Loading AI tools
مجموعة الأساطير والمذاهب التي آمن بها اليونانيون القدماء من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
الأساطير الإغريقية (باليونانية: Ελληνική μυθολογία) هي مجموعة الأساطير والخرافات التي آمن بها اليونانيون القدماء، والمهتمة بآلهتهم، وشخصياتهم الأسطورية الأخرى، وطبيعة العالم، وتعدّ أساس ممارساتهم الدينية والطقوسية. كانت الميثولوجيا جزءاً من الدين في اليونان القديمة، وجزء من الدين في اليونان المعاصرة، كما أصبح يمارسها اليوم بعض الأشخاص خارج اليونان. يهتم العلماء المعاصرون بدراسة هذه الأساطير لفهم الحياة الدينية والسياسية في اليونان القديمة إضافة إلى معرفة نشأة هذه الأساطير بحد ذاتها.[1]
تحتاج هذه المقالة إلى تهذيب لتتناسب مع دليل الأسلوب في ويكيبيديا. |
جزء من | |
---|---|
لديه جزء أو أجزاء |
تتجسد الميثولوجيا اليونانية في مجموعة كبيرة من الروايات، وفي الفنون اليونانية المتنوعة، مثل الرسم على الفخار. تحاول هذه الأساطير معرفة نشأة العالم، وتتبع حياة الآلهة والأبطال والمخلوقات الخرافية. انتشرت هذه الميثولوجيا في البداية عن طريق تاريخ شفهي والشعر، ويمكن أن نجدها اليوم في الأدب اليوناني.
تعدّ ملاحم هوميروس من أقدم ما وجد من الشعر اليوناني، المتمثلة في الإلياذة والأوديسة، والتي تركز على حصار طروادة. تضم القصيدتان اللّتان ألفهما هسيود، ثيوغوني والأعمال والأيام تفاصيلَ خلق العالم، وتعاقب حكام العالم من الآلهة، وتعاقب العصور البشرية، ونشأة ممارسات الأضحية. كما تضم ترانيم هوميروس بعض الأساطير، وكتب بعض الفنانون التراجيديون في العصر الخامس قبل الميلاد قصص آلهتهم المعبودة. كما يوجد آثار من الميثولوجيا في كتابات بعض العلماء والشعراء من الحضارة الهلنستية وآخرون من الإمبراطورية الرومانية.
وفرت الاكتشافات الأثرية مصدراً أساسياً لتفاصيل الميثولوجيا الإغريقية، حيث احتلت الآلهة والأبطال مكاناً بارزاً في زخرفة القطع الأثرية. كما يمكن أن نجد على الفخار الذي يعود عمره إلى القرن الثامن قبل الميلاد، رسوماً هندسية تمثل حصار طروادة ومغامرات هيراكليس. غذت ملاحم هوميروس وغيرها من القصص الميثولوجية الأخرى الأدب في مراحل اليونان القديمة والكلاسيكية والهلنستية.[2]
أثرت الميثولوجيا الإغريقية تأثيراً كبيراً على ثقافة وفنون وآداب الحضارة الغربية، وتبقى جزءاً من التراث الغربي.[3] ما زال الكثير من الشعراء والفنانين يستلهمون من الميثولوجيا الإغريقية.
تعني كلمة ميثولوجيا أساساً أي قصة مقدسة أو تراثية، سواء كانت صحيحة أم خاطئة.[4][5] القسم -لوجيا يأتي من الجذر اليوناني -λογία،[6][7] ومعناها حقل دراسة حول مسألة ما.[7] فالمصطلح «ميثولوجيا إغريقية» معناه دراسة الأساطير والقصص التراثية اليونانية، التي تشكل جزءاً من ثقافة وحضارة اليونان القديمة.[8] يقول البروفسور والكاتب البرتغالي كارلوس سيا:«للمصطلح معنيان، أولهما مجموعة الأساطير والكتابات الميثولوجية المتعلقة بكائنات فوق الطبيعة، والبشر الكاملين، وثانيهما، دراسة وتفسير هذه الأساطير.»[9]
يعدّ المصطلح حديثا، نظراً لاعتبار الإغريق والرومان معتقداتهم «دين»، وليس كأساطير، وهي الحال نفسها مع الوثنيين الهلنستيين الجدد.
المصدر الرئيسي للميثولوجيا الإغريقية هو الأدب اليوناني، ومصدر الرسومات هو الفخار اليوناني.[10]
لعبت الروايات الأسطورية دوراً مهماً في كل نوع تقريباً من الأدب اليوناني. لكن الدليل الوحيد الشامل لأساطير الإغريق الذي نجا من اليونان القديمة هو المكتبة للكاتب أبولدورو الزائف. يحاول هذا العمل التوفيق بين أعمال الشعراء المتناقضة ويوفر ملخصاً للميثولوجيا الإغريقية وأساطير أبطالها.[11] عاش أبولدورو الحقيقي في فترة 180-120 ق.م وكتب عن الكثير من هذه الأعمال. وفرت كتاباته أساس هذه المجموعة، لكن الأحداث التي ذكرتها «المكتبة» تقع بعد مماته، ومن هنا جاءت تسمية أبولدورو الزائف.
تعد أعمال هوميروس، الإلياذة والأوديسة، من أقدم المصادر الأدبية. أتم بعض الشعراء الآخرين «الدورة الملحمية»، لكن ضاعت معظم هذه القصائد بشكل كامل. على الرغم من التسمية «ترانيم هوميروس»، إلا أن هذه الترانيم لا تمت بصلة لهوميروس، بل هي ترانيم من وقت سابق سمي بعصر الشعر الغنائي.[12] قدم هسيود في ملحمته ثيوجيني (أصل الآلهة) جميع ما يمكن ذكره عن أوائل القصص الميثولوجية الإغريقية، التي تتعامل مع خلق العالم، أصل الآلهة والتيتانيون والعمالقة، إضافة إلى سلاسل نسب الآلهة والحكايا الشعبية. تضم قصيدة هسيود الأعمال والأيام أساطير بروميثيوس، باندورا والعصور الأربعة. تعطي القصيدة نصائح عن كيفية النجاة في عالم خطر، الذي أصبح أكثر خطورة بسبب الآلهة.[2]
كثيراً ما استلهم الشعراء الغنائيون أعمالهم من الميثولوجيا. وصف الشعراء الغنائيون بيندر، باخيليدس، سيمونيدس والشعراء الرعويون ثيوكريتوس وبيون، حوادث ميثولوجية فردية.[13] كما كانت الميثولوجيا محورية في مسارح أثينا. استوحى الكتاب المسرحيون التراجيديون إسخيلوس، سوفوكليس ويوربيديس محاور قصص مسرحياتهم من ميثولوجيا عصر الأبطال وحرب طروادة. كما أخذت الكثير من القصص التراجيدية (مثل: أجاممنون وأولاده، أوديب، جاسون، ميديا، إلخ) تتكون في شكلها الكلاسيكي ضمن هذه التراجيديات. كما استخدم كاتب المسرحيات الكوميدي أريستوفان قصصاً ميثولوجية في العصافير وملهاة الضفادع.[14]
نشر المؤرخان هيرودوت وديودورس، وعالما الجغرافيا باوسانياس وسترابو، الذين جالوا اليونان ودونا القصص التي سمعوها، عدداً من الأساطير المحلية التي سمعوها، لكن غالباً ما قدموا نسخاً بديلة عنها غير معروفة.[13] بحث هيرودوت في مختلف التقاليد والعادات واستطاع أن يجد الجذور التاريخية أو الميثولوجية في الصراع بين اليونان والشرق.[15] وحاول هيرودوت بعدها أن يوفق بين أصول الميثولوجيات المختلفة والمزج بين القيم الثقافية المختلفة.
كُتب الشعر في الحضارتين الهلنستية والرومانية في بادئ الأمر بغرض الفن والأدب، إلا أنه يحوي معلومات مهمة عن ثقافة وحضارة تلك الدول، وكانت ستضيع تلك المعلومات لولا هذا الشعر. من الأمثلة على ذلك:
تعد الكتابات غير الشعرية فابولاي وأسترونوميكا لهايجينوس مصادر مهمة للميثولوجيا. ويمكن أن نعد أيضاً من المصادر المهمة، الخيالات لفيلوستراتوس الأكير وفيلوستراتوس الأصغر والأوصاف لكاليستراتوس.
أخيراً، وفر أرنوبيوس وعدد من الكتاب الإغريق البيزنطيين تفاصيل مهمة للميثولوجيا، أتوا بها من أعمال إغريقية سابقة تعدّ اليوم ضائعة. تضم لائحة الذين حافظوا على التراث الميثولوجي، معجم هيسيخيوس، السودا، وأطروحات جون تزيتيس ويوستاثيوس. يمكن أن تغلف وجهة نظر المسيحية عن الميثولوجيا الإغريقية في القول التالي: ἐν παντὶ μύθῳ καὶ τὸ Δαιδάλου μύσος («في كل أسطورة، يوجد هناك تدنيس دايدالوس»)، فكان لدايدالوس دور في إشباع شهوة باسيفاي غير الطبيعية لثور بوسيدون:«بما أن دايدالوس تلقى اللوم على هذه الأفعال الشريرة، وأصبح مكروهاً، لذلك أصبح محور هذا المثل.»[16]
ساعد اكتشاف عالم الآثار الألماني هاينريش شليمان للحضارة الميكينية، في القرن التاسع عشر، واكتشاف عالم الآثار البريطاني السير أرثر إيفانز للحضارة المينوسية في كريت، في القرن العشرين، على الإجابة على العديد من الأسئلة المتعلقة بملاحم هوميروس، وقدمت براهين أثرية على التفاصيل الميثولوجية لقصص الآلهة والأبطال. تعد الأدلة على الميثولوجيا في المواقع الأثرية المينوسية والميكينية آثاراً تذكارية اليوم.[2]
تحتوي الرسوم الهندسية على فخار القرن الثامن قبل الميلاد مشاهد من حرب طروادة، ومغامرات هرقل.[2] تعد هذه التمثيلات البصرية للميثولوجيا مهمة لسببين، أولاً، تعد هذه الفخارات أقدم من المصادر الأدبية، على سبيل المثال، فقط قصة واحدة من قصص هرقل كتبت قبل أن ترسم.[17] بالإضافة إلى أن بعض الرسوم تحوي قصصاً وأساطير غير موجودة في الأدب. في بعض الأحيان، يسبق ظهور أول تمثيل لميثولوجيا في الأدب ظهورها في الفن الهندسي بعدة قرون.[10]
لم تأت ميثولوجيا اليونان كلها من الحضارة الإغريقية، بل هي مزيج بين الحضارة الهندوأوروبية، حضارة ما قبل الإغريق، وحتى الحضارات الاناضولية والمصرية وغيرها من الشعوب التي تفاعل معها الإغريق.[18]
تطورت ميثولوجيا الإغريق مع تقدم الحضارة الإغريقية، واستخدمت لإغناء ثقافة كل عصر مرت بها اليونان.[19] كان أول من سكن شبه جزيرة البلقان شعب زراعي، استخدم الإحيائية لإعطاء روح لكل شيء في الطبيعة. في النهاية، تحولت هذه الأرواح إلى شكل بشري وأخذت مكانها في الميثولوجيا المحلية بصفتها آلهة.[20] عندما غزت قبائل الشمال شبه جزيرة البلقان، جاءوا ومعهم مجموعة آلهة جديدة، تعتمد على الغزو والقوة والضراوة والبطولة العنيفة. مُزجت آلهة العالم الزراعي سابقاً، مع ميثولوجيا الغزاة، وبعضها مات لعدم أهميته.[21]
بعد منتصف العصر القديم، بدأت أساطير العلاقات بين الآلهة الذكرية والأبطال الرجال بالظهور، مما يدل على تطور قصص اللواط، فقد عين الشعراء على الأقل إيرومينوس - مرافق جنسي مراهق - واحد لكل إله مهم عدا آريز، ولكثير من الشخصيات الميثولجية المهمة.[23] كما أعاد بعض الشعراء صياغة قصصاً ميثولوجية من وقت سابق، مثل أخيل وفطرقل، في إطار اللواط.[24] كان ناتج الشعر الملحمي خلق سلاسل من القصص، وتطوير شيء يشبه خطاً زمنياً للميثولوجيا. وهكذا تتكشف الأساطير اليونانية باعتبارها مرحلة في تطور العالم والبشر.[25] من المستحيل وضع خط زمني دقيق للميثولوجيا، بسبب التناقضات الكثيرة، لكن يمكن وضع خط تقريبي. ينقسم تاريخ العالم الميثولوجي في هذه الحالة إلى ثلاث أو أربع فترات:
يتوجه دارسي الميثولوجيا الإغريقية المعاصرين نحو عصر الآلهة بشكل واضح، بينما يفضل الكتاب الإغريق من العصور القديمة والكلاسيكية عصر الأبطال، حيث بنوا خطاً زمنياً وسجلوا إنجازات البشر بعد معالجة أسئلة خلق العالم. على سبيل المثال، تضاءل الاهتمام بالملحمتين البطوليتين الإلياذة والأوديسة وانصب التركيز على ثيوجوني وترانيم هوميروس. تحت تأثير هوميروس، أدت عبادة الأبطال إلى إعادة هيكلة في الحياة الروحية، عبر عنها في الفصل بين عالم الآلهة وعالم الأموات (الأبطال)، بين الآلهة الكثونية والأولمبية.[27] في الأعمال والأيام، وضع هسيود مخطط عصور البشر الأربع، الذهبي والفضي والبرونزي والحديدي. تفصل هذه العصور بين خلق الآلهة، فحكم كرونوس في العصر الذهبي، وبقية العصور لخليقة زيوس. وكان عصر الأبطال بعد العصر البرونزوي مباشرة. في ميتامورفوزيس، لحق أوفيد مبدأ هسيود في العصور الأربعة.[28]
“ | Ἤτοι μὲν πρώτιστα Χάος γένετ'• αὐτὰρ ἔπειτα Γαῖ' εὐρύστερος, πάντων ἕδος ἀσφαλὲς αἰεὶ. في البداية ولد كاوس، ثم وفرت غايا حضناً، أساس كل شيء |
” |
تحاول ميثولوجيا الخليقة فهم طبيعة الكون ونشأته وشرح أصول العالم.[30] تعد محاولة هسيود لتفسير خلق العالم في ثيوجوني، أكثر نسخة مقبولة في ذاك الوقت. يبدأ بكاوس، الفراغ والظلام الذي سبق كل الخليقة. يظهر من الفراغ غايا (الأرض)، وبعض من الكائنات الإلهية الأولية: إيروس (الحب)، تارتاروس (الجهنم) وايريبوس.[31] من دون أي مساعدة من ذكر، أنجبت غايا أورانوس، الذي قام بإخصابها. نتج عن ذلك ولادة التيتانيون، ستة ذكور وستة إناث، كويوس، كريوس، كرونوس، هايبيريون، يابيتوس، أوقيانوس، منيموسيني، فيبي، ريا، تيا، تيميس، تيتيس. بعد ولادة كرونوس، اتفق غايا وأورانوس على عدم إنجاب المزيد من التيتانيون. أنجبا بعد ذلك سايكلوب وهكاتونكاير. لكن لم يسمح أورانوس هذه الكائنات الإلهية القوية التي أنجبها بمغادرة غايا، وظلوا كلهم مطيعين لوالدهم.[32] عدا كرونوس، الذي خصى والده بمنجل صنعه من أحشاء غايا، ورمى بقضيبه في البحر، محرراً بذلك كل إخوته العالقين في أمه. ولدت أفروديت بفضل المني الساقط من عضو أوراونوس، بينما ولد من الدم الساقط من جروحه الحورية ميليادي، الإيرينيات والعمالقة عندما ارتطم بالأرض.[32] أصبح كرونوس بعد ذلك ملك التيتانيون، وتزوج أخته ريا، وجعل بقية التيتانيون حاشية بلاطه.
اعتبر اليونانيون الإغريق قصص نشأة الكون المتعلقة بثيوجوني ذات قدرات سحرية. على سبيل المثال، كان أورفيوس الشاعر والموسيقار يغني الثيوجوني لتهدئة البحار والعواصف. كما ذكر أبولونيوس من رودس في شعره الملحمي الأرغوناوتس، غنائه للثيوجوني لتهدئة قلوب آلهة العالم السفلي المتحجرة. كما تظهر أهمية ثيوجوني في ترانيم هوميروس لهيرميز عندما اخترع هيرميز القيثارة، فكان أول ما غناه هو ولادة الآلهة.[33]
الثيوجوني ليست فقط أكبر شامل للميثولوجيا الإغريقية حفظت لأيامنا هذه، فهي أكبر دليل إلى الشعر اليوناني القديم. كانت محور العديد من القصائد الضائعة، من ضمنها تلك المنسوبة إلى أورفيوس، موسايوس، إبيمينيديس، أباريس، وغيرهم من العرافين، الذين استخدمت قصائدهم في طقوس خاصة والديانة الغامضة. هناك بعض المؤشرات على أن أفلاطون كان على دراية بنسخة من الثيوجوني الأورفية.[34] ما زالت بعض القطع من هذه الأعمال حية في استشهادات من فلاسفة أفلاطونيين، وعلى قطع من الفافير تم التنقيب عنها حديثاُ. تظهر إحدى تلك الوثائق صمود إحدى القصائد المتعلقة بالثوجوني وعلم الكون من تأليف أورفيوس حتى القرن الخامس قبل الميلاد على الأقل. تحاول القصيدة أخذ مكان ثيوجوني هسيود بإضافة فرد جديد إلى عائلة الآلهة، نيكس (الليل)، مما يجعلها بداية جديدة للخليقة قبل أورانوس، كرونوس وزيوس.[35][36]
عندما احتل كرونوس مكانة والده أورانوس، أصبح أسوأ من أبوه. أنجب من أخته ريا أوائل الآلهة الأولمبية (هيستيا، ديميتر، هيرا، هادس، بوسيدون وزيوس)، لكن سرعان ما ابتلعهم بعد ولادتهم، لخوفه من تكرار التاريخ لنفسه. لكن استطاع زيوس الهرب بمساعدة من أمه، التي أعطت كرونوس صخرة ملفوفة بقطعة ثياب ليأكلها ظناً منه أنها زيوس. حارب الابن أباه بعد ذلك، ليحصل الفائز على عرش الآلهة.[32] أخيراً بمساعدة من سايكلوب الذي تحرر من تارتاروس، انتصر زيوس وأمر بسجن أبيه وبقية التيتانيون في التارتاروس بعد إجبار كرونوس على تقيؤ إخوة زيوس.[32] تبعاً للميثولوجيا، بعد رحيل التيتانيون، ظهرت مجموعة جديدة من الآلهة، من ضمنها الأولمبيون الاثنا عشر، الذين سكنوا قمة جبل أوليمبوس تحت عرش زيوس (تقليص عدد الأولمبيين إلى اثني عشر فكرة جديدة معاصرة).[37] في هذه المرحلة، قدس الإغريق ألهة غير الأولمبيون الاثنا عشر، مثل بان، إله الطبيعة والغابات، الحوريات (أرواح الأنهار)، النايادات (اللواتي سكن الينابيع)، الدريادات (أرواح الأشجار)، النيريدات (اللواتي سكن البحار)، آلهة الأنهار، الساتير، وغيرهم. إضافة إلى قوى الظلام في العالم السفلي الإيرينيات، أصحاب وظيفة ملاحقة المذنبين بجرائم ضد الأقارب.[38]
تبعاً للباحث والتر بوركرت، إن سلوك الآلهة اليونانية سلوك أشخاص عاديين.[39] بغض النظر عن منظر الآلهة البشري، امتلكوا قدرات خاصة، كالمناعة من المرض والجروح والزمن، كما كان لهم القدرة لأن يصبحوا غير مرئيين، والسفر مسافات طويلة في لحظة. وكانت السمة التي تميز الآلهة عن غيرهم هي الخلود والشباب الدائم، الذي حرص الآلهة على تأمينه عن طريق شرب النكتار والأمبروسيا بشكل مستمر.[40]
ينحدر كل إله من نسل خاص فيه، وله اهتماماته المختلفة، ومجال خبرة، وشخصية فريدة عن غيرها، لكن هذه الأوصاف تنشأ من متغيرات محلية معينة حدثت في تاريخ الإله. عندما يتم استدعاء الآلهة في الصلاة أو العبادة، تتم الإشارة إليهم عبر مجموع اسمهم ونعت خاص بهم، حتى يتم التفريق بينهم وبين تجسيدات أخرى لهم (مثل أبولو موزاغيتيس هو «أبولو [باعتباره]، رئيس إلهات الإلهام»).
ارتبطت معظم الآلهة بجانب من جوانب الحياة. على سبيل المثال، كانت أفروديت إلهة الحب والجمال، آريز إله الحرب، هاديس إله الموت، وآثينا إلهة الحكمة والشجاعة.[41] لكن بعض الآلهة، طورت نوعاً من الشخصية المعقدة والوظائف المتعددة، مثل أبولو (إله الشمس) وديونيسوس (إله الخمر)، بينما هناك آلهة أخرى لم تكن أكثر من تجسيد مثل هيستيا وهليوس (حرفياً الشمس). سعى الإغريق إلى جعل معابدهم الكبرى مخصصة لعدد معين من الآلهة الذين كانوا محور الطوائف اليونانية الكبرى. لكن في القرى، كان من الطبيعي أن يسخر الناس عبادتهم لآلهة ثانوية. كما كرمت الكثير من المدن الآلهة الشهورة بطقوس محلية، وربطتهم بأساطير محلية غير معروفة في مكان آخر. خلال عصر الأبطال، أصبحت عبادة الأبطال مكملة لعبادة الآلهة.
تعدّ الفترة بين العصر الذي عاش فيه الآلهة وحدهم والعصر الذي كان فيه التدخل الإلهي بشؤون البشر محدوداً عصر مستقل واصل بينهما عاش فيه الآلهة والبشر معاً. كانت تلك الأيام الأولى للعالم، عندما اختلطت فيه الجماعات المختلفة بحرية أكبر من الوقت اللاحق. حكت ميتامورفوزيس لأوفيد معظم هذه الحكايات، وقسمت الحكايات إلى حكايات الحب وحكايات العقاب.[42]
في حكاية فولكلورية قديمة،[49] كانت ديميتر تبحث عن ابنتها برسفون، فأخذت شكل امرأة عجوز تدعى دوسو، وتلقت ترحيباً من سيليوس، ملك إلفسينا في أتيكا. فقررت أن ديميتر أن تكافئ سيليوس على ضيافته عبر تحويل ابنه ديموفون إلى إله، إلا أنها لم تستطع إكمال الطقس، لأن أمه ميتانيرا دخلت عليهما أثناء الطقس ورأت ابنها محاطاً بالنار، وبدأت بالصراخ، مماأغضب ديميتر التي قالت أن البشر الأغبياء لا يفهمون طبيعة الطقوس.[50]
“ | حقيقة أن البشر والآلهة وجدوا مع صنف ثالث من الأبطال، الذين يدعون أيضاً "أنصاف آلهة"، من ميزات الدين والميثولوجيا الإغريقية فمن الصعب أن نجد ما يوازيهم. | ” |
—والتر بوركرت، 1993.[51] |
يعرف العصر الذي عاش فيه الأبطال باسم عصر الأبطال.[52] ظهر عصر الأبطال في المرحلة ما قبل الكلاسيكية عندما تخيل الإغريق «الأبطال» (بالإغريقية: ἥρωες) كشخصيات في الأساطير الملحمية.[51] الأبطال (أو أنصاف الآلهة) ليسوا خالدين، لكنهم مختلفين عن البشر بقدراتهم التي تعد خارقة بالنسبة للبشر، يعود سبب ذلك إلى كونهم ثمرة العلاقة بين فان وإله.[51]
بعد البدء بعبادة الأبطال، أصبح الشعب يوجه صلاته إلى الأبطال والآلهة معاً.[27] بعكس عصر الآلهة، خلال عصر الأبطال لم يتم إعطاء قائمة الأبطال شكلاً نهائياً، لم يولد أي إله في ذاك الوقت، لكن بمكن دائماً إحياء بطل من جيش الأموات. كما يوجد عامل آخر يفرق بين العبادتين، وهو أن البطل المعبود يصبح هوية القبيلة المحلية.[53]
تعد أحداُ هيراكليس الضخمة بداية عصر الأبطال. ويحوي العصر ثلاثة أحداث محورية: البعثة الأرغوية، حرب ثيفا وحصار طروادة.[54]
يعتقد بعض الباحثون[55] أن وراء الأساطير المعقدة الخاصة بهيراكليس رجل واقعي، ربما زعيم إقطاعيات في آرغوس. وفسر باحثون آخرون أن ميثولوجيا هيراكليس هي كناية عن مرور الشمس بكوكبات دائرة البروج الإثني عشر.[56] وهناك مجموعة ثالثة تعتقد بأن أصل الميثولوجيا من حضارات أخرى، فتصبح قصة هيراكليس نسخة محلية لأساطير بطل موجودة سابقاً. هيراكليس، هو ابن زيوس وألكميني الفانية، حفيدة بيرسيوس.[57] وفرت مآثره الفردية المتسمة بمظاهر قصص الفلكلور المواد الأساسية لاعتباره أسطورة شعبية. وصف بأنه مستعد للتضحية بنفسه، محارب ذو قوة جسدية كبيرة وشجاعة فائقة، بارع باستخدام السيف والترس، مما جعله متفوقاً على الرجال الفانين.[57] أما بالنسبة للمظهر الخارجي، فكان يمثل دوماً مع لحية، جلد أسد وهراوة في يده، وعضلات كبيرة في ساعديه وساقاه.[58]
كتب يوربيديس التراجيديا هرقل، التي تتحدث عن ميثولوجيا البطل، وتكشف معاناته، واستعداده للانتحار، لكن من شجعه على العيش هو صديقه ملك أثينا ثيسيوس.[59] كما حكى سوفوكليس عن هيراكليس في مسرحيته التراكينياناس.[60]
وصل هيراكليس إلى ذروة مستواه الاجتماعي عند تعيينه لجد الملوك الدوريون. مما شرع الهجرات الدورية إلى بيلوبونيز. هيلوس، البطل الإغريقي المسمى على اسم قبيلة دورية، الذي أصبح هيراكليداي (المنحدرون من هيراكليس[61]) غزا الهيراكليديون الممالك البيلوبونيزية ميكينيس، آرغوس وأسبرطة، مدعين حقهم بالحكم لانحدارهم من هيراكليس. يدعى صعودهم إلى السلطة ب«الغزو الدوري». أصبح حكام هذه المناطق من الليديين والمقدونيين هيراكليديون أيضاً.[62]
مع أن هيراكليس مات بسبب جانبه البشري الموروث من أمه ألكميني، يؤمن بهض الإغريق مثل بندار الذي سماه «إله بطل»[63]، أن بسبب جانبه الإلهي المنحدر من زيوس، صعد إلى أوليمبوس وأصبح إلهاً.[64]
يوجد لدى أول أجيال الأبطال مثل بيرسيوس، بيليروفون، ثيسيوس وديوكاليون صفات مشتركة كثيرة مع هيراكليس. فمثله، كانت مآثرهم فردية ورائعة وتعد حكايا خرافية، مثل قصصهم عن قتل وحوش شيمر وميدوسا. كما تبنى معظم قصص الأبطال على إسناد الأبطال لمهام موتهم فيها شبه مؤكد، مثل قصص بيرسيوس وبيليروفون.[65]
الأرغوناوتيكا، من كتابة أبولونيوس، هي الملحمة الهلينية الوحيدة التي نجت حتى يومنا هذا. تحكي الملحمة قصة رحلة جاسون والأرغوناوتس لاسترجاع الصوف الذهبي من كولخيس. أرسل الملك بيلياس جاسون لأداء المهمة، الذي تلقى نبوءة أن رجل يلبس صندل واحد سيكون عدوه. يخسر جاسون صندلاً في نهر، ثم يذهب إلى قصر بيلياس، وتبدأ الملحمة. رافق جاسون تقريباً كل أبطال الجيل التالي، منهم هيراكليس، في سفينة الأرغو، لاسترجاع الصوف الذهبي. ضمت أيضاً المجموعة ثيسيوس، الذي سافر إلى كريت لقتل المينوتور؛ أتالانتا، البطلة الأنثى. يعطي بندار، أبولونيوس وبيبليوتيكا قائمة أسماء البحارين كاملة.[66]
مع أن كتابة أبولونيوس للملحمة تعود للقرن الثالث قبل الميلاد، تقع أحداث القصة قبل الأوديسة، التي تظهر مقاطع تتقاطع مع قصة جاسون.[67] قديماً، كانت النظرة إلى البعثة كحقيقة تاريخية، ساهمت في فتح أبواب البحر الأسود أمام الإغريق للتجارة والاستعمار.[68] أصبحت القصة ذات شعبية كبيرة، فبنيت عليها أكثر من قصة ميثولوجية محلية. مثل قصة ميديا، التي كتب عنها التراجيديون.[69]
ولد بين الأرغو وحرب طروادة، جيل عرف بجرائمه البشعة. مثل أفعال أتريوس وثييستيس في آرغوس. تقع وراء ميثولوجيا بيت أتريوس، مسكلة انتقال السلطة. يلعب التوأم أتريوس وثييستس مع أحفادهم الدور الرئيسي في تراجيدية انتقال السلطة في ميكينيس.[70]
تتعامل ملاحم ثيفا مع قدموس بشكل خاص، مؤسس ثيفا، كما تتحدث عن أفعال أوديب ولايوس في ثيفا، وهي مجموعة قصص تنتهي بنهب المدينة على يد السبعة ضد ثيفا والإبيغونيون.[71] (من غير المعروف إن ظهر السبعة ضد ثيفا في ملحمة من قبل.) ظل أوديب ملكاً لثيفا بعد اكتشافه أن يوكاستا هي أمه. تزوج بعد ذلك امرأة أخرى لتكون أماً لأولاده.[72]
تبلغ الميثولوجيا الإغريقية ذروتها في حرب طروادة، التي حارب فيها كل من الإغريق والطرواديون، بما فيها من نتائج. في أعمال هوميروس، كالإلياذة، اتخذت القصص الرئيسية شكلاً جوهرياً، ووضعت المواضيع الفردية لاحقاً، خصوصاً في الدراما الإغريقية. لحرب طروادة أهمية كبيرة في ثقافة روما القديمة، بسبب قصة أينياس، بطل طروادي أدت رحلته من طروادة إلى إنشاء المدينة التي عرفت لاحقاً باسم روما، مثلما ذكر في الإنياذة.[73] هناك سجلين زائفين مكتوبان باللاتينية تحت أسماء ديكتيس وداريس.[74]
تبدأ الملاحم الطروادية بالحديث عن الأحداث التي أدت إلى الحرب: إريس والتفاحة الذهبية، محاكمة باريس، خطف هيلين، التضحية بإفيغينيا في أوليدة. بغرض استعادة هيلين، انطلقت حملة يونانية ضخمة تحت قيادة أخو مينلاوس، أجاممنون، ملك أرجوس أو ميكينيس، لكن رفض الطرواديون إعادة هيلين. تقع أحداث الإلياذة في السنة العاشرة من الحرب، وتحكي عن الخلاف بين أجاممنون وآخيل الذي كان أفضل محارب إغريقي، وعن موت فطرقل صديق آخيل، وهكتور ابن بريام الأكبر. بعد موت هكتور، شارك في الحرب لصالح الطرواديون، بينثيسيليا، ملكة الأمازونيات، وممنون، ملك الإثيوبيين وابن إلهة الفجر إيوس.[75] تمكن أخيل من قتلهما، لكن قبل أن يتمكن باريس من قتله بسهم في كعبه. كان كعبه هو الجزء الوحيد من جسمه الذي لم يكن منيعاً ضد أسلحة البشر.
ليتمكنوا من السيطرة على طروادة، سرق الإغريق من القلعة الصورة الخشبية لبالاس آثينا. ثم تمكن الإغريق بمساعدة آثينا من بناء حصان طروادة. بالرغم من تحذيرات كاساندرا ابنة بريام، تمكن سينون (يوناني زيف فكرة الهرب) من إقناع الطرواديون على إدخال الحصان إلى داخل جدران طروادة كهدية لآثينا؛ قتلت أفاعي البحر الكاهن لاوكوئون لمحاولته إحراق الحصان. عاد الأسطول اليوناني في الليل، وفتح اليونانيون الذين اختبئوا داخل الحصان أبواب طروادة. نهب اليونانيون المدن، وقتلوا بريام وأولاده، وبيعت النساء الطرواديات للعبودية في مختلف أنحاء اليونان.
وفرت حرب طروادة مجموعة متنوعة من المواضيع وأصبحت مصدراً أساسياً للاستلهام بالنسبة للفنانين الإغريق (مثل طريقة بناء البارثينون، تصور نهب طروادة). يري هذا التفضيل لمواضيع حرب طروادة أهميتها الكبيرة لحضارة اليونان القديمة.[76] كما ألهمت الحرب سلسلة من الكتابات الأوروبية اللاحقة. على سبيل المثال، لم يكن الكتاب الأوروبيون الطرواديون من العصور الوسطى ملمين بأعمال هوميروس، فوجدوا في أسطورة طروادة مصدراً غنياً بالقصص الرومنسية والبطولية وإطاراً مناسباً لوضع المثل الشهمة واللطيفة الخاصة بهم. وصف كاتبا القرن الثاني عشر بونوا دو سانت-مور وجوزيف إسكانو الحرب من خلال إعادة كتابة النسخة التي وجداها في ديكتيس وداريس، فلحقا بذلك نصيحة هوراس وطريقة ورغيليوس، إعادة كتابة طروادة بدل من شيء جديد تماماً.[77]
كانت الميثولوجيا محور الحياة اليومية في اليونان القديمة.[78] اعتبر الإغريق قصص وشخصيات ما ندعوه اليوم بالميثولوجيا تاريخاً. استخدموا الميثولوجيا لتفسير الظواهر الطبيعية، التغيرات في الحضارة، الصداقات والعداوات. كما خدمت الميثولوجيا كمصدراً للفخر والاعتزاز بالنسب المنحدر من قادة عظماء، أبطال ميثولوجيون أو حتى آلهة. قلة هم الإغريق الذين لم يؤمنوا بحصار طروادة، الإلياذة أو الأوديسة. تبعاً لباحثين، اعتمد الإغريق في بناء حضارتهم على معرفتهم بملاحم هوميروس. فكان هوميروس «منهاج تعليم اليونان» (Ἑλλάδος παίδευσις) وشعره «الكتاب».[77]
بعد ظهور الفلسفة، التاريخ، النثر، والعقلانية في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد، أصبح مصير الميثولوجيا غير معروف، وحاول البعض إلغاء الأمور فوق الطبيعية من الميثولوجيا باعتبارها تاريخاً، مثل ثوسيديديس.[79] وبدأ الشعراء وكتاب الدراما بإعادة كتابة الميثولوجيا، في حين بدأ الفلاسفة والمؤرخين بانتقادها.[12]
اتهم بعض الفلاسفة المتطرفين، مثل كزينوفانيس، أعمال الشعراء بالتجديف، فاشتكى كزينوفانيس من إسناد هوميروس وهسيود «لكل ما هو مخز ومشين بين البشر، فهم يسرقون، ويمارسون الجنس مع الجميع، ويخدع أحدهم الآخر».[80] عبر عن طريقة التفكير هذه بشكل مفصل في كتب أفلاطون، الجمهورية والقانون. ابتكر أفلاطون قصصاً ميثولوجية تمثيلية الخاصة به (مثل رؤية إير في الجمهورية)، وهاجم القصص التقليدية التي تتحدث عن أساليب الخداع والسرقة التي تعتمدها الآلهو واعتبرها غير أخلاقية، واعترض على دورها المحوري في الأدب.[12] كان انتقاد أفلاطون أول تحد جدي لميثولوجيا هوميروس التقليدية،[77] بإشارته لها أنه مجرد «ثرثرة لزوجتين عجوزتين».[81] وانتقد أرسطو فلسفة ما قبل سقراط الشبه ميثولوجية، وشدد على أن «هسيود والكتاب اللاهوتيين، همهم الأكبر كان كتابة ما يبدو معقولاً لهم، ولم يكنوا أي احترام لنا [...] لكن لا يستحق الأمر أخذ الكتاب الميثولوجيين على محمل الجد؛ بينما أولئك الذين يمضون قدماً في إثبات ادعاءاتهم، يجب علينا أن نفحص دراساتهم».[79]
لم يتلق رفض أفلاطون للميثولوجيا قبول الحضارة الشعبية الإغريقية.[77] فبقيت حية في الديانات المحلية، ومصدر الإلهام الرئيسي في الشعر والنحت والرسم.[79] في القرن الخامس قبل الميلاد، غير الشاعر التراجيدي يوربيديس بالتقاليد القديمة، فسخر منها، وشك بصحتها من خلال أصوات شخصياتها. لكن الشخصيات كانت دائماً مستوحاة من الميثولوجيا. وكتب الكثير من هذه المسرحيات كرد على نسخة سابقة من الميثولوجيا، أو قصة مشابهة لها. يتحدث يوربيديس عن الميثولوجيا ويظهر حقيقتها بشكل عام، ثم يبدأ بانتقادها مستخدماً حججاً شبيهة بتلك التي استخدمها زينوقراط: الآلهة، في التقاليد، تمتلك الكثير من الصفات البشرية.[80]
خلال الفترة الهلنستية، أحيطت الميثولوجيا بهيبة المعرفة، فيعدّ الخبير بها من طبقة عليا. في الوقت نفسه، زاد الشك في الميثولوجيا في العصر الكلاسيكي.[82] أسس إفيميروس تقليد البحث عن أساس تاريخي للأحداث والكائنات الميثولوجية.[83] مع أن أول عمل له (منحوتات مقدسة) ضاع، يعرف الكثير عنه من خلال ما سجله كل من ديودورس ولاكتانيوس.[84]
أصبح جعل تفسير الميثولوجيا عقلاني أكثر شعبية من أي وقت مضى تحت حكم الإمبراطورية الرومانية، وذلك بفضل نظريات الرواقية وفلسفة الإبيقوريون. فقدمت الرواقية تفسيرات الآلهة والأبطال كظاهرة فيزيائية، بينما نظر لهم الإبيقوريون كشخصيات تاريخية. في الوقت نفسه، عززت الرواقية والإفلاطونية الجديدة المعاني الأخلاقية للتقاليد الميثولوجية.[85] سعى لوقريطيوس من خلال رسالته الإبيقورية، طرد المخاوف المتطيرة من عقول المواطنين.[86] كان تيتوس ليفيوس متشكك أيضاً في التقليد الميثولوجي، ويدعي أنه لا يحكم بناء على هذه الأساطير.[87] واجه الرومان تحدياً، وهو الدفاع عن هذه التقاليد في وجه ادعاءات أنها مولودة من الخرافات. ماركوس تيرينتيوس فارو، المتخصص بالأثريات، رأى أن الدين معهد ذو أهمية كبيرة للحفاظ على الخير في المجتمع، وسخر سنين من حياته لدراسة أصول الديانات. يرى فاروس أنه في حين يخاف البشر الآلهة، الشخص المتدين حقيقة يراهم كأبوين.[86] في أعماله، ميز ثلاثة أنواع من الآلهة:
يسخر الأكاديمي الروماني كوتا من القبول الحرفي والمجازي للميثولوجيا، معلناً بأن لا مكان لها في الفلسفة.[88] ويزدرئ شيشرون من الميثولوجيا بشكل عام، لكنه مثل فارو، يدعم ديانة الدولة ومؤسساتها. من الصعب معرفة الدنو الذي تجاوزته هذه العقلانية في السلم الاجتماعي.[87] يؤكد شيشرون أن لا أحد بتلك الحماقة ليصدق فظائع هاديس أو وجود السكايلا والقنطور وغيرها من المخلوقات المركبة،[89] لكن من ناحية أخرى، يشتكي شيشرون من شخصيات الناس الساذجة والمتطيرة في عمل آخر له.[90] يحتوي كتابه دو ناتورا ديوروم ملخص فكر شيشرون.[91]
في أيام روما القديمة، ولدت ميثولوجيا رومانية جديدة من خلال شبه نقل للميثولوجيا الإغريقية مع تغيير للأسماء. هذا نتيجة لصغر الميثولوجيا الخاصة بهم، مما أدى إلى تبني الآلهة الرومانية الكبرى خصائص ما يوازيها من الآلهة الإغريقية.[87] مثال على ذلك: الإلهان زيوس وجوبيتر. إضافة إلى التوفيق بين هاتين الديانتين، أدى اتصال الرومان بالديانات الشرقية إلى مزيد من التوفيق.[92] مثلاً، دخلت عبادة الشمس إلى روما بعد حملات أورليان الناجحة في سوريا. دمجت الآلهة الآسيوية الميثرانية (الشمس) وبعل مع أبولو وهليوس في سول إنفكتوس، مع طقوس وسمات الديانات المختلفة مجتمعة معاً.[93] قد يتم تعريف أبولو أحياناً على أنه هليوس أو ديونيسوس، لكن نادراً ما عكست النصوص الميثولوجية هذه التغيرات. فكانت الميثولوجيا الأدبية تزداد انفصالاً عن الممارسات الدينية الأساسية.
ألهمت نظريات العقلانية والتوفيق بين الأديان الترانيم الأورفكرية والساتورناليا لماكروبيوس. كانت الترانيم الأورفكرية مجموعة من القصائد من ما قبل الحقبة الكلاسيكية تعزى إلى أورفيوس. ألف هذه الترانيم عدة شعراء في الغالب، وتحوي مجموعة من الأدلة على الميثولوجيا في أوروبا قبل التاريخية.[94] كان الغرض من ساتورناليا نقل الحضارة الهلنستية المستمدة من قراءته، مع أن معالجته للآلهة مستلهمة من الميثولوجيا والإلهيات المصرية والشمال إفريقية.
يعدّ بعض الباحثين بداية الفهم للميثولوجيا الإغريقية ردة فعل في نهاية القرن الثامن عشر على «الموقف العدائي المسيحي»، الذي اعتبر الميثولوجيا «كذب» أو «حكاية رمزية».[95] في ألمانيا وبحلول عام 1795، ازداد الاهتمام بهوميروس وبالميثولوجيا الإغريقية بشكل عام. في غوتينغن، بدأ يوهان ماتثياس جيزنير بإعادة إحياء الدراسات الإغريقية، بينما عمل كريستيان غوتلوب هايني مع يوهان يواكيم وينكلمان، ووضع أسس الأبحاث الميثولوجية في ألمانيا وغيرها.[96]
تطورت المقارنات بين الأديان في القرن التاسع عشر، جنباً إلى جنب مع الاكتشافات الإثنولوجية في القرن العشرين، مما أدى إلى تأسيس علم الميثولوجيا. منذ عهد الرومان، كانت كل دراسات الميثولوجيا هي عن مقارناتها، فسخر العلماء منهج المقارنات لجمع وتصنيف موضوعات الفولكلور والميثولوجيا.[97] في 1871، أصدر إدوارد بيرنت تايلور كتابه الثقافة البدائية، حيث طبق منهج المقارنة وحاول أن يفسر أصل وتطور الدين.[98] فجمع تايلور ثقافات وطقوس وأساطير من حضارات منفصلة عن بعضها، مما ألهم كل من كارل يونغ وجوزيف كامبل. طبق ماكس مولر علم مقارنة الميثولوجيا على دراستها، حيث اكتشف بقايا مشوهة من عبادة الآريون للطبيعة. أكد برونسيلاف مالينوفسكي على الطرق التي لبت فيها الميثولوجيا الوظائف الاجتماعية المشتركة. قارن كلود ليفي ستروس وبنيويون آخرون أنماط والعلاقات الرسمية بين الميثولوجيات حول العالم.[97]
قدم سيغموند فرويد تصوراً تاريخياً وبيولوجياً للرجل والميثولوجيا كونها تعبير عن أفكار مكبوتة.[99] من خلال القصص الميثولوجية مثل أوديب،[100] وضع فرويد مفاهيم مبتكرة عن العقل البشري، واضعاً نظريات مختلفة مثل عقدة أوديب، وفكرة العقل الباطن.[100] ساهم هذا في التقارب بين النهج البنيوية والتحليلية النفسية للميثولوجيا في فكر فرويد. وسع كارل يونغ النهج التاريخية والنفسية بنظرية العقل الباطن الجماعي والأمثلة (التي ورثت أنماط العصر القديم) المشفرة في كثير من الأحيان في الميثولوجيا، التي نشأت منها.[2] وفقاً ليونغ، على العناصر التي تبني الميثولوجيا أن تكون حاضرة في العقل الباطني.[101] بعد المقارنة بين منهجية يونغ ونظرية جوزيف كامبل، استخلص روبرت سيغال أن «لتقسير ميثولوجيا، يعرف كامبل الأمثلة فيها بكل بساطة. على سبيل المثال، تفسير الأوديسة، يري كيفية تحول حياة أوديسيوس إلى نمط بطولي. على العكس، يعدّ يونغ تعريف الأمثلة مجرد الخطوة الأولى في تفسير الميثولوجيا».[102] كارل كيريني، واحد من مؤسسي الدراسات المعاصرة في الميثولوجيا الإغريقية، تخلى عن آراؤه الأولى ليطبق نظريات يونغ في الميثولوجيا.[103]
هناك عدد من النظريات الحديثة حول أصول الميثولوجيا الإغريقية. وفقاً لنظرية النصوص المقدسة، جاءت كل الأساطير الميثولوجية من الكتاب المقدس، مع تحويل وتبديل الوقائع الحقيقية.[104] وفقاً للنظرية التاريخية، كانت كل شخصيات الميثولوجيا أشخاص حقيقيين في زمن ما، وكل الأساطير المرتبطة بهم هي مجرد إضافات جاءت في وقت لاحق. بالتالي، جاءت قصة أيولوس من واقع أن أيولوس كان حاكم جزر ما في البحر التيراني.[105] أما النظرية المجازية، فتقوم على أساس أن كل القصص هي استعارية ورمزية. أخيراً، ترتبط النظرية المادية بفكرة أن عناصر الماء والنار والهواء هم أساساً أغراض العبادة الدينية، وبالتالي فالآلهة الرئيسية هي تجسيد لهذه القوى الطبيعية.[106] حاول ماكس مولر فهم ديانة الهندو أوروبيين الأوائل بالعودة إلى جذورها الآرية. في 1891، ادعى أن "أهم اكتشاف على الإطلاق وكان في القرن التاسع عشر مع الاحترام لتاريخ البشر القديم... كان هذه المعادلة البسيطة: دياوس-بيتار السنسكريتي = زيوس الإغريقي = يوبيتر اللاتيني = تير الإسكندنافي.[107] في حالات أخرى، تشير النقاط المتوازية في الشخصيات والقصص إلى تراث مشترك، لكن نقص الأدلة اللغوية تجعل من الصعب إثبات ذلك، مثلما هي المقارنة بين أورانوس وفارونا السنسكريتي أو بين المويراي والنورنيات.[108]
لكن بسبب علم الآثار وتمثيل الميثولوجيا في الفنون، استنتج الباحثون أن الميثولوجيا الإغريقية مستوحاة من بعض الحضارات في آسيا الصغرى والشرق الأدنى. فيبدو أن أدونيس موازي لإله يموت من الشرق الأدنى. تأتي جذور كوبيلي من حضارة الأناضول، بينما تأتي أيقونية أفروديت من الإلهات الساميات. هناك عدد من النقاط المتوازية المحتملة بين أوائل الأجيال الإلهية (كاوس وأبنائه) وتيامات من قصة الخلق البابلية.[109] تبعاً للباحث ماير رينهولد: «المفاهيم الثيوجونية من الشرق الأدنى، التي تدور حول تعاقب الخلافة الإلهية من خلال العنف والصراعات بين الأجيال من أجل السلطة، وجدت طريقها إلى... الميثولوجيا الإغريقية».[110] إضافة للأصول الهندوأوروبية والشرق أدنوية، تكهن بعض الباحثين بعودة أصول الميثولوجيا إلى المجتمعات ما قبل الهلينية: كريت، بيلوس، ميكينيس، ثيفا وأورخومينوس.[111] ذُهل مؤرخون الديانات بعدد الميثولوجيات القديمة المتصلة بكريت (إله بشكل ثور، زيوس ويوروبا، باسيفاي التي تخضع للثور وتلد المينوتور، إلخ) لخص البروفسور مارتن نيلسون الفكرة بأن كل الميثولوجيات الإغريقية الكبرى متصلة بالمراكز الميكينية وثبتت في أزمنة ما قبل التاريخ.[112] مع ذلك، وفقاً لبوركرت، لم تقدم أيقونية القصر الكريتي تأكيدات على هذه النظريات.[113]
لم يكبح انتشار المسيحية شعبية الميثولوجيا. مع إعادة اكتشاف العصور الكلاسيكية القديمة في عصر النهضة، أصبح لشعر أوفيد تأثير كبير على مخيلات الشعراء، الدراميون، الموسيقون والفنانون.[114] من أوائل سنوات عصر النهضة، صور فنانون مثل ليوناردو دافينشي، ميكيلانجيلو ورفائيل المواضيع الوثنية مع مواضيع مسيحية تقليدية.[114] كما استلهم شعراء عصر النهضة والعصور الوسطى مثل دانتي، بترارك وجيوفاني بوكاتشيو من الميثولوجيا الإغريقية في إيطاليا، من خلال أعمال أوفيد والوساطة اللاتينية.[2]
في أوروبا الشمالية، لم تأخذ الميثولوجيا الإغريقية نفس الطريق في الفنون البصرية، لكنها أثرت بشكل واضح على الأدب. فكانت مصدراً إلهام كبير لمخيلات الكتاب الإنجليز مثل جيفري تشوسر، جون ميلتون، ويليام شكسبير وروبرت بريدجز. أعاد كل من راسين في فرنسا وغوته في ألمانيا إحياء الدراما الإغريقية.[114] خلال عصر التنوير، أصبح رد الفعل على الميثولوجيا سلبي في أنحاء أوروبا، لكنها ظلت مصدراً خام للدراميون، من ضمنهم الذين كتبوا الليبريتي لكثير من أوبرات هاندل وموتسارت.[115] بحلول نهاية القرن الثامن عشر، بدأت الرومانسية موجة حماس لكل ما هو يوناني، بما فيه الميثولوجيا الإغريقية. في بريطانيا، ألهمت كل من ترجمات التراجيديات الإغريقية وهوميروس الشعراء المعاصرين ألفريد تنيسون، جورج غوردون بايرون، بيرسي بيش شيلي وجون كيتس والرسامين فريدريك ليتون ولورينس تديما.[116] ربط ريتشارد شتراوس، كريستوف فيليبالد غلوك وجاك أوفنباخ مواضيع الميثولوجيا بالموسيقا.[2] صرح كتاب القرن التاسع عشر الأمريكيون توماس بولفينش وناثانيال هاوثورن أن دراسة الميثولوجيا أساسية لفهم الأدب الإنكليزي والأمريكي.[117] في أوقات حديثة، أعيدت المواضيع الكلاسيكية في أعمال جان أنويه، جان كوكتو وجان جيرودو الدرامية في فرنسا، أوجين أونيل في الولايات المتحدة، وت. س. إليوت في بريطانيا.[2]
مع مجيء الوثنية الجديدة، سعت مجموعة من الأشخاص من اليونان المعاصرة إلى إنقاذ الميثولوجيا واعتمادها كديانة. فهذه المجموعة لا ترى بنظرة ميثولوجيا وثنية جديدة ولا تعبد ما هو معروف اليوم بال«ميثولوجيا إغريقية»، بل قدمت الديانة اليونانية القديمة إلى العصر الحديث. سعت حركة إعادة إعمار الديانة المتعددة الآلهة الهلينية منذ التسعينات إلى إعادة إحياء ممارسات اليونان القديمة الدينية، وتعلم أفكار تعدد الآلهة والاورثوبراكسية، وتعترف بالآلهة الاثنا عشر، مع وجود بعض المجموعات داخل الحركة تفضل نصب الاهتمام على إله أو عدة معينين. تأسس المجلس الأعلى للهلينيون الوطنيون ((باليونانية: Ύπατο Συμβούλιο των Ελλήνων Εθνικών) أو YSEE) في 1997 وسرعان ما أصبح منظمة بارزة تمثل الديانة في اليونان. لا أحد يعرف تماماً عدد المنضمين للحركة، لكن يوجد مجتمع بارز في الولايات المتحدة، فحوالي 2500 شخص يحضرون المهرجان السنوي بروميثيا، الذي يرعاه المجلس. هناك بعض التقاليد الأخرى المتأثرة بالميثولوجيا، فالويكا ترتكز على الديانة الكلتية وديانات السحر، لكنها تستمد مفاهيم العقل والبدن والروح من الفلسفة الإغريقية.[118][119][120] في إنكلترا، استلهمت عدة جماعات في نورفولك،[121] تشيشير[122] وغيرها تعاليمها من الميثولوجيا الإغريقية وغيرها من المصادر.[123]
Seamless Wikipedia browsing. On steroids.
Every time you click a link to Wikipedia, Wiktionary or Wikiquote in your browser's search results, it will show the modern Wikiwand interface.
Wikiwand extension is a five stars, simple, with minimum permission required to keep your browsing private, safe and transparent.