Loading AI tools
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
السلوكية في علم النفس هو مفهوم يجمع بين الفلسفة، المنهجية والنظرية. ظهرت في بدايات القرن العشرين بمواجهة علم النفس العقلي والتي كان من أساسيات مشاكلها عدم القدرة على إجراء تجارب يمكن إعادة إنتاجها. تقوم على الافتراض بأن جميع الأنشطة التي تقوم بها الكائنات الحية بما فيها الحركة والتفكير والشعور، هي عبارة عن سلوكيات، ولذلك تعامل الاضطرابات النفسية عن طريق تغيير أنماط السلوك أو تعديل البيئة.[1][2] وفقًا لمذهب السلوكية، تُشكل استجابة الأفراد للمؤثرات البيئية المختلفة عن سلوكنا. يعتقد علماء السلوك أنه من الممكن دراسة السلوك بطريقة منهجية ومتعارف عليها دون النظر للحالات الذهنية الداخلية. وهكذا، يمكن توضيح السلوك برمته دون الحاجة للتفكير في الحالات الذهنية النفسية.
تدعي مدرسة الفكر السلوكية أنه يمكن وصف مثل هذه السلوكيات بطريقة علمية دون اللجوء للأحداث الفسيولوجية الداخلية أو إلى مفاهيم افتراضية مثل العقل.[3] تفترض النظرية السلوكية أن جميع النظريات يجب أن تكون ارتباطات رصدية ولكن هناك اختلافات فلسفية واضحة بين العمليات الرصدية (مثل الحركات الجسدية) والعمليات الرصدية الفردية (مثل التفكير والشعور).[4]
في أوائل الفترة الزمنية لـعلم النفس في القرن التاسع عشر، أدارت مدرسة الفكر السلوكية حركات التحليل النفسي والغشتلت في علم النفس في القرن العشرين كما كانت مشاركة فيها أيضًا، ولكنها أيضًا مع فلسفة العقل التي كان يتبعها علماء النفس الغشتلتيين في نطاقات هامة.[5] كان أكثر المؤثرين فيها إيفان بافلوف، الذي استقصى نظرية الإشراط الكلاسيكي على الرغم من أنه لم يتفق حتمًا مع السلوكية أو علماء السلوك، وإدوارد لي ثورندايك (Edward Lee Thorndike) وجون بي واطسون (John B. Watson) الذي رفض الاستبطان وسعى إلى تقييد علم النفس ليشمل فقط المناهج التجريبية وبي إف سكنر (B.F. Skinner) الذي أجرى بحثًا على الإشراط الإجرائي.[4]
في النصف الثاني من القرن العشرين، انفردت السلوكية على الساحة بمفردها نتيجة للثورة الإدراكية.[6][7] على الرغم مما قد تبدو عليه المدرسة السلوكية والمعرفية للفكر الفلسفي من عدم التوافق من الناحية النظرية، إلا أن هناك حالة من التكامل بينهما في التطبيقات العلاجية العملية، مثل العلاج السلوكي المعرفي الذي أثبت فائدته في علاج أمراض معينة، مثل الرهاب واضطراب الكرب التالي للرضح والإدمان. إضافة إلى ذلك، سعت السلوكية لخلق نموذج شامل لتيار السلوك منذ ولادة الإنسان حتى وفاته.
لا يوجد تصنيف مُتفق عليه عالمياً للسلوكية، ولكن من العناوين المعطاة لبعض فروعها المختلفة:
تركز السلوكية على منظور معين واحد للتعلم، وهو إحداث تغير في السلوك الخارجي بواسطة التعزيز والتكرار لصياغة سلوك المتعلمين، علماً أن الإشراط الاستثابي قد تطور عام 1973 بجهود سكينر، متعاملاً مع تعديل السلوك الإرادي أو الاستثاري، والذي يُمارَس على البيئة ويستمر بفضل نتائجه، ووجد سكينر إمكانية صياغة السلوكيات عند توظيف التعزيزات، بحيث تتم مكافئة السلوك المرغوب، ومقابلة السلوك المكروه بالعقاب.[11]
رغم مساهمة الإشراط الاستثابي بدور كبير في مناقشات الآليات السلوكية، يُعتبر الإشراط الكلاسيكي عملية مهمة للتحليل السلوكي لا تحتاج الإشارة للعمليات الذهنية والداخلية الأخرى، ويُسمى أيضاً بالإشراط البافلوفيني (نسبةً إلى الباحث بافلوف) أو المجيب، إذ تؤمن تجارب بافلوف على الكلاب المثال الأكثر ألفة عن إجراءات الإشراط الكلاسيكي، ففي النمط البسيط، يُقَدَّم محفز ضوئي أو صوتي للكلب، ومن ثم إطعامه، وبعد عدة تكرارات لهذا التتالي، أصبح المحفّز بمفرده يحثّ الكلب على الإلعاب.[12]
وقد ساعدت فكرة الإشراط الكلاسيكي الباحث السلوكي جون واطسون على اكتشاف الآلية الرئيسية وراء اكتساب البشر لسلوكياتهم، والتي تمثّلت في إيجاد منعكس طبيعي يُنتج الاستجابة المدروسة، وانطوت طريقة واطسون على ثلاثة جوانب تستحق اعترافاً خاصاً، يشير أولها إلى أن علم النفس ينبغي أن يكون موضوعياً بالمطلق، دون أية تفسيرات للتجربة الواعية، ويقترح الثاني تمركز أهداف علم النفس حول توقع السلوك وضبطه، بينما يتمثل الثالث في عدم وجود أي اختلاف مُلاحَظ بين السلوك البشري وغير البشري، وباتباع نظرية داروين في التطور، قد يعني ذلك ببساطة أن السلوك البشري عبارة عن مجرد نسخة معقّدة من السلوك الذي تبديه الكائنات الأخرى.[13]
تُعتبر السلوكية حركة نفسية يمكن أن تتناقض مع فلسفة العقل، ويتمثّل الافتراض الرئيسي للسلوكية الراديكالية بأنه ينبغي أن تكون دراسة السلوك علماً طبيعياً، كالكيمياء أو الفيزياء، دون عزو أسباب سلوكيات الكائنات الحية لأي من حالاتهم الافتراضية الداخلية، بينما لا تهتم أصناف السلوكية الأقل راديكالية بالآراء الفلسفية عن التجارب الداخلية، أو الذهنية، أو الذاتية.
يوصَف منظور سكينر عن السلوك غالباً بالـ«جزيئي»، بمعنى أنه بالإمكان تحليل السلوك لأجزاء ذرية أو جزيئات، ولكن هذه المنظور غير متسق مع توصيف سكينر الكامل للسلوك كما تبيّن في أعمال أخرى، بما فيها مقالته «الاصطفاء بالنتائج» عام 1981،[14] إذ اقترح هذا الباحث أن التفسير الكامل للسلوك يتطلب استيعاب تاريخ الاصطفاء في ثلاثة مستويات، وهي علم الأحياء (الاصطفاء الطبيعي أو نسالة الحيوانات)، والسلوك (تاريخ التعزيز أو تنشؤ المرجع السلوكي لدى الحيوان)، والثقافة لدى بعض الأنواع (الممارسات الثقافية للجماعة الاجتماعية التي ينتمي لها الحيوان)، ومن ثم يتفاعل هذا الكائن الحي بأكمله مع بيئته.
بينما يجادل باحثو السلوكية المولية، مثل هاوارد راتشلين، وريتشارد هيرنشتاين وويليام بام، بأنه لا يمكن استيعاب السلوك بالتركيز على الأحداث لحظة وقوعها، وإنما باعتباره الناتج النهائي لتاريخ الكائن الحي، وأن مؤيدي السلوكية الجزيئية يقترفون مغالطة باختراع أسباب خيالة مُقاربة للسلوك، ومن الأفضل استبدال أساساتهم الجزيئية المعيارية، كالقوة الترابطية، بمتغيرات مولية، مثل معدل التعزيز.[15]
حُجبت السلوكية بشكل كبير في النصف الثاني من القرن العشرين، كنتيجة للثورة الإدراكية،[6][7]وانتقاد منهجيتها كثيراً لعدم دراستها العمليات الذهنية، فنشأت في تلك الفترة ثلاثة عوامل رئيسية مؤثرة ألهمت علم النفس الإدراكي وصاغته كمدرسة رسمية للفكر، وهي:
Seamless Wikipedia browsing. On steroids.
Every time you click a link to Wikipedia, Wiktionary or Wikiquote in your browser's search results, it will show the modern Wikiwand interface.
Wikiwand extension is a five stars, simple, with minimum permission required to keep your browsing private, safe and transparent.