Loading AI tools
مصطلح إسلامي يعني جميع الأفعال أو الأقوال التي تتم لنشر الإسلام أو لصد عدو يستهدف المسلمين أو لتحرير أرض مسلمة من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
الجهاد أو الجهاد في سبيل الله هو مصطلح إسلامي يعني جميع الأفعال أو الأقوال التي تتم لنشر الإسلام، أو لصدِّ عدوٍ يستهدف المسلمين، أو لتحرير أرضٍ مسلمة، أو لمساعدة مسلمٍ ما والمسلمين عامة. جاء هذا المصطلح في بدء الإسلام عندما ذكرت معركة بدر الكبرى في القرآن الكريم ثم تم تعميم هذا المصطلح ليشمل أي فعلٍ أو قولٍ يصبُّ في مصلحة الإسلام لصد عدوٍ ما يستهدف الإسلام والمسلمين فعلاً أو قولاً أو كلاهما.
إن حيادية وصحة هذه المقالة محلُّ خلافٍ. (مايو 2016) |
والجهاد مراتب منها ما هو واجب على كل مكلف، ومنها هو فرض كفاية إذا قام به بعض المكلفين سقط التكليف عن البقية، ومنها ما هو مستحب، فجهاد النفس وجهاد الشيطان واجبان على كل مكلف، وجهاد المنافقين والكفار وأرباب الظلم والبدع والمنكرات فرض عينٍ، وقد يتعين جهاد الكفار باليد على كل قادرٍ في حالاتٍ معينة. قال ابن القيم:«الجهاد أربع مراتب : جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين.»
فالجهاد ينقسم إلى قسمين رئيسيين يتفرع تحتهما أقسامه الأخرى الكثيرة؛ هما جهاد فرض كفاية على طبقة وفئة محددة من المسلمين وجهاد فرض عَينْ على كل مؤمنٍ بالإسلام، تحت القسم الأول يندرج جهاد الطلب لفتح أراضي جديدة لا تعرف شيئا عن الإسلام ويندرج تحته جهاد الدعوة وجهاد التعليم أيضاً، ويندرج تحت القسم الثاني كل من جهاد النفس وجهاد الشيطان وجهاد الدفع؛ للدفاع عن أراضي الوطن من عدو خارجي أو الدفاع عن المسلمين.
تحدد أهداف الجهاد إلى هدفين لا ثالث لهما وتنحصر جميع أنواعه فيهما تقريباً، وهما جهاد الدفع وجهاد الطلب؛ أي يكون الجهاد إما جهادٌ في سبيل الدفاع عن المسلمين والإسلام والقرآن أو جهادٌ بغاية نشر تعاليم الإسلام وقوانينه على الحياة والمجتمع باعتباره دينٌ صالحٌ لكل الشعوب واللغات وباعتباره خلاص الأرض من كل الظلمات.
الجهاد في اللغة : بذل الجهد والوسع والطاقة، من الجُهْد بمعنى الوُسع، أو من الجَهْد بمعنى المشقة وكلا المعنيين في الجهاد. وفي الشرع أو في اصطلاح القرآن والسنة، يأتي بمعنى أعم وأشمل، يشمل الدين كله؛ وحينئذ تتسع مساحته فتشمل الحياة كلها بسائر مجالاتها ولهذا يسمى حينئذ: الجهاد الأكبر. وله معنى خاص هو القتال لإعلاء كلمة الله وهذا يشغل مساحة أصغر من الأولى ولهذا سُمِّىَ الجهاد الأصغر.[1] وكما يقول الدكتور عبد العزيز القاري :
ولذلك فإن تسمية الأول بـالجهاد الأكبر صحيح المعنى، تدل عليه نصوص الكتاب والسنة، وإن لم يصح الحديث الوارد فيه بخصوصه.[2] ففي حصر مفهوم الجهاد في القتال خطأ في فهم الكتاب والسنة، فإن الجهاد فيهما جاء بمعنى القتال، وجاء بمعنى أكبر من ذلك وأشمل: قال تعالى:﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ٥٢﴾ [الفرقان:52] قال ابن عباس رضى الله عنهما:«وجاهدهم به أي القرآن.[3]»
فالجهاد الكبير هنا ليس هو القتال، وإنما هو الدعوة والبيان بالحجة والبرهان، وأعظم حجة وبيان هو هذا القرآن، إنه حجة الله على خلقه، ومعه تفسيره وبيانه الذي هو السنة.
وقال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ٧٣﴾ [التوبة:73] في هذه الآية ليس المراد بجهاد المنافقين القتال، لأن المنافقين يظهرون الإسلام ويتخذونه جُنَّة والنبي ﷺ لم يقاتلهم بل عاملهم بظواهرهم، وحتى من انكشف كفره منهم كعبد الله بن أبى بن سلول لم يقتله سياسة منه حيث قال ﷺ :«لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه.[4]» ولكن جهاد المنافقين يكون بالوسائل الأخرى، مثل كشف أسرارهم ودواخلهم وأهدافهم الخبيثة، وتحذير المجتمع منهم، كما جاء في القرآن.
وقال تعالى:﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ٦٩﴾ [العنكبوت:69] ولاشك أن المراد بالجهاد هنا مفهومه الشامل المتضمن نوعيه الأكبر والأصغر، نقل ابن كثير عن ابن أبي حاتم بإسناده عن ابن عباس، قال في تفسير هذه الآية:«الذين يعملون بما يعلمون يهديهم الله لما لا يعلمون» فتفسير الآية (الذين جاهدوا فينا) أي جاهدوا في ذات الله أنفسهم وشهواتهم وأهواءهم وجاهدوا العراقيل والعوائق وجاهدوا الشياطين، وجاهدوا العدو من الكفار المحاربين، فالمقصود: الجهاد في معترك الحياة كلها، وفي حلبة الصراع الشامل.[1]
وفي السنة النبوية بين النبي ﷺ أنواع الجهاد بمفهومه الشامل فقال:
والمراد بجهاد القلب هنا هو بغضهم وبغض حالهم التي هي عقيدة الولاء والبراء؛ بدونها لا يصير الإنسان مؤمناً؛ سمى النبي ﷺ فعل القلب هذا جهادًا، كما سمى فعل اللسان جهادًا، ومن باب أولى أن يسمى فعل اليد جهادًا؛ عن عبد الله بن عمرو قال:«جاء رجل للنبي ﷺ فقال:أجاهد؟ قال : (ألك أبوان) قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد).[6]» وأمثلة هذا من السنة كثيرة يسمى فيها بعض الأعمال الصالحة أو يجعلها بمنزلة الجهاد؛ كقوله ﷺ :«الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله.[7]» وهكذا يتضح لنا مدى اتساع دائرة الجهاد مرتبطة بمجالات الحياة كلها، وهكذا حتى عندما يكون هناك قتال صحيح مع العدو، فإن جهاد كل واحد بحسبه الطبيب بخبرته الطبية، وأهل الإغاثة بإغاثتهم، وأهل الإعلام بإعلامهم، وأهل الأموال بأموالهم، ويبقى بقية في البلد يقومون بشؤونها ويخلفون المجاهدين في أهليهم بالخير والرعاية والحراسة، لتستمر عجلة الحياة في الدوران.[1]
قال ابن تيمية مبيناً المفهوم العام للجهاد ما نصه:«فالجهاد تحقيق كون المؤمن مؤمناً، ولهذا روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق، وذلك أن الجهاد فرض على الكفاية، فيخاطب به جميع المؤمنين عموماً، ثم إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين. ولابد لكل مؤمن من أن يعتقد أنه مأمور به، وأن يعتقد وجوبه، وأن يعزم عليه إذا احتيج اليه، وهذا يتضمن تحديث نفسه بفعله، فمن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو نقص من إيمانه الواجب عليه بقدر ذلك، فمات على شعبة نفاق.[8]»
وأما بالنسبة للحكم في جهاد العدوين الظاهر والباطن، فقد قال القاضي أبو بكر بن العربي:«قال علماؤنا رضي الله عنهم: جهاد العدو الظاهر فرض من فروض الكفاية وهم الكفار، وجهاد العدو الباطن فرض من فروض الأعيان، وهوالشيطان.[9]» وقال عبد الله بن عمر:«إن سبيل الله كل عمل صالح.[10]» وكذلك قال عباية بن رفاعة: «ادركني أبو عبس وأنا ذاهب إلى الجمعة، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار.[11][12]» قال بدر الدين أبو محمد العيني:«مطابقته للترجمة من حيث أن الجمعة تدخل في قوله سبيل الله لأن السبيل اسم جنس مضاف فيفيد العموم، ولأن أبا عبس جعل السعي إلى الجمعة حكم الجهاد.»
وفي صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«وانتظار الصلاة إلى الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط» وعن أنس بن مالك قال:«سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أفضل الشهداء عند الله المقسطون.[13][14]» وفي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الساعي على الصدقة بالحق كالمجاهد في سبيل الله.» ولذلك قال عبد الرحمن السعدي مبيناً هذا المعنى العام للجهاد:
ومن الآيات التي وردت في الحث على الجهاد:
'﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ١٩٠﴾ [البقرة:190]' |
عن ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد أن هذه الآية محكمة غير منسوخة، أي أن حكمها باق ومستمر.[16]
وعندما نتأمل قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله} [البقرة: 190] فإننا نجد أن الحق سبحانه يؤكد على كلمة {في سبيل الله} [البقرة: 190] لأنه يريد أن يضع حداً لجبروت البشر، ولابد أن تكون نية القتال في سبيل الله لا أن يكون القتال بنية الاستعلاء والجبروت والطغيان فلا قتال من أجل الجاه، أو المال أو لضمان سوق اقتصادي، وإنما القتال لإعلاء كلمة الله، ونصرة دين الله، هذا هو غرض القتال في الإسلام.
{وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} [البقرة: 190] والحق ينهى عن الاعتداء، أي لا يقاتل مسلم مَنْ لم يقاتله ولا يعتدي. وهب أن قريشاً هي التي قاتلت، ولكن أناساً كالنساء والصبيان والعجزة لم يقاتلوا المسلمين مع أنهم في جانب مَنْ قاتل، لذلك لا يجوز قتالهم، نعم على قدر الفعل يكون رد الفعل. لماذا؟ لأن في قتال النساء والعجزة اعتداء، وهو سبحانه لا يحب المعتدين. لكن قتال المؤمنين إنما يكون لرد العدوان، لا بداية عدوان. |
{وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} يقول أيها المؤمنون الذين تخافون أن يمنعكم مشركو مكة عن زيارة بيت الله والإعتمار فيه نكثاً منهم للعهد وفتنة لكم في الدين، وتكرهون أن تدافعوا عن أنفسكم بقتالهم في الإحرام والشهر الحرام، إنني أذنت لكم في القتال على إنه دفاع في سبيل الله للتمكّن من عبادته في بيته، وتربية لمن يفتنكم عن دينكم وينكث عهدكم، لا لحظوظ النفس وأهوائها، والضراوة بحب التسافك، فقاتلوا في هذه السبيل الشريفة من يقاتلكم {ولا تعتدوا} بالقتال فتبدأوهم، ولا في القتل فتقتلوا من لا يقاتل كالنساء والصبيان والشيوخ والمرضى أو من ألقى إليكم السلم وكف عن حربكم، ولا بغير ذلك من أنواع الإعتداء كالتخريب وقطع الأشجار، وقد قالوا إن الفعل المنفي يفيد العموم.
علل الإذن بأنه مدافعة في سبيل الله، وسيأتي تفصيله في الآية التالية، وعلل النهي بقوله: {إن الله لا يحب المعتدين} أي إن الإعتداء من السيئات المكروهة عند الله تعالى لذاتها، فكيف إذا كان في حال الإحرام، وفي أرض الحرم والشهر الحرام؟ |
'﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ٣٦﴾ [التوبة:36]' |
ويلاحظ هنا أن الأشهر الحُرُم هي شهور السنة القمرية اثنا عشر شهراً، ومن هذه الاثنى عشر شهراً أربعة أشهر حرم جمع حرام، وهي من الحرمة بمعنى التعظيم، يحرم فيها القتال، وهي: رجب وذو القعدة، وذو الحجة والمحرم. {فلا تظلموا فيهن أنفسَكم} أي فلا تظلِموا أنفسَكم في هذه الأشهر باستحلال القتال فيها، أو امتناعكم عنه إذا هاجمكم الأعداء. وقاتِلوا كل من يقاتلكم من المشركين جميعا، كما يقاتلونكم معادين لكم جميعاً، ولو كان ذلك في الأشهر الحرم.[17]
من الحقائق التاريخية والدينية في الإسلام؛ أن النبي وأصحابه قضوا في مكة ثلاثة عشر عاما يواجهون الظلم، ويتحملون الأذى بل العذاب من كفار قريش، ورغم ذلك لم يقاتلوا الكفار ولم يشهروا سيوفهم في وجوههم. وكثيرا ما كانوا يذهبون إلى النبي يستأذنونه في مقاتلة أعدائهم، ولكن لم يأذن لهم بالقتال، وإن أذن لهم بمغادرة مكة والهجرة إلى دولة مسيحية وهي الحبشة وملكها النجاشي، وقد هاجر إليه المسلمون المستضعفون مرتين في العهد المكي واحتموا به، وحماهم بالفعل وأمنهم من ظلم الوثنيين. وظل الأمر كذلك إلى أن هاجر النبي والمسلمون إلى المدينة، وهناك وفي السنة الثانية بعد الهجرة إلى المدينة نزل القرآن بالإذن للمسلمين في قتال أعدائهم ومواجهتهم، وأول ما نزل من القرآن في الإذن بالقتال هو قول الله تعالى:[18]
'﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ٣٩ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ٤٠﴾ [الحج:39–40]' |
وهاتان الآيتان واضحتان تمام الوضوح في أن مشروعية القتال في الإسلام مرتبطة بنصرة المظلومين ودفع الظلم عنهم، وتمكينهم من حقهم في حياة آمنة مثل غيرهم، وهو حق لا يستطيع عقل منصف أن يتنكر له أو يرتاب في مشروعيته في يوم من الأيام. ولو دققنا النظر في هاتين الآيتين فسوف نكتشف فيهما من عدل الإسلام وإنصافه واحترامه للآخرين ما يلي:[18]
والآية لا تقتصر في ذكر السبب على تأمين مساجد المسلمين، بل ذكرت دور العبادة الأخرى لليهود والنصارى والمجوس، فهذا يعني أن المسلم كما يقاتل من أجل تأمين المساجد، عليه كذلك أن يقاتل أيضا لتأمين حرية العبادة في الكنائس والمعابد وغيرهما. قال ابن عباس: «الصوامع: التي تكون فيها الرهبان، والبِيَع: مساجد اليهود، وصلوات: كنائس النصارى، والمساجد: مساجد المسلمين» أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم في التفسير.[19] وقد علل شيخ الإسلام فخر الدين الرازي إدراج الكنائس والمعابد مع المساجد في خطة الدفاع الإسلامي في القرآن بأن الصوامع والبيع والصلوات مواضع يجري فيها ذكر الله تعالى، فهي ليست بمنزلة المعابد الوثنية. فالآية الكريمة وهي تأذن بالقتال دفاعا عن مواضع العبادة لا تأخذ في حسبانها المساجد فقط، وإنما تنظر كذلك إلى أماكن العبادة الخاصة بغيرهم.[18]
وبذلك جاءت السنة النبوية؛ فكتب رسول الله لأسقف بني الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم: «أن لهم على ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم، وجوار الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ألّا يُغَيَّر أسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا شيء مما كانوا عليه؛ ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم، غيرَ مُثقَلين بظلم ولا ظالمين».[20]
وعلى ذلك سار المسلمون سلفًا وخلفًا عبر تاريخهم وحضارتهم؛ منذ عهود الخلفاء الراشدين وهلمَّ جرّا:[21]
فنص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في عهده لأهل القدس على حريتهم الدينية وأعطاهم الأمان لأنفسهم والسلامة لكنائسهم؛ وكتب لهم بذلك كتابًا جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان؛ أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها: أنه لا تُسكَن كنائسُهم ولا تُهدَم ولا يُنتَقَصُ منها ولا من حَيِّزها ولا من صَلِيبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرَهون على دينهم، ولا يُضَارَّ أحد منهم... وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية. شهد على ذلك: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان وكتب وحضر سنة خمس عشرة.»
وكتب لأهل لُد كتابًا مماثلًا جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل لُد ومن دخل معهم من أهل فلسطين أجمعين؛ أعطاهم أمانًا لأنفسهم، وأموالهم، ولكنائسهم، وصُلُبهم، وسقيمهم، وبريئهم، وسائر ملتهم: أنه لا تُسكَن كنائسهم ولا تُهدَم، ولا يُنتَقَص منها ولا من حيزها ولا مللها ولا من صُلُبهم ولا من أموالهم، ولا يُكرَهون على دينهم، ولا يُضَار أحد منهم.»[22]
ولمّا دخل بيت المقدس حان وقت الصلاة وهو في إحدى الكنائس، فقال لأسقفها: أريد الصلاة، فقال له: صلِّ موضعَك، فامتنع وصلّى على الدرجة التي على باب الكنيسة منفردًا، فلما قضى صلاته قال للأسقف: «لو صلَّيْت داخل الكنيسة أخذها المسلمون بعدي وقالوا: هنا صلَّى عمر».[23] ونقل المستشرقون هذه الحادثة بإعجاب كما صنع إميل درمنغم في كتابه «حياة محمد» فقال: «وفاض القرآن والحديث بالتوجيهات إلى التسامح، ولقد طبق الفاتحون المسلمون الأولون هذه التوجيهات بدقة، عندما دخل عمر القدس أصدر أمره للمسلمين أن لا يسببوا أي إزعاج للمسيحيين أو لكنائسهم، وعندما دعاه البطريق للصلاة في كنيسة القيامة امتنع، وعلل امتناعه بخشيته أن يتخذ المسلمون من صلاته في الكنيسة سابقة، فيغلبوا النصارى على الكنيسة»، ومثله فعل ب. سميث في كتابه: «محمد والمحمدية».[21][24]
'﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ٧٥﴾ [النساء:75]' |
'﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ١٣﴾ [التوبة:13]' |
'﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ٣٩ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ٤٠ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ٤١ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٤٢ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ٤٣﴾ [الشورى:39–43]' |
'﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ٦٠ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ٦١﴾ [الأنفال:60–61]' |
ومن الآيات التي تحث على الجهاد أيضاً:﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ١١١﴾ [التوبة:111] وفي هذه الآية ترغيب في الجهاد وقد قال ابن القيم فيها:
جاء في صحيح مسلم، وجامع الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن ابن ماجه عن سليمان بن بريدة أن رسول الله كان إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله تعالى ومن معه من المسلمين خيرا، ثم يقول:
” | اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا. | “ |
جاء في السنن الكبرى للبيهقي، وسنن أبي داود أن رسول الله قال:
” | انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا، ولا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين [البقرة: 195]. | “ |
جاء في جامع الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن ابن ماجه، ومكارم الأخلاق للطبراني، والرسالة القشيرية للقشيري عن أبي سعيد الخدري، أن النبي قال:
” | إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر.[25] | “ |
عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
” | "عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله". رواه الترمذي. | “ |
جعل الشرع المحافظة على الواجبات والفرائض من أفضل الجهاد؛ فعن أم أنس الأنصارية، أنها قالت: يا رسول الله، أوصني. قال:
” | "اهجري المعاصي؛ فإنها أفضل الهجرة، وحافظي على الفرائض؛ فإنها أفضل الجهاد، وأكثري من ذكر الله؛ فإنك لا تأتين الله غدا بشيء أحب إليه من كثرة ذكره". رواه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال، والطبراني في المعجم الكبير والأوسط. | “ |
أخبر النبي أن سلامة النية وصفاء القلب عن قصد إيذاء الخلق وظلمهم من أفضل الجهاد؛ فقال:
” | "أفضل الجهاد من أصبح لا يهم بظلم أحد". رواه الدَّيْلَمي في الفردوس عن علي بن أبي طالب. | “ |
عن عبد الله بن مسعود، أن النبي قال:
” | "ما كان من نبي إلا كان له حواريون يهدون بهديه، ويستنون بسنته، ثم يكون من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويعملون ما تنكرون، من جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل". حديث صحيح رواه مسلم. | “ |
روي عن أبي هريرة في صحيح البخاري (26)، صحيح مسلم (83):
سئل رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور.، حديث صحيح |
روي عن ابن مسعود في صحيح البخاري (527) صحيح مسلم (84).:
قال: قلت يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله.، حديث صحيح |
روي عن أبي ذر في صحيح البخاري (2518) صحيح مسلم (136):
قال: قلت: يارسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله والجهاد في سبيله.، حديث صحيح |
روي عن أنس بن مالك في صحيح البخاري (2796) صحيح مسلم (1889):
قال: قال رسول الله : لغزوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها.، حديث صحيح |
روي عن أبي سعيد الخدري في صحيح البخاري (2786) صحيح مسلم (1888):
قال: أتى رجل رسول الله فقال: أي الناس أفضل؟ قال: مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله. قال: ثم من؟ قال: مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله. ويدع الناس من شره.، حديث صحيح |
روي عن سهل بن سعد في صحيح البخاري (2892) صحيح مسلم (1881):
أن رسول الله قال: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها. والروحة يروحها العبد في سبيل الله. أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها.، حديث صحيح |
فرض الجهاد في السنة الثانية من الهجرة ونادى لنشر العدل والمساواة بين البشر في الحقوق والواجبات بين الغني والفقير الحاكم والمحكوم القوي والضعيف الشريف والوضيع العالم والجاهل الحبر والراهب العابد والزاهد تحت شعار واضح وحديث:«يا أيها الناس إن ربكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم.[26]» فلا عنصرية بغيضة ولا طبقية مقيتة وعبر القرآن عن ذلك في سورة المائدة:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ٨﴾ [المائدة:8] أي يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله محمد كونوا قوامين بالحق، ابتغاء وجه الله، شهداء بالعدل، ولا يحملنكم بغض قوم على ألا تعدلوا، اعدِلوا بين الأعداء والأحباب على درجة سواء، فذلك العدل أقرب لخشية الله، واحذروا أن تجوروا.
كما يفرض الإسلام على الأغنياء دفع جزء من أموالهم - الزكاة على المسلمين أو الجزية على غير المسلمين - ليتم توزيعه على فقراء الناس وضعفائهم وحرم أكل أموال الناس بالباطل من النهب والسلب أو من الربا أو من الغش أو الخداع، وكل هذه التعاليم والمبادئ تتعارض تماماً مع مصالح بعض الطغاة والجبابرة الذين استذلوا الناس واستعبدوهم، فأعلنوا عداوتهم للإسلام والمسلمين فكانت وصية للمسلمين من إعداد العدة لمواجهة تلك المخاطر فأمرهم الرب بذلك في سورة الأنفال:﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ٦٠﴾ [الأنفال:60]
ولما كانت رسالة محمد للناس كافة فكان لزاماً عليه السعي لرفع هذا الظلم عن الناس كافة ومواجهة هؤلاء الطغاة في أي مكان ومهما كلف الثمن فكان فرض الجهاد على المسلمين لتحقيق مقاصد الدين السامية، ليوصل الإسلام لأهل البلد التي رفض حكامها على الدعوة إلى الإسلام في بلادهم وأعلنوا الحرب على الإسلام، فكان الجهاد على من حارب الإسلام، لا يهم أن يدخل الناس في دين الإسلام ولكن المهم أن ينعموا بالعدل والأمن تحت حكمه:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ١٢٣﴾ [التوبة:123]
غاية الجهاد هو أن يكون في سبيل الله لا في سبيل الهيمنة على الناس، ولا في سبيل إكراههم أن يخرجوا من أديانهم أو ثقافتهم أو حضارتهم، ولا في سبيل الإفساد في الأرض ابتغاء الحكم والسلطة أو أي شيء آخر، بل هو في سبيل الله كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ٧٥﴾ [النساء:75]، وسبيل الله هي التي وضحها الرسول فيما رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".» وكلمة الله هي الإسلام والدعوة إليه، ونشر الحق والعدل، ودفع الظلم، ورد العدوان، قال الله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ٣٩ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ٤٠﴾ [الحج:39–40]، فهذه الآية صريحة في القتال لأجل دفع الظلم ولأجل أن لا تهدم دور العبادة التي أقامها صاحبوا كل دين حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ١٩٣﴾ [البقرة:193]، وغاية الجهاد أيضًا رد العدوان، قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ١٩٠ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ١٩١ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ١٩٢﴾، ويقول تعالى: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ١٩٤ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ١٩٥﴾ [البقرة:194–195]، ويقول أيضا: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ١٢ أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ١٣﴾ [التوبة:12–13].[27]
فالآيات التي مرت تحدد النقاط التالية:[28]
"إن آيات القتال تدل على أن سببه ينحصر في رد العدوان وحماية الدعوة وحرية الدين، وفي هذه الدائرة وحدها شرع الله القتال".[29] |
و
"الباعث على الحرب في الإسلام أمران: دفع الاعتداء وتأمين الدعوة الإسلامية لأنها دعوة الحق، وكل مبدأ سام يتجه إلى الدفاع عن الحرية الشخصية، يهم الداعي إليه أن تخلو له وجوه الناس، وأن يكون كل امرئ حرًا فيما يعتقد، يختار من المذاهب ما يراه بحرية كاملة، ويختار ما يراه أصلح وأقرب إلى عقله، وقد قاتل النبي صلى الله عليه وسلم لهذين الأمرين".[30] |
وأما عن حكمة مشروعية الجهاد فهي لإرساء مبادئ الخير والعدل والرحمة والتوحيد في العقيدة، والمتأمل يجد أن (سبيل الله) في القرآن والسنة يتبلور ويتمركز في التوحيد في مجال العقيدة، والرحمة في المجال الأخلاقي، والعدل في مجال التشريع، يقول سبحانه وتعالى في العقيدة: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون﴾ (الأنبياء: 25)، ويقول في مجال التشريع: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون﴾ (النحل: 90)، وحينما يتحدث عن السمة العامة للرسالة الإسلامية يقول سبحانه: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ (الأنبياء: 107)، ويحدد النبي هدف رسالته في قوله: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» رواه الإمام أحمد والبزار، فهذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية هي التي تظهر لنا غاية الجهاد، وحكمة مشروعيته.[27]
ويتضح من هذه الآيات والأحاديث أن هدف الحرب في الإسلام يتمثل في الآتي:[31]
ومن شروط وضوابط الحرب:[32]
وأسباب القتال في الإسلام تتلخص فيما يلي:[33]
فالأصل في فقه الفتوحات الإسلامية هو تبليغ دين الله للناس بالحكمة والموعظة الحسنة وتعريفهم كذلك بتعاليمه ورسالته العالمية دون حرب أو اعتداء، ولكن حين يمنع المسلمون قهراً من القيام بواجب التعريف بدينهم، ويوم يحال بينهم وبين التعريف بتعاليمه وبعد رفض الأسلوب السلمي في توصيل أمور الدين إلى غير المسلمين في هذه البلد، فإن الإسلام قد رسم للمسلمين منهجاً واضحاً في التعامل مع حالات المنع التي تواجههم في سبيل تبليغ رسالة الإسلام كما يلي:
﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ١٩٤﴾ [البقرة:194]
﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ١٥﴾ [الشورى:15] ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ٤٦﴾ [العنكبوت:46]
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ٨ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ٩﴾ [الممتحنة:8–9]
الإسلام مستمد من السلام؛ فالله هو السلام، والجنة هي دار السلام، وتحية الإسلام السلام، وتحية الله والملائكة لأهل الجنة هي السلام. والمسلمون مطالبون بتعميم السلام، ومحاربة الإرهاب غير المشروع. والأصل في علاقات المسلمين بغيرهم هو السلم لا الحرب، والباعث على القتال هو الحرب والعدوان، وإقرار الحرب ـ مع النهي عن الاعتداء ـ إنما هو للضرورة ودفع العدوان ومقاومة الغاصبين والمحتلين وطردهم من ديار المسلمين. فالأساس في التعامل هو البر والقسط مع الناس جميعاً، ولو كانوا غير مسلمين، إلا إذا قاتلوا وحاربوا واضطهدوا، فهنا يشرع القتال، والحرب والجهاد ضدهم.[33]
وقد ذكر ذكر الإمام شهاب الدين القرافي معنى البر الذي أمر الله به المسلمين مع غيرهم فقال: «وأما ما أمر به من برهم ومن غير مودة باطنية، فالرفق بضعيفهم، وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم وإكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة، لا على سبيل الخوف والذلة واحتمال إذايتهم في الجوار مع القدرة على إزالته، لطفا منا بهم لا خوفا وتعظيما والدعاء لهم بالهداية، وأن يجعلوا من أهل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم، وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم، وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم، وإيصالهم لجميع حقوقهم وكل خير يحسن من الأعلى مع الأسفل أن يفعله ومن العدو أن يفعله مع عدوه فإن ذلك من مكارم الأخلاق».[34]
الإرهاب يختلف عن الجهاد اختلافا جوهريا في كل شيء، في حقيقته ومفهومه، وأسبابه، وأقسامه، وثمراته ومقاصده، وحكمه شرعا. الإرهاب بمعنى العدوان، هو ترويع الآمنين وتدمير مصالحهم، ومقومات حياتهم والاعتداء على أموالهم وأعراضهم، وحرياتهم وكرامتهم الإنسانية بغيا وإفسادا في الأرض. أما «الجهاد» فهو يهدف إلى الدفاع عن حرمات الآمنين، أنفسهم وأموالهم، وأعراضهم وإلى توفير وتأمين الحياة الحرة الكريمة لهم، وإنقاذ المضطهدين وتحرير أوطانهم وبلدانهم من براثن قوى الاحتلال.[33]
قال الشيخ محمد سيد طنطاوي إن الفرق بين الجهاد في الشريعة الإسلامية وبين الإرهاب واضح كالفرق بين السماء والأرض، موضحا أن الشريعة الإسلامية تحض على الجهاد وتدعو إليه لأنه شُرع لأمرين هما:[35]
أما الإرهاب فهو ما ترفضه وتمنعه الشريعة الإسلامية لأنه يروع المدنيين الأبرياء الآمنين دون أي ذنب، وبالطبع الإسلام يرفض كل أشكال الاعتداء على النفس الآمنة البريئة ويرى أن من يعتدي على نفس واحدة ويقتلها فكأنما قتل الناس جميعا. وقال أيضا: ان الأديان والحضارات تتعاون وتتحاور فيما بينها عند العقلاء، ولا تتصارع كما يقول الأغبياء، فالمسلمون لا يؤمنون مطلقاً بالنظرية الفاسدة التي لا تهدف إلا للخراب والتصادم والتدمير ونشر الشر، فالحوار بين الأديان والحضارات لا يأتي إلا بالخير والنفع للبشرية لأن التعايش والتحاور والتعارف بين الأمم من حكم الله، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ١٣﴾ [الحجرات:13]
فالله لم يقل هنا يا أيها المؤمنون وإنما قال يا أيها الناس فالنداء هنا عام لكل البشر.[35][36]
"ولا نخلط بين الإسلام السياسي والإرهاب فالإسلام يقوم كله على الحرية ويرفض الإكراه بجميع صوره والمناظر التي نراها من خطف الرهائن إلى تفجير العربات إلى نسف الطائرات إلى إطلاق النار على مخفر شرطة ليست إسلاما ولا أصولية بل جرائم يرتكبها مجرمون قتلة والإسلام اختبار واقتناع وسيلته الدعوة بالحسنى وهو لا يرفع سلاحا إلا ردا على عدوان ولا يقاتل إلا دفاعا عن حق مغتصب وهو دين الرحمة والمودة والسماحة والحلم والعفو والمحبة وهو سلام كله تحيته السلام وروحه السلام".[37] |
ومبادئ الإسلام لا تعرف الإكراه، ولا تقر العنف، ولذلك لم يجبر أحدا على الدخول فيه، بل جعل ذلك باختيار الإنسان.
أحصيت أكثر من مائة آية تتضمن حرية التدين وتقيم صروح الإيمان على الإقناع الذاتي، وتقصي الإكراه عن طريق البلاغ المبين. |
فالقرآن ينص بوضوح على حرية الدين والاعتقاد؛ كقوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ٢٥٦﴾ [البقرة:256]
وهذه الآية من أكبر الحجج التي تبيّن عظمة الإسلام، فهي نص صريح على ان مبدأه هو حرية الاعتقاد. وفي هذا المبدأ يتجلى تكريم الله للإنسان واحترام ارادته ومشاعره. لقد ترك أمره لنفسه فيما يختص في الاعتقاد. وحرية الاعتقاد هي أول حقوق الإنسان. ومع حرية الاعتقاد هذه تتمشى الدعوة للعقيدة. إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي ينادي بأن لا إكراه في الدين، والذي يبين لأصحابه قبل سواهم أنهم ممنوعون من إكراه غيرهم على اعتناقه.
روى الطبري عن ابن عباس ان رجلاً من الأنصار يقال له الحصيني كان له ابنان نصرانيان، وكان هو مسلما، فقال للنبي: ألا أُكرههما على الإسلام؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية. أما الذين يقولون ان الإسلام قد انتشر بالسيف، فإنهم من المغرضين المفترين على الله. ذلك أن الجهاد في الإسلام انما فُرض لرد الاعتداء ولحماية العقيدة، لا ليكرِه أحداً على الإسلام.[38] |
و
من الذي قهر وأجبر أول حامل للسيف أن يحمل السيف؟! والمسلمون ضعاف ومغلوبون على أمرهم، لا يقدرون على أن يحموا أنفسهم، إنكم تقعون في المتناقضات عندما تقولون: إن الإسلام نُشِرَ بالسيف. ويتحدثون عن الجزية رفضاً لها، فنقول: وما هي الجزية التي يأخذها الإسلام من غير المسلمين كضريبة للدفاع عنهم؟ لقد كان المسلمون يأخذون الجزية من البلاد التي دخلها الفتح الإسلامي، أي أن هناك أناساً بقوا على دينهم. وما دام هناك أناس باقون على دينهم فهذا دليل على أن الإسلام لم يُكره أحداً. وقول الله: {لا إكراه في الدين} [البقرة: 256] علته أن الرشد واضح والغيّ واضح، وما دام الأمر واضحاً فلا يأتي الإكراه. لأن الإكراه يأتي في وقت اللبس، وليس هناك لبس، لذلك يقول الحق: {قد تبين الرشد من الغي} [البقرة: 256]. وما دام الرشد بائنا من الغيّ فلا إكراه.[39] |
﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ٢٨﴾ [هود:28] ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ٩٩ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ١٠٠﴾ [يونس:99–100] ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ٢٩﴾ [الكهف:29] ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ١ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ٢ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ٣ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ٤ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ٥ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ٦﴾ [الكافرون:1–6] ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ٤٥﴾ ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ٢١ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ٢٢ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ ٢٣ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ ٢٤ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ٢٥ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ٢٦﴾ [الغاشية:21–26] ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ١٠٤ وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ١٠٥ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ١٠٦ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ١٠٧﴾ [الأنعام:104–107]
في حين لم ترد كلمة «السيف» في القرآن ولو لمرة واحدة، أطلق بعض المفسرين «السيف» على الآية الخامسة من سورة التوبة، ناسخين بها كل آيات الصفح والعفو والتسامح والسلام الواردة بالقرآن الكريم. قال ابن كثير: وهذه الآية الكريمة هي آية السيف، ونزلت ناسخة لجميع الآيات التي فيها الصفح والكف عن المشركين، آمرة بقتالهم.
"إنما يرجع في النسخ إلى نقل صريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن صحابي يقول آية كذا نسخت كذا. قال: وقد يحكم به عند وجود التعارض المقطوع به مع علم التاريخ ليعرف المتقدم والمتأخر، قال: ولا يعتمد في النسخ قول عوام المفسرين، بل ولا اجتهاد المجتهدين، من غير نقل صحيح ولا معارضة بيّنة، لأن النسخ يتضمن رفع الحكم، وإثبات حكم تقرر في عهده صلى الله عليه وسلم، والمعتمد فيه النقل والتاريخ، دون الرأي والاجتهاد. قال: والناس في هذا بين طرفي نقيض فمن قائل: لا يقبل في النسخ أخبار الآحاد العدول، ومن متساهل يكتفي فيه بقول مفسر أو مجتهد، والصواب خلاف قولهما.[40] |
و
"لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء من القرآن والسنة: هذا منسوخ إلا بيقين، لأن الله عزوجل، يقول: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} [النساء: 64]. وقال تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم} [الأعراف: 3]. فكل ما أنزل الله في القرآن، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فرض اتباعه. فمن قال في شيء من ذلك إنه منسوخ، فقد أوجب أن لا يطاع ذلك الأمر وأسقط لزوم اتباعه، وهذه معصية لله تعالى مجردة، وخلاف مكشوف إلى أن يقوم برهان على صحة قوله، وإلا فهو مفتر مبطل…".[41][42] |
الجهاد له أربع مراتب: جهاد النفْس، والشيطان، والكفار والمنافقين، وأصحاب الظُّلْم والبِدَع والمنكَرات:[43]
تكلم العلماء في نوعي الجهاد: الظاهر والباطن لأهمية النوعين خصوصاً الباطن:
وهذا في جهاد العدو الظاهر وهو جهاد الكفار، وكذلك جهاد العدو الباطن، وهو جهاد النفس والهوى، فإن جهادهما من أعظم الجهاد، كما قال النبي ﷺ المجاهد من جاهد نفسه في الله. |
وقال عبد الله بن عمر لمن سأله عن الجهاد:«ابدأ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغزها.» وقال بقية بن الوليد:«اخبرنا إبراهيم بن ادهم حدثنا الثقة عن علي بن أبي طالب قال: أول ما تنكرون من جهادكم جهادكم أنفسكم.» وروى سعد بن سنان عن أنس عن النبي ﷺ «ليس عدوك الذي إذا قتلته ادخلك الجنة، واذا قتلته كان لك نوراً، اعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك.» وقال أبو بكر الصديق لعمر حين استخلف:
ويستشهد العلماء:
فجهاد النفس أربع مراتب أيضاً إحداها: أن يجاهدها على تعلم الدين الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله البينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله. الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله. فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانياً حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه فمن علم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيماً في ملكوت السماوات.[45]
أما جهاد الشيطان فمرتبتان إحداهما: جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشك في الإيمان. الثانية: جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات، فالجهاد الأول يكون بعده اليقين والثاني يكون بعده الصبر قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ٢٤﴾ [السجدة:24] فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشكوك والشبهات.[45]
وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاث مراتب الأولى: باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهد بقلبه. فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد، ومن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق.[46][47] وقال الشيخ عبد العزيز بن باز:«الجهاد أقسام : بالنفس، والمال، والدعاء، والتوجيه والإرشاد، والإعانة على الخير من أي طريق، وأعظم الجهاد : الجهاد بالنفس، ثم الجهاد بالمال والجهاد بالرأي والتوجيه، والدعوة كذلك من الجهاد، فالجهاد بالنفس أعلاها.[48]»
مر جهاد الكفار باليد في مراحل متنوعة بحسب الحال الذي كانت عليه أمة الإسلام:
والجهاد العين على المسلم يكون في أربع حالات:
1) إذا حضر المسلم الصف |
2) إذا حضر العدو وحاصر البلدة |
3) إذا استنفر الإمام الرعية |
4) إذا احتيج إلى ذلك الشخص |
يجب الجهاد ويكون فرض عين إذا حضر الإنسان القتال وهذا هو المواضع الأول من المواضيع التي يتعين فيها الجهاد ؛ لقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير} الأنفال/16، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : أن التولي يوم الزحف من الموبقات حيث قال: اجتنبوا السبع الموبقات، وذكر منها التولي يوم الزحف. متفق عليه إلا أن الله تعالى استثنى حالتين : الأولى أن يكون متحَرّفاً لقتال بمعنى أن يذهب لأجل أن يأتي بقوة أكثر. الثانية أن يكون منحازاً إلى فئة بحيث يذكر له أن فئة من المسلمين من الجانب الآخر تكاد تنهزم فيذهب من أجل أن يتحيز إليها تقوية لها، وهذه الحالة يشترط فيها : أن لا يخاف على الفئة التي هو فيها، فإن خيف على الفئة التي هو فيها فإنه لا يجوز أن يذهب إلى الفئة الأخرى، فيكون في هذا الحالة فرض عين عليه لا يجوز له الانصراف عنه.
الثاني: إذا حصر بلده العدو فيجب عليه القتال دفاعاً عن البلد، وهذا يشبه من حضر الصف في القتال ؛ لأن العدو إذا حصر البلد فلا بد من الدفاع ؛ إذ إن العدو سيمنع الخروج من هذا البلد، والدخول إليه، وما يأتي لهم من الأرزاق، وغير ذلك مما هو معروف، ففي هذا الحال يجب أن يقاتل أهل البلد دفاعاً عن بلدهم. الثالث : إذا قال الإمام انفروا والإمام هو ولي الأمر الأعلى في الدولة ولا يشترط أن يكون إماماً للمسلمين ؛ لأن الإمامة العامة انقرضت من أزمنة متطاولة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبد حبشي، فإذا تأمر إنسان على جهة ما صار بمنزلة الإمام العام، وصار قوله نافذاً، وأمره مطاعاً. |
هو الذب عن السنة وحراسة العقيدة، ورد بدع وضلالات أهل الأهواء، ونفي انتحال الغالين وتأويل الجاهلين أفضل أنواع الجهاد، والسر في ذلك أن الذب عن السنة حفظ رأس مال الإسلام، وهو مقدم على قتال المشركين لأن فيه طلب ربح في الإسلام، كما قال الوزير ابن هبيرة.[49] وقال محمد بن يحيى الذهلي:«سمعت يحيى بن معين يقول: الذب عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله، فقلت ليحيى: الرجل ينفق ماله، ويتعب نفسه، ويجاهد، فهذا أفضل منه؟! قال: نعم، بكثير.[50]» وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:«من الحكايات المشهورة التي بلغتنا أن الشيخ أبا عمرو بن الصلاح أمر بانتزاع مدرسة معروفة من أبي الحسن الأمدي، وقال: أخذها منه أفضل من أخذ عكا.[51]» قال الشيخ حامد الفقي معلقاً «من الافرنج أيام احتلالهم لبعض بلاد الشام ومصر في المائة السادسة.»
وفي تقرير هذا الأصل:
الجهاد نوعان: جهاد يقصد به صلاح المسلمين، وإصلاحهم في عقائدهم وأخلاقهم وجميع شؤونهم الدينية والدنيوية، وفي تربيتهم العلمية والعملية وهذا النوع هو أصل الجهاد وقوامه، وعليه يتأسس النوع الثاني، وهو جهاد يقصد به دفع المعتدين على الإسلام والمسلمين، من الكفار والمنافقين والملحدين وجميع أعداء الدين ومقاومتهم. |
أما المفاضلة بين أنواع الجهاد:
الجهاد ينقسم اقساما ثلاثة: أحدها: الدعاء إلى الله تعالى باللسان والثاني: الجهاد عند الحرب بالرأي والتقدير والثالث: الجهاد باليد في الطعن والضرب. فوجدنا الجهاد باللسان لا يلحق فيه أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر ولا عمر، أما أبو بكر فان أكابر الصحابة اسلموا على يديه، فهذا أفضل عمل وليس لعلي من هذا كثير حظ، وأما عمر فانه من يوم أسلم عز الإسلام وعبد الله علانية، وهذا أعظم الجهاد، وقد أنفرد هذان الرجلان بهذين الجهادين اللذين لا نظير لهما، ولا حظ لعلي في هذا.
وبقى القسم الثاني، وهو الرأي والمشورة، فوجدناه خالصاً لأبي بكر ثم لعمر. بقي القسم الثالث وهو الطعن والضرب والمبارزة فوجدناه أقل مراتب الجهاد، ببرهان ضروري، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك عند كل مسلم في أنه المخصوص بكل فضيلة فوجدنا جهاده صلى الله عليه وسلم إنما كان في أكثر أعماله وأحواله بالقسمين الاولين من الدعاء إلى الله عز وجل والتدبير والإرادة وكان أقل عمله الطعن والضرب والمبارزة لاعن جبن، بل كان أشجع أهل الأرض قاطبة نفساً ويداً، واتمهم نجدة، ولكنه كان يؤثر الأفضل فالأفضل من الأعمال، فيقدمه ويشتغل به، ووجدناه يوم بدر وغيره كان أبو بكر لا يفارقه إيثاراً من النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك واستظهاراً برأيه في الحرب، وأنسا بمكانه، ثم كان عمر ربما شورك في ذلك، وقد انفرد بهذا الحل دون علي ودون سائر الصحابة إلا في الندرة. ثم نظرنا مع ذلك في هذا القسم من الجهاد، الذي هو الطعن والضرب والمبارزة، فوجدنا عليا لم ينفرد بالسيوف فيه، بل قد شاركه فيه غيره شركة العيان، كطلحة والزبير وسعد، ومن قتل في صدر الإسلام كحمزة، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، ومن الأنصار سعد بن معاذ، وسماك بن خرشة، يعني أبا دجانه، وغيرهما، ووجدنا أبا بكر قد شاركاه في ذلك بحظ حسن، وأن لم يلحقا بحظوظ هؤلاء وإنما ذلك لشغلهما بالأفضل من ملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤازرته في حين الحرب، وقد بعثهما على البعوث أكثر مما بعث عليا، وقد بعث أبا بكر إلى بني فزارة وغيرهم، وبعث عمر إلى بني فلان، وما نعلم لعلي بعثاً إلا إلى بعض حصون خيبر ففتحه. فحصل أرفع الجهاد لأبي بكر وعمر، وقد شاركا علياً في أقل أنواع الجهاد مع جماعة غيرهم. |
القيام بالعلم وتحصيله ونشره هي وظيفة المرسلين وهو أفضل أنواع الجهاد، ولا شيء يعدل هذه الوظيفة، فضلاً عن حلاوتها التي يجدها القائمون بها، وكلام السلف كثير في تقرير هذا الأصل، قال أبو هريرة «لأن أعلم باباً من العلم في أمر ونهي أحب إلي من سبعين غزوة في سبيل الله.[52]» وعن يحيى بن أبي كثير الأزدي قال:«سألت ابن عباس عن الجهاد، فقال: ألا أدلك على خير من الجهاد؟ فقلت: بلى، قال: تبني مسجداً، وتعلم فيه الفرائض والسنة والفقه في الدين.[53]»
وقال الحسن البصري:«ما من شيء مما خلق الله أعظم عند الله في عظيم الثواب من طلب علم، لا حج، ولا عمرة، ولا جهاد، ولا صدقة، ولا عتق، ولو كان العلم صورة لكانت صورته أحسن من صورة الشمس والقمر والنجوم والسماء والعرش.[54]» وقال مسروق:«لأن أقضي يوما بحق أحب إلي من أن أغزو سنة في سبيل الله عز وجل.[55]»
وقال الإمام الشافعي:«ليس بعد الفرائض شيء أفضل من طلب العلم، قيل له: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله.[56]» وقال ابن المبارك لأصحابه وهو في الغزو «هل تعلمون عملاً أفضل من هذا؟ قالوا: لا نعلمه، قال: بلى أنا أعلمه، رجل متعفف محترف أبو عيال، قام من الليل، فوجد صبيانه مكشفين فغطاهم، وثار إلى صلاته.[57]»
وهذه النقولات الكثيرة دالة على توافق أئمة السلف في معرفة مقاصد الشريعة، ومن أعظم الأدلة على تفضيل العلماء على الشهداء قوله تعالى (ومن يُطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) فقد جعل الله منزلة العلماء فوق منزلة الشهداء في الجنة، والعلامة ابن بطال لما ساق قوله عليه السلام في جوابه لما سئل: أي الناس أفضل؟ فقال عليه السلام «مؤمن يجاهد في سبيل الله علق بقوله: ليس على عمومه، ولا يريد أنه أفضل الناس قاطبة، لأن أفضل منه من أوتي منازل الصديقين، وحمل الناس على شرائع الله وسنن نبيه، وقادهم إلى الخيرات، وسبب لهم أسباب المنفعة في الدين والدنيا، لكن إنما أراد عليه السلام أفضل عامة الناس، لأنه قد يكون في خاصتهم من أهل الدين والعلم والفضل والضبط بالسنن من هو أفضل منه.[58]»
وقال ابن بطال مبينا فضل العلماء على المجاهدين والشهداء:
وقال أبو العباس القرافي في وجه تفضيل العلماء على الشهداء:«بسبب طاعة العلماء لله بضبط شرائعه، وتعظيم شعائره التي من جملتها الجهاد، وهداية الخلق إلى الحق، وتوصيل معالم الأديان إلى يوم الدين، ولولا سعيهم في ذلك من فضل الله تعالى لانقطع أمر الجهاد وغيره، ولم يبق على وجه الأرض من يقول: الله، وكل ذلك من نعمة الله تعالى عليهم.[60]»
Seamless Wikipedia browsing. On steroids.
Every time you click a link to Wikipedia, Wiktionary or Wikiquote in your browser's search results, it will show the modern Wikiwand interface.
Wikiwand extension is a five stars, simple, with minimum permission required to keep your browsing private, safe and transparent.