Remove ads
طائفة فلسطينية من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
السامريون (بالعبرية: שומרונים) هم عرقية دينية تُنسب إلى بني إسرائيل.[2] يسكنون في بلاد الشام ديانتهم السامرية أحد الأديان الإبراهيمية العرقية القريبة من اليهودية، لكنها تختلف عنها في بعض المفاهيم الهامة.
تزعم الروايات السامرية أن المجموعة تنحدر من الأسباط الشماليين الذين لم يُرحّلوا على يد الإمبراطورية الآشورية الحديثة بعد تدمير مملكة إسرائيل، وهم يعتبرون الديانة السامرية هي الدين الحقيقي لقدماء بني إسرائيل، ويعتبرون اليهودية الحديثة السائدة دين شديد الشبه بديانتهم، إلا أنه مُحرّف. يعتبر السامريون أيضًا أن جبل جرزيم (بالقرب من نابلس وشكيم التوراتية) هو أقدس بقاع الأرض، وليس جبل الهيكل في القدس.[3][4] ويعتقدون أن الانقسام بينهم وبين اليهود نشأ بسبب قيام الكاهن الأعظم عالي بإنشاء مزارًا منافسًا في شيلوه بدلًا من جبل جرزيم.
قديمًا، كان للسامريون مجتمع كبير، إلا أنه تقلص عددهم بشكل كبير في أعقاب القمع الوحشي للثورات السامرية ضد الإمبراطورية البيزنطية، ثم أدى التحول الجماعي إلى المسيحية في عهد البيزنطيين، ثم اعتناق الإسلام بعد الفتح الإسلامي للشام إلى تقليل أعدادهم.[5] وفي القرن الثاني عشر الميلادي، قدّر الرحالة اليهودي بنيامين التطيلي أعدادهم في مناطق فلسطين وسوريا بقرابة 1,900 سامري.[6] بحسب إحصاء سنة 2022م، بلغ عدد السامريين حوالي 874 فردًا، مقسمين بين قرية لوزة على جبل جرزيم، والمجمع السامري في حولون.[7][ب] يتحدث السامريون في قرية لوزة العربية الشامية، بينما يتحدث السامريون في حولون اللغة العبرية الإسرائيلية. ولأغراض الشعائرية، تُستخدم العبرية السامرية والآرامية السامرية، وكلاهما مكتوب بالخط السامري. ويُعد الكاهن الأعظم السامري هو رئيس الطائفة السامرية.
يتمتع السامريون بوضع ديني مستقل في إسرائيل، وهناك تحولات دينية من اليهودية إلى السامرية والعكس، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التزاوج بين معتنقي الديانتين. رغم اعتبار السلطات الحاخامية في إسرائيل السامرية طائفة يهودية،[8] تُطالب الحاخامية الكبرى في إسرائيل السامريين باعتناق اليهودية رسميًا حتى يُعْتَرَف بهم يهودًا. نبذت الأدبيات الحاخامية السامريين طالما لم يتخلوا عن جبل جرزيم باعتباره الموقع المقدس التاريخي لبني إسرائيل.[ج] يُجنّد السامريين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية فقط في حولون في الجيش الإسرائيلي، في حين يُعْفَى أولئك الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية والفلسطينية المزدوجة في قرية لوزة من الخدمة العسكرية الإلزامية.
يتعاطف عدد كبير من المجتمعات والأفراد من خارج الأراضي المقدسة من مناطق مختلفة حول العالم مع المبادئ الإيمانية والتقاليد السامرية، ويعتقدونها. أكبر هذه المجتمعات على مستوى العالم، هم جماعة "شومري هاتوراه" في البرازيل التي ينتسب إليها نحو 20,000 عضو وفق إحصاء فبراير 2023م.[9][10][11]
تظهر أقدم تسمية أطلاقها السامريون على أنفسهم في نقوش الشتات السامري في ديلوس التي يعود تاريخها إلى 150-50 ق.م.، وربما قبل ذلك بقليل، حيث تشير تلك النقوش إلى أنهم أطلقوا على أنفسهم اسم "بنو إسرائيل".[12][13] وفي لغتهم الخاصة، العبرية السامرية، يطلق السامريون على أنفسهم اسم "إسرائيل"، "بنو إسرائيل"، وأحيانًا، "شامريم" (שַמֶרִים)، وتعني "الحراس/المحافظون/المراقبون"، وباللغة العربية "السامريون".[14][15][16][17] يتشابه المصطلح مع المصطلح العبري التوراتي "شومريم"، وكلا المصطلحين مشتقان من الجذر السامي (שמר) ومعناه "يراقب، يحرس". ويعتقد عدد من آباء الكنيسة المسيحية أمثال إبيفانيوس السلاميسي وجيروم ويوسابيوس القيصري وأوريجانوس، أن الاسم يعنى أنهم "حراس أو مراقبو الشريعة/التوراة السامرية"، وأنه ليس اشتقاقًا جغرافيًا من سكنهم في منطقة السامرة.[18][19][20] حديثًا، يُطلق على السامريين في اللغة العبرية الحديثة اسم "شومرونيم"، والتي تعني أيضًا "سكان السامرة"، أو حرفيًا "السامريون" (שומרונים).[د][21][22]
استخدم يوسيفوس عدة مصطلحات للإشارة إلى السامريين،[ه] من بينها الصيغة "خوتايوي"، وهي تسمية استخدمت للدلالة على شعوب بلاد فارس وميديا الذين يُفترض أن الآشوريين أرسلوهم إلى السامرة ليحلّوا محل السكان الإسرائيليين المنفيين.[و][ز] غير أن هذا الاستخدام يناقض حقائق تاريخية دلت عليها الكتابات الآشورية بوجود مدينة السامرة قبل غزو الآشوريين وأن بني إسرائيل بنوا مدينة السامرة في عهد الملك عمري الإسرائيلي الذي امتد حكمه بين 926 - 918 ق.م أي قبل قدوم الآشوريين بنحو قرنين من الزمان،[ar 2] أي أنه أخطأ حين استخدم الاسم "خوتايوي" للإشارة للسامريين.
تاريخياً، تمركز السامريون في منطقة السامرة. وقد اختلفت الآراء في سبب تسمية السامرة بهذا الاسم، فقد ورد في العهد القديم أن الاسم يعود إلى جبل شامر الذي اشتراه الملك عمري لإقامة مدينة عليه سماها السامرة، ويرى الباحثان ج. أ. مونتجمري ويوحانان أهاروني أن اسم السامرة مشتق من عشيرة شمرون التي تنتمي لسبط يساكر وسكنت تلك المنطقة؛ وهو ذات الرأي الذي توجه له مفسرون مسلمون قديمًا قائلين بأن السامرة قبيلة معروفة في بني إسرائيل وأن السامري صاحب العجل ينسب لتلك القبيلة.[ar 2] وهناك رأي ينسب فيه السامرة إلى كلمة شامر العبرية والتي تعني الحراسة والمحافظة، مما يعني وجود صلة بين السامرة كمدينة وبينها كونها فرقة إسرائيلية معروفة.[ar 2]
كانت أوجه التشابه بين السامريين واليهود كبيرة لدرجة أن حاخامات المشناه أيقنوا استحالة التمييز بوضوح بين المجموعتين.[23] تختلف الآراء بشكل كبير حول تحديد تاريخ حدوث الانشقاق بين بني إسرائيل، والذي أدى إلى الانقسام بين السامريين واليهود، بدءّا من زمان عزرا حتى دمار القدس سنة 70م وثورة بار كوخبا (132-136م).[24] ويُعتقد أن الهوية السامرية المستقلة عن الهوية اليهودية تطوّرت على مدى عدة قرون. وبشكل عام، يُعتقد أن القطيعة الحاسمة حدثت في عهد الحشمونيين.[25]
يؤكد السامريون أنهم ينحدرون من قبيلتي إفرايم ومنسى الذين سكنوا السامرة القديمة. وتؤرخ الروايات السامرية للانقسام بينهم وبين بني إسرائيل في يهودا إلى زمن الكاهن عالي[26] الذي يصفونه بأنه كاهن أعظم "مزيف" لأنه اغتصب منصبه الكهنوتي من الكاهن الأعظم الحقيقي عُزّي، وأنشأ مذبحًا منافسًا في مدينة شيلوه، وبالتالي منع الحجاج من منطقة يهوذا وأراضي سبط بنيامين من حضور مذبح جبل جرزيم. كما يعتقدون أيضًا أن عالي أنشأ نسخة مكررة من تابوت العهد، وهي التي انتهت إلى الحرم اليهودي في القدس.[ح]
اعتمدت الرواية اليهودية الأرثوذكسية على مصادر من الكتاب المقدس العبري وكتابات يوسيفوس والتلمود لتأريخ بداية تواجد السامريين إلى وقت لاحق بكثير تحديدًا مع بداية السبي البابلي. وفي الكتابات اليهودية الحاخامية، على سبيل المثال في توسفيتا بيراخوت، يُطلق على السامريين اسم "الكوثيون" ((بالعبرية: כותים)، كوتيم)، في إشارة إلى مدينة كوثا القديمة الواقعة في العراق اليوم.[27] أشار يوسيفوس أيضًا في كتابيه الحرب اليهودية وعاديات اليهود حين تحدّث عن تدمير هيكل جبل جرزيم على يد يوحنا هيركانوس إلى السامريين باسم الكوثيين.[ط] رغم أن بحسب الرواية الكتابية، لم تكن كوثا المدينة الوحيدة التي نُقل أُناس منها إلى السامرة.[ي]
يؤيد العالم الكتابي الإسرائيلي شيمارياهو تالمون الرواية السامرية القائلة بأنهم ينحدرون بشكل أساسي من قبيلتي أفرايم ومنسى الذين بقوا في السامرة بعد الغزو الآشوري. وقال بأن وصفهم في سفر الملوك الثاني17: 24 كأجانب هو أمر متحيز يهدف إلى نبذ اليهود الذين عادوا من المنفى البابلي سنة 520 ق.م. للسامريين الذين بقوا في السامرة. ودلّل على ذلك بأن سفر أخبار الأيام الثاني30: 1 يمكن تفسيره على أنه يؤكد أن جزءًا كبيرًا من قبائل إفرايم ومنسى (أي السامريين) بقوا في إسرائيل بعد السبي الآشوري.[28]
تدعم دراسات وراثية حديثة الرواية السامرية القائلة بأنهم ينحدرون من بني إسرائيل الأصليين. وأوضحت إحدى الدراسات أن الزواج من نساء أجنبيات ربما يكون قد حدث.[2] ومؤخرًا، توصلت نفس المجموعة إلى أدلة وراثية تشير إلى أن السامريين يرتبطون ارتباطًا وثيقًا بسلالة الكهنة، وبالتالي يمكن وصل نسبهم بالسكان اليهود قبل الغزو الآشوري. لذا، يمكن ربط ذلك بالتكهنات حول حقيقة أن السامريين احتفظوا بعادات الزواج الأبوي الكتابية، وأنهم ظلوا كمجموعة سكانية معزولة وراثيًا.[29][30]
ترد الرواية السامرية عن تاريخهم في كتاب التاريخ الذي كتبه أبو الفتح بن أبي الحسن السامري سنة 1355م.[31] يعتقد الباحث ماجنار كارتفيت أن هذا النص "خيالي" ومُستمد من مصادر سابقة من بينها كتابات يوسفيوس، وربما أيضًا من روايات قديمة،[32] حيث ذكر السامري أن حربًا أهليةً اندلعت بين بني إسرائيل عندما اغتصب الكاهن عالي منصب الكاهن الأعظم من سلالة فينحاس حين جمع التلاميذ وربطهم بقسم الولاء، وقدم التضحيات على المذبح الحجري دون استخدام الملح، وهو طقس جعل رئيس الكهنة آنذاك عُزّي يوبخه ويتبرأ منه. ثار عالي وأعوانه وانتقلوا إلى شيلوه، حيث بنى معبدًا بديلًا ومذبحًا، مطابق تمامًا للهيكل الأصلي على جبل جرزيم. وكان حفني وفينحاس أبناء عالي، يمارسون الجنس مع خادمات المعبد ويأكلون لحوم القرابين داخل المشكن. نتيجة لذلك انقسم بنو إسرائيل إلى ثلاثة فصائل: مجتمع الموالين لجبل جرزيم، والمجموعة المنشقة تحت قيادة عالي، والزنادقة الذين يعبدون الأصنام المرتبطة بأبناء الكاهن عالي. ثم ظهرت اليهودية لاحقًا في أتباع الكاهن عالي.[33][34][يا]
تختلف أهمية الروايات الكتابية حول أصول السامريين الواردة في أسفار الملوك الثاني وأخبار الأيام الثاني، بالإضافة إلى المعلومات الواردة في سفري عزرا ونحميا، حيث حجبت أو سلطت الضوء على التفاصيل وفقًا لنوايا مؤلفيها المختلفة.[يب]
يبدو أن ظهور السامريين كمجتمع عرقي وديني متميز عن شعوب المشرق الأخرى قد حدث في مرحلة ما بعد الغزو الآشوري لمملكة إسرائيل حوالي سنة 721 ق.م. تشير سجلات سرجون الثاني ملك آشور إلى أنه قام بترحيل 27,290 من سكان تلك المملكة. تؤكد الرواية اليهودي عمليات الترحيل الآشورية واستبدال السكان السابقين بإعادة توطين أراضيهم بشعوب أخرى، كما تدعي وجود اختلاف عرقي بينهم وبين السامريين. ذكر التلمود شعب يُدعى "كوثيم" في عدة مناسبات، وذكر أن وصولهم كان على أيدي الآشوريين. وفقًا لرواية سفر الملوك الثاني وكتابات يوسيفوس فلافيوس،[35] نُقل شعب إسرائيل على يد ملك الآشوريين إلى حلح وإلى خابور نهر جوزان وإلى مدن الميديين. ثم أتى ملك الآشوريين بقوم من بابل وكوث وعوا وحماة وسفروايم إلى السامرة.سفر الملوك الثاني 17: 24 ولأن الله أرسل فيهم أسودًا لتقتلهم، أرسل ملك الآشوريين أحد الكهنة من بيت إيل ليعلم المستوطنين الجدد تعاليم الله. وكانت النتيجة النهائية أن المستوطنين الجدد أصبحوا يعبدون إله الأرض وآلهة البلدان التي أتوا منها.سفر الملوك الثاني 17: 25-33
أظهر سفر أخبار الأيام الثاني أنه بعد تدمير السامرة، كانت هناك محاولات من الملك حزقيا لتقريب أسباط إفرايم وزبولون وأشير ومنسى إلى مملكة يهوذا.أخبار الأيام الثاني 30: 1، 10-11، 18 وعند إصلاح الهيكل في زمن الملك يوشيا شاركت كل "بقية إسرائيل" من السامرة في التمويل، بما في ذلك أسباط منسى وأفرايم وبنيامين.أخبار الأيام الثاني 34: 9 كما تحدث سفر إرميا أن أُناس من شكيم وشيلوه والسامرة قدّموا البخور والحبوب إلى بيت الرب.إرميا 41: 5
لم يذكر سفر أخبار الأيام شيئًا عن أحداث إعادة التوطين الآشوري.[36] مما دعا المؤرخ يتسحاق ماجن لزعم أن سفر أخبار الأيام ربما يكون الأقرب إلى الحقيقة التاريخية، وأن الاستيطان الآشوري لم ينجح، وبقي عدد كبير من السكان الإسرائيليين في السامرة، وفرّ جزء منهم جنوبًا بعد غزو يهوذا واستقروا هناك كلاجئين.[37] بينما يعتقد الأثري آدم زيرتال أن الهجوم الآشوري كان في الفترة بين سنتي 721 ق.م. - 647 ق.م.، حيث استنتج ذلك من نوعية فخار بلاد الرافدين المكتشف في أراضي سبط منسى في السامرة، الذي وجد أنه حملته ثلاث موجات استيطانية معهم.[38]
لخصت الموسوعة اليهودية وجهات النظر القديمة والحالية حول أصول السامريين. فقالت:
علاوة على ذلك، لا زال السامريون حتى يومنا هذا يزعمون أنهم ينحدرون من سبط يوسف.[يج]
اعتُبر يوسيفوس، وهو مصدر رئيسي للمعلومات حول السامريين، لفترة طويلة شاهدًا متحيزًا ومعاديًا للسامريين.[يد] وهو يظهر موقفًا غامضًا، واصفًا إياهم بأنهم عرقيون انتهازيون مختلفون، وبدلاً من وصفهم، كطائفة يهودية.[39]
احتوت القصاصة 4Q550c من مخطوطات البحر الميت على عبارة غامضة حول احتمالية عودة رجل كوثي، لكن العبارة تظل غامضة.[40] كما سجلّت القصاصة 4Q372 الآمال حول عودة القبائل الشمالية إلى أرض يوسف. ووصفت السكان الحاليين في الشمال بالحمقى والشعب العدو. ومع ذلك، لم تُشر القصاصات إليهم كأجانب. ومضت تقول بأن السامريين استهزئوا بأورشليم وبنوا هيكلاً على مكان مرتفع لاستفزاز إسرائيل.[41]
ينظر البعض إلى الروايات الواردة في سفر التكوين حول التنافسية بين أبناء يعقوب الاثني عشر على أنها تصف التوترات بين الشمال والجنوب. وفقًا للكتاب المقدس العبري، ظلت مملكة إسرائيل موحدة لفترة مؤقتة، ولكن بعد وفاة سليمان، انقسمت المملكة إلى قسمين، مملكة إسرائيل في الشمال وعاصمتها السامرة ومملكة يهوذا في الجنوب وعاصمتها القدس.[42] يصور التاريخ التثنوي المكتوب في مملكة يهوذا، مملكة إسرائيل على أنها مملكة آثمة، عوقبت إلهيًا بسبب عبادتها للأصنام وآثامها من خلال تدميرها على يد الإمبراطورية الآشورية الحديثة سنة 720 ق.م. ظل العداء بينهما إلى فترة ما بعد السبي. يُعتبر سفر الملوك الثاني أكثر شمولاً من عزرا نحميا لأنه تعامل مع إسرائيل الموحدة ذات الاثني عشر سبطًا، في حين ركّز سفر أخبار الأيام الثاني على مملكة يهوذا وتتجاهل مملكة إسرائيل.[43]
تؤكد الدراسات المعاصرة أن عمليات الترحيل حدثت قبل وبعد الغزو الآشوري لمملكة إسرائيل في الفترة 722-720 ق.م. ومع ذلك، فهم يُعتقدون أن عمليات السبي والترحيل هذه كانت أقل خطورة مما صوّره سفر الملوك.[44] خلال الغزوات الآشورية السابقة، شهد الجليل وشرق الأردن عمليات ترحيل كبيرة، أدّت لاختفاء قبائل بأكملها؛ ولم يرد ذكر أسباط رأوبين وجاد ودان ونفتالي مرة أخرى. تُظهر الأدلة الأثرية في هذه المناطق أن عملية هجرة كبيرة للسكان حدثت هناك في أواخر القرن الثامن قبل الميلاد، نتج عنها تدمير العديد من المواقع أو هجرها أو ظلت غير مأهولة لفترة طويلة.[44][45]
تشير الأدلة الأثرية في السامرة إلى وجود تباين كبير. ففي الوقت الذي دُمّرت فيه بعض المواقع أو هُجرت، ظلت المدن الكبرى مثل السامرة ومجدو في الغالب سليمة، بالإضافة إلى مواقع أخرى ظلت مأهولة.[44][45] وإذا افترضنا أن الآشوريون رحّلوا 30 ألف شخص كما زعموا، لكان لا زال العديد من السكان باقون في المنطقة.[44] ووفقًا للتغيرات في الثقافة المادية، قدر آدم زيرتال أن 10% فقط من السكان الإسرائيليين في السامرة هم من رُحِّلُوا، في حين لم يكن عدد السكان المنتقلون حديثًا من بلاد الرافدين يزيد عن بضعة آلاف، مما يعني أن معظم الإسرائيليين استمروا في الإقامة في السامرة.[46][47] وصف أستاذ اللاهوت الفرنسي غاري نوبيرس هذه العملية بأنها: «... لم يتم استبدال السكان المحليين بالجملة بسكان أجانب، بل بالأحرى تقلّص عدد السكان المحليين»، وهو ما أرجعه إلى الوفيات الناجمة عن الحرب والمرض والمجاعة والترحيل القسري والهجرات إلى مناطق أخرى، وخاصة جنوبًا إلى مملكة يهوذا. ويبدو أن المهاجرين الذين جلبتهم الدولة قسرًا إلى السامرة قد اندمجوا بشكل عام مع السكان المحليين.[45] ومع ذلك، جاء في سفر أخبار الأيام الثاني أن حزقيا ملك يهوذا دعا أعضاء من أسباط إفرايم وزبولون وأشير ويساكر ومنسى إلى القدس للاحتفال بعيد الفصح بعد تدمير مملكة إسرائيل الشمالية. لذا، يُعتقد أن الجزء الأكبر من الذين نجوا من الغزوات الآشورية بقوا في المنطقة، وأن المجتمع السامري اليوم ينحدر في الغالب من أولئك الذين بقوا.[44][45]
من المحتمل أن يكون دين هذا المجتمع الباقي قد تشوّه كما ذكر سفر الملوك الثاني،سفر الملوك الثاني 17 الذي إدعى أن الديانة الإسرائيلية المحلية حُرّفت بعد أن دخلتها معتقدات المستعمرين الآشوريين.[28] في الواقع، من شبه المؤكد أن السامريين الباقين على قيد الحياة استمروا في ممارسة اليهوهية، وبالتالي لم تجد الإصلاحات الدينية لملوك يهودا اللاحقين أمثال حزقيا ويوشيا صعوبة في الانتشار بين سكان الشمال الذين عاشوا خارج حدود مملكة يهوذا.
وفقًا لسفر أخبار الأيام،36: 22-23 سمح الإمبراطور الفارسي كورش الكبير بعودة المنفيين إلى وطنهم وأمر بإعادة بناء الهيكل (صهيون). وصف النبي إشعياء كورش بأنه "مسيح الرب".إشعياء 45: 1 ونظرًا لأن السبي البابلي استهدف في المقام الأول ساكني الأراضي المنخفضة في مملكة يهوذا، فمن المحتمل أن السكان السامريين لم يتعرضوا للنفي، بل ظهرت عليهم علامات الرخاء على نطاق واسع.[48]
فصّلت أسفار عزرا-نحميا أخبار الصراع السياسي الطويل بين نحميا حاكم مقاطعة يهود مديناتأ الفارسية الجديدة وسنبلط الحوروني حاكم السامرة، والذي تمحور حول إعادة تحصين أورشليم المدمرة آنذاك. وعلى الرغم من هذا الخلاف السياسي، يشير النص إلى أن العلاقات بين اليهود والسامريين كانت ودية تمامًا، حيث بدا أن التزاوج بين الاثنين أمرًا شائعًا، حتى أن الكاهن الأعظم يوياداع تزوج ابنة سنبلط.[49]
تشير الدلائل الأثرية من فترة الحكم الأخميني إلى وجود اختلاط كبير بين اليهود والسامريين القدامى، حيث تشترك المجموعتان في لغة وخط مشتركين، مما يدحض الادعاء بأن الانقسام ترسّخ منذ ذاك الوقت. ومع ذلك، تشير المسميات إلى وجود ثقافة شمالية مميزة.[50]
لا يُعثر على أدلة أثرية تدل على التواجد السكاني في جبل جرزيم في الفترتين الآشورية والبابلية، ولكن الآثار تشير إلى تواجد منطقة مقدسة في الموقع في الفترة الفارسية، بحلول القرن الخامس قبل الميلاد.[51] ولا يمكن اعتبار ذلك دليلًا على انقسام حاد بين اليهود والسامريين، لأن معبد جرزيم كان بعيدًا عن المعبد اليهودي الوحيد خارج مملكة يهوذا. يعتقد معظم العلماء المعاصرين أن الانقسام بين اليهود والسامريين حدث بالتدريج تاريخيًا على مدى عدة قرون وليس انقسامًا واحدًا في وقت معين.[25]
غزت الإمبراطورية المقدونية بلاد الشام في ثلاثينيات القرن الثالث قبل الميلاد، مما أدى إلى خضوع كل من السامرة ويهوذا للحكم الإغريقي تحت اسم مقاطعة كل سوريا. تعرضت السامرة لدمار شامل بسبب غزو الإسكندر والاستعمار اللاحق، وإن كانت أراضيها الجنوبية سلمت من عواقب الغزو واستمرت في الازدهار. ازدادت الأمور تعقيدًا سنة 331 ق.م.، عندما تمرد السامريون وقتلوا الحاكم المقدوني أندروماخوس، مما أدى إلى انتقام وحشي من قبل الجيش الإغريقي.[52] وبعد وفاة الإسكندر الأكبر، أصبحت المنطقة جزءًا من المملكة البطلمية الحديثة، ثم غزاها جيرانهم السلوقيين في إحدى الحروب العديدة.
على الرغم من أن الهيكل الموجود على جبل جرزيم كان موجودًا منذ القرن الخامس قبل الميلاد، إلا أن الأدلة تشير إلى أن ساحته المقدسة شهدت توسعًا هائلاً خلال العصر الهلنستي المبكر، مما يعني أن مكانته كمكان بارز للعبادة السامرية قد بدأت تتبلور. وبحلول عهد أنطيوخوس الثالث، بلغت مساحة "مدينة" الهيكل 30 دونمًا.[53] دلّ الظهور المفاجئ للأسماء اليهودية والعبرية في مراسلات ذلك العصر على تمركز طائفة مزدهرة حول جرزيم، مما يشير إلى أن المجتمع السامري تأسس رسميًا بحلول القرن الثاني قبل الميلاد.[54]
وحين جلس أنطيوخوس الرابع على عرش الإمبراطورية السلوقية بين سنتي 175-163 ق.م. كانت سياسته تهدف إلى هلينة كامل مملكته، وتوحيد ممارسة الشعائر الدينية. جاء في سفر المكابيين الأول،المكابيين الأول 1: 41-50 أن أنطيوخوس الرابع أعلن نفسه تجسدًا للإله اليوناني زيوس وحكم بالموت على أي شخص يرفض عبادته. وفي القرن الثاني قبل الميلاد، أدت سلسلة من الأحداث إلى ثورة قام بها فصيل من اليهود ضد أنطيوخس الرابع.
خلال الفترة الهلنستية، انقسمت السامرة إلى حد كبير بين فصيل هليني متمركز في السامرة (سبسطية)، وفصيل تقيّ في شكيم والمناطق الريفية المحيطة بها يقودهم الكاهن الأعظم. حتى حوالي سنة 110 ق.م.، حظي السامريون بالاستقلالية إلى حد كبير، وخضعوا اسميًا للإمبراطورية السلوقية،[يه] إلى أن دمّر الحاكم الحشموني يوحنا هيركانوس الهيكل السامري على جبل جرزيم، ودمّر السامرة؛ ولم تتبق اليوم سوى عدد قليل من بقايا الهيكل الحجرية.[55] كانت حملة تدمير هيركانوس بمثابة اللحظة الفاصلة التي أكّدت العلاقات العدائية بين اليهود والسامريين. أدت تصرفات الحشمونيين إلى انتشار الاستياء الواسع بين السامريين وابتعادهم عن إخوانهم اليهود، مما أدى إلى تدهور العلاقات بين الاثنين الذي استمر قرونًا، إن لم يكن آلاف السنين.[56]
في ظل الإمبراطورية الرومانية، أصبحت السامرة جزءًا من الحكم الرباعي الهيرودي، ومع عزل هيرودوس أرخيلاوس في أوائل القرن الأول الميلادي، أصبحت السامرة جزءًا من المقاطعة اليهودية. وكانت الإشارات إلى وجود السامريين في الأناجيل المسيحية محدودة، وبرزها قصة المرأة السامرية عند البئريوحنا 4: 5-43 ومثل السامري الصالح.لوقا 10: 30-37
وأعطى الرومان السامریین قدراً كبیراً من الحریة السیاسیة في بدایات حكمھم،[ar 3] فأعيد بناء هيكل جرزيم بعد ثورة بار كوخبا. لكن تلاشت تلك الحریة مع مرور الزمن بعد أن تحوّل الرومان إلى دعاة متحمسين للتنصیر الإجباري، ولم یفرّقوا بین الیھود الأعداء التقليديين للمسيحية وبین السامریین، مما دفعهم للثورة في كثیر من الأحیان رداً على الاضطھاد الروماني، فنكّل الرومان بھم.[ar 3]
أما دينيًا، يُعرّف مبنى كُنيّس ديلوس الذي يرجع تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد، بأنه كُنيّس سامري، مما يجعله أقدم كنيس يهودي أو سامري معروف.[57][يو] وتُنسب العديد من الشرائع السامرية إلأى الكاهن الأعظم السامري بابا رابّا الذي عاش في القرن الرابع الميلادي.[60]
وفقًا للمصادر السامرية، فإن الإمبراطور البيزنطي زينون (الذي تسميه تلك المصادر "زيت ملك أدوم") اضطهد السامريين، حيث ذهب الإمبراطور إلى نيابوليس (شكيم)، وجمع الشيوخ وطلب منهم التحول إلى المسيحية؛ وعندما رفضوا، أمر زينون بقتل العديد من السامريين، وحوّل المعبد إلى كنيسة. ثم تملّك زينون جبل جرزيم، وبنى عدة صروح، منها قبر لابنه المتوفى حديثًا، ووضع عليه صليبًا، ليسجد السامريون أمام القبر. وفي وقت لاحق في سنة 484م، ثار السامريون، وهاجموا شكيم، وأحرقوا خمس كنائس مبنية فوق الأماكن المقدسة السامرية، وقطعوا إصبع الأسقف تريبينثوس الذي كان يرأس مراسم عيد العنصرة، وانتخبوا شخصًا يدعى يوستا ملكًا عليهم؛ ثم انتقلوا إلى قيصرية حيث يعيش مجتمع سامري مرموق، فقتلوا عددًا من المسيحيين، ودُمرت كنيسة القديس سيباستيان. عزّز الرومان قواتهم، وهزموا يوستا وقتلوه، وأرسلوا رأسه إلى زينون.[61] وفقًا لبروكوبيوس، فقد قمع الإمبراطور شخصياً تمرد السامرة.[62] يعتقد بعض المؤرخين المعاصرين أن ترتيب الوقائع في المصادر السامرية معكوس، حيث أن اضطهاد زينون كان نتيجة للتمرد وليس سببًا له، وكان ينبغي أن يحدث بعد سنة 484م، حوالي سنة 489م. أعاد زينون بناء الكنيسة في نيابوليس، ومنع السامريون من الصعود إلى جبل جرزيم، الذي بني على قمته برجًا للإشارة للتنبيه في حالة حدوث اضطرابات مدنية.[63]
وفقًا لسيرة ذاتية لراهب مجهول من بلاد الرافدين يُدعى بارصوما، كانت رحلة حجه إلى المنطقة في أوائل القرن الخامس الميلادي مصحوبة باشتباكات مع السكان المحليين الرافضين للتحويل القسري للمسيحية، إلا أنه تمكّن من تحويل بعض السامريين من خلال شفائه لبعضهم.[64] في القرن السادس الميلادي، اجتذب راهب زاهد يُدعى يعقوب يعيش في كهف بالقرب من بورفيريون في جبل الكرمل المعجبين، بما فيهم سامريون تحولوا على يديه إلى المسيحية.[65][66] وزعم بروكوبيوس أنه نتيجة للضغوط الحكومية المتزايدة، ربما فضل العديد من السامريين الذين رفضوا التحول إلى المسيحية في القرن السادس الميلادي الوثنية أو حتى المانوية.[67]
تحت قيادة شخصية مسيانية كاريزمية تدعى يوليانوس بن صابار (أو بن ساهر)، شن السامريون حربًا لإنشاء دولتهم المستقلة سنة 529م. وبمساعدة الغساسنة، سحق الإمبراطور جستينيان الأول التمرد؛ مات عشرات الآلاف من السامريين أو استعبدوا. بعد ذلك، حُظرت الديانة السامرية التي كانت تتمتع في السابق بوضعها ضمن الأديان المشروعة؛ فتضاءل عدد سكان المجتمع السامري مرة واحدة من مئات الآلاف على الأقل إلى عشرات الآلاف.[68] رغم ذلك، نجا السكان السامريين في السامرة من الثورات. وأثناء رحلة حج إلى الأراضي المقدسة سنة 570 م، سافر حاج مسيحي من بيشنزة عبر السامرة، وسجّل ما يلي: «من هناك مررنا بعدد من الأماكن التابعة للسامرة واليهودية إلى مدينة سبسطية، مكان قبر النبي إليشع. كانت هناك عدة مدن وقرى سامرية في طريقنا نزولاً عبر السهول، وكلما مررنا في الشوارع كانوا يمحون آثار أقدامنا بالتبن، سواء كنا مسيحيين أو يهود، كان لديهم رعب شديد من كليهما.[69]»
أرجع مناحم مور أستاذ التاريخ اليهودي انخفاض عدد السكان السامريين في القرنين الخامس والسادس الميلاديين إلى حملات التنصير المستمرة لسكان فلسطين بدلاً من الانتفاضات ضد البيزنطيين، حيث اعتنق عدد كبير من السامريين في المدن والبلدات المسيحية، بعضهم تحت الضغط والبعض الآخر بمحض إرادته. كما زعم مور أن المصادر السامرية والمسيحية فضلت إخفاء هذه الظاهرة، حيث فضل السامريون أن يعزو انخفاضهم العددي بسبب مقاومتهم للتحويل القسري، في حين لم يكن المسيحيون على استعداد للاعتراف بأن السامريين أُكرهوا على قبول المسيحية، وفضلوا بدلاً من ذلك الادعاء بأن العديد من السامريين قُتلوا بسبب طبيعتهم المتمردة.[70] وعلى النقيض، لم تظهر أي من الاكتشافات الأثرية آثارًا تشير إلى تغير هوية السكان المحليين طوال الفترة البيزنطية.[71]
بحلول زمن الفتح الإسلامي للشام، كانت هناك مجتمعات سامرية صغيرة متفرقة تعيش أيضًا خارج فلسطين في مصر وسوريا وإيران. وفقًا لميلكا ليفي روبين أستاذة الدراسات اليهودية، تحول العديد من السامريين في ظل الحكم العباسي والطولوني، بعد أن تعرضوا لمصاعب قاسية مثل الجفاف والزلازل والاضطهاد من قبل الحكام المحليين والضرائب المرتفعة على الأقليات الدينية والفوضى.[72] كان السامريون يُعاملون في كثير من الأحيان معاملة أهل الكتاب، فكُفلت لهم الحرية الدينية،[73] وكانوا يخضعون لحماية الحكام المسلمين، ولهم الحق في ممارسة دينهم، مقابل الجزية المفروضة على أهل الذمة من الذكور البالغين.
عمّت الفوضى فلسطين خلال السنوات الأولى لحكم الخليفة العباسي المأمون. بحسب كتاب التاريخ لأبي الفتح السامري، خلال تلك الفترة، وقعت العديد من الاشتباكات، وعانى السكان المحليون من المجاعة، بل وفرّوا من منازلهم خوفًا، و"تخلّى الكثيرون عن إيمانهم".[74] قُمعت الثورة، لكن زاد الخليفة المعتصم بعد ذلك الضرائب على المتمردين، مما أدى إلى اندلاع انتفاضة ثانية. استولت قوات المتمردين على نابلس، حيث أشعلت النار في المعابد السامرية. تحسن وضع المجتمع لفترة وجيزة بعد أن قُمِعَت هذه الانتفاضة، واستأنف الكاهن الأعظم فينحاس بن نتانئيل تعبُّده في كُنيّس نابلس. وفي عهد الواثق، قاد أبو حرب تميم المبرقع الذي كان يحظى بدعم قبائل اليمن، انتفاضة أخرى. فاستولى على نابلس وتسبب في هروب الكثيرين، وأصيب الكاهن الأعظم السامري، ثم توفي متأثرا بجراحه في الخليل. ولم يتمكن السامريون من العودة إلى ديارهم إلا بعد هزيمة المبرقع وأسره سنة 842م.[74]
فُرض عدد من القيود على أهل الذمة في عهد الخليفة العباسي المتوكل، وارتفعت الأسعار مرة أخرى، وعانى الكثير من الناس من الفقر المُدقع. "فقد الكثير من الناس إيمانهم نتيجة الغلاء الرهيب في الأسعار، وسئموا دفع الجزية. وكان هناك العديد من الأبناء والعائلات الذين تركوا إيمانهم وضاعوا".[74] ويعود تقليد ارتداء الرجال للطربوش الأحمر أيضًا إلى أمر المتوكل الذي قضى بتمييز غير المسلمين عن المسلمين.[75]
ارتبطت العديد من الحالات التي تحول فيها السامريون إلى الإسلام المذكورة في تاريخ أبي الفتح بالصعوبات الاقتصادية التي أدت إلى انتشار الفقر على نطاق واسع بين السكان السامريين، أو الفوضى التي تركت السامريين بلا حول ولا قوة ضد هجمات المتمردين، ومحاولات هؤلاء الناس وغيرهم إجبار السامريين على التحول للإسلام. وبحلول القرن التاسع الميلادي، كانت قرى مثل سنجل وجينصافوط ذات الأغلبية السامرية قد تحوّلت للإسلام.[74][71] وبحلول نهاية الفترة الإسلامية الأولى، تمركز السامريون بشكل رئيسي في نابلس، بينما استمرت وجود مجتمعات أخرى لهم في قيصرية والقاهرة ودمشق وحلب وصربتة وعسقلان.[71]
خلال الحملات الصليبية، استولى الفرنجة على نابلس، والتي يقيم فيها معظم السامريين،[76][يز] وهي المدينة التي نجت من المذابح التي حدثت في مناطق أخرى حيث سرى عليهم ما سرى على جيرانهم من العرب واليهود في فلسطين مثلما حدث في المدن الساحلية كأرسوف وقيصرية وعكا وربما عسقلان.[77] ورغم ذلك، خلال الغزو الفرنجي لنابلس، دمر الفرنجة الغزاة المباني السامرية، وفي وقت لاحق هدموا حمامهم الطقسي وكُنيّسهم على جبل جرزيم.[77] حظي السامريون مثلهم مثل السكان المسيحيين غير اللاتينيين في مملكة بيت المقدس، بمعاملة متسامحة، وربما تفضيلهم لأنهم كانوا مطيعين، ولكونهم ذُكروا بشكل إيجابي في العهد الجديد.[78] حلّت المصائب على السامريين مع غارة للمسلمين على نابلس سنة 1137م، أسروا فيها 500 رجل وامرأة وطفل سامري، وساروا بهم إلى دمشق.[79]
بحسب التعداد العثماني لسنتي 1525-1526م، عاشت 25 عائلة سامرية في غزة، و29 عائلة في نابلس. وفي تعداد سنتي 1548-1549م، كان هناك 18 عائلة في غزة و34 عائلة في نابلس.[80] وفي سنتي 1596-1597م، أصبح هناك 8 عائلات في غزة، و20 عائلة في نابلس، و5 عائلات في صفد.[81] تقلصت الطائفة السامرية في مصر نتيجة الاضطهاد العثماني للسامريين الذين عملوا في دولة المماليك، فاعتنق غالبيتهم الإسلام.[80] وفي دمشق، قُتل غالبية الطائفة السامرية أو اعتناقوا الإسلام وانتقل بعضهم إلى نابلس في عهد الباشا العثماني مردم بقين في أوائل القرن السابع عشر.[82] ولم يعد هناك سامريون في دمشق؛ وبقيت حفنة قليلة منهم في غزة.[83]
في سنة 1624م، توفي آخر كاهن أعظم سامري من نسل أليعازر بن هارون دون أن يُعقب، فانتقل المنصب إلى نسل ابن هارون الآخر، إيثامار.[84] بحلول منتصف القرن السابع عشر الميلادي، بقيت مجتمعات سامرية صغيرة جدًا في نابلس وغزة ويافا.[80] أدى زلزال 1759م، والوباء الذي أعقبه، والقيود الأخرى المفروضة على السامريين إلى الحدّ من نمو مجتمعهم، وبحلول نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، كان هناك 200 شخص فقط يعيشون هناك ويعتاشون من التجارة والسمسرة وجمع الضرائب.[80] عاشت غالبية العائلات السامرية في القرن التاسع عشر في "حارة السمرة" جنوب غرب نابلس، وعمل بعض السامريين موظفين في السلطات البلدية، بينما عمل آخرون في الأعمال التجارية الصغيرة والحرف المحلية في نابلس والمناطق المجاورة لها. ولجأ بعضهم أحيانًا إلى بيع المخطوطات القديمة.[85]
خلال أربعينيات القرن التاسع عشر، بدأ علماء نابلس النظر إلى السامريين أنهم ليسوا من أهل الكتاب، ويجب معاملتهم معاملة الكفار، ومُنعوا من تقديم ذبائح عيد الفصح على جبل جرزيم حتى سنة 1849م.[83][85] وبحلول نهاية الفترة العثمانية، تضاءل المجتمع السامري إلى أدنى مستوياته مع ضغوط التحول والاضطهاد من الحكام المحليين والكوارث الطبيعية العرضية إلى ما یتراوح بین 150 - 200 نسمة، وكانوا یعیشون في حي الیاسمینة في مدینة نابلس القدیمة، وكانوا في معظمھم من الباعة والحرفیین، وبشكل عام لم یكونوا من الأثریاء.[ar 4] و1931م وجود 163 و182 سامري في فلسطين على الترتيب.[86] سكنت غالبيتهم في نابلس،[86] كما سكن 12 منهم في طولكرم، و12 في يافا، و6 في السلط في شرق الأردن. وفي وقت لاحق انتقل البعض إلى رمات غان وإلى حيفا.[83] خلال ثورة البراق، هاجم ثوار عرب السامريين الذين كانوا يؤدون ذبيحة عيد الفصح على جبل جرزيم، وألقوا الحجارة عليهم وعلى ضيوفهم حتى تدخلت الشرطة البريطانية.[83]
بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وقيام دولة إسرائيل، هاجر بعض السامريين الذين كانوا يعيشون في يافا إلى السامرة وعاشوا في نابلس. بحلول أواخر الخمسينيات، غادر حوالي 100 سامري الضفة الغربية إلى إسرائيل بموجب اتفاق مع الإدارة الأردنية للضفة الغربية.[87] في سنة 1954م، أسس الرئيس الإسرائيلي إسحاق بن تسفي جيبًا سامريًا في حولون بإسرائيل.[88][89][7] خلال فترة الإدارة الأردنية للضفة الغربية، سُمح للسامريين من حولون بزيارة جبل جرزيم مرة واحدة فقط في السنة، في عيد الفصح.[90]
وفي سنة 1967م، احتلت إسرائيل الضفة الغربية خلال حرب 1967، وخضع السامريون هناك للحكم الإسرائيلي. حتى التسعينيات، كان معظم السامريين في الضفة الغربية يقيمون في مدينة نابلس بالضفة الغربية أسفل جبل جرزيم. ثم انتقلوا إلى جوار مستوطنة هار براخا نتيجة للعنف خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى إلى قرية لوزة. وفي منتصف التسعينيات، مُنح السامريون في قرية لوزة الجنسية الإسرائيلية. كما أصبحوا مواطنين في السلطة الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو. ونتيجة لذلك، أصبحوا الشعب الوحيد الذي يمتلك الجنسية الإسرائيلية الفلسطينية المزدوجة.[90][91] لم يبق للطائفة السامرية في نابلس نفسها سوى كُنيّس مهجور.[7]
واليوم، يندمج السامريون في إسرائيل بشكل كامل في المجتمع ويخدمون في الجيش الإسرائيلي. كما يحظى السامريون في الضفة الغربية بعلاقات جيدة مع جيرانهم الفلسطينيين مع احتفاظهم بجنسيتهم الإسرائيلية، وحظوا بتمثيل نیابي في المجلس التشريعي الفلسطيني في عهد ياسر عرفات الذي منحهم مقعد تحت نظام الكوتا، إلا أنه ألغيت تلك الحصة بعد وفاة عرفات.[ar 3] يميلون السامريون إلى إتقان اللغتين العبرية والعربية، ويستخدمون الأسماء العبرية والعربية.[90]
حديثًا، أُجريت العديد من الدراسات الجينية على السكان السامريين باستخدام مقارنات المجموعات الفردانية بالإضافة إلى الدراسات الوراثية واسعة الجينوم. من بين الذكور السامريين الـ12 المستخدمين في التحليل، كان لدى 10 (83%) كروموسومات Y تنتمي إلى المجموعة الفردانية J، والتي تضم ثلاثًا من العائلات السامرية الأربع. تنتمي عائلة يشوع-مارهيف إلى المجموعة الفردانية J-M267 (المعروفة سابقًا باسم "J1")، بينما تنتمي عائلتا دانافي وتسيداكا إلى المجموعة الفردانية J-M172 (المعروفة سابقًا باسم "J2")، ويمكن التمييز بينهما بواسطة الأليل M67 SNP - الموجود في عائلة دانافي - والأليل PF5169 SNP - الموجود في عائلة تسيداكا.[92] أما أكبر وأهم عائلة سامرية، وهو عائلة كوهين المنحدرين من سبط لاوي، فينتمون إلى المجموعة الفردانية E.[93]
نُشرت مقالة سنة 2004م حول النسب الوراثي للسامريين، قارنت الدراسة النسب الوراثي لعينة من السامريين بالعديد من السكان اليهود الذين يعيشون جميعًا حاليًا في إسرائيل مثل الفلاشا والأشكناز، واليهود العراقيين، واليهود الليبيين، واليهود المغاربة، واليهود اليمنيين، بالإضافة إلى الدروز والفلسطينيين، وخلصت إلى أنه «يشير تحليل المكوّن الرئيس إلى الأصل المشترك للسلالات السامرية واليهودية، ويمكن إرجاع معظم السلالات السابقة إلى سلف أبوي مشترك فيما يُعرف اليوم باسم الكهنة العظماء الإسرائيليين (كوهانيم) يعود إلى زمن الغزو الآشوري لمملكة إسرائيل.» وكانت سلالات الميتوكوندريا لدى السامريين هي الأقرب إلى تسلسلات الحمض النووي للميتوكوندريا اليهودية العراقية والفلسطينية.[93]
وصل عدد السامريين قديمًا إلى مليون سامري،[94] تضاءلت أعداد المجتمع السامري الذي كان مزدهرًا خلال فترات الحكم الإسلامي المختلفة في المنطقة إما من خلال الهجرة أو اعتناق الإسلام،[72] حتى انحدرت إلى 100 سامري في سنة 1786م، ثم 141 سامري سنة 1919م،[1] و150 سامري سنة 1967م.[94] ارتفعت الأعداد إلى 745 في سنة 2011م إلى 777 في سنة 2015م حتى 820 في سنة 2019م.[1]
يقيم نصف السامريين اليوم في منازل حديثة في قرية لوزة على جبل جرزيم المقدس عندهم، والباقي في مدينة حولون لمجاورة لتل أبيب.[89][7] كما تعيش أربع أُسر سامرية في بنيامينا-جفعت عدا وماتان وأسدود. كمجتمع صغير محصورًا بين جيران متعادين، تردد السامريون في الانحياز علنًا إلى أحد جانبي الصراع العربي الإسرائيلي، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى تداعيات سلبية. يلتحق السامريين حاملي الجنسية الإسرائيلية بالجيش، مثلهم مثل اليهود الإسرائيليين.
تعد مسألة استمرارية المجتمع أحد أكبر المشاكل التي تواجه المجتمع السامري اليوم. مع هذا العدد الصغير من السكان، المقسمين إلى أربع عائلات فقط (كوهين، وتسيداكا، ودنافي، ومرهيف، بعد انقطاع نسل عائلة مطر سنة 1968م)،[95] والرفض العام لقبول المتحولين إلى السامرية، كان من الشائع أن يتزوج السامريون ضمن عائلاتهم حتى بين أبناء العمومة من الدرجة الأولى. نتج عن ذلك تاريخ من الاضطرابات الوراثية داخل المجموعة بسبب صغر تجميعة الجينات. ولمواجهة ذلك، سمح مجتمع حولون السامري للرجال بالزواج من نساء غير سامريات (في المقام الأول، يهوديات إسرائيليات)، بشرط موافقة النساء على اتباع الممارسات الدينية السامرية. تخضع هؤلاء النسوة لفترة تجريبية مدتها ستة أشهر قبل الانضمام رسميًا إلى المجتمع السامري لمعرفة ما إذا كُنّ يرغبن بهذا الالتزام أم لا. غالبًا، ما يشكل هذا مشكلة بالنسبة للنساء اللاتي عادة ما يكُنّ أقل رغبة في اتباع التفسير الصارم لقوانين الكتاب المقدس (سفر اللاويين) المتعلقة بالحيض، والتي بموجبها يجب عليهن العيش في مسكن منفصل أثناء الدورة الشهرية وبعد الولادة. كانت هناك حالات قليلة من الزواج المختلط. بالإضافة إلى ذلك، توجّب على جميع الزيجات داخل المجتمع السامري الحصول أولاً على موافقة من قبل أخصائي علم الوراثة في مركز شيبا الطبي، وذلك لمنع انتشار الاضطرابات الوراثية. وفي اجتماعات نظمتها "وكالات الزواج الدولية"،[96] سُمح لعدد صغير من النساء من روسيا وأوكرانيا اللاتي وافقن على مراعاة الممارسات الدينية السامرية بالزواج في مجتمع قرية لوزة السامري في محاولة لتوسيع تجميعة الجينات.[97][98] يواجه المجتمع السامري في إسرائيل أيضًا تحديات سكانية حيث يترك بعض الشباب المجتمع ويتحولون إلى اليهودية. أحد أبرز الأمثلة على ذلك مقدمة البرامج التليفزيونية الإسرائيلية صوفي تسيداكا التي أنتجت فيلمًا وثائقيًا عن تركها المجتمع في سن 18 عامًا.[99]
رئيس الطائفة هو الكاهن الأعظم السامري وهو من الجيل 133 من نسل إيثامار بن هارون الذين تولوا المنصب منذ سنة 1624م؛ بعد أن انقطع النسل السامري لأليعازر بن هارون الكاهن،[100] واسمه عابد بن أشير بن متوشلخ، وهو في منصبه منذ 19 أبريل 2013م. يكون اختيار رئيس الكهنة في كل جيل، الأكبر سنا من العائلة الكهنوتية، ويقيم على جبل جرزيم.[101]
يُعتقد أن الكثير من السكان الفلسطينيين المحليين في نابلس ينحدرون من أصول سامرية قبل اعتناقهم الإسلام، ربما لطبيعة الإسلام التوحيدية التي سهلت عليهم قبوله.[84] يصف السامريون حالهم خلال الفترة العثمانية بأنه أسوأ فترة في تاريخهم الحديث، حيث اضطرت العديد من العائلات السامرية إلى اعتناق الإسلام في تلك الفترة.[87] وحتى اليوم، ترتبط بعض أسماء العائلات النابلسية مثل العماد والسمري والمسلماني ويعيش والشخشير وغيرها بأصول سامرية.[84][87] وفي سنة 1940م، كتب المؤرخ إسحاق بن تسفي الذي أصبح رئيسًا لإسرائيل فيما بعد مقالًا ذكر فيه أن ثلثي سكان نابلس والقرى المجاورة لها هم من أصل سامري.[102] وذكر اسم عدة عائلات فلسطينية مسلمة ذات أصول سامرية، منها عائلات العماد والسمري وأبو وردة وقاسم، وقامت بحماية السامريين من اضطهاد المسلمين في خمسينيات القرن التاسع عشر الميلادي.[102] كما إدعى أن هذه العائلات كانت لديها سجلات مكتوبة تشهد على أصولها السامرية، والتي احتفظ بها كبرائهم وشيوخهم.[102]
يعترف السامريون فقط بأسفار موسى الخمسة السامرية ونسختهم الخاصة من سفر يشوع، لاعتقادهم أنها نسختهم هي الأصلية غير المُحرّفة من التوراة التي أعطيت لموسى وبني إسرائيل على جبل سيناء. لذا، فهم يرفضون الأسفار الأخرى التي اشتملها الكتاب المقدس العبري والروايات الشفهية (المشناه والتلمود). أسفار موسى الخمسة السامرية مكتوبة باللغة العبرية السامرية وبالأبجدية السامرية، وهي نوع مختلف يستخدم الأبجدية العبرية القديمة التي تخلى عنها اليهود.
تحتوي أسفار موسى الخمسة السامرية على بعض الاختلافات عن النسخة الماسورية للتوراة المستخدمة في اليهودية؛ وفقًا للمعتقد السامري، قام عزرا بتحريف أجزاء رئيسية من النص اليهودي.[يح] كما تختلف النسخة السامرية لسفر يشوع عن النسخة اليهودية التي تُركّز على شيلوه. بحسب الرواية السامرية، بنى يشوع الهيكل على جبل جرزيم ووضع فيه المشكن في السنة الثانية لدخول بني إسرائيل أرض الكنعانيين.[103][يط]
وفقًا للروايات السامرية، فإن جبل جرزيم، الواقع بالقرب من مدينة شكيم التوراتية (جنوب نابلس الحديثة)، أقدس أماكن بني إسرائيل منذ غزو يشوع للكنعانيين قبل زمن طويل من إنشاء الهيكل في القدس في زمن حكم داود وسليمان لمملكة إسرائيل الموحدة. يُخالف المعتقد اليهودي هذا الرأي حيث يعتبرون جبل الهيكل في القدس أقدس بقاع العالم لعبادة الله. يعتقد السامريون أن وجود 13 إشارة إلى جبل جرزيم في التوراة تثبت دعواهم بقداسته على عكس اليهودية التي اعتمدت فقط على الأنبياء اليهود اللاحقين وكتاباتهم لدعم ادعاءاتهم بقداسة القدس.[104][105][ar 5]
تشمل الأسفار السامرية الأخرى تعاليم مرقه، والطقوس السامرية المعروفة باسم "الدفتار"، وقوانين الشريعة السامرية والتعليقات الكتابية. ويمارس السامريون خارج الأراضي المقدسة معظم الممارسات والطقوس السامرية مثل السبت والطهارة وجميع الأعياد السامرية باستثناء ذبيحة الفصح التي لا يمكن ذبحها إلا في جبل جرزيم.
وفقًا للسامريين،[106] أنه على جبل جرزيم أمر الله إبراهيم أن يقدم ابنه إسحاق قربانًا.التكوين 22: 2 ثم يوقفه الله، موضحًا أن ذلك كان الاختبار النهائي لطاعة إبراهيم، ونتيجة لذلك سينال العالم كله البركة.
تذكر التوراة المكان الذي اختاره الله ليثبت اسمه فيه،التثنية 12: 5 أوّلت اليهودية هذا النص على أنه إشارة إلى القدس. إلا أن النص السامري تحدث عن المكان الذي اختاره الله ليثبت اسمه فيه، ويعرفه السامريون بأنه جبل جرزيم، مما يجعله محور قيمهم الروحية. شكك علماء يهود من بينهم أندرونيخوس بن مشلام في شرعية الهيكل السامري. في الكتاب المقدس المسيحي، يروي إنجيل يوحنا لقاء المرأة السامرية مع يسوع تقول فيه إن الجبل مركز عبادتهم. وطرحت سؤالًا على يسوع عندما أدركت أنه المسيح. ويؤكد يسوع الموقف اليهودي قائلاً: "أنتم [أي السامريون] تسجدون لما لستم تعلمون"، مع أنه يقول أيضًا: "أنه تأتي ساعة، لا في هذا الجبل، ولا في أورشليم تسجدون للآب".يوحنا 4: 20-22
يعتقد السامريون أن هناك إله واحد،[107] يهوه، (يشير إليه السامريون بشكل غير رسمي باسم "شماء")، وهو نفس الإله الذي يؤمن به الأنبياء العبرانيون. كما يعتقدون أن التوراة أنزلها الله على موسى؛ وأن جبل جرزيم، وليس جبل الهيكل، هو الحرم الحقيقي الوحيد الذي اختاره إله إسرائيل. يعتقد العديد من السامريين أيضًا أنه في آخر الزمان، سيتم إحياء الموتى على يد "التاحب"، (وهو ربما نبي، وقيل هو موسى).[108] والكهنة هم مفسّرو الشريعة وحافظي النصوص؛ يأتي العلماء بعدهم في المرتبة. ويرفض السامريون النصوص التي تلت التوراة مثل التناخ، والكتابات الحاخامية اليهودية القديمة (مثل التلمود بشقيه المشناه والجماراه). كما أن نسختهم من الوصايا العشر تختلف عن النسخة اليهودية (على سبيل المثال، وصيتهم العاشرة تتعلق بقدسية جبل جرزيم).[109][107]
لا زال السامريون يستخدم الخط العبري القديم، ولهم كاهنهم الأعظم، ويذبحون ويأكلون الحملان عشية عيد الفصح، ويحتفلون ببداية الشهر الأول في فصل الربيع تقريبًا باعتباره رأس السنة الجديدة، وهم بذلك لا يتوافقون مع رأس السنة اليهودية الحاخامية. وتختلف أسفار موسى الخمسة السامرية عن النص الماسوري اليهودي. ومن بين الاختلافات العقائدية بين السامريون واليهود، أن التوراة السامرية تنص صراحة على أن جبل جرزيم هو "المكان الذي اختاره الله" ليثبت اسمه، على عكس التوراة اليهودية التي تشير إلى "المكان الذي اختاره الله". الاختلافات الأخرى طفيفة وتبدو عرضية إلى حد ما.
يسمّي السامريون إلى أنفسهم باسم "بني إسرائيل"، وهو مصطلح تستخدمه جميع الطوائف اليهودية كاسم للشعب اليهودي ككل، ولا يعتبرون أنفسهم يهودًا. أما موقف اليهود الحاخاميين منهم، فبحسب التلمود، يجب معاملة السامريين معاملة اليهود في الأمور التي تتفق فيها ممارساتهم مع اليهودية الحاخامية، وكالأغيار في الأمور التي تختلف ممارساتهم فيها مع اليهود. يزعم البعض أنه منذ القرن التاسع عشر الميلادي، اعتبرت اليهودية الحاخامية السامريين طائفة يهودية، واستُخدم مصطلح "اليهود السامريين" للإشارة إليهم.[8]
تختلف الشريعة السامرية عن الهالاخاه (الشريعة اليهودية الحاخامية). وتتفق عدد من النصوص الدينية السامرية مع الهالاخاه اليهودية. ومن أمثلة تلك النصوص:
ذُكرت السامرة أو السامريون في العهد الجديد في أناجيل متى ولوقا ويوحنا وسفر أعمال الرسل، ولم يرد ذكرهم في إنجيل مرقس. أشهر الإشارات إلى السامريين كانت مثل السامري الصالح الموجود في إنجيل لوقا. هذه الإشارات هي:
استخدم السامريون خلال التاريخ عدة لغات وهي الآرامية والعبرانية والعربية، توجد العبرانية السامرية والآرامية السامرية. تحتوي العديد من النصوص السامرية ومنها التوراة السامرية على ثلاثة أعمدة مكتوبة بالعبرانية والآرامية والعربية.[116] وقد تشمل اللغة السامرية مفردات خاصة بها غير موجودة في اللغات التي أُشتقت منها.[ar 3]
الآرامية السامرية هي إحدى لهجات اللغة الآرامية الغربية ويمتد تاريخ استخدامها من الفترة الرومانية الأولى لغاية فترة ما بين القرن العاشر والحادي عشر الميلادي.[117] العبرية السامرية هي لغة العبادة عندهم وتتكون من اثنين وعشرين حرفًا، تُقرأ من اليمين إلى اليسار.[116][118] ولفظ الكلمات في العبرية السامرية مفتوحة بينما لفظها في العبرية مكسورة.[116] هناك العديد من العلماء اللغوين للغة العبرية السامرية عبر التاريخ نذكر منهم: ابن درتا في القرن العاشر وأبو إسحق إبراهيم بن فرج ماروث مؤلّف كتاب التوطئة، والذي يُعتبر الأَساس لنحوُ اللغة العبرية السامرية.[119] أما اللغة العربية، فبدأ السامريون باستخدامها لغةً محكية وثم لغة مكتوبة منذ القرن الحادي عشر، وترجم أبو الحسن الصوري، وهو نفسه أبو إسحق إبراهيم بن فرج ماروث، التوراة السامریة إلى العربیة وهو أيضاً مؤلّف كتاب الطَبّاخ.[ar 6]
يعد الختان عند السامريين إلزاميا في اليوم الثامن للمولود الجديد من الذكور ولا يجوز التأخر بعد ذلك إلّا لأسباب الحضانة. وفي هذه الحالة يتم الختان في اليوم الثامن من خروج الطفل من الحاضنة، وفقًا لعهد إبراهيم، وفي حال مخالفة الموعد المحدد يُقْتَل الطفل حسب الشريعة السامرية.[ar 7][ar 8]
تحث التوراة في عدّة مواضع على الطهارة، فهي ركن أساسي في عقيدة السامريين. فلا يجوز خروج الرجل من البيت إلا إذا كان طاهر البدن إضافة إلى أنه يجب عليه الاغتسال بعد عملية الجماع وبعد الاستحلام أثناء النوم وبعد لمس جثمان ميت أو لمس الحيوانات المحرّم أكلها. كما يجب تبديل الثياب والوضوء عند كل صلاة لكلا الجنسين والوضوء دائماً عند الدخول إلى المقدسات.[ar 7]
غالباً ما تردد أثناء عقد القران عند الطائفة السامرية التي تسكن على قمة جبل جرزيم المقدّس في نابلس «شارة كسوتا واناته لا يجرع» هذه آية باللغة العبرية القديمة من التوراة السامرية ويفسر كاهن سامري هذه الآية: يجب على العريس أن يكسو العروس وأن لا يبتعد عن معاشرتها. يُعْقَد القران بموافقة الأبوين وبسؤال الفتاة وبوجود شاهدين متزوجين من أبناء الطائفة.[ar 9]
أركان الزواج هي الإيجاب والقبول، وشروط الزواج هي العقل والبلوغ والحرية.[ar 7] للزواج أحكام عند السامريين لا يجوز تخطّيها. لا يجوز للسامري الزواج من غير السامرية مطلقاً إلا إذا اعتنقت الديانة السامرية. ولا يحق للسامري أن يتزوج بأكثر من امرأة إلا إذا كانت امرأته عاقرًا. ولا يحق له تطليق زوجته إلا إذا أثبت أنها لا تستطيع الإنجاب أو لا تطيعه أو عرف أن بها مرضاً معدياً. وللمرأة السامرية أيضاً حق أن تطلّق زوجها إذا امتنع عن القيام بواجباته من حيث الكسوة والفراش وحفظ القرابة.[ar 7] ويحق للمطلقة السامرية الرجوع إلى زوجها في حال أنها لم تتزوج ولكن بعقد زواج جديد وشهود وفي احتفال يشهده أغلب السامريين إن أمكن. ولا يمانعون بحضور غيرهم مناسباتهم. يتم الزفاف بعد قراءة الكتاب على مسامع الأهل والزوجين وتذكيرهم بشروط الزواج الشرعية ويسلّم بعد قراءته إلى والد الزوجة ليكون مستنداً على الزوج.[ar 7]
يتشابه السامريون مع اليهود في موضوع الزواج وشروطه بإستثناء جواز زواج اليهودي من زوجة أخيه بعد وفاته ومن أخت زوجته بعد وفاتها. كما تحظر الديانة السامرية زواج الأخ أو الأخت من ابنة أخيه/أختها أو ابنة اخته، ويتفق السامريون مع المسلمين في أمور الزاوج، ولكن يختلفون بعدم جواز الزواج من زوجة العم بعد وفاته أو زوجة الأخ بعد وفاته أو أخت الزوجة بعد وفاتها أو بنت الزنا أو الربيبة أو من ثبت عليهم تهمة الزنا.[ar 7]
شرحت التوراة شروط الميراث شرحاً وافياً، فهو يوزّع بين الورثة بالتساوي، ولكن تكون حصة الولد البكر الضعف، وتكون حصة الأنثى السامرية من الأموال المنقولة مساوية لحصة الرجل. تحظر الشريعة السامرية أن ترث البنت من الأموال غير المنقولة، حتى إذا توفي شخص ولم يترك إلا إناث، فيجب عليهن أن يتزوجن من أبناء عمومتهن، لكي لا تنشأ مشاكل معقّدة بين الناس، وخاصة الأنساب نتيجة الإرث.[ar 7][ar 2]
من عادات السامريين أنهم لا يأكلون أي طعام مذبوح إلا داخل بيوتهم. كما أنه لا يجوز أن يأكلوا ما هو مذبوح إلا على الطريقة السامرية الشرعية، ولا يجمعون روحين على مائدة واحدة في طعامهم مثل اللبن واللحم أو في وعاء واحد ولا يأكلونهما معاً. كما يحرّم عند السامريين ذبح الحبالى من الإناث، ويأكلون من الطيور ما له حوصلة وغير مشبّك الأصابع، ومن حيوانات البحر ما له زعانف وأجنحة وقشور، ومن حيوانات البر ما كان مجتراً ومشقوق الظلف.[ar 7][ar 2] أما شروط الذبح في الديانة السامرية، فتشترط أن يقوم به عالم سامري متمكّن من أصول دينه، ويستطيع التفرقة بين ما هو مُحلّل وما هو مُحرّم أكله، وأن يستخدم سكينة حادة طويلة، وأن يذبح الحيوان بجرة واحدة في موضع محدد للسكين على رقبة الحيوان، وأن يكون طاهر البدن والملابس، وأن يتجه إلى جبل جرزيم عند الذبح، وأن يقرأ ويسمّي على الذبيحة، وأن يعفر التراب على الدم بعد الذبح.[ar 7]
من عادات السامريين في أيام السبت أن يلبسون الجبات والطرابيش ذات اللون الأحمر صغاراً وكباراً. أما في باقي الأيام فهم يلبسون كغيرهم من أبناء المجتمع الفلسطيني باستثناء الكهنة اللذين يلبسون الجبة والعمامة الحمراء على الرأس.[ar 7]
الموسيقى السامرية فولكلور بحدّ ذاته هي أنغام تُرَتَّل بدون أدوات موسيقية مساعدة وهذا التقليد متوارث من جيل إلى جيل عبر 135 سلالة.[ar 7] لها قافية مميّزة تُرَدَّد على وتيرة قياسيّة مجرّدة وعذبة، تعلّم لأفراد الطّائفة السامريّة منذ نعومة أظفارهم على أيدي معلّمين يتقنون الموسيقى السامريّة جيّداً، يُحَافَظ على الأنغام السامريّة التي تضمّ حوالي ألف نغمة مختلفة، يردّدها السامريّ بإيقاعات تختلف باختلاف الأوقات والمناسبات، انتقلت من جيل إلى جيل عبر عشرات السّلالات وهي فلكلور بحدّ ذاته يروي حكاية السامرييّن بأحلى صوره عبر التّاريخ.
للسامريين أعياد موسمية دينية، وهي عيد الفصح الذي يصادف الرابع عشر من الشهر الأول للسنة العبرية حسب التقويم العبري السامري، وفيه يصعد السامريين على قمة جبل جرزيم، ويبدأوا بالتهليل والتكبير والقيام ببعض الطقوس، ثم ينحروا ذبائحهم بأنفسهم، ويطعمون منها السامريين فقط.[ar 10][ar 11] وعيد الفطير الذي يصادف الخامس عشر من الشهر الأول للسنة العبرية، ذكرى خروج بني إسرائيل من مصر، ويستمر لسبعة أيام، يأكلون فيه فطير غير مختمر، وهو أول مواسم الحج السنوي إلى جبل جرزيم عند السامريين.[ar 2] وعيد الحصاد وهو ذكرى نزول التوراة والوصايا العشر على موسى، ويأتي بعد عيد الفصح بخمسين يومًا، حيث يصعد السامريون على قمّة جبل جرزيم للحج وتلاوة التوراة كاملة، وهذا الحج يعد الحج السنوي الثاني عند السامريين. وعيد المظال ويعرف بعيد العرش، يصادف اليوم الخامس عشر من الشهر السابع العبري مدته سبعة أيام، حيث يصعد السامريون إلى قمة جبل جرزيم، من أجل الصلاة والعبادة، وهو الحج السنوي الثالث عند السامريين. بالإضافة إلى أعياد رأس السنة العبرية الذي يوافق الأول من الشهر السابع العبري، وعيد الغفران ويوافق العاشر من الشهر السابع العبري، الذي يمتنع فيه السامريون عن تناول الطعام والشراب، ويعكفون على الصلاة في الكنيس لمدة يوم وليلة متواصلة دون انقطاع ويرتدون فيه ملابس ناصعة البياض.[ar 2]
Seamless Wikipedia browsing. On steroids.
Every time you click a link to Wikipedia, Wiktionary or Wikiquote in your browser's search results, it will show the modern Wikiwand interface.
Wikiwand extension is a five stars, simple, with minimum permission required to keep your browsing private, safe and transparent.