9 آذار/مارس - 3 أيار/مايو 1920) بعد إعلان المؤتمر المملكة السورية العربية لسوريا الكبرى في 8 آذار/مارس 1920، ثم -عقب استقالة الوزارة- رئيساً لمجلس الشورى حتى 24 تموز/يوليو 1920، وكان أخوه منح الصلح (ت 1921) من مؤسسي جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا عام 1877م.[87][90]
بعد احتلال سوريا في تموز/يوليو 1920 (لم يصدر صك الانتداب حتى عام 1922) ضُمَت الأقضية الأربعة (وهي بعلبك والبقاع الغربي وراشيا وحاصبيا من أراضي ولاية سوريا) لمتصرفية جبل لبنان بقرار الجنرال غورو رقم 299 تاريخ 3-8-1920، تبعه ضمَ أجزاءٍ من ولاية بيروت؛ سنجقي بيروت وصيدا، وجزءٍ من سنجق طرابلس (قضاءَيْ طرابلس وعكار وقسمٍ من قضاء حصن الأكراد) ومتصرفية جبل لبنان بالقرار 319 تاريخ 1-9-1920[91][92] تحت اسم لبنان الكبير. قسَّم الفرنسيون لبنان إلى ستةِ سناجقَ (8-2-1922) كان أحدها لبنان الجنوبي ومركزه صيدا، ثم في 9-4-1925 أعادوا تقسيمه إلى إحدى عشرة محافظة، ثم في 3-2-1930 إلى خمس محافظات. تألفت محافظة لبنان الجنوبي وقاعدته صيدا من سبعة أقضيةٍ هي صيدا وصور وحاصبَيّا ومرجعيون وبنت جبيل والنبطية وجزين، ومابرحت هذه الأقضية قائمةً لليوم.[93]
وقامت مظاهرة كبرى في صيدا في آب 1936 تضامناً مع ثورة فلسطين استخدم الدرك النار لتفرقتها فسقط منها قتيلان وجرحى، ثم اعتقل أربعة من الداعين لها، فأضربت المدينة ثمانية أيامٍ حتى أفرج عن المعتقلين.[94] وعندما اعتقل رئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة في 11-10-1943، وكان منهم من أبناء صيدا رئيسها رياض الصلح وعادل عسيران (وزير الإعاشة والتجارة والصناعة وقتئذٍ، ورئيس مجلس النواب فيما بعد) انطلقت من الشاكرية أكبر مظاهرةٍ في تاريخ صيدا فتلقاها الفرنسيون بإطلاق االنار عند السراي فسقط ستة قتلى وجرحى كثر.[95] وعام 1948 تطوع العديد من أبناء صيدا في جيش الإنقاذ للقتال في فلسطين وعلى رأسهم معروف سعد (النائب فيما بعد).[96] وبعد نزوح الفلسطينيين تأسس مخيم عين الحلوة سنة 1949 على بعد ثلاثة كيلومتراتٍ جنوب شرق صيدا، والذي توسع نتيجة الهجرات اللاحقة (حرب 1967، والحرب الأهلية، والأزمة السورية) ليغدوَ أكبر مخيم في لبنان مساحةً وسكاناً (يقدر عدد سكانه بأربعةٍ وخمسين ألفاً عام 2015)، ومنه خرج ناجي العلي (37-1987) رسام الكاريكاتير العربي الأشهر، ومخيم المية ومية سنة 1954 على مبعدة أربعة كيلومتراتٍ شرق صيدا، وقدر سكانه بخمسة آلافٍ عام 2015.
وافتتحت شركة أرامكو خط التابلاين لنقل النفط من حقل بقيق السعودي إلى الزهراني جنوب صيدا للتصدير سنة 1951، كما أنشأت شركة أمريكية مصفاة نفط الزهراني (افتتحت 1954) للاستهلاك المحلي.[97] وحدثت زلزلة كبيرة دعيت زلزال شحيم في آذار 1956 تهدم بسببها عمران كثير وبوشر بعدها بحملة تعمير، ولم تسهم صيدا في الأزمة اللبنانية لعام 1958 الشعبية والسياسية وحافظت على وحدتها الوطنية.[98] كما شهدت المدينة نهضةً في القطاعات الاقتصادية والتعليمية والطبية والخدمية.[99] ومن أعلامها النابهين تلك الفترة معروف سعد (10-1975) نائب صيدا لأربع دوراتٍ متتاليةٍ (57-1972) ورئيس بلديتها (63-1973) عمل على مشاريعَ عديدةٍ كفتح المدارس، ومدرسة المعلمين، وإنارة الشوارع، وتأسيس فوج الإطفاء، ومشروع إعادة إعمار مخيم عين الحلوة بعد زلزال شحيم (1956م)، وشجع الجمعيات والنقابات، مؤسس التنظيم الشعبي الناصري (1973م)، توفي متأثراً بجراحه في 6-3-1975 نتيجة إطلاق النار عليه في ساحة النجمة بصيدا في مظاهرةٍ للصيادين، ويعد الكثيرون اغتياله شرارة الحرب الأهلية اللبنانية الفعلية قبل حادثة عين الرمانة.[100]
إدارياً قضى القانون رقم 36 (23-9-1975) باستحداث محافظةٍ سادسةٍ هي محافظة النبطية من أقضية النبطية وحاصبيا ومرجعيون وبنت جبيل، وفصلها عن محافظة لبنان الجنوبي التي باتت مؤلفةً من ثلاثة أقضيةٍ؛ صيدا وصور وجزين،[101] ونال صيدا مثل باقي المناطقِ آثارُ الحرب الأهلية (75-1989) التي انتهت باتفاق الطائف (22-10-1989)، وبرز على أثرها ابن صيدا رفيق الحريري (1944-2005) الذي غدا رئيساً للوزراء لفترتين (92-1998) و(00-2004)، وأثار اغتياله في (14-2-2005) تداعياتٍ كبيرة على مستوى لبنان والمنطقة، وكذلك فؤاد السنيورة وزير المالية في وزارات الحريري ورئيس الوزراء (05-2009).
تقع مدينة صيدا على ساحل البحر الأبيض المتوسط في جنوب لبنان وسط سهلٍ ضيقٍ ينحصر بين مصبّي نهر الأولي شمالاً ونهر سينيق جنوباً يدعى سهل صيدا، وتبعد نحو 45 كيلومتراً إلى الجنوب من بيروت و40 كيلومتراً إلى الشمال عن صور، ويختلف موقع المدينة الحديث عن مكان مدينة «صيدون» الكنعانية الشهيرة، فقد كانتِ المدينة الكنعانية توغل نحو الشرق أكثر (والدليل على ذلك أنّ معظم الآثار الكنعانية المكتشفة وُجِدَت في منطقتي القباعة والهلالية؛ ومؤخراً في تلة شرحبيل بن حسنة)، وبينما انحصرت صيدا قديماً ضمن أسوارها حتى أواسط القرن التاسع عشر، فإنها أخذت بالتوسّع شمالاً وشرقاً على حساب البساتين التي تُغطِّي سهلها، والتي تتقلَّص باستمرار في مئة السنة الأخيرة، ويشتهر سهل صيدا بزراعة الحمضيات والموز. وتبلغ مساحة المدينة الحديثة 779 هكتاراً أو 7.79 كيلومتر مربع، وترتفع عن مستوى البحر عشرة أمتار بالمتوسّط، ورمزها الجغرافي هو 61100.[3]
وإلى الشرق من صيدا يقع الوادي المتصدع الكبير (أو حفرة الانهدام السورية الإفريقية، أو الصدع السوري الإفريقي العظيم) أطول صدعٍ على اليابسة الأرضية، ويفصله عن الساحل اللبناني سلسلة جبال لبنان الغربية وجبل عامل، ويعد السبب في الزلازل التي يتعرض لها غربي بلاد الشام -ومنه صيدا- عبر التاريخ كزلزال شحيم لعام 1956، بسبب انزياح الصفيحتين القاريتين العربية والإفريقية نحو الشمال بمقاديرَ متفاوتةٍ مسببةً إجهاداتٍ تكتونيةً في القشرة الأرضية. وإلى الشمال الغربي من صيدا على مسافة نحو ثمانبن متراً تقع جزيرة صغيرة تقوم عليها القلعة البحرية ويصلها بالبر جسر قائم على تسع قناطر، وإلى شماليها الغربي جزيرة أكبر تدعى «جزيرة صيدا» أو الجزيرة (الزيرة) وهي متطاولة من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي وتقوم جنوبيها منارة لإرشاد السفن، وكانت في التاريخ الغابر ذاتَ أرصفةٍ لرسو السفن.[102]
وشمال صيدا بنحو 4 كم يقع مصب نهر الأولي وهي تسمية حديثة منذ القرن السادس عشر، ولكن المسلمين عرفوه باسم نهر الفراديس لكثرة البساتين التي تحف به، وإلى الجنوب منها مباشرةً يصب نهر سينيق، ويشرف عليها من الشرق أربعة تلالٍ؛ تل البرامية من الشمال وإلى جنوبه الشرقي الهلالية، فتلة مار الياس جنوب الهلالية ثم مغدوشة إلى الجنوب منها. وتكثر جنوب المدينة تلال أصداف المعريق (الموريكس) المتخلفة من عملية تحضير الصباغ الأرجواني التي عرفتها صيدا منذ العصور القديمة.[102]
مناخ مدينة صيدا هو مناخ مداري دافئ ومعتدل، وتهطل الأمطار فيها خلال فصل الشتاء، وتندر الأمطار نسبيًا في فصل الصيف. هناك فرق 207 ملم أو 8 بوصات لهطول الأمطار بين أكثر الشهور جفافًا وأكثر الشهور الممطرة. الاختلاف في درجات الحرارة السنوية حوالي 15.1 درجة مئوية أو 27.2 درجة فهرنهايت. يبلغ متوسط درجة الحرارة السنوي 20.4 درجة مئوية، ومتوسط هطول الأمطار السنوي 732 ملم، ويعتبر شهر يوليو هو الشهر الأكثر جفافًا، أما شهر يناير فهو الشهر الأكثر رطوبة، وفيه تهطل فيه الكثير من الأمطار بمتوسط 186 ملم. أما شهر أغسطس فهو الشهر الأعلى في درجة الحرارة، ويكون متوسط درجة الحرارة فيه هو 27.2 درجة مئوية. وعادة ما يكون شهر فبراير هو الشهر الأكثر برودة على مدار العام، ويبلغ متوسط درجة الحرارة فيه 13.7 درجة مئوية.
متوسط درجة الحرارة في المدينة:[103]
البيانات المناخية لـصيدا | |||||||||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
الشهر | يناير | فبراير | مارس | أبريل | مايو | يونيو | يوليو | أغسطس | سبتمبر | أكتوبر | نوفمبر | ديسمبر | المعدل السنوي |
متوسط درجة الحرارة الكبرى °ف | 58.6 | 60.4 | 64.6 | 70 | 83.1 | 82.0 | 85.6 | 86.2 | 83.7 | 78.6 | 70.3 | 62.2 | 73.8 |
متوسط درجة الحرارة الصغرى °ف | 45.7 | 46 | 49.5 | 54.0 | 60.4 | 66.7 | 71.1 | 72.0 | 69.3 | 63.9 | 55.6 | 49.3 | 58.6 |
الهطول إنش | 8.3 | 6.9 | 4.4 | 2.4 | 0.9 | 0.3 | 0.2 | 0.2 | 0.4 | 1.9 | 4.7 | 7.9 | 38.5 |
متوسط درجة الحرارة الكبرى °م | 14.8 | 15.8 | 18.1 | 21 | 28.4 | 27.8 | 29.8 | 30.1 | 28.7 | 25.9 | 21.3 | 16.8 | 23.2 |
متوسط درجة الحرارة الصغرى °م | 7.6 | 8 | 9.7 | 12.2 | 15.8 | 19.3 | 21.7 | 22.2 | 20.7 | 17.7 | 13.1 | 9.6 | 14.8 |
الهطول مم | 211 | 176 | 111 | 60 | 23 | 8 | 4 | 4 | 11 | 49 | 120 | 201 | 978 |
المصدر: [en 4] |
تختلف تقديرات عدد سكان صيدا، فهي تصل بحسب بعض الإحصاءات إلى 110,000 نسمة، بينما تصل بالنسبة لإحصاءات أخرى إلى 250,000 نسمة.[en 5]
يناهز عدد سكان صيدا من 110,000 إلى 250,000 نسمة وهي المدينة الثالثة بعد بيروت وطرابلس وفقاً لعدد السكان. وتجدر الإشارة إلى أن حوالى 25% من سكان المدينة هم من الفلسطينيين وإلى أن المدينة تضم عدداً لا يستهان به من الأجانب.
تنتمي الغالبية العظمى من سكان صيدا إلى الدين الإسلامي وخاصةً من الطائفة السنية، ومع وجود عدد قليل من الشيعة والمسيحيين. وصيدا هي المقر الرئيسي لأساقفة الروم الملكيين الكاثوليك في صيدا ودير القمر، وقد كان لها عدد كبير من السكان الكاثوليك عبر تاريخها. كما تستضيف صيدا مقر آية الله الشيعي في جنوب لبنان. وفي ثلاثينات القرن الماضي أثناء الانتداب الفرنسي كانت في صيدا أكبر جاليةٍ من السكان اليهود في لبنان إذ قُدر عددهم بـ 3588 في حين كان يقدر عددهم بـ 3060 في بيروت.
فيما يلي توزيع سكان صيدا حسب الديانة وفقاً للتوزيع المذهبي للناخبين في عام 2018:[6]
الدين | النسبة المئوية % |
---|---|
أهل السنة والجماعة | 84.2% |
الشيعة الاثنا عشرية | 9.1% |
الروم الملكيون الكاثوليك | 2.8% |
الموارنة | 2.0% |
الروم الأرثوذكس | 1.1% |
الأرمن الأرثوذكس | 0.6% |
الإنجيليون | 0.2% |
اللاتين | 0.2% |
الموحدون الدروز | 0.1% |
تتميز مدينة صيدا بتعدد عائلاتها والتي قارب عددها 599 عائلة.[104]
مدينة صيدا عاصمة محافظة الجنوب في لبنان إحدى ثماني محافظات في البلاد، كما أنها المركز الإداري لقضاء صيدا أحد ثلاث أقضيةٍ تتألف منها المحافظة. يمتدّ قضاء صيدا على مساحة 275 كيلومتراً مربعاً، وتقع حدوده بين نهر الأولي شمالاً ونهر الليطاني جنوباً، ويجاوره من جهة الشمال محافظة جبل لبنان، ومن الشمال والشمال الشرقي قضاءا النبطية وجزين، ومن الجنوب الشرقي والجنوب قضاءا النبطية وصور.[105] على الصعيد السياسي يضمّ قضاء صيدا 207,660 نسمة (إحصائية 2012) أي نحو 5.4% من سكان لبنان، وهو يشترك في دائرةٍ انتخابيةٍ واحدةٍ مع قضاء جزين المجاور. يبلغ عدد الناخبين المسجلين في هذه الدائرة نحو 120,000 نسمة منهم 60% من المسلمين (ثلاثة أرباعهم تقريباً على المذهب السني) و40% من المسيحيّين،[106]
وكان يتبع قضاء صيدا 47 بلدية في عام 2012، من ضمنها «بلدية صيدا» التي يقع فيها مركز القضاء،[105] ويتولّى إدارة شؤون مدينة أو بلدية صيدا مجلس إداري مكوَّن من عشرين عضواً،[2] وبلغ عدد المشاركين في الانتخابات المحلية ستين بالمئة من الناخبين المسجّلين في صيدا عام 2018.[107] ويتبع المجلس عدّة أقسام ودوائر فرعية، من ضمنها: المصلحة الإدارية، والمصلحة المالية، ومصلحة الهندسة، ومصلحة الشؤون الصحية والبيئية.[2] وكان المجلس البلدي في عام 2019 يضمّ عضوتين من النساء فقط، وذلك رغم كثرة الموظّفات النساء في البلدية بعمومها.[108] وقد انتُخِبَ أو عُيِّن رؤساء مجلس بلدية صيدا منذ عام 1873،
وفيما يلي أسماؤهم:[2]
سنوات المنصب | رئيس البلدية |
---|---|
1873 | محمد آغا القبرصلي |
1877-1878 | ابراهيم آغا الجوهري |
1878-1879 | الحاج محمود أفندي |
1879-1908 | ابراهيم آغا الجوهري |
1908-1910 | جميل البزري |
1910-1914 | مصباح البزري |
1914-1916 | محمود كالو |
1916-1920 | أحمد النقيب |
1920-1922 | مصباح البزري |
1922-1923 | يوسف الجوهري |
1923-1933 | سعيد البزري |
1934-1937 | محمد بهيج الجوهري |
1937-1951 | صلاح البزري |
1952-1959 | نزيه البزري |
1962-1972 | معروف سعد |
1979-1998 | أحمد الكلش |
1998-2004 | هلال قبرصلي |
2004-2010 | عبد الرحمن البزري |
2010-2016 | محمد السعودي |
2016-حالياً | محمد السعودي |
نُظِّمَت مدينة صيدا عقارياً في فترة الانتداب الفرنسي أثناء مسحٍ عقاريّ عامٍ شَمِلَ مناطق سوريا ولبنان كافة، وفيه ثُبِّتَت حدود المناطق العقارية منذ عام 1926.[109] ويذكر أن صيدا واحدةٌ من المناطق المشمولة بخطة إستراتيجية للتنمية العمرانية عملت عليها الحكومة اللبنانية في مناطقَ مختلفةٍ من البلاد منذ عام 2008، وقد اكتملت الدراسة الاستراتيجية لكيفية تطوير صيدا معمارياً، لكن لم يتبعها تنفيذٌ أو تطبيقٌ عمليٌّ يُذْكَر.[110]
تضم مدينة صيدا تجمعات اقتصادية تعد من أكبر التجمعات في الجنوب اللبناني، لأنها -بصفتها عاصمته- تُعتبر مركز استقطاب مالي وتجاري وصناعي وخدماتي وصحي للمنطقة بكاملها، وهذا أنتج ترابطاً وثيقاً بين المدينة وجوارها الممتد جنوباً ضمن مدن صور والنبطية والمنطقة الحدودية، وكذلك شرق صيدا وجزين وشمالاُ لإقليم الخروب والشوف، وجعلها مركز الثقل الاقتصادي في الجنوب. وتعتمد مدينة صيدا على القطاعات التجارية والصناعية والزراعية والتربوية والصحية والبحرية الصيد البحري وقطاع الخدمات والسياحة في اقتصادها.[111]
اجتاح الإسرائيليون صيدا عام 1982 واحتلَّوها ثلاث سنواتٍ، ونجم عن ذلك سقوط مئات القتلى ودمار هائل بالمدينة شلَّ حركتها الاقتصادية مما تسبَّبت في أضرارٍ كبيرةٍ على التجارة والاقتصاد أحصيت كما يلي: دمار كلي في 1,500 مسكن، و150 مكتب ومؤسسة، و400 محل تجاري، و3 مدارس و100 قارب صيد، ودمار جزئي في 2,000 مسكن، و80 مكتب تجاري، و4 مدارس، و3 مستشفيات، ودمار معظم المرافق العامة كما أُصيبت البنية التحتية بالشلل التام كالطرقات والكهرباء وشبكات الصرف الصحي وشبكات المياه، أما بالنسبة للمعالم التاريخية فقد تهدمت الواجهة البحرية للمدينة القديمة وقسم من الجامع العمري الكبير، وبعض المعالم الأخرى.[47]
يُعَدّ العامل البشري من أهم مقومات الاقتصاد الصيداوي، ويبلغ عدد السكان المقيمين حالياً في منطقة صيدا المدينة مع سبع قرى مجاورة 130,300 نسمة. هناك أيضًا نحو سبعين ألف لاجئ فلسطيني يقيمون في مخيم عين الحلوة المجاور للمدينة، بينما يبلغ عدد سكان صيدا المسجلين رسمياً نحو ثمانين ألفاُ، حوالي 25 في المئة منهم يقطنون خارج حدود المدينة، وتتراوح الكثافة السكانية لصيدا بين 100 شخص و800 شخص في الهكتار الواحد. تُقدَّر نسبة الوافدين الدائمين للسكن في المدينة وضواحيها بأكثر من أربعين في المئة من عدد السكان الإجمالي، فيما يفد إلى المدينة يومياً بقصد العمل أو الاستفادة من مرافق الخدمات المختلفة فيها بحوالي 18 ألفاً، ويمر عبر المدينة يومياً من وإلى الجنوب حوالي 35 ألفاً. نسبة العاملين من سكان المنطقة تبلغ 38%، يتوزعون على القطاعات الرئيسية أدناه.[47]
تطوّر القطاع التجاري في المدينة تطوّراً ملحوظاً إذ ترتبط الحركة التجارية فيها بعوامل النقل المحلية البرية والبحرية. يلعب المرفأ دوراً يتوقع له أن يزداد بعدما يتم توسيعه، فهو وإن يك ثالث الموانئ اللبنانية لكنه لايشكل سوى 4% من إجمالي حركة النقل البحري في لبنان (نحو مئتي سفينة سنوياً). وتعد النشاطات التجارية من أهم الوظائف التي تقدمها المدينة ليس لسكانها فحسب؛ وإنما أيضاً لفئةٍ واسعةٍ من السكان القاطنين خارجها، إلى جانب أنها أحد الأسباب الرئيسية الجاذبة للهجرة إلى المدن لما تقدمه من مجالاتٍ واسعةٍ لتشغيل الأيدي العاملة، يُظهر القطاع التجاري قدرته على تأمين فرص عملٍ لأكثر من 75% من سكان المدينة بسبب ضعف قطاعي الزراعة والصناعة في الناتج المحلي للمدينة ما دفع هذا القطاع لأن يتصدر سائر قطاعات الإنتاج، ومن أهم أسباب هذا الأمر ازدياد أعداد المؤسسات التجارية والخدماتية في صيدا بسبب موقع المدينة الوسطي بين باقي المناطق المجاورة. أضحت صيدا مقصداً مهماً للرواد للحصول على الخدمات والمستلزمات، وتُمَثِّلُ التجارة أهم أوجه العلاقات الوظيفية بين المدينة ومنطقة الجنوب وإقليم الخروب، فهي وسيط الاتصال والتعامل بين أجزاء الريف، وبينها وبين الأقاليم الريفية الأخرى ومدنها. تتركز الحركة التجارية في المدينة في وسطها التجاري وحول الطريق الرئيسية التي تخترقها إلى الجنوب -وبالعكس- عبر شارع رياض الصلح. وقد ساهم تطور خطوط النقل والنمو السكاني في اجتذاب بعض المراكز التجارية إلى خارج حدود المنطقة التجارية المركزية.[47]
بلغ عدد المراكز التجارية في مدينة صيدا عام 1990 حوالي 1,336 مركزاً، بينما وصل عدد هذه المراكز عام 2004 إلى حوالي 1,200 مركز، ويرجع السبب في انخفاض عدد المراكز إلى أن المراكز التجارية باتت أكثر تخصصاً وأصبحت مستقلة عن المراكز الخدماتية، لأن انخفاض عدد المراكز التجارية قابله ارتفاع في عدد المراكز الخدماتية. ومن ناحية أخرى العديد من المساحات التي كانت مشغولة بعدة مراكز صغيرة المساحة تحولت إلى مراكز كبيرة ومن عدة طبقات، خاصة في منطقة السوق الشعبي.[47] يتميز هذا القطاع حالياً بتنوّعه، وأبرز أقسامه هي: تجارة الإكسسوارات والعطورات، وتجارة الأدوات المنزلية والأدوية، وتجارة الألبسة والأقمشة، وتجارة المواد الغذائية، وغيرها الكثير، وتُشكِّلُ تجارة الألبسة أهم نوع وأكثر المراكز التي تشهد حركة تجارية.[112]
يأتي قطاع الصناعة في المرتبة الثانية وفقاً لعدد الأيدي العاملة (بعد قطاع التجارة والخدمات)، إذ يعمل به ومعه قطاع البناء حوالي 15% من مجموع الأيدي العاملة في صيدا.[113] في البداية كانت الصناعة في المدينة تتمثَّل بحرف منزلية لعائلات معينة، ثم نشأت في المدينة القديمة تجمّعات وظيفية لهذه الحرف، فأصبحت فيها سوق لكل صنعة يحمل اسمها، مثل: «سوق النجارين» و«سوق الصاغة» و«سوق الحاكين». وعندما انتقلت هذه الحرف إلى خارج المدينة القديمة بدأت الصناعة تفقد بعض ملامح تخصصها الوظيفي، إلا أن ذلك لم يؤثّر على ركائزها الأولية في الأحياء القديمة. وتتركّز -حالياً- التجمعات الصناعية في الجهة الجنوبية من المدينة، وذلك في المدينة الصناعية الأولى في صيدا وفي سينيق. إلا أن الصناعة في صيدا لم تتطور بالشكل المطلوب، ويغلب عليها الطبع الاستهلاكي وطابع المؤسسات الصناعية الصغيرة، وهي في مجملها تكاد تكون صناعات تحويلية وتجميعية تتوجه نحو تأمين متطلبات قطاعي البناء والزراعة والمتطلبات الحياتية للسكان، فمن أمثلتها ورش صيانة الآليات وتجميع المحركات الكهربائية، ومعامل البلاستيك والكرتون ومواد البناء ودباغة الجلود والنسيج والصابون والملبوسات وصناعة الحلويات العربية التي تشتهر بها صيدا[47]
تضم صيدا عدداً كبيراً من المرافق الصحية، إذ يوجد فيها 12 مستشفى خاص، وفيها مستشفى حكومي أنشئ عام 1950 يقوم بجانبه حالياً بناء جديد ومتطور للمستشفى الحكومي. ويبلغ عدد الأسرة في مستشفيات منطقة صيدا نحو 1,200 سرير. وتضم مستشفيات صيدا مراكز صحية متطورة لمعالجة معظم الأمراض، مثل: مراكز القلب المفتوح وغسيل الكلى ومعالجة العقم وزرع القرنية وغيرها. وتفوق نسبة المرضى طالبي العلاج في مستشفيات صيدا والوافدين من خارج المدينة خمسين في المئة من المجموع العام. وتنتشر في أنحاء مختلفة من المدينة مستوصفات صحية تابعة لجمعيات ومؤسسات أهلية، ويبلغ عددها سبع مستوصفات إلى جانب مركز الإنعاش الاجتماعي التابع لوزارة الصحة.[47]
يشكل صيد الأسماك مصدر رزق أساسي ورافداً مهماََ من روافد اقتصاد المدينة، فقد عُرِفَت بالصيد البحري وكان أهلها يعملون في هذه المهنة منذ أقدم العصور، إلا أن هذه المهنة تشهد تراجعاً بالرغم من ارتباطها بتاريخ المدينة وعلاقتها بالبحر، وأهم أسباب هذا التراجع هي الحالة الأمنية الناتجة عن الاحتلال والتهديدات الإسرائيلية التي كانت تحول دون ابتعاد الصيادين عن الشاطئ كثيراً، بالإضافة إلى وسائل الصيد البدائية والمنافسة التي تشهدها تجارة الأسماك المحلية من الأسماك المستوردة من الخليج العربي وإفريقيا وتركيا. وتتركز مهنة الصيد البحري في المدينة على ساحلها المطل على البحر المتوسط، فيما تتركز تجارة الأسماك في سوقين للسمك بالجُمْلة والمُفَّرق. ولا يتجاوز عدد العاملين في مهنة الصيد البحري في المدينة 500 صياد يعملون على نحو مئة وثمانين زورقاً.[47]
الخدمات من أهم الدعائم الرئيسية للاقتصاد الصيداوي، وأبرز وجوه هذا القطاع هو المصارف التي يتركز معظمها في الوسط التجاري للمدينة، فيما يتوزع عدد من المصارف في محيط المدينة ومنطقتها. ويوجد في المدينة فرع رئيسي للمصرف المركزي لمنطقة الجنوب. وتتركز في المدينة مؤسسات تختص بتقديم خدمات الإعلان والإعلام ودور النشر والمطابع والمحاماة والاستثمار العقاري وغيرها.[47]
يتجاوز عدد السائحين اللبنانيين والأجانب والعرب 90,000 سائح سنوياً، لكن على الرغم من غنى المدينة بالمعالم التاريخية والسياحية إلا أنها لاتفيد من السُوَّاح كثيراً، وذلك لقصر المدة التي يمضيها السائح بسبب قلة الفنادق وبعض عوامل الجذب الأخرى، وقد أُزِيلَ من المدينة فندق كبير وهو فندق طانيوس الذي كان من أهم أماكن المبيت فيها في منتصف القرن العشرين، أما الخدمات السياحية فهي محدودة وتقتصر على شركات السياحة والسفر وبعض المطاعم والمقاهي، وتفتقر بشكل خاص إلى مؤسسات الفندقة.[47]
تعتبر صيدا مدينةً أثريةً بامتياز نظراً لتاريخها العريق وآثارها الزاخرة التي تتراوح ما بين العصور الكنعانية القديمة حتى عهد الانتداب الفرنسي مروراً بالعصور الرومانية والعربية والصليبية والمعنية والعثمانية، والكلام عنها بالتفصيل يحتاج إلى مجلد خاص. وثد شهدت صيدا حركةَ اكتشافاتٍ أثريةٍ مهمةً بعد إجراء حفرياتٍ في المدينة وجوارها، ومن المعالم الأثرية المهمة في صيدا:
تُوجَّه انتقادات عديدة حول الإهمال الثقافي الذي تلقَاه مدينة صيدا، والذي وعدت السلطات (منذ فترة التسعينات خصوصاً) بمعالجته،[117] وقد أعيد منذ عدة سنوات إحياء «مهرجانات صيدا الدولية» واستقطبت حتى الآن عدداً كبيراً من الفنانين اللبنانيين والعرب، وتُقَام حالياً -كل فترة- فعاليات فنية وثقافية في فضاءات مختلفة من المدينة، وتوالت بعدها المبادرات الفردية والجماعية لاسترجاع بعض أمجاد الماضي. ويساهم في هذه الحركة وجود مراكز ثقافية أجنبية كالمركز الثقافي الفرنسي والمركز الثقافي الإيطالي، والتي تُغْنِي التبادل الثقافي بين أبناء المدينة والشعوب الأخرى. أما النشاطات الشبابية وتلك التي تعنى بالأطفال فتشغل حيّزاً كبيراً من النشاطات التي تشهدها المدينة، وهي نشاطات أسبوعية منها الترفيهية والبيئية والكشفية ومسابقات مدرسية ومراكز صيفية ومحترفات رسم وفنون، وتتولى تنظيم هذه النشاطات مؤسسات أهلية وجمعيات شبابية وفي إطار مهرجانات سنوية للثقافة والفن.[118]
أعيد إحياء مهرجانات صيدا الدولية عام 2016 بمبادرة من عدد من السيدات الناشطات في مجال العمل الاجتماعي والثقافي، واللاتي عملن ضمن «اللجنة الوطنية لمهرجانات صيدا الدولية»، واستطاعت هذه اللجنة في غضون وقت قصير أن تُشْهِرَ المهرجان بين المهرجانات الثقافية في لبنان، وقد أعادت إحياء ذكرى ثقافية من الماضي أيام مهرجانات المسرح العائم وجزيرة صيدا وقلعتها البحرية في منتصف القرن الماضي.[119]
تأسس «مركز معروف سعد الثقافي» في عام 1988 بقرار وتخطيط من النائب اللبناني الراحل مصطفى سعد، وبتمويل من رجل الأعمال حينها رفيق الحريري. كان الأخير يعرض الدعم على فعاليات المنطقة، فاختار سعد أن يستفيد من دعمه للصالح العام. في المدينة التي فُرض التغيير على بعض هويتها، بات المركز الملجأ الأخير حيث يمارس من لا مكان لهم، فنونهم وثقافتهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية. يقول معروف مصطفى سعد (الحفيد)، مدير المركز، إن المركز يعمل من وحي اسمه. فكما كان بيت جده معروف سعد المناضل الشعبي مفتوحاً للجميع، يفتح المركز أبوابه وقاعاته وملاعبه ومسرحه ومكتبته العامة لكل من يشبهه ويحاكي المبادئ والثوابت التي استشهد لأجلها. وهو يستضيف أنشطة الجمعيات والنوادي والأحزاب والناشطين مجاناً، إن لم يكن طابعها تجارياً، وتتحمل إدارته نفقات تجهيزها وتنفيذها. ولا تخلو أجندته الأسبوعية من أمسية لشعراء هواة أو نشاط لجمعية أهلية أو معرض لحزب لبناني أو فلسطيني.[120]
تشرف عليه حالياً مؤسسة الحريري التي أعادت ترميمه وتجهيزه ليتحول إلى مركز ثقافي لإحياء الحفلات الفنية والمعارض والنشاطات الثقافية على مدار العام أمام الزوار اللبنانيين والعرب.[121]
المركز الثقافي للبحوث والتوثيق هو مؤسسة أهليَّة تُعنى بشؤون الثقافة والفكر والاجتماع والبحث العلمي والحوار الديمقراطي والتربوي، والتي قامت إثر انتهاء ما اصطلح على تسميته بـ«حرب السنتين» أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.[122]
تُنظِّم معرض الكتاب العربي والإسلامي مؤسسة «روابي القدس»، وهو ينعقد سنوياً في صيدا منذ عام 2004.[123]
يدرس آلاف الطلاب في مدارس وجامعات صيدا، ويأتي هؤلاء الطلاب من مختلف مناطق الجنوب وإقليم الخروب والشوف، ولذلك فإنَّ القطاع التربوي يُحَرِّكُ اقتصاد المدينة بشكل غير مباشر. ويبلغ عدد طلاب المدارس الرسمية والخاصة في مدينة صيدا نحو عشرين ألف طالب، فيما يبلغ عدد الطلاب اللذين يتلقون علومهم في جامعات صيدا نحو تسعة آلاف طالب، والقسم الأكبر منهم يعيشون خارج المدينة. ويبلغ عدد المدارس في صيدا: 17 مدرسة خاصة و15 مدرسة رسمية للمراحل التعليمية كافة، وفي المدينة جامعتان رسميَّتان وجامعتان خاصَّتان.[47]
تضم صيدا العديد من الجامعات الخاصة والحكومية:
الجامعة | النوع |
---|---|
جامعة القديس يوسف - USJ | خاصة |
الجامعة الأمريكية للعلوم والتكنولوجيا - AUST | خاصة |
الجامعة اللبنانية الدولية - LIU | خاصة |
جامعة الجنان | خاصة |
معهد صيدون الجامعي | خاصة |
الجامعة اللبنانية - المعهد الجامعي للتكنولوجيا | حكومية |
الجامعة اللبنانية - كلية الادب والعلوم الإنسانية | حكومية |
الجامعة اللبنانية - كلية الحقوق | حكومية |
الجامعة اللبنانية - كلية الصحة | حكومية |
منذ العصور القديمة كانت المواصلات بين صيدا وبيروت والمدن الكبرى المجاورة معتمدةً على قوافل الإبل التي لها طرقٌ ومحطَّات (خانات) مُخصَّصة للسفر، وكانت الرحلات بين صيدا وبيروت خصوصاً شبه يومية في وتيرتها، إما للتجارة أو للزيارة أو غير ذلك، وكانت الرحلة بين المدينتين تستغرق ما بين ست إلى تسع ساعات، وكان توقف القافلة في محطّاتٍ مشهورةٍ للراحة والطعام منها «خان السعديات». وقد شرعت الدولة العثمانية في تأهيل الطريق بين صيدا وبيروت منذ عام 1863 بعدما صدر قانون لتنظيم الطرق، والذي تبعه قانون الطرق والمعابر في عام 1869، على أن السلطات العثمانية لم تُكْمِل إنشاء طريقٍ مُعبَّد بين المدينتين حتى عام 1902، حينما افتُتِحَ الطريق أخيراً لسير العربات، وعُهِدَ بصيانته إلى مهندس ولاية بيروت «بشارة أفندي».[124] وقد امتدَّ هذا الطريق عبر بلدة برج البراجنة ليتّصل بطريق صيدا، وأسِّسَت في عام 1902 شركة «عبد الفتاح النعماني» للنقل المنتظم بين بيروت وصيدا، وكانت تُسيّر عرباتها كل صباح من بيروت وتبيت المساء في صيدا بمقرّها بجوار دار الحكومة. وتبعتها عدّة شركات للنقل منها شركة «جورج فَرْشَلي» (1903) و«الحاج زكريا فتوح» (1906)، وكانت العربة الواحدة تتسع لنحو خمسة ركاب، وأجرتها نصف مجيدي لكل راكب (أي عشرة قروش عثمانية).[125]
وظلَّ الطريق العثماني هذا مستعملاً بكثافة لمدة ستين عاماً تقريباً رغم تعطّله في بعض الأحيان مثلما حدث عتد انهيار جسر الدامور في عام 1906 ثم 1911، وقد انضمَّت السيارات إلى عربات الخيول منذ سنة 1908، وأصبحت السيارات تقطع المسافة نفسها بما بين ساعتين إلى ساعتين ونصف ساعة. وبعدئذٍ شقّت الحكومة اللبنانية طريقاً سريعاً (أوتوستراد) يمتدّ بين مقام عبد الرحمن الأوزاعي وقرية خلدة والدامور، فأُهْمِلَ منذئذٍ الطريق العثماني القديم. وقد تشكَّلت فيما بعد شركة لنقل الركاب على طريق بيروت وصيدا الجديد،[125] كما تضمَّنت المواصلات نقلاً بحرياً بباخرة صغيرة بين مرفأ صيدا ومرفأ بيروت سيَّرته شركة «نحاس إخوان» منذ عام 1897.[126]
وتُوفِّر «مؤسسة أحمد الصاوي زنتوت» نقلاً منتظماً بالحافلات بين بيروت وصيدا منذ منتصف القرن العشرين، وتنطلق رحلاتها حالياً من «ساحة النجمة» في صيدا يومياً كل نصف ساعة تقريباً. وتحتكر شركة «الصاوي زنتوت» خطَّ النقل بين المدينتين حالياً رغم قِدَم أسطول حافلاتها ومشكلات الصيانة فيه.[127]
كانت صيدا واحدةً من محطات خطوط السكك الحديدية في لبنان التي أنشئت أولاها في عام 1891، واستلمتها الدولة اللبنانية من الانتداب الفرنسي في سنة 1956 وأنشأت بعدها بخمس سنوات «مصلحة سكك حديد دولة لبنان»، إلا أن عمل القطارات في نقل الركاب توقف منذ سنة 1975 بسبب الحرب الأهلية اللبنانية، ولو أنها استمرَّت بنقل البضائع حتى عام 1983، حينما قصفت القوات الإسرائيلية جسر سكة الحديد الممتدّ فوق نهر الأولي على حدود قضاء صيدا وهدمته.[128]
استضافت بيروت إلى جانب طرابلس وصيدا، كأس آسيا في كرة القدم لسنة 2000[129] وهناك معلب دولي في صيدا وهو ستاد صيدا الدولي وملاعب أخرى مثل ملعب الشباب الغازية وملعب البابلية[130]، ويتخذ فريق النادي الأهلي صيدا من صيدا مركزاً له. ومن الرياضات القديمة في مدينة صيدا رياضة المصارعة اليونانية الرومانية الحديثة ومصارعة الكاتش. ووصل هذا النوع من الرياضات إلى المدينة عن طريق الزيارات التي كانت تقوم بها الفرق الرياضية الفرنسية إلى صيدا، ومن الرياضيين الصيداويين القدامى في رياضة المصارعة عبد الغني الصباغ.
وتقام في صيدا أيضاً أنواع أخرى من الأنشطة الرياضية، منها أنشطة خاصة برياضة الفنون القتالية، وأنشطة خاصة برياضة ركوب الخيل والفروسية. وتنظم صيدا دوراتٍ رياضيةً مثل الدورة الرياضية التي حملت عنوان «العودة حقي وقراري» والتي أقيمت في مخيم عين الحلوة/منطقة صيدا.
وقامت بلدية مدينة صيدا بإطلاق الشبكة الرياضية والتي تسعى لرفع كفاءة الأنشطة الداخلية وتعزيز الشراكات الاستراتيجية، ومحاولة استقطاب وتنمية نوادٍ رياضيةٍ ومواردَ بشريةٍ ذات كفاءةٍ عاليةٍ إلى المدينة.
وصيدا مدينة توأم للمدن التالية:
Seamless Wikipedia browsing. On steroids.
Every time you click a link to Wikipedia, Wiktionary or Wikiquote in your browser's search results, it will show the modern Wikiwand interface.
Wikiwand extension is a five stars, simple, with minimum permission required to keep your browsing private, safe and transparent.