Loading AI tools
مجموعةٌ من الفقاريَّات داخليَّة الحرارة، تكتسي بِالريش، وتمتلك منقارًا عديم الأسنان من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
الطَّائِرُ أو الطَّيْرُ،[4][5] وتُجمع على طُيُورٌ[6][7] أو أَطيَارٌ، هي مجموعةٌ من الفقاريَّات داخليَّة الحرارة، تتميَّز عن غيرها من الكائنات المُعاصرة باكتسائها بِالريش، وامتلاكها منقارًا عديم الأسنان، وبِوضعها بُيوضاً ذات قشرة خارجيَّة سميكة، وتمتُعها بِقلبٍ رُباعيّ الحُجُرات، وهيكلٍ عظميٍّ خفيف البُنية ومتينٍ في آنٍ واحد. تنتشرُ الطُيُور في جميع أنحاء العالم وتقطنُ جميع الموائل الطبيعيَّة، وتتفاوت في أحجامها تفاوتًا كبيرًا، فأصغر الأنواع حجمًا على الإطلاق هو طنَّان النحلة البالغ في حجمه 5 سنتيمترات (إنشان)، وأعظمها قدًا هي النعامة التي يصل حجمها إلى 2.75 متر (9 أقدام). تتربع الطُيُور على عرش طائفة رُباعيَّات الأطراف بوصفها أكثر مجموعات هذه الطائفة عددًا من حيثُ الأنواع الباقية، التي يُقدِّر عددُها بحوالي عشرة آلاف نوعٍ تقريبًا، أكثر من نصفها ينتمي إلى رُتبة الجواثم أو العُصفُوريَّات، الشهيرة أيضًا باسمٍ غير دقيق هو «الطُيُور الغرِّيدة».
الطُيُورُ العصر: 85–0 مليون سنة | |
---|---|
أمثلة عن مُختلف الرُتب الطيريَّة | |
المرتبة التصنيفية | طائفة |
التصنيف العلمي | |
النطاق: | حقيقيَّات النوى |
المملكة: | الحيوانات |
الشعبة: | الحبليَّات |
الطائفة: | الطُيُور |
الاسم العلمي | |
Aves [2] كارولوس لينيوس[3]، 1758 | |
أصناف الصُفوف الدُنيا | |
| |
معرض صور طائر - ويكيميديا كومنز | |
تعديل مصدري - تعديل |
يُشيرُ السجل الأُحفُوري وأبحاث الهندسة الوراثيَّة المُتطوِّرة المُعاصرة حول «التطُّور العكسي»،[8] أنَّ الطُيُور هي آخر الديناصورات الباقية، وتحديدًا هي آخر الديناصورات الطيريَّة، نظرًا لِكونها تطوَّرت - وفق رأي العُلماء - من ديناصوراتٍ مُريَّشة تنتمي لِمجموعة الثيروپودات سحليَّة الورك. ظهرت الطُيُور الحقيقيَّة الأولى خِلال العصر الطباشيري مُنذُ حوالي 100 مليون سنة.[9] تُشيرُ الأدلَّة المُستندة على دراسات الحمض النووي أنَّ الطُيُور تنوَّعت وخرج منها أشكالٌ وأنواعٌ كثيرة قُرابة حدث انقراض العصر الطباشيري-الثُلاثي الذي قضى على جميع الديناصورات الأُخرى، مُنذ حوالي 65 مليون سنة. وتُشيرُ تلك الأدلَّة أنَّ الطُيُور في أمريكا الجنوبيَّة تفادت حدث الانقراض سالِف الذِكر بِطريقةٍ ما، ثُمَّ هاجرت إلى سائر أنحاء العالم عبر جُسورٍ أرضيَّة مُختلفة وصلت بين قارَّةٍ وأُخرى خِلال إحدى المراحل الجُيولوجيَّة من تاريخ الأرض، وإنها تنوَّعت وتفرَّعت إلى فصائل مُختلفة خِلال فترات البُرودة العالميَّة التي ضربت الأرض خِلال أدوارٍ مُختلفة.[10] اكتشف العُلماء أنَّ الديناصورات شبيهة بالطُيُور البدائيَّة، والتي لا تُصنَّف ضمن رُتبة الطُيُور الحقيقيَّة، وتنتمي إلى مجموعة «طيريَّات الجناح» (باللاتينية: Avialae) الأوسع، تعودُ بأُصولها إلى العصر الجوراسي الأوسط.[1] كثيرٌ من تلك الكائنات الطيريَّة، من شاكلة الطائر الأوَّلي «الأركيوپتركس»، لم تكن قادرة على الطيران بِقوَّة عضلات أجنحتها، بل كانت تنزلق انزلاقًا بين المجثم والآخر، أو تُرفرف رفرفة بينها، كما أنها احتفظت بالكثير من السمات البدائيَّة للزواحف، كالفك المُسنن بدل المنقار، وذُيولٍ عظميَّةٍ طويلة.[1][11]
لِلطُيُور أجنحة، بعضُها مُتطوِّر ومتين بحيثُ يُمكِّنُ صاحبه من التحليق، وبعضُها الآخر بدائي أو بسيط بحيثُ لا يقوى على رفع صاحبه في الجو على الإطلاق، أو يسمح لهُ بالطيران حتَّى مسافة قصيرة فقط. وحدهما طُيُور المُوة وطُيُور الفيل المُنقرضة هما المجموعتان الطيريتان المعروفتان اللتان لم تتمتع أفرادهما بِأجنحةٍ على الإطلاق. تطوَّرت الأجنحة من القوائم الأماميَّة لِأسلاف الطُيُور، وهي - كما أُسلف - تمنح مُعظم أنواع الطُيُور مقدرةً على الطيران، على أنَّ المزيد من الانتواع في صُفوف الطُيُور خلال آلاف السنوات أدَّى إلى نُشوء فصائل كاملة لا تُحلِّق، من شاكلة: الرواكض (النعام والإيمو والشُبانم وأنسباؤها)، والبطاريق، وعدَّة أنواع مقصورة في وُجودها على الجُزر المُحيطيَّة. يُلاحظ أيضًا أنَّ جهازيّ التنفُس والهضم لدى الطُيُور مُتأقلمة بشكلٍ فريد مع الطيران. وعند بعض الفصائل المائيَّة، كالبطاريق سالِفة الذِكر وبعض أنواع البط، فإنَّ الجهازين المذكورين مُتأقلمين كذلك مع الغطس والسباحة. لعبت الطُيُور، وبالأخص شراشير داروين، دورًا كبيرًا في جعل تشارلز داروين يستنبط نظريَّة التطوُّر عبر الاصطفاء الطبيعي، التي يأخذ بها جُمهُور المُجتمع العلمي المُعاصر.
بعضُ الطُيُور، وبالأخص الغربان والببغاوات، تُعتبر من بين أذكى الحيوانات على سطح الأرض؛ فالكثير من الطُيُور قادرٌ على استخدام الأدوات البسيطة، والعديد من الأنواع التي تعيش في أسراب تنقل معرفتها هذه من جيلٍ إلى جيل، مما يدفع بعض العُلماء إلى تصنيف هذه المعرفة كثقافة.
تُهاجرُ الكثير من أنواع الطُيُور سنويًّا على مدى مسافاتٍ شاسعة هربًا من الظُروف المُناخيَّة الصعبة وسعيًا وراء قوتها. والطُيُور كائناتٌ اجتماعيَّة، تتواصل مع بعضها بصريًّا عبر العلامات الجسديَّة والإيماءات، وصوتيًّا عبر النداءات والتغريدات، كما تتشارك سويًّا في بضعة شؤون اجتماعيَّة من شاكلة الرعاية المُشتركة لِلفراخ والصيد الجماعي والتجمُّع في أسراب وطرد الضواري. الغالبيَّة العُظمى من الطُيُور أُحاديَّة التزاوج، أي تكتفي بِشريكٍ واحدٍ فقط، وغالبًا ما يكون ذلك لِموسم تفريخٍ واحدٍ فقط، ثُمَّ تنتقل إلى شريكٍ آخر في الموسم التالي، على أنَّ بعض الأنواع يظلُّ على إخلاصه لِشريكه طيلة سنوات، وقلَّةٌ من الأنواع تتزاوج مدى الحياة. بعض الأنواع الأُخرى تتزاوج ذُكورها مع عدَّة إناث، وقلَّة نادرة تتزاوج إناثها مع عدَّة ذُكور. الطُيُور بيوضة، تتكاثر عبر وضع البيض، التي يُخصِّبها الذُكور من خلال التزاوج. وعادةً ما توضع البُيُوض في عُشٍ حيثُ يتناوب الأبوان على رخمها (حضنها). مُعظم الطُيُور تعتني بِفراخها لِفترةٍ طويلةٍ بعد الفقس، وبعضها الآخر - مثل الدجاج - يضع بيضًا دون أن تكون تلك البُيُوض مُخصَّبة بِالضرورة، على أنها لا تفقس.
الكثير من أنواع الطُيُور شديد الأهميَّة لِلإنسان من الناحية الاقتصاديَّة. فالدواجن وطُيُور الطرائد من المصادر الرئيسيَّة لِلحم والبيض والريش. كما أنَّ بعضها، من شاكلة الطُيُور الغرِّيدة والببغاوات، تُشكِّلُ حيواناتٍ منزليَّة لطيفة. كذلك يُشكِّل ذراقها (برازها) سمادًا لِلزرع، وهي تستقطب هُواة مُراقبتها على الدوام مما يجعلها إحدى أسباب انتعاش السياحة البيئيَّة في الكثير من المناطق. لعبت الطُيُور دورًا كبيرًا في مُختلف الحضارات والثقافات البشريَّة، إلَّا أنَّ مُمارسات البشر الضارَّة أدَّت إلى إيذائها بشكلٍ كبير، فانقرض ما بين 120 و130 نوع منها مُنذ القرن السابع عشر، ومنها 1,200 نوع مُهدد بالانقراض حاليًّا، وَتعمل العديد من المُنظمات والهيئات الدُوليَّة والمحليَّة على الدوام لِلحفاظ على الطُيُور وموائلها الطبيعيَّة وانتشالها من القاع.
يُقالُ في اللُغة العربيَّة: «الطَّائِرُ مِنَ الحَيَوَانِ: كُلُّ مَا يَطِيرُ فِي الهَوَاءِ بِجَنَاحَينِ». وقيل أيضًا: «الطَّائِرُ حَيَوَانٌ ذُو جَنَاحَيْنِ يُسَاعِدانِه عَلَى التَّنَقُل فِي الهَوَاءِ». والجمع طُيُورٌ وأَطْيَارٌ وطَير، والطِّيرُ يصلُح لِلجمع والمُفرد، والتصغير «طُوَير».[ْ 1] و«الطير» مصدر «طَارَ»، قيل هو «اِسْمُ جَمْعٍ لِمَا يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ»، وقيل: «يَطِيرُ طَيْرًا وطَيَرَانًا، أي تَنَقَّلَ بِالجَوِّ مَحمُولًا بِالهَوَاءِ»، وتُفيد معنى الانتشار والإسراع والخفَّة.[ْ 2][ْ 3]
أوَّلُ تصنيفٍ علميٍّ مُعاصر لِلطُيُور وُضع على يد العالمان الإنگليزيان فرنسيس ويلوغباي وجون ري، في مؤلفهما من سنة 1676م بعنوان «علم الطُيُور» (باللاتينية: Ornithologiae).[12] وفي سنة 1758م، أكمل عالم الحيوان السُويدي كارلوس لينيوس عمل سلفيه، وعدَّل بعض ما ذكراه من معلومات، مُضيفًا بهذا المزيد من التنوُّع على التصنيف الأصلي، لِيخرج التصنيف المُعاصر لِلطُيُور إلى حيِّز النور.[13] ووفق نظام لينيوس فإنَّ الطُيُور تُشكِّلُ طائفةً من الحيوانات، وهي تُعرف علميًّا بالاسم اللاتيني «Aves». أمَّا وفق التصنيف النُشوئي، فإنَّ العُلماء يُصنفون الطُيُور ضمن فرع الديناصورات الثيروپوديَّة.[14]
تضُمُّ طائفة الطُيُور ورُتبة التمساحيَّات الشقيقة الفصائل الوحيدة الباقية المُمثلة لِفرع الآركوصورات الحيوي (الذي يضم أيضًا الديناصورات والزواحف المُجنَّحة وأشباه التماسيح البائدة). خِلال أواخر عقد التسعينيَّات من القرن العشرين، كان العُلماء يعدّون الطُيور من الجهة الوراثيَّة العرقيَّة مُتحدرة مُباشرةً من أحدث سلفٍ مُشترك لِلطُيُور المُعاصرة وأحد أنواع الطُيُور الأوَّليَّة (الآركيوپتركس) المعروف باسم «الطائر الأوَّلي المنقوش» (باللاتينية: Archaeopterix lithographica).[15] إلَّا أنَّ العُلماء عادوا في بدايات القرن الحادي والعشرين إلى تسليط الضوء على إحدى النظريَّات المُقترحة من قِبل العالم الفرنسي الأمريكي جاك گاوثير، التي لاقت قُبولًا واسعًا في المُجتمع العلمي. وكان گاوثير قد عرَّف طائفة الطُيُور بأنَّها تلك المجموعة من الحيوانات التي تضُمُّ فقط «المجموعة التاجيَّة» أو «الفوقيَّة» من الطُيُور المُعاصرة. والمجموعة التاجيَّة تُعرَّف بِكونها مجموعة الأنواع الباقية التي تُعتبر المُمثلة الرئيسيَّة لِمجموعتها يُضاف إليها أحدثُ سلفٍ مُشتركٍ لها كُلها، مع سائر الأنواع المُتحدرة من هذا السلف والتي تختلف عن الأنواع المُمثلة الرئيسيَّة. وقد طوَّر گاوثير نظريَّته هذه عبر استبعاده أغلب المجموعات الطيريَّة المعروفة فقط من خِلال المُستحاثات والتي لا مُمثل مُعاصر لها، وأعاد إدراجها عوض ذلك في فرعٍ حيويٍ جديد أطلق عليه تسمية «طيريَّات الجناح» (باللاتينية: Avialae)،[16] وكان يهدف جزئيًّا من وراء ذلك إلى تفادي الشُكوك العلميَّة بِخُصوص موقع الطُيُور الأوليَّة وعلاقتها بِأنواعٍ أُخرى غالبًا ما تُصنَّف على أنَّها ديناصوراتٌ ثيروپوديَّة.
حدَّد گاوثير أربع طُرُقٍ مُتعارضة لِتحديد ما هو «الطَّائر» علميًّا،[17] كون استخدام هذه التسمية يُمثل مُشكلة نظرًا لِأنَّها تُستعمل في أربع طُرقٍ مُختلفة لِأربع مجموعاتٍ من الكائنات. واقترح حلًا يتمثَّل في الرقم الرابع، وهو قصر هذه التسمية على الأنواع المُنتمية إلى المجموعة التاجيَّة، أي الأنواع المُعاصرة مع أحدث سلفٍ مُشتركٍ لها وسائر الطُيُور المُتحدرة منه، واقترح تسمياتٍ أُخرى لِلمجموعات الباقية. أمَّا الطُرق فهي:
| ||||||||||||||||||
علاقة الطُيُور النُشوئيَّة مع أبرز مجموعات الزواحف الباقية. |
وفق التعريف الرابع، فإنَّ الطائر الأوَّلي «الآركيوپتركس» يُصنَّف ضمن طيريَّات الأجنحة وليس ضمن الطُيُور الحقيقيَّة. اعتمد الكثير من العُلماء تعريف گاوثير سالِف الذِكر ضمن مجاليّ علم الإحاثة وأبحاث تطوُّر الطُيُور، على الرُغم من اعتبارهم أنَّ تلك التعريفات المذكورة مُتضاربة وغير مُنسجمة مع بعضها. كما أنَّ هؤلاء الباحثين ما زالوا يستخدمون مُصطلح «طيريَّات الأجنحة» (باللاتينية: Avialae)، المُقترح أن يضم كُل الأنواع والفصائل الأُحفوريَّة من الطُيُور، كمُرادفٍ لِلطُيُور الحقيقيَّة الباقية.[18] مُعظم الباحثين يُعرِّفون طيريَّات الجناح على أنها مُجرَّد فرعٍ حيويّ لِلطُيُور الحقيقيَّة، على أنَّ تعريفاتهم تختلف بين باحثٍ وآخر. ووفق باحثين آخرين، فإنَّ طيريَّات الجناح هي «كُلُّ ثيروپودٍ أوثق صلةً بالطُيُور المُعاصرة من الداينونيكوس».[19][20]
بعضُ الباحثين كذلك يعدُّ طيريَّات الجناح مُجرَّد فرعٍ حيويٍّ ذو سماتٍ جسديَّةٍ مُميزة تُفرِّق بينه وبين الطُيُور المُعاصرة. أعاد جاك گاوثير، الذي كان قد سمَّى هذا الفرع سنة 1986، أعاد تعريفه سنة 2001 بأنَّهُ تلك المجموعة من الديناصورات التي تمتعت بِأجنحةٍ مُريَّشة كانت تخفقها في سبيل أن تطير وترتفع عن الأرض، وكُل ما تحدر منها من طُيُورٍ مُعاصرة.[17][21]
| ||||||||||||||||||||||||||||||
شجرة تاريخيعرقية لِلطُيُور وُضعت بالاستناد إلى نتائج دراسة وراثيَّة عرقيَّة قام بها عددٌ من الباحثين سنة 2015م.[22] |
يتفق أغلب العُلماء، استنادًا إلى بعض الدلائل الأُحفوريَّة والأحيائيَّة، أنَّ الطُيُور عبارة عن مجموعة فرعيَّة مُتخصصة من الديناصورات الثيروپوديَّة،[23] وتحديدًا مجموعة «سلَّابيَّة الأيادي - المانيراپتورات» (باللاتينية: Maniraptora)، التي تضم أيضًا الكواسر السريعة (الدرومايوصورات) (باللاتينية: Dromaeosauridae) وكواسر البيض (الأوڤيراپتورات) (باللاتينية: Oviraptoridae) وغيرها.[24] ومع اكتشاف العُلماء للمزيد من الديناصورات الثيروپوديَّة وثيقة الصلة بالطُيُور، أخذ الفاصل الذي كان يُميِّزُ بين الطُيُور والديناصورات يزول شيئًا فشيئاً، وبدا أنَّ أنسابها مُختلطة لِدرجةٍ كبيرة جدًا مما يجعل من العسير الفصل بينها. ومن أبرز الاكتشافات الحديثة في هذا المجال تلك التي تمَّت في مُقاطعة لياونينگ بِالصين، حيثُ عُثر على مُستحاثات ثيروپوداتٍ صغيرةٍ جدًا مكسوّة بالريش، مما ضاعف من الغُموض الدائر حول أُصُول الطُيُور وعلاقتها بالديناصورات.[25][26][27] يُفيد الرأي السائد والمُجمع عليه حاليًّا في علم الأحياء القديمة بأنَّ الثيروپودات الطائرة، أو طيريَّات الجناح، هي أوثق الكائنات صلة بالديناصورات رهيبة المخالب (الداينونيكوصورات) (باللاتينية: Deinonychosauria) التي تضم أيضًا الدرومايوصورات والترودونتيدات.[28] وتُشكِّلُ هذه الكائنات سويًّا مجموعةً يُطلق عليها «طيريَّات الفقرات» (باللاتينية: Paraves). لوحظ أنَّ بعض الفصائل القاعديَّة من هذه المجموعة، من شاكلة الكاسر الضئيل «المايكروراپتور» Microraptor، كانت تتمتَّع ببعض الميزات البُنيويَّة التي يُحتمل أنها مكنتها من الانزلاق والطيران بين مجثمٍ وآخر. كما تبيَّن أنَّ أكثر الداينونيكوصورات قاعديَّةً كانت شديدة الضآلة. مما يُفيد باحتمال كون جميع أسلاف طيريَّات الفقرات شجريَّة الموطن أو بِأنها كانت قادرة على الانزلاق أو بِكلا الأمرين معًا.[29][30] كما أظهرت الدراسات الأخيرة أنَّ طيريَّات الفقرات الأولى كانت قارتة (آكلة لِكُل شيء)، على العكس من الطائر الأولي «الآركيوپتركس» والديناصورات المُريَّشة اللاطيريَّة التي كانت لاحمة بالمقام الأوَّل.[31]
يشتهرُ الطائر الأولي «الآركيوپتركس»، الذي عاش خلال العصر الجوراسي المُتأخر، بِكونه أوَّل الأحافير الانتقاليَّة التي عُثر عليها، وقد شكَّل اكتشاف هذه المُستحاثة دعمًا كبيرًا لِنظريَّة التطوُّر في أواخر القرن التاسع عشر، فأضاف دليلًا آخر بِصحَّتها. كان الآركيوپتركس الأُحفُور الأوَّل الذي أظهر سمات الزواحف التقليديَّة كالأسنان والمخالب على أطراف الأصابع وذيلًا طويلًا شبيهًا بِذُيول السحالي، إلى جانب سماتٍ طيريَّةٍ واضحة، كجناحين بِريشٍ كاملٍ صالحٍ للطيران. وعلى الرُغم من هذا، فإنَّ الآركيوپتركس لا يُعتبرُ سلفًا مُباشرًا لِلطُيُور، إلَّا أنَّهُ قد يكون وثيق الصلة بِسلفها الحقيقي.[32]
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
شجرة تاريخيعرقية رُسمت بناءً على مُعطيات دراسةٍ أُجريت سنة 2015م حول العلاقة الوراثيَّة العرقيَّة بين طيريَّات الجناح.[22] |
أقدم مُستحاثات طيريَّات الجناح التي عُثر عليها اكتُشفت في تكوينة «تياوجيشان» في الصين، وقد أظهرت الدراسات أنَّها تعود لِأواخر العصر الجوراسي، وتحديدًا لِلمرحلة الأكسفورديَّة، مُنذ حوالي 160 مليون سنة تقريبًا.[18] تشتملُ قائمة الأنواع التي عُثر عليها في التكوينة سالِفة الذِكر على عدَّة أنواع من شاكلة: الديناصور شبه الطائر لِهكسلي (باللاتينية: Anchiornis huxleyi) وديناصور زياوتينگيا زنگي (باللاتينية: Xiaotingia zhengi) والطائر الفجري (باللاتينية: Aurornis xui). أمَّا الآركيوپتركس فقد عُثر على مُستحاثته في ألمانيا. كثيرٌ من طيريَّات الجناح البدائيَّة هذه تشاطرت سماتٍ شكليَّة وتشريحيَّة غير مألوفة عند الطُيُور المُعاصرة، إلَّا أنَّهُ يُحتمل بأنها كانت أصل بعض سماتها الحاليَّة، ثُمَّ اختفت مع تعاقب القُرون وارتقاء الطُيُور لِلسُلَّم التطوُّري. من تلك السمات مخلبان كبيران كانا يقعان على إصبعيّ القدمين الثانيين، ويُحتمل أنَّها كانت تُرفع عاليًا كي لا تحتك بالأرض فتتآكل مع مُرور الوقت، بالإضافة إلى ريشاتٍ خلفيَّةٍ طويلة على الساقين تُعرف كذلك بـ«الجانحين الخلفيين»، يُحتمل أنها كانت تُساعد الحيوان على تبديل مساره خِلال الطيران أو الانزلاق.[33]
تنوَّعت طيريَات الجناح بشكلٍ كبيرٍ خِلال العصر الطباشيري،[34] وحافظت الكثير من مجموعاتها على خصائص بدائيَّة مُختلفة، كالأجنحة ذات المخالب والفك المليء بالأسنان، وبعضُها الآخر فقد السمة الأخيرة كُليًّا واستعاض عنها بالمناقير. كما احتفظت أكثر الفصائل بدائيَّةً، مثل الآركيوپتركس وطائر جيهول بِذيل أسلافها العظمي الطويل،[34] فيما أخذ الذيل يقصر عند الفصائل الأكثر تطوُّرًا تزامُنًا مع بُروز عظم العُصعُص لديها. وبِحُلُول أواخر العصر الطباشيري، أي مُنذ حوالي 95 مليون سنة، كانت أسلاف جميع الطُيُور المُعاصرة قد طوَّرت حاسَّة شمٍّ أفضل من حاسَّة أسلافها.[35]
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
شجرة تاريخيعرقية مُبسطة لِنسالة طُيُور الحقبة الوُسطى وفق دراسةٍ أُجريت سنة 2015م.[36] |
أوَّلُ تنوُّعٍ كبير في صُفوف طيريَّات الجناح قصيرة الذيل حصل في أوائل العصر الطباشيري، عندما ظهرت مجموعة «الطُيُور العكسيَّة» (باللاتينية: Enantiornithes)، التي سُميت هكذا بسبب عظام أكتافها المعكوسة مُقارنةً بِعظام أكتاف الطُيُور المُعاصرة. احتلَّت هذه الكائنات مُختلف البيئات الأرضيَّة بِحسب الظاهر، لاعبةً أدوارًا بيئيَّةً مُتنوِّعة، فكان منها أنواعٌ تجوب الشواطئ الرمليَّة وتخوض في الرمال باحثةً عن المحار والأصداف، ومنها من كان سمَّاكًا (آكلٌ لِلسمك)، فيما كانت أُخرى شجريَّة الموطن وآكلة لِلبُذور. اندثرت الطُيُور العكسيَّة مع العديد من مجموعات الديناصورات الأُخرى مع نهاية الحقبة الوُسطى من عُمر الأرض، رُغم أنها كانت أكثر مجموعات طيريَّات الجناح تنوعًا.[34]
كثيرٌ من الأنواع التي ظهرت من مجموعة موجة التنوُّع الثانية، المعروفة بـ«الطُيُور الحقيقيَّة» (باللاتينية: Euornithes) كونها تضم أسلاف الطُيُور المُعاصرة، كانت برمائيَّة، وعاشت نصف حياتها تقريبًا في المياه حيثُ عاشت على افتراس السمك وغيرها من الكائنات المائيَّة الصغيرة. وعلى العكس من مجموعة الطُيُور العكسيَّة، التي كانت تُهيمنُ على البيئات البريَّة والشجريَّة، يبدو أنَّ مجموعة الطُيُور الحقيقيَّة لم تكن أنواعها تتمتع بالقُدرة على الجُثوم، ويظهر أنَّها كانت عبارة عن خليطٍ من الأنواع الشاطئيَّة، والمُخوِّضة، والسبَّاحة، والغطَّاسة. ومن المجموعة الأخيرة يشتهر جنس الطائر السمَّاك (الإكثور) الشبيه ظاهريًّا بِالنورس،[37] والطُيُور الغربيَّة (باللاتينية: Hesperornithes) التي تأقلمت مع صيد الأسماك بالبحار بِشكلٍ كبيرٍ جدًا بحيثُ أنها فقدت قدرتها على الطيران واستحالت كائنات بحريَّة بالغالب.[34] برزت لدى الطُيُور الحقيقيَّة الأولى عدَّة سمات تُربط حاليًّا بالطُيُور المُعاصرة، مثل العظام الصدريَّة المتينة والعريضة، وأطراف مناقير على أفكاكها (على أنَّ مُعظم أفراد المجموعة من اللاطيريَّات احتفظت ببعض أسنانها في أنحاء أُخرى من أفكاكها).[38] كذلك تضمَّنت الطُيُور الحقيقيَّة بعض أوَّل طيريَّات الجناح التي ظهر لديها عظمٌ عُصعُصيّ حقيقيّ، ومروحةٌ من ريشات الذيل قابلة لِلتحريك،[39] يُحتمل بأنَّها استبدلت ريشات القوائم أو «الأجنحة الخلفيَّة» من ناحية تبديل مسار الحيوان أثناء تحليقه أو كبحه عند الضرورة.[33]
| |||||||||||||||||||||||||||
نسالة الطُيُور المُعاصرة |
جميعُ الطُيُور المُعاصرة تُصنَّف ضمن مجموعةٍ تاجيَّةٍ تُعرف بِالطيريَّات أو الطُيُور الحديثة (باللاتينية: Aves)، وهي تنقسم بِدورها إلى مجموعتين رئيسيتين: قديمات الفك التي تضم الرواكض العاجزة عن الطيران (مثل النعام) والتناميَّات ضعيفة الطيران، وحديثات الفك التي تضم سائر فصائل الطُيُور.[14] عادةً ما يُصنِّف العُلماء هاتين المجموعتين ضمن مرتبة الرُتبة العُليا الأحيائيَّة،[40] رُغم أنَّ بعضهم الآخر لا يُوافق على هذا، ويُفضلون اعتبار هاتين المجموعتين مُجرَّد «جماعات» أحيائيَّة.[14] يتراوح عدد أنواع الطُيُور الباقية اليوم، من وجهة نظر تصنيفيَّة محض، ما بين [41] 9,800 و10,050 نوع.[42]
نتيجة اكتشاف جنس طائر ڤيگا (باللاتينية: Vegavis)، العائد إلى أواخر العصر الطباشيري والذي يبدو أنَّهُ من نسالة البط، يميلُ العُلماء إلى الاعتقاد بأنَّ طائفة الطُيُور الحديثة انفصلت إلى عدَّة نسالات مُعاصرة أواخر الحقبة الوُسطى.[43] أظهرت الدراسات وتحليلات أُصول التشكُّل عند الطُيُور أنَّ الأصل الفعلي لِطائفة الطُيُور المُعاصرة ظهر أبكر بعض الشيء من أقدم المُستحاثات المعروفة، وتحديدًا خِلال أواسط العصر الطباشيري.[1]
أقدم مجموعةٍ برزت من حديثات الفك كانت الدجاوزيَّات، وهي الرُتبة العُليا التي تضم الإوزيَّات (البط والإوز والتِّم والصيَّاحات) والدجاجيَّات (التدرُّج والطُيهوج وأنسباؤها، إلى جانب طُيُور الركمة والغواناوات وأنسباؤها). أقدم مُستحاثة عُثر عليها وتعود لِطائرٍ حقيقيّ هي لِدجاجيٍّ مُحتمل عاش مُنذ حوالي 85 مليون سنة،[44] أمَّا تواريخ الانشقاقات والانتواعات الفعليَّة فما زالت موضع جدالٍ بين العُلماء. من المُتفق عليه أنَّ طائفة الطُيُور الحقيقيَّة تطوَّرت خِلال العصر الطباشيري، وأنَّ الانفصال بين الدجاوزيَّات وغيرها من حديثات الفك وقع قُبيل حدث انقراض العصر الطباشيري - الثُلاثي، لكنَّ هُناك خلافٌ حول ما إذا كان التشعُّب التطوُري لِباقي حديثات الفك قد حدث قبل انقراض الديناصورات أم بعده.[45] وسببُ هذا الخلاف هو تشعُّب الأدلَّة؛ فالدراسات والفُحوصات الجُزئيَّة الإشعاعيَّة تُفيد بأنَّ بقايا المُستحاثات تعود لِلعصر الطباشيري، بينما تُشير الأدلَّة الأُحفوريَّة أنَّ تلك البقايا تعود لِلحقبة المُعاصرة. وقد أثبتت مُحاولات العُلماء لِلتوفيق بين الأدلَّة الجُزيئيَّة والأُحفوريَّة فشلها،[45][46] على أنَّ بعض الأدلَّة تُشيرُ إلى أنَّ جميع مجموعات الطُيُور المُعاصرة تتحدر من بضعة فصائل فقط نجت من حدث انقراض العصر الطباشيري - الثُلاثي.[47]
فيما يلي شجرة تاريخيعرقيَّة لِصلة فصائل الطُيُور المُعاصرة بِبعضها البعض، استنادًا إلى دراسةٍ أُجريت سنة 2014م.[48] بعضُ تسميات الفُروع الحيويَّة اقتُرحت سنة 2013م في إحدى النشرات العلميَّة.[49]
إنَّ تصنيف الطُيُور مسألةٌ مُتتابعة ومُستمرَّة على الدوام، نظرًا لِحُصول المزيد من الاكتشافات في كُل سنة والتي تُلقي الضوء على بعض المعلومات التي كانت غامضة قبلًا. يُعدُّ بحث تشارلز سيبلي وجون أدوارد ألكوست، المنشور سنة 1990م تحت عنوان «نسالة وتصنيف الطُيُور» (بِالإنگليزيَّة: Phylogeny and Classification of Birds) إحدى الأعمال العماديَّة في مجال تصنيف الطُيُور،[51] على الرُغم من أنَّ المُجتمع العلمي ما زال يُجادلُ فيه بين الحين والآخر وتتم مُراجعته على الدوام. أغلب الأدلَّة تُشير إلى أنَّ ترتيب الرُتب الطيريَّة المُعاصر دقيقٌ وصحيح،[52] إلَّا أنَّ العُلماء ما زالوا يتجادلون بشأن العلاقة بين الرُتب بعضها ببعض؛ وقد استُعين بالدلائل الوراثيَّة والأُحفوريَّة في سبيل حل هذه المُشكلة، إلَّا أنَّ النتائج لم تخرج مُرضية، وبقيت المُشكلة قائمة. أشارت بعض الأدلَّة الوراثيَّة والأُحفوريَّة مُؤخرًا إلى صُورةٍ أكثر وُضوحًا حول تطوُّر مراتب الطُيُور المُعاصرة، وقد أفضت الأبحاث المُجراة إلى الشجرة التاريخيعرقيَّة المرسومة أعلاه، باستخدام نتائج تحاليل أُجريت بواسطة فحص تسلسل الجينوم الكامل لِثمانٍ وأربعين نوعٍ تُمثِّلُ جميع الفصائل.[48]
تعيش الطيور وتتكاثر في مُعظم البيئات الموجودة على وجه الأرض في القَّارات السَّبع كُلِّها، ويتمثل النطاق الجنوبي الأبعد لتواجد طائر نوء الثلوج بها والذي يُمكن أن يبني أعشاشه على مسافة 440 كيلومتراً من سواحل قارة أنتاركتيكا.[54] رُغم ذلك، يصل تنوُّع الطيور الحيوي حدَّه الأقصى في الأقاليم الاستوائية، حيث اعتُقد في الماضي أنَّ سبب التنوع العالي هذا يكمن في ارتفاع مُعدلات الانتواع بتلك المناطق أكثر من غيرها، إلا أنَّ الدراسات الحديثة تشير إلى أنَّ معدلات الانتواع في مُختلف مناطق العالم قد تكون متساوية تقريباً، إلا أنَّ ارتفاع وتيرة الانقراض في المناطق غير الاستوائية يُؤدِّي إلى فُقدان مُعظم أنواعها، وبالتالي يبقى تنوُّعها الحيوي منخفضاً.[55] تكيَّفت العديد من أنواع الطيور لتُصبح قادرة على العيش في المُحيطات المفتوحة، فمن الطيور البحرية ما لا يذهب إلى اليابسة طوال حياته سوى للتكاثر،[56] بينما سجَّلت بعض أنواع طيور البطريق غطساتٍ تصل في عُمقها إلى 300 متر تحت سطح البحر.[57]
استطاعت الكثير من الطيور الاستقرار والنمو في أعدادها بمناطق من العالم جَلَبها إليها البشر. في بعض الأحيان، كان جلب الطيور إلى أماكن جديدة مُتعمَّداً، فقد استُقْدِمَ التدرج المألوف إلى مُختلف أنحاء العالم للاستفادة منه كمصدر للحوم.[58] إلا أنَّ بعض الحالات الأخرى كانت مُجرَّد حوادث غير مقصودة، ومنها انتشار ببغاء الراهب في أماكن واسعة من قارة أمريكا الشمالية بعد أن هربت أفراد منه من الأسر عن طريق الخطأ.[59] كما أنَّ بعض الأنواع (ومنها بلشون القطعان[60] والكاركارا أصفر الرأس[61] والغالة)[62] توسَّعت مناطق انتشارها بصُورةٍ طبيعيَّة، لأنَّ المساحات الزراعية الكبيرة التي صنعها البشر شكَّلت بيئة جديدة مناسبةً لها.
يتبيَّن من خلال مُقارنة مُخطط جسد الطُيُور وبُنيتها مع غيرها من الفقاريَّات، أنَّ الطُيُور تتمتّع بِتأقلُمات غير اعتياديَّة، أبرزها مُخصص لِإعانتها على الطيران.
على الرُغم من كون الهياكل العظميَّة لِلطُيُور مبنيَّة حسب الخطَّة العامَّة نفسها التي لِمُعظم الفقاريَّات الأُخرى، فإنَّ هُناك عددًا من الفُروق المُهمَّة ذات صلةٍ خاصَّةٍ بِالطيران. فالهيكل الطيري يتكوَّن من «صُندوقٍ» مركزيّ قويّ من العظم تتصل به بعضُ المُلحقات: الرأس والعُنُق، والجناحان، والرِّجلان والقدمان. هذا الصُندُوق المركزي يُشبهُ من حيث الفكرة الجائز الصُّندوقي (بالإنگليزيَّة: Box girder) لدى مُهندس الإنشاءات. على سطحه العُلُويّ يُوجد الجُزء القطني أو الصدري من العمود الفقري، الذي يُعدُّ قصيرًا بِالقياس إلى مثيله عند مُعظم الثدييَّات، والذي كثيرًا ما تلتحم تقريبًا فقرانُه المتينة، الواحدة بِالأُخرى، لِتُشكِّل قضيبًا صُلبًا يُصبحُ نحو المُؤخرة جُزءًا من حزامٍ حوضيّ قويّ ممدود. أمَّا الجُزء السُفلي من «الجائز» فيُشكِّلهُ قصُّ جُسيمٍ يكونُ عند الطُيُور، باستثناء العاجز عن الطيران منها، ذا جؤجؤٍ حادٍّ لِيُوفِّر الدَّعم لِعضلات الطيران الضخمة.[63]
ولِلعمود الفقري الطيري عدَّة مناطق: عُنقيَّة وصدريَّة وقطنيَّة وذيليَّة، ويتخلف عدد الفقرات العُنقيَّة باختلاف نوع الطائر، إلَّا أنها فائقة المُرونة عند كُل الطُيُور بلا استثناء، وتقل تلك المُرونة بشكلٍ واضحٍ في الفقرات الصدريَّة، لِتنعدم تمامًا في سائر الفقرات.[64] يتَّصل العمود الفقري القطنيّ بالقصِّ بِسلسلةٍ من أضلاعٍ مُسطَّحةٍ تكونُ مُثبَّتة عند النهايتين وتُشكِّلُ جانبيّ الجائز الصُّندوقيّ. ولِمزيدٍ من القُوَّة يتمتَّع الضلع الطيري بِميزةٍ خاصَّةٍ تتمثَّل بِوُجود نُتوءٍ أعقف يبرز منه ويتَّجه نحو الخلف كالمهماز لِيتراكب فوق الضِّلع أو الأضلاع الواقعة وراءه. يُؤوي هذا الصُندوق المتين في داخله مُعظم الأعضاء الحياتيَّة لِلطائر، ويُوفِّرُ لها حماية مُمتازة. وقصُّ الطائر على درجةٍ من القوَّة والطول، تجعله يشغل مُعظم الباحة البطنيَّة، تاركًا أدنى حدٍّ من المساحة التي يُمكن أن تتعرَّض لِلأذى بِسبب حادثةٍ أو سقطةٍ قويَّةٍ أو معركةٍ. في الطُيُور المائيَّة التي تغلب عليها خاصيَّة الغوص، كالأوك مثلًا، قد تكونُ بُنية العظم أثقل وزنًا وذلك لِمُوازنة قابليَّة الطفو التي تجعل الغوص أمرًا شاقًا.[65] ويكون الجائز الصُندوقي لديها بالغ الصلابة كي يحمي الأعضاء الداخليَّة أثناء الغوص إلى أعماقٍ قد تصل إلى 50 مترًا (160 قدمًا) تحت البحر.[63] عظام الطُيُور أنفُسها خفيفة ومُجوَّفة ومليئة بالهواء، وهي تتصل بِالجهاز التنفُسي.[66] عظام الجُمجُمة عند البوالغ مُلتحمة ولا تُظهر علامات درز.[67] أمَّا حجاج الأعيُن كبيرة ويفرق بينها حاجزٌ عظميّ.
الطُيُور مثلها مثل الزواحف، مُفرغة لِلحمض البوليّ، أي أنَّ كلاها تستخرج الفضلات النيتروجينيَّة من مجرى دمائها وتطرحها خارجًا على شكل حمضٍ بوليٍّ عوض البولة أو النشادر التي تمر عبر الحالب وُصولًا إلى الأمعاء. لا تتمتع الطُيُور بِمثانةٍ بوليَّةٍ أو فتحةٍ خارجيَّة لِمجرى البول (باستثناء النعام)، لِذا فإنَّ حمضها البولي يُفرز جنبًا إلى جنب مع البراز في حالةٍ لزجة.[68][69][70] إلَّا أنَّ بعض الفصائل، مثل الطنَّانات، قد تكون ضئيلة البول، فتطرح مُعظم مُخلفاتها على هيئة نشادر.[71] كذلك، تُفرزُ الطُيُور الكرياتين عوض الكرياتينين كما الثدييَّات.[67] تُقذفُ هذه المواد إلى جانب مُخلَّفات الأمعاء من مذرق الطائر.[72][73] والمذرق هو الاسم الذي يُطلق على الفتحة في مؤخرة الطائر، ذات الاستعمالات المُتعددة: فالطُيُور تتبرَّز منها، وأغلب الأنواع تتزاوج عبر اتصال مذرقتيها، والإناث تضع بُيُوضها من خلالها. أضف إلى ما سبق، كثيرٌ من الأنواع تتقيأ كُرات الشعر الباقية من فرائسها، عوض أن تتبرَّزها.[74] ذكور قديمات الفك (باستثناء الكيوي) والإوزيَّات (باستثناء الصيَّاحات)، وبعض الأنواع البدائيَّة من الدجاجيَّات، تمتلكُ قضيبًا (عدا القرازيَّات في فصيلة الدجاجيَّات التي تمتلك ذُكورها هذه الميزة مع أنها ليست من الأنواع البدائيَّة)، وهذه خاصيَّةٌ معدومة تمامًا عند ذُكور جميع أنواع الطُيُور الجديدة.[75][76] ويُعتقد بأنَّ طُول قضيب الطائر يتعلَّق بِمدى التنافس بين الحيوانات المنويَّة خاصَّته.[77] وفي خارج حالة الجماع، يُخفى القضيب ضمن حُجرة المشرج بداخل المذرق، على طرف الفتحة. الجهاز الهضمي لِلطُيُور فريدٌ من نوعه، إذ يمتلكُ الطير حوصلة لِتخزين الطعام فيها، وقانصة تحتوي بضعة أحجار يبتلعها الطائر لِمُساعدته على طحن الغذاء الذي تبتلعهُ كاملًا نظرًا لافتقادها لِلأسنان.[78] مُعظم الطُيُور مُتأقلمة كي تهضم طعامها سريعًا لِتحظى بِالطاقة الكافية لِتتمكن من الطيران.[79] بعضُ الطُيُور المُهاجرة تأقلمت أجسادُها لاستخلاص الپروتين من مُختلف أنحاء جسمها، بما فيه پروتين أمعائها، لِتحظى بِالطاقة الكافية كي تتمكن من قطع المسافات الطويلة بين موطنها الصيفي والشتوي.[80]
تمتلكُ الطُيُور إحدى أكثر الأجهزة التنفُسيَّة تعقيدًا في مملكة الحيوان.[67] عند الشهيق، يجري حوالي 75% من الهواء النقيّ عبر رئتيها ويتدفَّق إلى كيسٍ هوائيٍّ خلفيٍّ يمتدُ من الرئتين وُصولًا إلى الفُجوات الهوائيَّة في العظم، حيثُ يقوم بِملئها. أمَّا النسبة الباقية من الهواء (25%) فتدخل مُباشرةً إلى الرئتين. عندما يزفر الطائر، فإنَّ الهواء المُستعمل يتدفَّق خارج الرئتين، لِيدخُلها الهواء النقي المُختزن في الكيس الخلفي بشكلٍ تلقائي. وبالتالي، فإنَّ رئتيّ الطائر تحظيان على الدوام بالهواء النقيّ، سواء عن طريق الشهيق أو الزفير.[81] تُصدرُ الطُيُور أصواتها بِواسطة المصفار، وهو عبارة عن حُجرةٍ عضليَّةٍ ذات أغشية طبليَّة عديدة مدمجة، تتفرَّع من الطرف السُفلي لِلرُغامي؛[82] وهذه الأخيرة قد تكون مُتطاولة عند بعض الأنواع، مما يزيد من مقدرتها الصوتيَّة ومن حجم جسدها.[83]
عند الطُيُور، تتفرَّع الأوردة الرئيسيَّة التي تنقل الدماء خارج القلب من القوس الأبهري الأيمن (أو القوس البُلعُوميَّة)، على العكس من الثدييَّات حيثُ يتولَّى القوس الأبهري الأيسر هذه المُهمَّة.[67] يتلقَّى الوريد الأجوف السُفلي الدماء من الأضلاع عبر نظام البوَّابة الكلوي، وعلى العكس من الثدييَّات، فإنَّ كُريات الدم الحمراء الدائرة في المجرى عند الطُيُور تحتفظ بِنُواتها.[84]
المُحرِّكُ الرئيسيّ لِجهاز الدوران الدموي عند الطُيُور هو قلبها العضليّ رُباعي الحُجرات المحفوظ ضمن جيبٍ تاموريّ ليفيّ، وهذا الأخير مليءٌ بِسائلٍ مصليّ يهدف إلى تزييت القلب على الدوام.[85] يُقسمُ القلب نفسه إلى شطرين: أيمن وأيسر، كُلٌ منها يتكوَّن من أُذين وبُطين. يفصلُ بين الأُذُيين والبُطينين لِكُل شطرٍ صمَّامٍ يحول دون عودة تدفق الدم من حُجرةٍ إلى أُخرى عند الانقباض. نظرًا لِكون القلب عضليّا، فإنَّ سُرعة ضرباته يتم التحكُّم بها من خلال خلايا تنظيميَّة تقبع ضمن العُقدة الجيبيَّة الأُذينيَّة، على الأُذين الأيمن. تستعمل العُقدة الجيبيَّة الأُذينيَّة الكلسيوم لٍتُنتج مسارًا ناقلًا لِلإشارات غير مُستقطب ينطلقُ من الأُذين عبر الحُزمتين الأذينيين البُطينيتين اليُمنى واليُسرى مما ينقل الانقباض إلى البُطينين. يتألَّف القلب الطيريّ أيضًا من أقواسٍ عضليَّةٍ مُكوَّنةٍ من حزماتٍ غليظةٍ من الطبقات العضليَّة. وكما هو حال القلب عند الثدييَّات، فإنَّ قُلوب الطُيُور تتكوَّن من طبقات شغافيَّة وعضليَّة وتاموريَّة.[85] تميلُ جُدران الأُذين لِأن تكون أنحف من جُدران البُطين، بسبب كثافة الانقباضات في هذا القسم التي تهدف إلى ضخ الدماء الغزيرة بالأُكسجين إلى مُختلف أنحاء الجسم. غالبًا ما تكون القُلُوب الطيريَّة أضخم من قُلوب الثدييَّات عند مُقارنتها بها من حيث الكُتلة الجسديَّة. وهذا التأقلم الجسدي يُتيحُ ضخ كميَّة أكبر من الدماء تتلاقى مع حاجات هذه الكائنات مُرتفعة الأيض بِسبب الطيران.[86]
نظامُ توزيع الأُكسجين في مجرى الدم لدى الطُيُور فعَّالٌ جدًا؛ فالطُيُور تتمتَّع بِمساحةٍ سطحيَّةٍ أكبر بِعشر مرَّات من المساحة السطحيَّة لِلثدييَّات مُقارنةً بِحجم تبادُل الغاز. بِالنتيجة، فإنَّ الطُيُور تتمتع بِكميَّةٍ أكبر من الدماء في شُعيراتها الدمويَّة في كُل وحدة حجم من رئتيها مُقارنةً بالثدييَّات.[86] تتألَّف شرايين الطُيُور من عضلاتٍ مطَّاطيَّة غليظة مُصممة لِتتحمل الضغط العالي الناجم عن انقباض البُطين، وتُصبحُ أكثر صلابةً مع ابتعادها عن القلب. يتدفَّق الدم في الأوعية التي تضيق شيئًا فشيئاً، لِيصل إلى الشرايين، التي تؤدي دور وسيلة نقل الأُكسجين وتوزيعه إلى جانب سائر المُغذيات إلى مُختلف أنحاء الأنسجة الحيويَّة في الجسم.[87] يُلاحظ بأنَّ الشرايين تزداد تشعُبًا مع ابتعادها عن القلب ودُخولها الأعضاء الحيويَّة والأنسجة الأُخرى، لِتزيد من المساحة السطحيَّة وتُبطئ تدفُّق الدماء. ومع تدفُّق الدم عبر الشرايين فإنَّهُ يدخل الشُعيرات الدمويَّة حيثُ تتم عمليَّة تبادل الغازات. والشُعيراتُ سالفة الذِكر مُنتظمة ضمن حزماتٍ داخل الأنسجة، حيثُ تتم عمليَّة استبدال الأُكسجين بِثُنائي أُكسيد الكربون. وفي تلك الحزمات يتباطأ تدفُّق الدَّم لِلسماح بِنشر أقصى كميَّة مُمكنة من الأُكسجين في الأنسجة الحيويَّة. وما أن يُصبح الدَّم غير مؤكسج حتَّى يتدفَّق عبر وُريدات فالأوردة ثُمَّ إلى داخل القلب مُجددًا. أمَّا الأوردة فهي - على العكس من الشرايين - رفيعة وصُلبة، نظرًا لِأنها لا تحتاج أن تستحمل الضغط المُرتفع. وفي أثناء انتقال الدماء من الوُريدات إلى الأوردة، تحصل عمليَّة يُطلق عليها «توسُّع الأوعية»، وهي تُعيد استحضار الدماء إلى القلب مُجددًا.[87] وما أن يصلُ الدَّم إلى القلب حتَّى يتحرَّك أولًا إلى الأُذين الأيمن فالبُطين الأيمن، لِتُضخ عبر الرئتين في سبيل استبدال المزيد من الأُكسجين بِثُنائي أُكسيد الكربون. بعدها يتدفَّق الدَّمُ المُؤكسج (المُشبع بالأُكسجين) من الرئتين عبر الأُذين الأيسر فالبُطين الأيسر حيثُ يُضخ إلى سائر أنحاء الجسد.
الجهاز العصبي عند الطُيُور هائل، ويرتبطُ حجمه بِحجم كُلِّ طائرٍ على حدة.[67] أكثرُ أجزاء الدماغ تطورًا هي تلك التي تتحكم بالحركات المُرتبطة بالطيران، في حين يُنظِّم المُخيخ الحركة ويتحكَّم المُخ بِالأنماط السُلوكيَّة، وطريقة التحرُّك، والتزاوج، وبناء الأعشاش. مُعظم الطُيُور لا تتمتع بِحاسَّة شمٍ قويَّة، يُستثنى من ذلك بعض الفصائل من شاكلة الكيوي،[88] ونُسُور العالم الجديد،[89] والنوئيَّات.[90] غالبًا ما يكون جهاز الرؤية الطيري فائق التطوُّر، ولِلطُيُور المائيَّة خاصَّةً عدساتٌ مرنة مُميزة تسمح بِتكييف بصرها لِلتعامل مع الظُروف الهوائيَّة والمائيَّة على حدٍ سواء. بعض الأنواع كذلك تتمتع بنُقرةٍ مركزيَّةٍ مُزدوجة. تتمتع الطُيُور أيضًا بِخلايا مخروطيَّة حسَّاسة في عينها تُمكنها من رؤية الأطياف اللونيَّة فوق البنفسجيَّة، إلى جانب الأطياف الخضراء والحمراء والزرقاء.[91] وهذه المقدرة تستغلُها الطُيُور في طُقوس التودد إلى الأليف. لِلطُيُور خلايا استشعاريَّة ضوئيَّة خاصَّة في أعماق دماغها تتفاعل مع الضوء دون أن يدخل عبر العُيُون أو من خلال أي خلايا عصبيَّة أُخرى. تلك الخلايا المُستقبلة لِلضوء والكامنة في الوطاء تتخصص في تحديد حُلول فصل الربيع من خلال ضبط طول النهار، مما يُنظم النشاط التفريخي عند الطُيُور.
كثيرٌ من الطُيُور تُظهرُ أنماطًا لونيَّةً فوق بنفسجيَّة لِريشها تكونُ غير مرئيَّة بِالنسبة لِلعين البشريَّة؛ فبعض الأنواع التي يبدو الجنسان فيها مُتشابهان بِالنسبة لِلعين المُجرَّدة، يُمكنُ التمييز بينها في الواقع من خلال بعض اللطخات على ريشها التي تعكس الأشعَّة فوق البنفسجيَّة، فيظهر أحدها بأنَّهُ أبهى من الآخر. على سبيل المِثال، تتمتع ذُكُور القراقف الزرقاء الأوراسيَّة بِلطخةٍ فوق بنفسجيَّةٍ عاكسةٍ على تيجان رؤوسها تقوم بِعرضها خِلال موسم التفريخ لِتجتذب الإناث، فتنتصب وترفع ريشات قفا عُنُقها لِإظهارها.[92] تُستخدم الأشعَّة فوق البنفسجيَّة كذلك عند البحث عن القوت—فالعواسق على سبيل المِثال يُعرف عنها بحثها عن طرائدها من القوارض عبر تتبُعها آثار بولها المُشع والذي تركته خلفها أثناء سعيها على الأرض.[93] والطُيُور لا تستخدم جُفونها لِطرف أعيُنها، بل هي تُحافظ على ترطيبها بواسطة غشاءٍ راف، وهو عبارة عن جفنٍ ثالث يتحرَّك أُفقيًّا.[94] وهذا الغشاء الراف أيضًا تستخدمهُ الطُيُور المائيَّة لِحماية أعيُنها عند الغطس أو الغوص، وكأنَّهُ عدستان لاصقتان.[67] شبكيَّة الطُيُور مرتبطة بِنظامٍ يُزوِّدها بالدِماء مروحيّ الشكل يُسمَّى ممشطًا.[67] مُعظم أنواع الطُيُور غير قادرة على تحريك أعيُنها داخل المحجر، على أنَّ هُناك بعض الاستثناءات، منها الغاقةُ الكُبرى.[95] تتمتع الطُيُور التي تقع عيناها على جانبيّ رأسها بِمجالٍ نظريٍّ واسع، بينما تتمتع الطُيور التي تقع عيناها في مُقدمة رأسها، كالبُوم، بِرُؤيةٍ مُزدوجة، بحيثُ يُمكنها تقدير عُمق الحقل.[96] تفتقدُ الآذان الطيريَّة لِلصيوان الخارجيّ، إلَّا أنها تُغطَّى بِالريش، وفي بعض الطُيُور، من شاكلة البُوم الأقرن والبُوم المُتواري، تظهرُ تلك الريشات على هيئة خصلٍ شبيهة بالآذان. لِلأُذن الداخليَّة قوقعة، إلَّا أنها ليست حلزونيَّة الشكل كما في الثدييَّات.[97]
بضعةُ أنواعٍ من الطُيُور قادرة على أن تُدافع عن نفسها كيميائيًّا ضدَّ المُفترسات؛ فعلى سبيل المثال بعض النوئيَّات تقذف سائلًا زيتيًّا معويًّا كريهًا من أفواهها تجاه أي مُعتد،[98] وبعض أنواع الپيتوي قاطنة غينيا الجديدة يختزنُ جلدها وريشها سُمًّا عصبيًّا قويًّا قادرٌ على الفتك بِأي ضارٍ يعُضها.[99]
إنَّ قلَّة الدراسات الميدانيَّة عن التفاعل بين الأنواع والفصائل المُختلفة لِلطُيُور أدَّت إلى نقصٍ كبيرٍ في معلومات العُلماء عن علاقاتها بِبعضها سواء أكانت تلك علاقات وديَّة أم عدائيَّة، لكن من المعروف أنَّ بعض النزاعات بين الأنواع قد تنتهي بإصاباتٍ بليغة أو بِمصرع أحد الطرفين.[100] تمتلكُ الصيَّاحات وبعض أنواع اليقنة وإوزَّة أبو قرن وبطَّة السُيُول وتسعة أنواع من أبي طيط مهمازًا حادًا على جناحها تستخدمهُ كسلاحٍ لِطعن أي مُفترسٍ يقتربُ منها. كما يمتلك البط النفَّاث والإوز والتِّم والسوليتير ومُغدَّة المنقار وبعض القرَّازات والكروانات الجبليَّة مقبضًا عظميًّا على جُنيحاتها تستخدمه في ضرب الضواري والخُصوم.[100] بعض أنواع اليقانات أيضًا تتمتع بِكعبرةٍ عريضةٍ كالنصل تستخدمها في الطعن. كان أبو منجل الجامايكي - المُنقرض الآن - فريدا من نوعه بين الطُيُور، إذ امتلك طرفًا أماميًّا مُتطاولًا ويدًا ضخمةً يُحتمل بِأنَّها كانت تُستخدم لِلدفاع عن النفس أو في القتال، تمامًا كالهراوة أو الدرَّاس. تشتهرُ التِّم بِكونها إحدى أكثر الطُيُور عدائيَّة، إذ تُهاجمُ بِشراسة أي كائنٍ يقتربُ من فراخها وبُيُوضها وتنهال عليه ضربًا بِمهماز جناحها العظميّ وتُرهقه عضًّا.[100]
يتحدد جنس الطُيُور من خلال الصبغيَّان Z وW عوض الصبغيَّان X وY الموجودان لدى الثديَّيات. تمتلك ذُكور الطُيُور صبغيَّتا Z أي (ZZ)، بينما تمتلكُ الإناث صبغيَّة W وأُخرى Z أي (WZ).[67] جميعُ أنواع الطُيُور تقريبًا يتحدد جنسها لحظة التخصيب. إلَّا أنَّ إحدى الدراسات كشفت مُؤخرًا أنَّ بعض الطُيُور، من شاكلة حبش الدغل الأُسترالي، يتحدد جنسها اعتمادًا على درجة حرارة أعشاشها، فقد ظهر أنَّ نسبة الإناث تكون أعلى مُقارنةً بِنسبة الذُكور كُلما ارتفعت حرارة الأعشاش خلال فترة الرخم.[101] وقد عادت نظريَّةٌ أُخرى إلى إثبات خطأ ما أُسلف من خلال إظهارها أنَّ درجة الحرارة لا تُؤثِّر على تطوُّر الجنين وتحديد جنسه، بل إنَّ مُعدَّل نُفوق الأجنَّة وفق جنسها يتوقَّف على درجة حرارة العُش.[102]
تتفرَّد الطُيُور بِكونها المخلوقات الوحيدة المُعاصرة المكسوَّة بِالرِّيش، وهي سمةٌ تتشاركُها مع بعض الديناصورات التي يُعرف حاليًّا أنها غير طيريَّة. والريشُ يتشكَّل في خلايا خاصَّة في جلد الطائر من مادَّة الكيراتين الپروتيني التي تتكوَّن منها أيضًا القشرة التي تُغطي جلد الزواحف. ويخدُمُ الريش أغراضًا مُختلفة، فذلك الشكل السلس الذي تتسم به أجساد مُعظم الطُيُور يرجعُ إلى بُنية الريش ونظام ترتيبه أو على مُحيطه الخارجيّ. والرِّيشُ أيضًا يُوفِّرُ الانسياب الفعَّال لِلطائر، كما يكونُ صامدًا لِلريح، وأحيانًا صامدًا لِلماء. وتحت هذه السِّيماء الناعمة الصَّقيلة يُوجدُ الزُّغب الذي يُساعد على صيانة حرارة الجسم.[63] بالإضافة إلى الدِّفء والطيران يُؤدِّي الكساء الريشي دورًا فعَّالًا في اجتذاب القرين في موسم التزاوج،[67] فيختالُ الذكر استعراضًا بِكسائه جميلُ الألوان أو بِريشاتٍ مُتميِّزة الشكل. كذلك يتَّخذُ الكساءُ الريشيُّ في بعض الطُيُور نمطًا تمويهيًّا يندمجُ في البيئة حولهُ فتصعُب رُؤيته. وقد يُساعد لون الكساء الريشيِّ وشكلهُ الطائر في تعرُّف الطُيُور الأُخرى من النوع نفسه.[103] وحالُ الكساء الريشيِّ قد يختلف بين طائرٍ وآخر من نفس النوع بناءً على السن والرُتبة الاجتماعيَّة[104] والجنس.[105]
رُغم العناية البالغة التي تُبديها الطُيُور بِريشها، فإنَّ البوالغ منها تطرح كساءها الريشيّ وتستبدلُ به آخر مرَّة، وأحيانًا مرَّتين، في السنة. وبعضُ الجوارح الضخمة قد لا تطرح ريشها إلَّا مرَّة كُل بضعة سنوات. وتجري عمليَّة الاستبدال سريعًا في بعض الطُيُور بينما تتم تدريجيًّا في أنواعٍ أُخرى بحيثُ تُستبدلُ الريشات المُطَّرحة بِأُخرى جديدة قبل اطِّراح ريشاتٍ غيرها. وقد تستغرق عمليَّة الاستبدال هذه نصف سنة. والطَّيرُ التي تطَّرحُ ريشها مرَّتين تعيشُ عادةً في بيئاتٍ تُبلي الكساء الريشيّ سريعًا.[103] يُعرفُ الكساءُ الرِّيشيّ لِلطائر الذي انطُّرح بعد انقضاء موسم التزاوج بالريش «غير المُفرخ» أو «الأساسي»؛ أمَّا الكساء الباهي الذي يظهر في موسم التزاوج فيُعرف بِالريش «المُفرخ» أو «البديل».[106] أنماط انطِّراح الريش تختلف باختلاف الفصيلة، فعند الجواثم، يتمُّ استبدال ريشات الطيران الواحدة تلو الأُخرى بحيثُ تكون الريشات الأوليَّة الداخليَّة هي أوَّل ما يُطرح. وما أن يتم استبدال الريشة الخامسة أو السادسة حتَّى تبدأ الريشات الثُلاثيَّة الخارجيَّة بِالتساقط. وبعد انطراح هذه الأخيرة تبدأ الريشات الثانويَّة بالتساقط بدايةً من تلك الداخليَّة وُصولًا إلى الخارجيَّة، ويُعرف هذا الشكل من طرح الريش بـ«الانطِراح النابذ». تنطرح الكواسي الكُبرى الأوليَّة بِالتزامن مع الريشات الأوليَّة التي تتقاطع معها.[107] قسمٌ ضئيلٌ من الأنواع، مثل البط والإوز، تفقد جميع ريشاتها الطيرانيَّة دفعةً واحدة، لِتُصبح بهذا عاجزةً عن الطيران لِفترةٍ مؤقتة.[108] تطرحُ جميع الطُيُور دون استثناء ريشات ذيلها بدايةً من زوج الريشات الداخليّ الأقصى،[107] على أنَّ الانطِراح الجاذبيّ (انطلاقًا من الخارج نحو الداخل) لِريشات الذيل يُمكن مُلاحظته عند التدرُّجيَّات.[109] والانطِراح الجاذبيّ لِريشات الذيل سالف الذِكر يختلفُ بعض الشيء عند النقَّارات ودواب الشجر، من حيث أنَّهُ يبدأ من زوج الريشات الداخلي الثاني وينتهي عند الزوج المركزي، وسبب هذا هو كي يبقى ذيل الطائر فعَّالًا ويُحافظ على توازنه أثناء تسلُّقه وهُروعه على الجذع ذهابًا وإيابًا.[107][110] النمط العام الذي يُمكن مُلاحظته لدى الجواثم أنَّ ريشاتها الأوليَّة تُستبدل من الداخل إلى الخارج، والثانويَّة إلى الداخل، وريشات الذيل من المركز إلى الخارج.[111] تكتسبُ إناث مُعظم أنواع الطُيُور بُقعة عارية من الريش على بطنها قبل بداية فترة الرخم (حضن البيض)، وتتزوَّد هذه البقعة بالكثير من الأوعية الدمويَّة لِتُحافظ على حرارة البيض خِلال الرخم.[112]
يعتني الطائر بِكسائه الريشيّ المُهمِّ عنايةً بالغةً، فيقوم بتمسيده وتأنيقه وترتيبه يوميًّا، بحيثُ تأخذ منهُ هذه العمليَّة حوالي 9% من وقته اليومي.[113] وبعضُ الطَّيرِ تغتسلُ بِرشرشة نفسها في مورد ماءٍ ضحل، ويُقدمُ الطَّائر بعد طرطشة الماء حول كسائه الريشي على تمسيده وتسويته بِمنقاره عدَّة مرَّات، مُستعينًا بِزيتٍ تُفرزه غُدَّة في قاعدة الذيل ممَّا يجعل الكساء الريشي صامدًا ضد الماء.[103] كما يلعب هذا السائل دورًا في الحفاظ على مُرونة الريش ويحول دون نُموّ البكتيريا التي تتسبب بِتآكل الريش.[114] بعضُ أنواع الطُيُور يلجأ إلى أُسلوبٍ آخر لِلحفاظ على نقاء ريشه، فيهبطُ على عُشٍ لِلنمل ويعيث فيه فسادًا كي تُهاجمه النملات، فتصعد ريشه حيثُ تقوم بِفرز حمض الفورميك لِلدفاع عن نفسها وأعشاشها، فتُبيد بهذا كُل الطُفيليَّات النامية على ريش الطائر، ويُعرف هذا السُلوك باسم «التنميل».[115]
حراشفُ الطُيُور تتكوَّن من مادَّة الكيراتين، مثلها في ذلك مثل المناقير والمخالب والمهاميز، وهي عادةً تكسو أصابع قدميها ومشطها، إلَّا أنها قد تبلغ الكاحل عند بعض الأنواع. مُعظمُ حراشف الطُيُور لا تتقاطع مع بعضها بشكلٍ بارز، يُستثنى من ذلك القرلِّيَّات والنَّقَّارات. يُعتقدُ بِأنَّ حراشف الطُيُور مُتناددة مُقارنةً مع تلك الخاصَّة بِالزواحف والثدييَّات.[116]
مُعظمُ الطُيُور قادرةٌ على الطيران، الأمر الذي يُميِّزُها عن جميع طوائف الفقاريَّات تقريبًا. والطيران هو وسيلة الحركة الرئيسيَّة لدى أغلب الطُيُور، وهي تستخدمه كذلك عند التودُّد لِشريكاتها عبر أدائها لِعُروضٍ طيرانيَّةٍ بديعة، وفي تفادي الضواري ولِلهرب. لِلطُيُور تأقلُمات جسديَّة مُتعددة مُخصَّصة لِتُساعدها على الطيران، منها الهيكل العظميّ خفيف الوزن وعضلتيّ طيران (العضلة الصدريَّة التي يُشكِّل وزنها 15% من وزن الطائر، والعضلة الرافعة)، وجناحان يلعبان دور الأطراف الحاملة.[67]
العضلة الصدريَّة هي العضلة الخارجيَّة الكبيرة في الطُيُور، وهي تتصلُ بِالعضُد، أبعد العظام الطويلة غورًا في الجناح، بِواسطة أربطةٍ قويَّةٍ. وهي التي تُوفِّرُ السحب لِخفَّة الجناح النَّازلة، التي تدفع بِالطائر إلى الأمام. ورفعُ الجناح من أجل الخفقة التالية يتطلَّب طاقةً أقل بِسبب انثناء الريشات وانعطافها. لِهذا، كانت العضلة الرَّافعة، فوق الغُرابى، من قدٍّ أصغر. ويعمل الوتر الرئيسي لِلرفع بِنظامٍ كنظام البكرة، إذ هو يمتد من خلف عظم الغُرابى ثُمَّ يرتفع من فوق مُقدِّم لوح الكتف لِيهبط نازلًا إلى العضُد.[63] يُحدد شكل الجناح وحجمه نوعيَّة طيران فصيلة الطائر ككُل؛ والكثير من الطُيُور تجمع في طيرانها بين الخفق بِقوَّة العضلات والرفرفة والانسياب الذي لا يستهلك طاقة. حوالي 60 نوعًا من الطُيُور الباقية لا تطير، وكانت هُناك طائفةٌ واسعةٌ من الطُيُور المُنقرضة المهيبة لا تطيرُ أيضًا.[117] يُلاحظ أنَّ انعدام المقدرة على الطيران كثيرًا ما يحصل لدى الطُيُور المعزولة على الجُزُر، ولعلَّ سبب ذلك هو انعدام المُفترسات الأرضيَّة هُناك.[118] تستخدمُ البطاريق عضلاتٍ وحركات شبيهة بِتلك الخاصَّة بالطُيُور الطيَّارة، رُغم أنها هي نفسها لا تطير، لكنَّها تلجأ لِذات الحركات تقريبًا أثناء سباحتها في المياه، وكذلك تفعل طُيُورٌ سبَّاحةٌ أُخرى من شاكلة الأوك وأجلام المياه والدُنقُلات.[119]
مُعظم الطيور تتّبع نشاطاً نهارياً، إلا أنَّ بعضهم - مثل البوم والسبد - تعدّ من الروامس (الكائنات النَّشطة ليلاً) أو الشفقيات (تنشط في ساعات الشفق)، كما أنَّ العديد من الكراكيَّات الساحلية لا تتغذى إلا عندما تواتيها التيارات البحرية، سواء أكان الوقت ليلاً أم نهاراً.[120]
تتفاوت نوعيَّات الغذاء التي تعتمد عليها الطيور للبقاء، فقد تأكل الرحيق، والفواكه، والنباتات، والبذور، والجيف، والعديد من الحيوانات الصَّغيرة، مثل الطيور الأخرى.[67] ليس لدى الطيور أيِّ نوع من الأسنان، ولذا فقد تكيَّفت أجهزتها الهضميَّة للتعامل مع الطعام غير المَمْضوغ الذي يُبتَلع كاملاً.[121]
تُصنَّف الطيور إلى عدَّة فئاتٍ حسب طريقة تكيُّفها للاستفادة من أصناف الغذاء المُختلفة، فمنها من تأكل العديد من أنواع الغذاء المُتفاوتة، فتُسمَّى الطيور العُموميَّة، إلا أنَّ بعضها قد ركَّزت تكيُّفاتها الجسدية والحياتية للحُصول على صُنف واحد من الغذاء يشيع في بيئتها، وهذه تُسمَّى الطيور المُتخصّصة.[67] تختلف طُرق الطيور في الحصول على الغذاء من نوعٍ لآخر. فالعديد من أنواعها تنبش الأرض وأغصان الأشجار بحثاً عن الحشرات، واللافقاريات، والثمار، والبذور. وبعضُها تصطاد الحشرات بالانقضاض عليها فجأة للإمساك بها، ولأنها قد تُساعد بهذه الطريق على التخلُّص من الحشرات الضارَّة للبشر، فهي تُعتبر أحياناً عناصر جوهريَّة في برامج مكافحة الآفات الحيويَّة.[122] من جهة أخرى، قد تتغذَّى الطيور على الرحيق، ومن أمثلة الأنواع التي تعتمد عليه كغذاءٍ الطائر الطنان والتُمَّيْر وببغاوات اللُورِ واللوركيت، حيث طوَّرت هذه الأنواع ألسنةً خاصَّة ومناقير طويلة مُصمَّمة خصِّيصاً لتستطيع الوُلوج إلى داخل الأزهار المُتكيِّفة لتتعايش تكافلياً معها.[123] من جهةٍ أخرى، تتخصَّص طيور الكيوي والكركي بصيد اللافقاريات مُستفيدةً من مناقيرها النحيلة والطويلة، وهي تتفاوت في تكيُّفاتها واختصاصاتها إلى درجة أنَّ الأنواع المُختلفة من الكركي لها أنماطٌ حياتيَّة وأصنافٌ غذائيَّة أو طرق صيدٍ مُختلفة.[67][124] وأما طُيور الغوَّاص والبط الغطَّاس والبطريق والأوك فهي تُطارد فرائسها تحت سطح الماء، حيث تستعمل أجنحتها وأقدامها لدفعها عبر المياه نحو هدفها،[56] كما تعتمد بعض الطيور العاديَّة على صيد غذائها من الماء، مثل الأطيش والقرلِّى والخرشنة، ولا تستطيع هذه الطيور سوى الغطس لمسافةٍ قصيرة (أقلُّ من متر أو بضعة أمتار فقط) للوُصول إلى طريدتها، ثم تُعاود الخروج من الماء. يتغَّذى النُّحام الورديّ وبعض أنواع البط بتصفية المياه لاستخلاص العوالق،[125][126] وتعدّ بعض أنواع الطيور من الرَّواعي، إذ أنَّها تعتمد على رعي العُشب والنباتات كمصدرها الأساسيِّ للغذاء، ومن هذه الأنواع الإوز والبط الرشَّاش.
يلجأ عددٌ من الطيور إلى استراتيجيَّة السَّرقة في الحُصول على طعامه، فبدلاً من أن تصطاد طعامها بنفسها، فهي تنتزعه بالقُوَّة من الطيور الأُخرى، ومن أمثلة ذلك الفرقاطات والنوارس[127] والكركر.[128] عادةً ما تكون السَّرقة وسيلة إضافيَّة عند هذه الأنواع لزيادة حصَّتها من الطعام أو تعويض النَّقص فيها، لكنَّها لا تستطيع الاعتماد عليها وحدها والتخلِّي عن الصَّيد بنفسها، فقد أظهرت دراسة على عادة السَّرقة عند الفرقاط الكبير أنَّ غذاءه يتألَّف بنسبة 5% فقط من طرائد مسروقة من الطيور الأخرى، وفي أقصى الأحوال كانت النسبة تصل إلى 40%، بينما تكون أقلَّ بكثيرٍ في الظروف العاديَّة.[129] تعدّ بعض الطيور حيوانات قمَّامة، ومن أمثلتها النسور، التي تتخصَّص بالتغذي على جيف الحيوانات الميِّتة، كما أنَّ بعض الطيور الجارحة والنوارس والغرابيات تعدّ حيوانات انتهازيَّة.[130]
حاجة الطيور للماء قد تكون أقلَّ إلى حدٍّ ما من الثدييات الأخرى، وذلك بسبب طبيعة طريقتها بالإخراج وافتقارها للغُدَد العرقيَّة، إلا أنَّه يظلُّ ذا دورٍ وظيفيٍّ جوهريٍّ بالنسبة إليها.[131] تستطيع بعض أنواع الطيور التي تعيش في بيئات صحراويَّة أن تعتمد على الرطوبة الموجودة في طعامها كمصدرها الوحيد للماء، وقد تستفيد أيضاً من تكيُّفاتٍ أخرى لتحمُّل نقص الماء، مثل ترك حرارة جسدها ترتفع، أو تخفيض نقص الرُّطوبة في أجسامها باللُّهاث السَّريع أو تبريد جلدها.[132] ويُمكن للطيور البحرية أن تشرب مياه البحر مُباشرة، فهي مُزوَّدة بأعضاءٍ تُسمَّى الغدد الملحيَّة لديها القُدرة على التخلُّص من الأملاح الزائدة من خلال المنخر.[133]
عندما تُريد الطيور الشرب، فهي عادةً ما تملأ منقارها بالماء ثم ترفعُ رأسها لتترك المياه تنساب إلى داخل حلقها، إلا أنَّ عدداً من أنواعها يستطيع امتصاص الماء مُباشرة بمناقيرها، خُصوصاً الأنواع التي تعيش في المناطق الجافَّة، ومنها الحماميَّات وشمعيَّات المنقار والكولي والسمَّان ذو النقرة والحباري.[134] مع ذلك، تحتاج بعض الطيور إلى الحصول على الماء السَّائل، وتشتهر القطويَّات على وجه الخُصوص بتجمُّعها بأعدادٍ كبيرة حول ينابيع المياه، ومن ثمَّ تنقل المياه إلى صغارها بترطيب ريش بطنها والطيران نحو العُشّ.[135] وتحمل بعض الطيور الماء إلى عُشِّها بمنقارها وقذفه إلى الفراخ مع طعامهم، كما أنَّ لدى فصائل الحمام والنُّحام والبطاريق تكيُّفاتٍ تُساعدها على إنتاج سائل مُغذٍّ يُشبه الحليب يُسمَّى لبن العصفور، تُعطي منه لصغارها.[136]
يعدّ الريش وسيلة جوهريَّة لبقاء الطُّيور، ولذلك فهو يحتاج إلى العناية باستمرار. يُواجه ريش الطيور عِدَّة مشكلاتٍ مع التقادم، فعدا عن قدمه وتساقطه الطبيعي، يتعرَّض الريش إلى الضَّرر من الفطريات والبراغيث الضارَّة وقمل الطيور.[137] يُحافظ الطائر على سلامة ريشه عادةً بالتنظيف المُستمرّ، وذلك بمُساعدة إفرازاتٍ من غددٍ خاصَّة لدى الطيور، كما وتستحمُّ الطيور في الماء أو التراب لتنظيف نفسها، ففي المناطق الرَّطبة يُمكن أن يغمر الطائر كامل جسده بالماء الضَّحل، وقد تلجأ مُعظم الطيور القادرة على الطيران إلى الغطس لمسافاتٍ قصيرة تحت سطح الماء أثناء طيرانها، وأما تلك التي تعيش في الغابات الكثيفة فقد تكتفي بالنَّدى أو قطرات مياه الأمطار التي تجمعها من على أوراق الشَّجر، وأما في الأقاليم الجافَّة، فيُمكن أن تتمرَّغ بالتراب فحسب. إحدى السلكويَّات الغريبة لدى الطيور المُتعلِّقة بالاعتناء بريشها تُسمَّى التنميل، وهي تعني أن يقترب الطائر من عُشٍّ للنمل ويحثَّ النمل على تسلُّق ريشه، ويعتقد العلماء أنَّ الهدف من هذا السُّلوك يكمنُ في التخلُّص من الحشرات والآفات الضارَّة. من جهة أخرى، قد تجلس العديد من أنواع الطيور تحت الشَّمس وتفرد أجنحتها، وذلك لمُحاولة التخلُّص من الفطريات والحشرات على ريشها.[138][139]
تُهاجر الكثير من أنواع الطيور للاستفادة من اختلافات الحرارة الموسميَّة بين مناطق العالم، وذلك لتحصل على أفضل الفُرص الممكنة من مصادر غذاءٍ ومواقع للتكاثر. تتفاوت طبيعة الهجرة وطولها من نوعٍ إلى الآخر. فالعديد من طُيور اليابسة وطيور السَّواحل والطيور المائيَّة تُهاجر لمسافاتٍ طويلة على نحوٍ سنويّ، وعادةً ما تحصل على الإشارات التي تدفعها إلى البدء بالهجرة بناءً على تزايد طول ساعات النَّهار وتغيُّرات الطَّقس. عادةً ما تقضي هذه الطيور موسم تكاثرها في الأقاليم المعتدلة أو القُطبيَّة، بينما تعيش خلال باقي العام في أقاليم استوائيَّة أو على النِّصف المُقابل (شمالاً وجنوباً) من كوكب الأرض. عندما يقترب وقت الهِجرة، تأخذ الطيور استعدادها بزيادة نسبة الدُّهون في جسمها (بتناول المزيد من الطَّعام)، وتقليص حجم بعض أعضائها الدَّاخلية.[80][140] تتطلَّب الهجرة من الطائر صرفَ كميَّة كبيرةٍ من طاقته، وذلك - بصُورة خاصَّة أكثر - لحاجتها إلى عُبور صحارى ومُحيطات دون الحصول على أيِّ غذاء. تطير طُيور اليابسة لمسافاتٍ تصل حوالي 2500 كم، وأما طُيور السواحل فقد تُحلِّق لأكثر من 4,000 كم،[141] وذلك بالرُّغم من أنَّ البقويقة السُّلطانيَّة مُخطَّطة الذَّيل تستطيع الطيران دون توقُّف لمسافة 10,200 كم.[142] تذهب الطيور البحريَّة أيضاً في هجراتٍ طويلة، وأطول هجرة سنويَّة يأخذها طائر هي هجرة الجلم المائي الفاحم، الذي يتكاثر في نيوزيلندا وتشيلي، بينما يقضي الصَّيف يتغذَّى في نصف الأرض الشمالي قُبالة سواحل اليابان وفي ألاسكا وكاليفورنيا، وهي رِحلة سنويَّة يبلغ طُولها الكلي 64,000 كم.[143] رُغم ذلك، ليست لجميع الطيور البحريَّة مسارات هجرة ثابتة مثل هذه، فالعديد من الطيور تتشتَّت في اتِّجاهاتٍ مُختلفةٍ بعد انتهاء تكاثرها. فالقطرس على سبيل المثال يضع صغاره في المحيط الجنوبي، وكثيراً ما يأخذ رحلاتٍ بين القُطبين بين موسمي التكاثر.[144]
تأخذ بعضُ أنواع الطُّيُور هجراتٍ أقصرَ من ذلك، فقد لا تُسافِر إلا للمسافات التي تحتاجها تجنُّباً للتعرُّض إلى الظروف الجويَّة السيئة أو نقص الطَّعام. كذلك فإنَّ بعض الأنواع، مثل الطيور المُجتَاحة (ومنها الشرشوريات) قد تظهر بسُهولة في إحدى المناطق بواحدةٍ من السَّنوات قبل أن تختفيَ في السَّنة التالية، وذلك لأنَّ هجرتها تترافق على الأرجح مع كميَّة الطعام المُتاحة.[145] قد تسافر بعض أنواع الطُّيور أيضاً لمسافاتٍ مُعيَّنة ضمنَ مناطق انتشارها، فمثلاً، من المُمكن أن تهاجر الطيور التي تسكن في أقاليم قريبة من القُطب إلى مناطق أدفأ، لكنَّها مناطق تسكنها طيورٌ من نفس النَّوع بصُورة دائمة (على مدار السَّنة)، وفي طيورٍ أخرى تكون الهِجرة جزئيَّة، بحيث لا تشارك فيها سوى الإناث والذكور القائدة لجماعاتها.[146] من المُحتمل أن تكون هذه «الهِجرة الجزئيَّة» واحدةً من أنماط الهِجرة الشَّائعة على نحوٍ عال بين الطيور في بعض المناطق، فقد أشارت إحدى الدراسات في أستراليا إلى أنَّ 44% من أنواع الطيور التي لا تنتمي إلى فصيلة العصافير و32% من أنواع العصافير تُهاجر هجراتٍ جُزئيَّة في الغالب.[147] من أنواع الهجرات ذات المسافات القصيرة كذلك هجرة الأماكن المُرتفعة، فقد تميلُ الطيور التي تتكاثر في بقاعٍ مُرتفعة عن سطح البحر إلى الانتقال إلى مناطق أكثر انخفاضاً عندما تُصبح الظروف البيئيَّة قاسية، وغالباً ما تبدأ هذه الهجرة نتيجة تغيُّرات الطَّقس، أو عندما تُصبح منطقة الحيوان غير صالحةٍ للحياة بسبب نقص الغذاء.[148] رُغم ذلك، تعيشُ بعض أنواع الطيور حياة مُتجوِّلة بحيث لا تهتمُّ بالبقاء في منطقة أو إقليم مُحدَّد، وتستمرُّ بالانتقال إلى أماكن جديدةٍ كُلَّما لم تُواتِها ظروف الطَّقس أو الغذاء. من الأمثلة القريبة على ذلك فصيلة البَّبغاوات بأكملها، فهذه الحيوانات كُلَّها لا تُعتَبر كائناتٍ مُهاجرةً ولا مُستقرَّةً على الإطلاق، وإنَّما تميلُ إلى التجوال والقيام بهجراتٍ عشوائيَّةٍ مُتكرِّرة واجتياح مناطق الحيوانات الأخرى.[149]
تُشتَهر الطُّيور مُنذ مُدَّة طويلة بقُدرتها العالية على العَودة إلى بقاعٍ مُحدَّدة بدقَّة شديدة بعد أن تبتعد عنها لمسافاتٍ شاسعة، ففي تجربة أجريت في خمسينيَّات القرن العشرين حاول بعضُ العُلماء جلبَ طائر جلم الماء المانكسي إلى مدينة بوسطن بالولايات المُتَّحدة، وما إن أطلقوه حتى حَلَّقَ عائداً إلى مدينة سكومر في ويلز خلال 13 يوماً فحَسْب، وهي مَسافة تعادل 5,150 كم.[150] تستدلُّ الطيور على الاتجاهات في أثناء هجرتها بطُرُقٍ مُختلفة. عادةً ما تستخدم الطيور ذاتُ النشاط النهاري الشَّمس كدليلهاالأساسي للتعرُّف على الاتجاهات أثناء النهار، والنجوم أثناء اللَّيل، وتستطيع هذه الطيور الاستفادة من تغيُّر موقع الشمس لإدراك مكانها بساعةٍ داخليَّة.[67] وأما استخدام النُّجوم فيعتمد على مواقع الكوكبات المُحيطة بنجم الشَّمال.[151] لدى بعض أنواع الطُّيور أيضاً وسائل إضافيَّة لمعرفة طريقها في السَّماء، ومن ذلك قُدرَتُها على الإحساس بمجال الأرض المغناطيسي اعتماداً على مُستقبلات ضوئيَّة خاصَّة.[152]
تتواصل الطُّيور بين بعضها بعضاً في الغالب بالإشارات والأغنيات الصوتيَّة، وقد تُستَعمل مثل هذه الإشارات في التواصل بين أفراد النَّوع نفسه أو بين أنواعٍ مُختلفةٍ من الطيور الموجودة في البيئة نفسها. تستعرض الطيور أحياناً بريشها لفرض وإثبات سيطرتها على أفراد نوعها الآخرين،[153] أو لجذب شركاء من الجِنس الآخر وإغرائهم بالتزاوج، أو لتهديد أعدائها وإخافتهم، مثلما يفعل طائر واق الشَّمس الذي يُقلِّد سُلوك حيوانٍ مفترسٍ كبير الحجم لإبعاد الباز الجارح عن صغاره.[154] يُساعد مظهر الريش أيضاً في وَظائف أخرى، فهو مُفيدٌ في مُساعدة الطيور على التعرُّف على بعضها، وخُصوصاً على ما إذا كانت تواجه طُيوراً من نفس نوعها أم من أنواعٍ أخرى. تتواصل الطيور مع بعضها بالإشارات البصريَّة بطُرُقٍ مُختلفة، ومنها تسوية الريش وتغيير وضعيَّته والنَّقر وسُلوكيَّات أخرى. تستعمل الطيور مثل هذه الإشارات إمَّا للتَّعبير عن عدائها اتِّجاه خصمٍ مُحدَّد، أو عن خُضوعها لقائد السِّرب، أو لتكوين علاقة حميمة مع شريكها.[67] تُمارِس الطيور مُعظم عُروضها البصريَّة أثناء مُغازلة الشَّريك، حيث كثيراً ما تتضمَّن طُقوس المغازلة «رقصاتٍ» مُعقَّدة؛[155] وقد يعتمد مصير الذُّكور من حيث التكاثر (في الكثير من الأحيان) على قُدرتهم في أداء هذه العُروض بشكلٍ جيِّد.[156]
تُعتَبر الأغاني والنِّداءات التي تصدرُ من عضوٍ خاصٍّ يُسمَّى المصفار هي الوسيلة الأساسيَّة للتواصل بين الطُّيور عن طريق الصَّوت. في بعض الأحيان يكون هذا التواصل مُعقَّداً جداً، فبعض الأنواع تستطيع استخدام كلِّ جانبٍ من جانبيْ المصفار وَحْدَه لإصدار أغنيتين فريدَتَيْن في الآن ذاته.[82] وتُستَعمل هذه الأغاني والتَّغَاريد لأغراضٍ مُختلفة، منها جذب شريكٍ للتزاوج،[157] أو توثيق الرَّابطة الزوجيَّة، أو فرض الهَيْمنة على منطقةٍ مُعيَّنة بإبعاد الأعداء،[67] أو التعرُّف على طُيورٍ مُعيَّنة أخرى (حيث يتعرَّف الوالدان بهذه الطريقة على فراخهما في المُستعمرات المُزدحمة، كما يستعملها الأزواج عند لقائهم في بداية موسم التكاثر)،[158] وكذلك في التحذير من اقتراب حيواناتٍ مُتفرسة، بل وأحياناً لتوصيل فكرةٍ دقيقةٍ عن الحيوان المُقترب.[159] تٌصْدِر بعض أنواع الطُّيور أصواتاً ميكانيكيَّة (لا تصدُرُ عن مصفارها) للتواصل فيما بينها. فطائر الشُّنْقُب الأسترالي - على سبيل المثال - يُحرِّك الهواء بريشه لإثارة ضجَّةٍ عالية،[160] بينما يطرقُ نقار الخشب بمنقاره لتحذير الطُّيور الأخرى من نوعه من الاقتراب إلى منطقته،[79] بينما يستخدم كوكاتو النخيل أدواتٍ مثل أغصان الشَّجر أو الحجارة للطَّرق وإثارة الأصوات.[161]
بعض الطُّيور تعيش في مناطق ثابتةٍ أو في مجموعات عائليَّة صغيرة، وبعضُها الآخر تتنقَّل في أسراب. تتمثَّل الفائدة الأساسيَّة للحياة بأسرابٍ في الاحتماء بكثرة العَدَدْ، والكفاءة الإضافيَّة في الحُصُول على الطَّعام.[67] وتحتاج الطُّيور إلى الدِّفاع عن أنفسها ضدَّ الحيوانات المُفترس في البيئات المُغلَقة مثل الغابات، حيث يكثُرُ الصيد بالمباغتة ويُمْكِنُ لوُجود طيورٍ أخرى في الجوار أن يُساعد على التحذير المُبكِّر من اقتراب الأعداء. أدَّت هذه الأسباب إلى تكوُّن العديد من أسراب الطيور مُتعدِّدة الأنواع، والتي تتألَّف في العادة من أعدادٍ صغيرةٍ من طيورٍ من أنواع مُختلفة، تهدفُ إلى الاستفادة من أعدادها لتوفير المزيد من الحماية لنفسها، رُغْمَ أنَّ ذلك يزيد من حِدَّة التنافُس فيما بينها على الموارد الغذائيَّة.[163] من المٌشكلات المُحتملة للتنقُّل في أسرابٍ تعرُّض الطيور الأقلِّ مرتبةً في السِّرب إلى المُضايقة من تلك المُسيطرة، وكذلك انخفاض كفاءة التغذِّي الجماعيِّ في ظُروف مُحدَّدة.[164]
قد تُشكِّل الطيور، في أحيانٍ أخرى أيضاً، جماعاتٍ مع حيواناتٍ أخرى من خارج مجموعة الطيور. فالطُّيور البحريَّة الغطَّاسة تُرافِقُ أحياناً الدلافين وأسماك التُن، لأنَّهما يَدْفعان الأسماك نحوَ سطح الماء.[165] تمتاز طُيور أبي قرن بعلاقةٍ تكافليُّة مُتبادلة مع النِّمس القزم، حيث يحصلُان على الغذاء معاً ويُحذران بعضهُما عند اقتراب الطيور الجارحة أو الكائنات المُفترسة الأخرى.[166]
تصرف الطُّيور الكثير من الطاقة أثناء فترات نشاطِها من اليَوْم، ممَّا يرفعُ مُعدَّل الأيض لديها، إلا أنَّها تُعوِّض عن هذا المُعدَّل العالي بالرَّاحة في أوقاتٍ أخرى. كثيراً ما تنام الطيور بطريقةٍ تُسمَّى «النَّوم اليَقِظ»، ويمتاز هذا النَّوع من النوم بأنَّه ينقطع باستمرارٍ بفترات يقظة قصيرةٍ يفتحُ أثناءها الطَّائر عينيْه ليُلقي نظرةً على مُحيطه، وهذا يُحافظُ على إدراك الطيور تجاه مُحيطها حتى وهي نائمة، ويسمحُ لها بالهرب من الحيوانات المُفترسة.[167] يُعتقد أنَّ السَّمامات قادرةٌ على النَّوم أثناء الطَّيران، إذ تُشير الدراسات المُجراة بأجهزة الرَّادار إلى أنَّ هذه الطيور تُوجِّه نفسها نحو تيَّارات الرِّياح لتسمحَ لها بحملها معها، ومن ثُمَّ تخلدُ إلى الرَّاحة.[168] وبناءً على ذلك، اقترح بعض العُلماء وُجود طُرُق للنَّوم لدى الطيور تَسمح لها بأن تنام وهي تُحلِّق.[169] تستطيعُ بعض الطيور جعلَ نصفٍ واحد من دماغها يدخلُ في نومٍ بطيء الموجة بينما النِّصف الآخر يَقِظ، حيث تكون إحدى عينيْه مُغلقةً وفي حالة راحة، بينما العين الأخرى تُراقب مُحيطه للتحقُّق من وُجود أي كائناتٍ مُفترسة في الجوار، وهو أسلوبٌ معروفٌ أيضاً لدى الثديِّيات البحريَّة . عدا عن ذلك، يبدو أنَّ الطيور تعتاد على تدريب نفسها على النَّوم بهذه الطريقة بناءً على المكان الذي تُحلِّق فيه ضمنَ السِّرب، فتلكَ التي تُحلِّق على أطراف السِّرب تكون أكثر قُدرةً على النَّوم بهذا الأسلوب، وذلك لأنَّها تتعرَّض لتهديدٍ أكبر.[170] تُفضِّل العديد من أنواع الطُّيور الجُثُوم في جماعاتٍ أو أسرابٍ كبيرة، وذلك لتقليل خسارة حرارة أجسادها عندما يكون الطَّقس بارداً، أو لتخفيض خطر التعرُّض لهجومٍ من كائن مُفترس.[171] في الواقع، كثيراً ما تختار الطيور أماكنَ راحتها بناءً على فاعليَّتها في الحماية من عوامل الطَّقس أو الابتعاد عن المُفترسات.[172]
تثني العديد من الطُّيور رقابها نحوَ ظُهورها وتطمُرُ مناقيرها بين ريشِ ظهرها عندما تنام. كما أنَّ الكثير من أنواع الطيور قد تُفضِّل النَّوم وهي واقفةٌ على ساقٍ واحدة، حيث ترفعُ ساقها الأخرى نحو جسمها، خُصوصاً لو كان الطَّقس بارداً. وتتميَّز العصافيرُ بأسلوبٍ خاصٍّ في التشبًّث، يمنعُها من الوُقوع من على مجثمها أثناء الرَّاحة. تختارُ العديد من الطُّيور غير القادرة على الطَّيران، مثل السُّماني والدُّرجة، النوم في جُذُوع الأشجار. كما وتجثُمُ بعض البَّبغاواتِ وهي مُعلَّقة على غصنِ شجرة رأساً على عَقِب.[173] تدخُلُ بعض أنواع الطنَّانات في حالة سُباتٍ ونقصٍ بمُعدَّل الأيض أثناء اللَّيل، تُشبه تلك التي تمرُّ بها الحيوانات أثناء السبات الشتوي.[174] وهو تكيُّفٌ وظيفيٌّ يظهرُ في نحو مائة نوعٍ آخر من الطيور، منها السَّبد وسبد البوم ومبلعُ الخشب.[175]
ليسَ لدى الطُّيور أيُّ نوعٍ من الغدد التعرُّقيَّة، ولذا فعندما ترتفع حرارة جسمها تضطرُّ إلى تبريد نفسها بوسائل بديلة، منها البحثُ عن الظلّ، أو الوُقوف في الماء، أو اللُّهاث، أو الوُقوف وبَسْطُ أجنحتها، أو هزهزة حناجرها، أو استخدام طُرُقٍ خاصَّة أخرى مثل التبريد بالفضلات.
تُعتبر 95% من أنواع الطُّيور في العالم أحاديَّة الزَّوجْ، أي أنَّها لا تتزاوج سوى مع شريك تزاوجٍ واحدٍ أثناء كلِّ موسم تكاثر (شريكٌ واحدٌ خلال العام على الأكثر). وقد ترتبطُ الطيور بشريكها لعدَّة سنواتٍ في بعض الحالات، أو مدى الحياة بالنسبة لعددٍ قليلٍ من الأنواع.[177] تُساعد هذه الرَّابطة الأحاديَّة الأبويْن على العناية بصغارهما بطريقة مُشتركة، وقد يكون هذا الأمر ضرورياً، ففي الكثير من أنواع الطيور، لا تستطيع الأنثى أن تتولَّى وحدها العناية بالصِّغار بكفاءة.[178] رُغم ذلك، تُعتَبر خيانة الشَّريك (الارتباط بأكثر من زوْج في الوقت ذاتِه) ظاهرة شائعةً بين الطيور.[179] وغالباً ما يَقوم بهذه الخيانة الذكر القائد لأحد الأسراب مع إناث الذكور الأقلِّ مرتبةً مِنه، وقد يحدثُ بالقُوَّة أو الإجبار كما في العديد من أنواع فصيلة البطّ.[180] تمتاز إناث الطُّيور بآليَّة للحفاظ على الحيوانات المنويَّة، تسمحُ لها بإنجاب الأولاد بعدَ فترةٍ طويلة من انتهاء عمليَّة التزاوج، قد تصلُ إلى مائة يومٍ أو أكثر في بعض الأنواع.[181] إلا أنَّ استعمال هذه الآليَّة في حالة تزاوج الأنثى مع أكثر من ذكر، يعني أن حيواناتهم المنويَّة قد تتنافس على الوُصول إلى البويضات، وقد تُساعد هذه العمليَّة على إنجاب صغارٍ يحملونَ جيناتٍ أفضل.[182] لهذا السَّبب، تهتمُّ ذكور الطيور مُتعدِّدة الأزواج بحراسة الإناث التي يتزاوجونَ معها لفترةٍ طويلة بعد انتهاء التَّزاوج، وذلك للتأكُّد من عدم تنافُس جيناتهم مع جينات ذُكورٍ أخرى.[183] من أنظمة التزاوجُ الأخرى الموجودةِ بين الطُّيور تعدد الزوجات وتعدد الأزواج.[67] وفي بعض الحالات، قد تُوجد عِدَّة أنظمة تزاوج بين أفراد النَّوع نفسه.
غالباً ما تُؤدِّي الطيور، أثناء عمليَّة التزاوج، نوعاً من عٌروض المُغازلة لإغراء شريكها، وعادةً ما يكون الذَّكر هو الطرف الذي يقَومُ بالعرض.[184] تكونُ مُعظم العروض بسيطةً في طبيعتها، فهي تتألَّف في جوهرها من بعض التَّغاريد والألحان الغنائيَّة. إلا أنَّ بعض أنواع الطُّيور تٌسهِبُ في الأداء، فهي قد تتألَّف من ضربٍ بالذيل والأجنحة، أو رقص، أو تحليقٍ في الهواء، أو قتالٍ بين ذكور عِدَّة للتنافس على الشَّريكة. في مُعظم الحالات تكونُ الأنثى الطَّرَف الذي يَختار شريكه،[185] لكن في بعض الأنواع مثل الفلروب يُمكن أن يحدث العكس، إذ تختار الذُّكور (باهتة الألوان) شريكاً لها من الإناث المتنافسة الزَّاهية في ألوانها.[186] يُمارس أزواج الطيور العديد من الطُّقوس فيما بينهم بعد انتهاء التزاوج، ومنها جلبُ الغذاء لبعضهم أو تمليس ريش شريكهم.[79]
وَثَّقَ العُلَمَاء وُجود المثليَّة الجنسيَّة لدى الطُّيور بين الإناث والذكور من أنواعٍ مُختلفة، ومن الظَّواهر التي وُثِّقَت بين الطيور المثليَّة جنسياً ما يشتمل على التزاوج، والرَّوابط الثنائيَّة، والاعتناء الأبوي بالصِّغار.[187]
تُدافع العديد من الطُّيور عن مناطقَ ثابتةٍ لها وتمنعُ أفراد نوعها الآخرين من الاقتراب مِنها أثناء موسم التزاوج، والهدفُ من ذلك حماية موارد الغذاء المُتوافرة في المنطقة للاستفادة مِنها في إطعام صغار الطَّائر لاحقاً. تختار أنواع الطيور التي يصعبُ عليها عن مناطقها (مثل الطيور البحريَّة والسَّمامة) التجمُّعَ في مستعمراتٍ ضخمةٍ لحماية نفسها من المُفترسين. في هذه المُستعمرات، يحتفظ كلُّ زوجٍ من الطيور بمنطقة صغيرة تتمثَّل بموقع العُشّ الذي يُريدون أن يضعوا بيضهم فيه، وقد تُدافع هذه الطيور عن عُشِّها أو تتنافس على مواقع الأعشاش مع أفراد نوعها الآخرين بشراسةٍ بالغة.[188]
تضعُ جميع الطيور بيضاً سلويًّا (تضعُ بيضها على اليابسة) مُحاطاً بقشرةٍ قاسيةٍ مصنوعةٍ من كربونات الكالسيوم.[67] تميلُ أنواع الطيور التي تعيشُ داخل جُحورٍ إلى وضع بيوضٍ بيضاء أو باهتة اللَّون، وأمَّا الأنواع التي تبني أعشاشها في الهواء الطَّلق فيكونُ لونُ بيضها مُتماشياً مع البيئة المُحيطة به لأجل التمويه. ثمَّة العديد من الاستثناءات التي تشذُّ عن هاتين القاعدتين، لكنَّه ليس شُذوذاً تاماً بالضَّرورة، فعلى سبيل المثال، تضعُ طُيور السبد بيضاً باهتاً، إلا أنَّها تحصلُ على التَّمويه من لون ريشها عوضاً عن قشرة البيضة. كما أنَّ أنواع الطيور التي تتعرَّض صغارها لاعتداءات متطفلات الأعشاش (طُيورٌ تحاول إلقاء بيضها في أعشاش غيرها لتتجنَّب رعايته) تضعُ بيوضاً ذات ألوانٍ مُتنوِّعة لتحسين فُرصتها في التعرُّف على بيوض المُتطفِّلين، ويُجبِر ذلك الإناث المُتطفِّلة على البحث طويلاً عن أعشاشٍ فيها بيوضٌ من لونٍ متماشيٍ مع بيضها الخاصّ.[189]
عادةً ما تضعُ الطيور بيُوضها داخل أعشاش. تصنع مُعظم الطيور أعشاشاً مُعقَّدةً بعض الشّيء، فمن المُمكن أن تكون قمعيَّة أو قِبَبِيَّة أو مُسطَّحة أو متراسيَّة في الشكل، وقد تكون تجويفاً في جذع شجرة أو جُحراً تحت الأرض.[190] رُغم ذلك، تبدو بعضُ أعشاش الطيور بدائيَّة جداً في بنائها، فقد لا تكونُ أكثر من منخفضٍ في الأرض أحياناً. تُحاول مُعظم الطيور بناء أعشاشها في أماكن مُغطَّاة ومَخفيَّة، وذلك لحمايتها من الحيوانات المُفترسة، كما تلجأ بعضُها إلى بناء مُستعمراتٍ عملاقة من الأعشاش المفتوحة لقُدرتها الأكثر كفاءة على الدِّفاع عن أعشاشها. أثناء بناء العُشّ، تبحثُ بعض الطيور عن نباتاتٍ تُفرز سُموماً مُضادَّة للكائنات المُتطفِّلة لحماية صغارها،[191] كما أنَّ من المُعتاد أن ينثُرَ الطائر الذي يبني العُشَّ ريشه لتوفير نوعٍ من العزل الحراريّ.[190] من جهةٍ أخرى، لا تبني بعض الطيور أيَّ أعشاشٍ على الإطلاق. فعلى سبيل المثال، يَضَعُ طائر المور الشَّائع بيُوضه على الصُّخور العارية، وأما ذكور البطريق الإمبراطوري فهيَ تحفظُ بيضها بين ساقيها حتى يفقس. وبصُورةٍ عامَّة، فإنَّ ظاهرة الافتقار إلى الأعشاش رائجةٌ بين أنواع الطيور التي يستطيعُ الوُقوف والحركة بعد الفقس مُباشرة.
تبدأ فترة الحَضَانة عادةً عندما يضع الطائر آخر واحدةٍ من بيُوضه، وهي تهدفُ إلى تنظيم حرارة البيض أثناء نُموِّ الصغار.[67] في أنواع الطيور أحاديَّة الزَّوْج، يشيعُ أن تكون وظيفة الحضانة مُتبادلةً بين الوالدين، وأما في الأنواع الأخرى فتكونُ الوظيفة مٌقترصةً على الأنثى. تصلُ حرارة جسد الوالد الحاضنِ إلى البيض من خلال رُقعٍ خاصَّة من الجلد العاري على (غير المُغطَّى بالريش) مُخصَّصةٍ لهذه الوظيفة. وقد تكونُ الحضانة عمليَّة مُستهلكةٍ للطاقة بالنسبة للوالدين، فطُيور القطرس البالغة يُمكن أن تفقد ما يصلُ إلى 83 غراماً من الوَزْن كلَّ يومٍ أثناء الحضانة.[192] تعتمدُ طيور فصيلة الشقبانيَّات على حرارة الشمس أو النباتات المُتحلِّلة أو المواد البُركانيَّة لتدفئة بيُوضها.[193] وبصُورة عامَّة، تتراوح فترات الحضانة في الطيور ما بينَ 10 أيام (لدى نقار الخشب والوقواق والعصافير) إلى أكثر من 80 يوماً (لدى القطرس والكيوي).[67]
تتنوَّع صفاتُ الطيور بدرجةٍ هائلة، حتى بين الأنواع التي يُفترض أن تتَّصل بروابط جينيَّة وثيقة. ويُقارن الجدول أدناه بينَ صفاتٍ مُختلفة مُتعلِّقة بالحمل ووضع البيض في عِدَّة أنواعٍ من الطيور.[194][195]
النَّوع | وَزْن البالغ
(بالغرامات) |
فترة الحضانة
(بالأيَّام) |
مرَّات الحمل
(كلَّ سنة) |
عدد الصِّغار
(لكلِّ حمل) |
---|---|---|---|---|
الطنان ياقوتي الحنجرة (Archilochus colubris) | 3 | 13 | 2.0 | 2 |
العُصفُور الدُّوريّ (Passer domesticus) | 25 | 11 | 4.5 | 5 |
الجوَّاب الكبير (Geococcyx californianus) | 376 | 20 | 1.5 | 4 |
النَّسر الرُّومي (Cathartes aura) | 2,200 | 39 | 1.0 | 2 |
قطرس لايْزَن (Diomedea immutabilis) | 3,150 | 64 | 1.0 | 1 |
بطريق ماجلاّن (Spheniscus magellanicus) | 4,000 | 40 | 1.0 | 1 |
العُقَاب الذهبيَّة (Aquila chrysaetos) | 4,800 | 40 | 1.0 | 2 |
الدجاج الروميُّ البريّ (Meleagris gallopavo) | 6,050 | 28 | 1.0 | 11 |
يُمكن أن تفقس فراخ الطيور من بيضها وهي عاجزةٌ عن القيام بأيِّ شيءٍ دُون مساعدة والديها، كما يُمكن أن تفقس وهي مُستعدِّة تماماً للاعتماد على نفسها، إذ يختلفُ هذا الأمر باختلاف النَّوع. غالباً ما تفقسُ الفراخ العاجزة وهي صغيرة الحجم، وعمياء، وغير قادرة على الحركة، وعارية الجِلْد، وأما الفراخ التي تفقسُ وهي قادرةٌ على الوقوف والحركة ومُغطَّاةٌ بالريش فهي التي تكون مُستعدِّة للعَيْش باستقلالية. وبصُورةٍ عامَّة، تنقسم جميع فراخ الطيور ما بين هاتين الفئتين، إذ لا تُوجد حالةٌ وُسطى بينهما.
تتفاوت مُدَّة ونوعية الاعتناء الأبوي بالفراخ بين فصائل وأنواع الطيور. في إحدى الفئتين النَّقيضتين المُتمثِّلة بفصيلة الشقبانيَّات، تنتهي فترة العناية الأبوية بالصِّغار عندَ الفقس تماماً، بحيث أنَّ الصغار الذين فقسوا للتوّ يُضطَّرُّون إلى حفر طريقٍ لأنفسهم إلى خارج العُشّ (الذي يقع داخل جُحرٍ في الأرض) دُون أيّ مساعدة من والديْهما.[196] وأما في الفئة النَّقيضة الأخرى فمن المُمكن أن تطول فترة العناية الأبوية كثيراً، وهي تتمثَّل في الطيور البحريَّة خُصوصاً، إذ يُحقِّق الرقم القياسي على هذا الصَّعيد طَيْر الفرقاط الكبير الذي تحتاجُ فراخه إلى ستَّة شُهورٍ لتكتسب ريشها، ورُغم ذلك، تظلُّ فراخه مُعتمدَّة على الغذاء الذي يجلبهُ إليها والداها لمُدَّة 14 شهراً أخرى.[197] تمرُّ الطيور بمرحلةٍ من حياتها تُسمّى «حراسة الفراخ»، يُضطرُّ خلالها أحد الأبوين إلى البقاء في العُشّ على نحوٍ دائمٍ لحماية الصغار، ويتمثَّل الهدفُ الأساسي من هذه المرحلة بمُساعدة الفراخ على تنظيم حرارة أجسادهم (بمُساعدة جسد الوالدين) وحمايتهم من الحيوانات المُفترسة.[198]
في بعض أنواع الطيور تكونُ مسؤوليَّة العناية بالصِّغارة مشتركةً بين الأبويْن، إلا أنَّه مسؤوليَّة واحدٍ منهما فحسبُ في أنواعٍ أخرى. في بعض الحالات، قد يُساعد بعض أقرباء الأَبَوَيْن (مثل أبنائهما السَّابقين) في رعاية الفراخ،[199] وتنتشر هذه الظَّاهرة (اشتراك أفرادٍ غير الأبوين في الاهتمام بالصِّغار) في فصيلة الغرابيات على وجهِ الخُصوص، في طُيورٍ مثل الغربان والعُقعُق الأسترالي،[200] إلا أنَّها مُوثَّقة أيضاً في فصائل وأنواعٍ أخرى، منها الحدأة الحمراء. ورُغم أنَّ تولِّي الذكر وحده العناية بالصِّغار يُعتَبر نادراً جداً في مملكة الحيوان بصفة عامَّة، إلا أنَّه ظاهرةٌ منتشرة بين الطيور، ومن أمثلة ذلك رعاية ذكور البطريق الإمبراطور للبُيوض أثناء غياب الإناث.[67] من المُعتاد أن تتشارك ذكور وإناث الطيور العديد من المهامّ الأبويَّة، ومنها الدِّفاع عن موقع العُشّ أو المنطقة، وحضانة البيض، وتغذية الصِّغار، لكن في بعض الحالات، قد يعتمدُ تقسيم العمل أحياناً على إسناد وظيفةٍ مُعيَّنة لواحدٍ الأبوين فقطْ، لأنَّه الأقدر على أدائها.[201]
تتراوحُ المرحلة التي ينبُتُ عندها ريش الفراخ بدرجةٍ هائلةٍ بين أنواع الطيور. فصغار طائر الأوك القديم يُغادرون عُشَّهم في ليلة فقسهم، ليتبعوا آبائهم نحوَ البحر لينشؤوا بعيداً عن الحيوانات المُفترسة على اليابسة.[202] كما وتميلُ بعض الأنواع الأخرى (مثل البطّ) إلى أخذ صغارها خارج العُشّ بعد الفقس بقليل، وذلك لأنَّها طُيورٌ سابحة، وأما بالنسبة لمُعظم أنواع الطيور الأخرى، فلا يتركُ صغارها العش حتى يُصبحوا قادرين على الطَّيران. تتركُ فراخ طُيُور القطرس أعشاشها وحدها عندما ينمو ريشها ولا تتلقَّى أي مُساعدةٍ من أبَوَيْها بعد ذلك، إلا أنَّ بعض الأنواع تستمرُّ بجَلْب الغذاء لصغارها حتى بعد أن يكتمل ريشهم.[203] في بعض الأحيان، قد يتبعُ الصِّغار آبائهم خلال تجربتهم الأولى في الهِجرة.[204]
متطفلات الأعشاش هي أنواعٌ من الطُّيور تتركُ بَيْضَها في أعشاش طُيورٍ أخرى لتُعنى برعايتها بدلاً منها، وتُعتبر هذه الظاهرة أكثر انتشاراً بين الطيور من أيِّ مجموعةٍ أخرى من الحيوانات.[205] بعد أن تتركَ الأنثى المُتطفِّلة بيضها في العُشّ الجديد، من المُحتمل جداً أن يتقبَّلها الطائر الآخر ويعتني بها كأنَّها إحدى بيضاته، مع أنَّ ذلك قد يُقلِّل فُرَص صغاره في البقاء. تنقسم مُتطفِّلات الأعشاش إلى فئتين، فالفئة الأولى والمُسمَّاة «مُتطفِّلات الأعشاش الحقيقيَّة» تتطفَّلُ على أعشاش غيرها لعدمِ قُدرتها من الأساس على رعاية صغارها، وأما الفئة الثانية وهي «مُتطفِّلات الأعشاش غير الحقيقيَّة» فتلجأُ إلى هذه الوسيلة لزيادة قُدرتها على إنجاب الأطفال فحسبْ، حيثُ أنَّها تستطيعُ العناية بصغارها بنفسها، لكنَّها تتطفُّل على الأعشاش لتستطيعَ رعاية عددٍ أكبر منهُم في الآن ذاته.[206] ثمَّة أكثر من مائة نوعٍ من الطيور تُصنَّف على أنَّها مُتطفِّلات أعشاشٍ حقيقيَّة، ومنها أدلَّاء المناحل والصَّفراويَّات والبطّ أسود الرأس، كما أنَّ طيور الوقواق من بينِ أشهرها.[205] تكيَّفت بعضُ صغار مُتطفِّلات الأعشاش لتفقسَ من بيضها قبلَ أن يقفسَ صغارُ الطائر الذي تتطفَّل عليه، ممَّا يسمحُ لها بقتل الصغار الآخرين قبل أن يُولَدوا بأن تدفَعَ بيُوضَهم من على العُشّ لتسقط وتتحطَّم، وبذلك تضمنُ لنفسها الحُصول على كُلِّ الطعام الذي يجلبُهُ الأبوان.[207]
تطوَّرتْ أساليب واستراتيجيَّات التزاوج بصُورة كبيرةٍ لدى الطيور، وضمنَ مجموعة الطيور، قد تكون طيور الطاووس هي المثال الأكثر شُهرةً على الانتقاء الجنسيّ واختيار الإناث للشَّريك. تتمثَّل مثنوية الشكل الجنسية (اختلاف الأشكال) بين ذُكور الإناث والطيور بأشياء مثل الحجم واللَّون، وهي اختلافاتٌ يكونُ الهدف منها في الغالب المُساعدة أثناء التنافس على الشريك مع أفراد الجِنْس الآخرين.[208] تُوجد العديد من طُرُق الانتقاء الجنسي لدى الطيور، ومنها اختيار الأنثى لشريكها، والتنافُسُ بين أفراد الجِنْس الأكثر عدداً على شُركائهم من الجنس الآخر. لهذا السَّبب، يُمكن أن تتطوَّر صفاتٌ مُعيَّنة لها أهميَّة في اختيار الزَّوج حتى تُصبِحَ سائدةً لدى النَّوع، إلا لو أصبحت تُؤثِّر على فُرَصِه في البقاء، ويضمنُ التَّعارض بين الصِّفات المُنتقاة جنسياً وفرص البقاء أن تكون الصفات المُكتَسبة في النِّهاية مُفيدة للطَّائر، ومنها ألوان الرِّيش وطُقُوس المغازلة.[209]
تسبُّب ظاهرة التَّناسل الداخليّ، وهي تناسل أقارب على صلةٍ جينيَّة وثيقة (مثل صَغيرَيْن من نفس الأب والأم)، ظاهرة موتٍ مُبكِّرٍ لدى طُيُور الشُرشُور المُخطط (Taeniopygia guttata).[210] وبصُورة عامَّة، تكون فرصُ الأجنَّة المَولودة من التناسل الداخلي في البقاء أقلَّ بكثيرٍ من الأجنَّة الطبيعيَّة. كما وتنخفضُ فرص بقاء صغارِ شراشير داروين (Geospiza scandens) بدرجةٍ كبيرة عندما تُولد من التناسل الداخلي، وقد تتناقصُ بصورةٍ أكبر عندَ اجتماعها مع ظُروفٍ بيئيَّة سيِّئة، مثل نقص الغذاء.[211]
يتسبَّب التَّناسلُ الدَّاخلي لدى طُيُور النَّمنمة أرجوانيّة الرَّأس (Malurus coronatus) بتناقصٍ بنسبة 30% في فُرصة فَقس البيوض وخروج صغارٍ منها.[212] إذا ما حدثَ وأن تزاوجتْ إناث الطُّيور مع ذُكورٍ مُتَّصلين معها بصلة قُربى، فهي غالباً ما تُحاول التزاوجَ بعدها مع ذُكورٍ آخرين لزيادة فُرَصها في الحُصُول على ذُريَّة. ومع أنَّ ثمة العديد من العوامل البيئيَّة والديمغرافيَّة التي تمنعُ الإناث، في الكثير من الأحيان، من التزاوج مع أكثر من ذكر، إلا أنَّ 43% منها تنجحُ بإنجابٍ أطفالٍ من عِدَّة ذُكُورٍ للتخلُّص من الآثار السلبيَّة للتناسل الداخلي.[212] تظهر الآثار السلبيَّة للتَّناسل الداخلي أيضاً لدى القُرقُف الكبير (Parus major)، ولذلك فإنَّ هذه الطُّيور (عندما تكون موجودةً في الطبيعة خُصوصاً) تتجنَّب التناسلَ مع أقاربَ لها بالابتعاد عن أماكن ولادتها بقدر الإمكان عندَ التزاوج، ممَّا يُقلِّل فرص الالتقاء بهم.[213]
يتجنَّب المهذار الأرقط الجنوبيّ (Turdoides bicolor) التناسل الداخلي بطريقَتين، الأولى هي الابتعادُ عن مكان عيشها، والثانية هي تجنُّب أسراب الطُّيور المألوفة لها.[214] وبما أنَّ الإناث والذكور على حدِّ سواءٍ يُسافرونَ بعيداً عن مناطقهم، فهُم يبتعدون عن النِّطاق الجغرافي الذي يُمكن أن يقابلوا فيه طُيوراً مُرتبطةً بهم جينياً.
في بعض أنواع الطُّيور، قد تتأخَّر الطيور بالرَّحيل عن مناطقها الأصليَّة (خُصوصاً لو كانت ذكوراً) لتبقى مع عائلتها وتُساعد أبَوَيْها على العناية بصغارهما الجُدد.[215] وأما إناث الطُّيور فهي نادراً ما تبقى قُرْبَ أبويها، فهي تُسافرَ بعيداً لمسافاتٍ كبيرة تسمحُ لها بالانضمام إلى أسرابٍ جديدة من الطيور. وبصفةٍ عامَّة، تتجنَّب الطيور ظاهرة التناسل الداخلي لأنَّه يُقلِّل كفاءة أولادها ويُصعِّب عليها البقاء بسبب انخفاض التنوُّع الجينيّ لديها،[216] من جهةٍ أخرى، عادةً ما يقودُ التزاوج بين طيورٍ غير مُرتبطين بصلة قُربى عالية إلى القضاء على الأليلات الضارَّة في جيناتهم.[217][218]
تعيش الطيور في عددٍ كبيرٍ من البيئات الطبيعيَّة.[162] تستطيع بعض أنواع الطيور التكيُّف مع بيئات عديدة، إلا أنَّ بعضها تكون مُجهَّزة ومُتخصِّصة للتعامل مع بيئة مُحدَّدة ومع مُتطلَّبات الحُصول على الغذاء فيها. في كل منطقة طبيعية، مثل إحدى الغابات، تتفاوتُ الأنماط الحياتيَّة التي تتبُّعها الطيور بدرجة كبيرة، فمن المُمكن أن تتخصَّص بعض أنواعها بالتغذي في أعالي الأشجار، بينما تتركَّز أخرى حول الأغصان المُنخفضة، وقد تلجأ بعضُها إلى أرض الغابة للبحث عن الطعام. قد يتمحور غذاء طيور الغابات حول افتراس الحشرات، أو الفاكهة، أو رحيق الأزهار، وأما الطيور المائيَّة فهي في الغالب ما تميلُ إلى التغذي على السمك، أو النباتات، أو قد تحصلُ على مُعظم طعامها بسرقته من حيواناتٍ أخرى، وتعتمد مُعظم الطيور الجارحة على اصطياد الثدييات والطيور الأخرى، مع أنَّ النسور تُصنَّف من القمَّامات.
تُؤدِّي بعض أنواع الطيور دوراً مُهمًّا في تلقيح النباتات بفضل تغذِّيها على رحيق الأزهار، كما أنَّ الطيور التي تتغذى على الثمار والفواكه قد تكون ضروريَّة لنشر البُذور في نظامها البيئي.[219] تشكل النباتات والطيور التي تأكل الرَّحيق في بيئتها كائنات تكافليَّة،[220] ففي حالاتٍ مُعيَّنة، يتم (تقريباً) تلقيح الأزهار عبرَ نوعٍ مُعيَّنٍ من الطيور له تكيُّفٌ خاصٌّ يُمكِّنه من الوُصول إلى رحيقها.[221]
غالباً ما يكون للطيور دورٌ جوهريٌّ في الأنظمة البيئية على الجُزر المُنعزلة حيث تنجح في الوُصول إلى جُزرٍ بعيدة عن اليابسة لا تستطيع الثدييات والعديد من الحيوانات بُلوغها، ومن هُنا قد يكون لها أثرٌ على البيئة الطبيعيَّة عادةً ما يُترَك للحيوانات الأكبر حجماً. على سبيل المثال، كانت طُيور الموا من الحيوانات المُهمِّة في رعي العُشب على جزيرة نيوزيلندا، وهو دورٌ أصبحت تقوم به الآن طيور أخرى، منها الكيريرو (الحمامة النيوزيلندية) والكوكاكو.[219] في الواقع، لا زالت نباتات جزيرة نيوزيلندا حتى الآن مُحتفظةً بتكيُّفاتٍ مُعيَّنة كانت قد طَوَّرتها للتعامل مع طُيور الموا المُنقرضة.[222] من المُحتمل أيضاً أن تؤثِّر الطيور البحرية على البيئات الطبيعيَّة في الجُزر المجاورة لها، فهي تُخلِّف وراءها كميَّات كبيرةٍ من الروث، الذي يُساعد على تعزيز التُّربة المحليَّة،[223] والبحار القريبة، مثل سمادٍ طبيعيّ.[224]
تُستعمل العديد من الطُّرق والأساليب العلميَّة في دراسة كيفيَّة تفاعل الطيور مع بيئتها، ومنها التَّعداد التقديري، ومُراقبة الأعشاش، والإمساك بالطُّيور لوضع علاماتٍ خاصَّة عليها تسمح بتتبعها لاحقاً.
نظرًا لِأنَّ الطُيُور مألوفة لِلبشر ولطالما كانت من أكثر الكائنات التي احتكَّ بها الإنسان على صعيدٍ يوميّ مُنذ فجر التاريخ، فقد نشأت بينها وبين الناس علاقاتٌ مُتنوِّعة.[225] بعضُ تلك العلاقات يُمكن اعتبارها تقايُضيَّة، أي يستفيدُ منها كلا الطرفين بعد أن يتعاونا بشكلٍ أو بآخر، مثل علاقة أدلَّاء المناحل ببعض الشُعُوب الأفريقيَّة مثل قوم البورانا الأوروميين، الذين يتتبعون تلك الطُيُور لِلوُصول إلى أعشاش النحل.[226] والبعضُ الآخر من تلك العلاقات يُمكن وصفه بِالمُعايشة، كما هو حال علاقة عصافير الدُوري بالبشر، فتلك العصافير استفادت من الأنشطة البشريَّة بما فيها العُمرانيَّة فقامت بِتوسيع نطاق موطنها.[227] العديد من أنواع الطُيُور التي استفادت من الأنشطة البشريَّة غدت بِنظر البشر آفات زراعيَّة خطيرة قادرة على أن تُحدث خللًا في استقرار القطاع الزراعي الوطني بسبب غارات أسرابها على المحاصيل،[228] حتَّى أنَّ بعض الأسراب تُشكِّلُ خطرًا على سلامة الطيران.[229] يُمكنُ لِلأنشطة البشريَّة أن تكون مُضرَّة بِالطُيُور أيضًا، وقد تعرَّضت الكثير من الأنواع - وما زالت - لِخطر الانقراض بسبب بعض المُمارسات، من شاكلة الصيد والتسميم بِالرصاص ومُبيدات الآفات، وحوادث الاصطدام على الطُرقُات، وكذلك بِسبب بعض الأنواع الدخيلة التي استقدمها البشر عمدًا أو عرضيًّا إلى مواطن بعض الطُيُور التي لم تألف مثل تلك الكائنات قبلًا، فأصبحت هي وبُيُوضها عُرضةً لِلافتراس، ومن أبرز الكائنات المُستقدمة والدخيلة التي تسببت بِأضرارٍ لا حصر لها لِطُيُور بعض البُلدان (الجُزريَّة بالأخص): القطط والكلاب والجُرذان والفئران.
تُسمَّى الطُيُور التي يُربيها البشر بِغرض الحُصُول على لحمها وبيضها «دواجن»، وهي تُشكِّلُ أكبر مصدرٍ لِلپروتين الحيواني المُستهلك من قِبل الإنسان؛ ففي إحصائيَّةٍ من سنة 2003م وصل الإنتاج العالمي من الدواجن إلى 76 مليون طن من الفراريج و61 مليون طن من البيض.[230] يُشكِّلُ الدجاج القسم الأعظم من الدواجن المُستهلكة من قِبل البشر، على أنَّ أنواعًا مُتعددة أُخرى تُربَّى للاستهلاك كذلك، وفي مُقدمتها: الدجاج الرومي، والبط، والإوز، والحمام إلى حدٍ أقل. أيضًا، يصطادُ البشر الطُيُور في سبيل الحُصُول على لُحومها، على أنَّ هذا الفعل يُصنَّف ضمن الأنشطة الترفيهيَّة في أغلب دُول العالم، عدا المناطق الأقل نُموًّا أو الأكثر تخلُفًا حيثُ ما زال البشر يعيشون على صيد الحيوانات. أكثرُ الطُيُور المقنوصة في البُلدان الأمريكيَّة الشماليَّة والجنوبيَّة هي الطُيُور المائيَّة كالبط والإوز البرِّي، يُضاف إليها عدَّة أصناف بريَّة تُصاد أيضًا في مُختلف البُلدان الأوروپيَّة والعربيَّة والشرق أوسطيَّة، إمَّا لِوُجودها هُناك بشكلٍ طبيعيّ أو لِإدخالها من قِبل الناس، وفي مُقدمة تلك الأصناف: التدرُّج المألوف، والدجاج الرومي البرّي، والسُمانى، والحمام واليمام، والحجلان، والطُيهُوج، والشناقب، ودجاج الأرض.[231] وفي أُستراليا ونيوزيلندا يُشاعُ أخذ الفراخ المُكتنزة لِطُيُور النوء البحريَّة بِغرض ذبحها وأكلها.[232] وعلى الرُغم من أنَّ صيد الطُيُور تحكُمهُ القوانين الوضعيَّة في الكثير من الدُول وبالأخص الدُول المُتقدمة، إلَّا أنَّ دُولًا كثيرةً أُخرى تُعاني جُمهرتها من الطُيُور من الصيِّد اللامضبوط، الأمر الذي أدَّى إلى انقراض عشرات الأنواع وانحدار بعضها الآخر إلى حافَّة الانقراض.[233]
من مُنتجات الطُيُور القيَّمة الأُخرى: الريش (بالأخص زغب الإوز والبط وريش النعام)، التي تُستخدم كعازلاتٍ لِلحرارة في الملابس الشتويَّة وكبِطانات أو حشوات لِلفُرش والمخدَّات، وبراز الطُيُور البحريَّة (المعروف باسم «الغوانو») الذي يُعدُّ مصدرًا مُمتازًا لِلفوسفور والنيتروجين. وبلغ من درجة أهميَّة البراز أن قامت بِسببه حرب المُحيط الهادئ بين بوليڤيا والپيرو من جهة والتشيلي من جهةٍ أُخرى، وعُرفت باسم «حرب الغوانو»، وخاضتها تلك الدُول لِلسيطرة على مناجم البراز.[234]
دُجِّنت الطُيُور على يد البشر لِأسبابٍ مُختلفة، منها ما هو عملي وضروري ومنها ما هو ترفيهي واستئناسي. فالطُيُور المُزوَّقة ذات الريش البهيّ المُمتع لِلناظرين، مثل الببغاوات والمينة تُستولد في الأسر بِهدف الاحتفاظ بها كحيواناتٍ منزليَّة، وقد أدَّى هذا الأمر إلى نُشوء تجارةٍ غير شرعيَّة بِبعض الأنواع المُهددة بالانقراض.[235] استأنس البشر الصُّقور والغاقات مُنذُ زمنٍ بعيد بِهدف استخدامها في القنص وصيد الأسماك على التوالي. كما استُخدم الحمام في نقل الرسائل بين المُدن والقُرى والمُعسكرات مُنذ السنة الأولى لِلميلاد على الأقل، واستمرَّت تُستخدم لِهذه الغاية حتَّى الحرب العالميَّة الثانية، ويُعرفُ هذا الضرب من الحمام بـ«الزاجل». اليوم تدخل هذه المُمارسات ضمن نطاق الهوايات الشخصيَّة أو لِلترفيه أو لِلسياحة،[236] أو ضمن بعض الرياضات الجماعيَّة مثل سباق الحمام.
يبلغ تعداد هُواة مُراقبة الطُيُور الملايين حول العالم.[237] والكثير منهم، أو من مُحبي الطُيُور والحيوانات بِشكلٍ عام، ينصبون مُغذياتٍ في حدائقهم المنزليَّة أو على شُرُفات بُيُوتهم لاستقطاب أنواعٍ مُختلفةٍ منها والاستئناس بِتغريدها ومنظرها. تطوَّرت الصناعات المُرتبطة بِإطعام الطُيُور، من تغليفٍ لِلبُذور بالأكياس وتركيبٍ لِلمُغذيات، حتَّى أصبحت أرباحُها تُقدَّر بِمئات الملايين من الدولارات سنويًّا نتيجة الاهتمام المُتزايد بِالطُيُور في البُلدان المُتطوِّرة خُصوصًا، فعلى سبيل المثال أظهرت إحصائيَّة أنَّ 75% من المنازل البريطانيَّة تؤمِّن القُوت لِلطُيُور خِلال فترةٍ واحدةٍ على الأقل من فصل الشتاء.[238]
﴿أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ |
—سُورة النَّحل الآية 78؛ القُرآن الكريم |
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ﴾ |
—سُورة المُلك الآية 19؛ القُرآن الكريم |
تلعبُ الطُيُور دورًا بارزًا ومُتنوعًا في العديد من الديانات والميثولوجيَّات، وقد تمَّ التطرُّق إليها في القَصَص الديني عدَّة مرَّات، سواء أكان ذلك في القَصَص الإبراهيميَّة أو الهنديَّة والدارميَّة، أو في الأساطير الدينيَّة عند الحضارات القديمة. كثيرٌ من الطُيُور تلعب دور رُسل الكهنة ورجال الدين أو الآلهة، كما في حالة الإله «ماکيماکي» الذي كان يُعبد من قِبل شُعُوب جزيرة القيامة، ووِفق أُسس عبادة هذا الإله كان يتوجَّب على عدَّة رجال من القبائل أن يتنافسوا سنويًّا لِلحُصول على أوَّل بيضةٍ تضعها الخرشنات الدبساء على إحدى الجُزيرات المُقابلة للشاطئ، بحيثُ يُعرف المُنتصر فيهم بـ«تانگاتا مانو» أي «الرجُل الطير».[239] وفي الميثولوجيا الاسكندناڤيَّة، كان سيِّدُ الآلهة أودين يستأنسُ بغُرابان مألوفان هُما «هوگين ومونين» الذان كانا ينقلان إليه الأخبار.[240] كذلك، كان الكهنةُ في العديد من الحضارات الإيطاليَّة القديمة، وفي مُقدمتها الحضارتين الإتروسكانيَّة والرومانيَّة، يرجُمون بِالغيب ويُفسرون العلامات والإشارت من خِلال مُحاولتهم فهم منطق الطير وتفسير نداءاتها وحركاتها.[241] وفي الديانات الإبراهيميَّة: اليهوديَّة والمسيحيَّة والإسلام، وردت عدَّة قصص عن الأنبياء والرُسُل التي ورد فيها ذكرٌ لِلطُيُور كرُموزٍ لِإبداع الله في خلقه، سواء من ناحية بُنية هذه الكائنات أو من حيثُ وداعتها، ومنها على سبيل المِثال ما قاله النبي يُونُس في القَصَص التوراتي عن تجسيد اليمام لِلخوف والحِداد والجمال.[242] وفي التُراث الكتابي أيضًا أنَّ النبي نوح أرسل طائرًا من سفينته لِيرى إن انحسرت مياه الطوفان، فعاد إليه يحملُ غُصينًا في منقاره أن قد انحسر الطوفان. وفي القَصَص القُرآني أنَّ الله علَّم النبي سُليمان ملك بني إسرائيل منطق الطير: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾. وقال العُلماء أنَّ ما وهبه الله لِسُليمان كان شأنًا خاصًّا به على طريق الخارقة التي تُخالف مألوف البشر. لا على طريق المُحاولة منه والاجتهاد لتفهُّم وسائل الطير وغيره في التواصل مع بعضها.[ْ 4]
بعضُ أنواع الطُيُور ألَّهتهُ بعض الشُعُوب كذلك الأمر، كما في حالة الطاووس المألوف، الذي ينظر إليه الدرفيديُّون في الهند باعتباره «الأرض الأُم».[243] ووفق النُقُوش والرُسوم التي خلَّفتها حضارتيّ الإنكا والتيواناكو في أمريكا الجنوبيَّة، فإنَّ الطُيُور يبدو وكأنها كانت بالنسبة لِهؤلاء القوم الكائنات القادرة على عُبُور الحُدود الفاصلة بين العالم الدُنيويّ والروحيّ السُفليّ.[244] ويتشابه مُعتقد السُكَّان الأصليين لِجبال الأنديز مع المُعتقد سالِف الذِكر، بحيث أنهم يعتقدون بأنَّ بعض الطُيُور قادرة على العُبُور ما بين العالمين الملموس والماورائي.[244]
صُوِّرت الطُيُور في الثقافة والفُنُون البشريَّة مُنذ عُصور ما قبل التاريخ، وأوَّل الأعمال التي صُوِّرت فيها كانت رُسُوم الكُهُوف.[245] بعضُ الطُيُور صُوِّرت في القصص والروايات والأساطير على أنها وُحوش، بما فيها طائرُ الرُخ في الميثولوجيا العربيَّة والإسلاميَّة، وطائرُ الپُواكاي العملاق من الميثولوجيا الماوريَّة، الذي قيل بأنَّهُ كان يصطاد البشر ويفتك بهم.[246] صُوِّرت الطُيُور في الحضارة الإسلاميَّة بِشكلٍ مُتكرر، فظهرت في أبرز وأشهر الأعمال الأدبيَّة مثل كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة، واتُخذت رُموزًا لِلسُلطة والقُوَّة عند بعض السُلالات الحاكمة المُسلمة، فقد اتخذ سلاطين وشواهين مغول الهند وفارس عُروشًا على شكل الطواويس (بالهندوستانيَّة: تخت طاؤس؛ بِالفارسيَّة: تخت طاووس)،[247] كما ظهرت نُقوشها على أبرز التُحف الفنيَّة الإسلاميَّة، وفي مُقدمتها الجرار والسجَّاد العجمي. تطوَّر رسم الطُيُور حتَّى أصبح دقيقًا كما هو اليوم نتيجة ازدياد الاهتمام العلمي بِهذه الكائنات، فظهرت صُورها في الكُتب والنشرات العلميَّة. أحد أبرز رسَّامي الطُيُور الحديثين هو الأمريكي جون جيمس أودوبون، الذي وضع عدَّة رُسومات لِجميع أنواع طُيُور أمريكا الشماليَّة وقام بنشرها في العالم الغربي، فحقق مبيعات هائلة في أوروپَّا، واعترافًا بِمجهوداته أُطلق اسمه على إحدى جمعيَّات الحفاظ على الطُيُور في الولايات المُتحدة.[248] ذُكرت الطُيُور في الأشعار والقصائد في مُختلف الحضارات الإنسانيَّة، فأشار هوميروس إلى الهزار المألوف في الأوديسة، وكذلك فعل كتولوس فذكر العُصفُور الدُوري في قصيدة «كتولوس II» مُعتبرًا إياه رمزًا من رُموز الإثارة الجنسيَّة.[249]
وكانت جماعة إخوان الصفا في القرن الرابع الهجري أبرز من استعمل الطير كرمز في تاريخ الأدب العربي والإسلامي، ويذهب إلى ذلك التوظيف الرمزي أيضًا كُلٌ من: إبن سينا في «رسالة الطير» التي أشار فيها إلى «الورقاء»، كذلك ذهب إلى ذلك الإمام أبو حامد الغزالي في استخدامه العنقاء، وظهر استخدام هذا الرمز في قصة حي بن يقظان لِابن طُفيل الذي وظف فيه «الغُراب». وتسيدُ الطير كمدلولٍ رمزيٍّ عند السهروردي فقد سمَّى أنواعاً من الطُيُور التي أتى بها في حكايته رُموزًا لِأفكاره، وتأتي الحمامة في التُراث العربي بِأجمل الشعر والنثر من قبيل «الحمامة المُطوَّقة» في كليلة ودمنة إلى «طوق الحمامة» لابن حزم الأندلسي وصولًا إلى الأغاني والزجليَّات العاميَّة المُعاصرة.[ْ 5] استخدم صموئيل تايلور كولريدج العلاقة بين طائر قطرس وبحَّارٍ يتتبعه لِتكون الحبكة الرئيسيَّة في قصيدته حاملة عنوان «قصيدة البحَّار العجوز»، الأمر الذي جعل من عبارة «قطرس» تشبيهًا بلاغيًّا بِالحمل الثقيل في اللُغة الإنگليزيَّة.[250] من أبرز الأمثال الشعبيَّة والمقولات العاميَّة العربيَّة عن الطُيُور: «فرخ البط عوَّام» كنايةً عن اتخاذ الولد لِطباع أهله، و«إنَّ الطُيُور على أشكالها تقع» كنايةً عن التفاف الناس حول من هم من طينتهم ومشاربهم، و«عُصفُور بِاليد ولا عشرة على الشجرة» كنايةً عن ضرورة اغتنام الفُرص وعدم الاستهتار بها.
كما هو الحال في الطُيُور عُمومًا، تختلف رمزيَّة فصائل أو أنواع الطُيُور المُعينة بين ثقافةٍ وأُخرى. فالعديد من الشُعوب الأفريقيَّة وأغلب الشُعوب العربيَّة تنظر إلى البوم باعتبارها طُيُورٌ تبعث على الخراب والشؤم، وبعضُهم يربطها بِالشعوذة والهلاك،[251] بينما تنظر إليها غالبيَّة الشُعُوب الأوروپيَّة على أنها من رُموز الحكمة.[252] وكان المصريُّون القُدماء ينظُرون إلى الهُدهُد باعتباره طائرًا مُقدسًا، ونظر إليه الفُرس القُدماء على أنهُ رمزٌ من رُمُوز الفضيلة، بينما اعتبره الأوروپيُّون طائرًا سرَّاقًا، ونظر إليه الاسكندناڤيُّون خُصوصًا على أنَّهُ نذير حرب.[253]
على صعيد الموسيقى، أثَّرت الطُيُور بِغنائها وتغريدها العذب، على المُلحنين والمُوسيقيين بِطُرقٍ مُختلفة: فقد استوحى بعضُ المُلحنين ألحانًا موسيقيَّةً من خلال الإنصات لِتغريد الطُيُور، وبعضُهم الآخر قلَّد نغمات صوتها في ألحانه، تمامًا كما فعل أنطونيو ڤيڤالدي وبيتهوڤن وغيرهم من كِبار المُلحنين؛ وفي الفترة المُعاصرة أقدم البعض مثل أوتورینو رسپیگي على المزج بين تسجيلاته الموسيقيَّة وتسجيلات لِأصوات طُيُورٍ مُغرِّدة، وقام أشخاصٌ آخرون مثل بياتريس هاريسون وديڤيد روثينبيرگ بِتسجيل أُسطواناتٍ مُشتركة مع طُيُور.[254][255][256]
رُغم أنَّ بعض الأنشطة البشريَّة كان لها أثر طيب على عدَّة أنواعٍ من الطُيُور، من شاكلة سُنُونُوة الحظائر والزُرزُور المألوف بحيثُ ازدادت أعدادها، فإنَّ تلك الأنشطة كان لها أثر عكسي أيضًا على الكثير من الأنواع الأُخرى بحيثُ تراجعت أعدادُها تراجُعًا حادًا، أو حتَّى انقرض بعضها. انقرض ما يربو عن مائة نوعٍ من الطُيُور خِلال التاريخ البشري المُدوَّن،[257] على أنَّ القسم الأعظم من الأنواع التي اندثرت بِسبب مُماراسات البشر، والتي يتراوح عددها ما بين 750 و1800 نوع، اندثرت خِلال فترة الاستيطان البشري لِلجُزُر الميلانيزيَّة والپولينيزيَّة والميكرونيزيَّة في جنوب المُحيط الهادئ.[258] كثيرٌ من جمهرات الطُيُور مُهددة بالانقراض حول العالم، وهُناك 1,227 نوعًا تُصنِّفه جمعيَّة الطُيُور العالميَّة والاتحاد العالمي لِلحفاظ على الطبيعة على أنهُ مُهدد في سنة 2009.[259][260]
أكثر الأضرار شُيُوعًا التي لحقت بِالطُيُور جرَّاء المُمارسات البشريَّة هي تدمير البيئات والموائل الطبيعيَّة.[261] ومن المخاطر الأُخرى المُهددة لِسلامة الجُمهرات: الصيد العشوائي غير المضبوط، والملاحة الجويَّة، وبقايا أسلاك صيد الأسماك المُلقاة عشوائيًّا على طول الشواطئ وفي البحار،[262] أضف إلى تلوُّث البيئة (من شاكلة التسرُّب النفطي وترسُّبات المُبيدات)،[263] والمُنافسة مع الأنواع الدخيلة من الحيوانات اللابلديَّة أو الوُقوع ضحيَّةً لها إن كانت من المُفترسات،[264] والتغيُّر المُناخي.
تعملُ العديد من الحُكومات وجمعيَّات الحفاظ على الحيوانات لِلحفاظ على الطُيُور باستخدام وسائل مُتعددة، منها سن قوانين خاصَّة لِحمايتها وحماية موائلها الطبيعيَّة وإعادة تأهيل ما تدمَّر منها، أو من خِلال العمل على إكثارها في الأسر لِإعادة إطلاق سراحها مُستقبلًا في المناطق التي أُبيدت منها، أو تلك التي تُعاني نقصًا في أعداد الجُمهرة. عرف الأُسلوب الأخير من أساليب الحماية شيئًا من النجاح مع بعض الأنواع؛ فقد أشارت إحدى الدراسات أنَّ جُهود الحفاظ على الطُيُور بما فيها الإكثار في الأسر نجحت في إنقاذ 16 نوعًا وإعادتها من حافَّة الانقراض خلال الفترة المُمتدَّة بين سنتيّ 1994 و2004، ومن أبرز تلك الأنواع: كندور كاليفورنيا وپاراكيت نورفولك.[265] فقد انخفضت أعداد كندور كاليفورنيا بشكلٍ بالغٍ نتيجة الصيد المُكثَّف والتسميم المُتعمَّد، حتَّى بلغت 27 طائرًا فقط سنة 1987، فقُبض عليها جميعها وأُخذت إلى حديقة حيوانات لوس أنجلوس ومُنتزه سان دييغو للسفاري حيثُ أُخضعت لِبرنامج إكثارٍ مُكثَّف، وأُعيد إطلاقها تدريجيًّا إلى البريَّة، إلى أن بلغت جُمهرتها سنة 2014 حوالي 425 طائرٍ أسيرٍ وبرّي.[266] أمَّا پاراكيت نورفولك فكانت أعداد الجُمهرة الصغيرة أصلًا قد وصلت إلى 4 طُيُورٍ فقط سنة 1994، وبعد أن أُعيد إكثارها في الأسر حتَّى وصلت أعدادها حاليًّا بين 200 و300 طائر.[267]
Seamless Wikipedia browsing. On steroids.
Every time you click a link to Wikipedia, Wiktionary or Wikiquote in your browser's search results, it will show the modern Wikiwand interface.
Wikiwand extension is a five stars, simple, with minimum permission required to keep your browsing private, safe and transparent.