Loading AI tools
معركة وقعت بين الدولة العثمانية بقيادة السلطان مراد الثاني وبين تحالف قوات صليبية أوروپية عام 1444م، وتم القضاء فيها على الجيش الصليبي وإنها من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
معركة ڤارنا أو وارنة (باللغة التركية العثمانية: وارنه محاربەسى) (بالتركية: Varna Muharebesi)، آخر الحملات الصليبية ضد الدولة العثمانية في العصور الوسطى،[8][9][10] وآخر معركة في حملة ڤارنا الصليبية،[11] وإحدى الحروب التي غيرت مجرى التاريخ في المنطقة ووطدت مستقبل العثمانيين لأكثر من أربعة قرون بعدها في منطقة البلقان.[12][13] وقعت «معركة ڤارنا» يوم «الخميس» (هناك اختلافات في التقاويم لحساب اسم هذا اليوم من الأسبوع) بتاريخ 28 رجب 848هـ الموافق في 10 نوڤمبر 1444م،[13][14][15] بالقرب من مدينة ڤارنا البلغارية الواقعة غرب البحر الأسود، بين الدولة العثمانية بقيادة السلطان مراد الثاني، وقوات الحملة الصليبية الأوروپيَّة بقيادة القائد السياسي والعسكري المُحنَّك يوحنا هونياد أكبر الولاة والنبلاء في المملكة المجرية والذي كان قائداً لكل القوات المسيحية المشتركة. أُختير ملك بولونيا والمجر ڤلاديسلاڤ الثالث (بالبولندية: Władysław) (ويُنطق بالپولندية: ڤواديسواڤ) [16] قائدا شرفياً على الجيوش الأوروپية في تلك المعركة التي انتهت بمقتله، كما شارك فيها «ميرچه الثاني» حاكم «الأفلاق»، والمندوب البابوي الكاردينال «يوليان سيزاريني» وأساقفة محاربون آخرون.
معركة ڤارنا | |||||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
جزء من حملة ڤارنا الصليبية والحروب العثمانية في أوروپا | |||||||||
تحركات القوات المتحاربة أثناء المعركة | |||||||||
معلومات عامة | |||||||||
| |||||||||
المتحاربون | |||||||||
الدولة العثمانية | |||||||||
القادة | |||||||||
السلطان مراد الثاني |
| ||||||||
القوة | |||||||||
60,000 جندي[1] (15,000 جنود الإنكشارية، فرسان السپاهية، جنود النخبة من قوات السلطان)
|
عدة مصادر:20,000[3] /
24,000[4] / 30,000[5][6] | ||||||||
الخسائر | |||||||||
غير معروف | 15 الف | ||||||||
تعديل مصدري - تعديل |
وقَّع السلطان مراد الثاني هُدنة لمدة عشر سنوات مع المجر، وأقسم ملك المجر على الإنجيل والسُلطان مراد الثاني على القُرآن الكريم على عدم مُخالفتهما شُرُوط هذا الصُلح ما داما على قيد الحياة.[17]
نقض الصليبيون والبابا عهد الصلح الذي عقدوه مع العثمانيين خلال أيام بعد أن نفّذ العثمانيون شروط العهد من جانبهم وسلَّموا عدة بلاد ومدن للصليبيين، فحنث الملك الصليبي باليمين الذي أقسمه على الإنجيل ولم يُنفذ بنود معاهدة الصلح وغدَرَت الدول الصليبية بأن حشدوا جيوشهم بدون إعلان حرب أو إلغاء للمعاهدة وساروا قاصدين مدينة ڤارنا الواقعة على ساحل البحر الأسود في بلغاريا يُذبِّحون في طريقهم المسلمين الآمنين بالصلح في المدن والقُرى الواقعة على مسار الجيش، كي يلتقوا بالسفن الصليبية عند ڤارنا ويستقلونها ثم يُباغتوا أدرنة عاصمة الدولة العثمانية، إلا أن خبرهم بلغ السلطان مراد الثاني فأسرع بتعبئة ونقل القوات عبر المضيق البحري في سباق مع الزمن ولحق بالصليبيين عند مدينة ڤارنا قبل أن يلتقوا السفن الصليبية وحَصَرَهُم فلم يستطيعوا الانسحاب، فوقعت معركة ڤارنا على غير ميعادٍ.
على الرغم من قوة العثمانيين في المعركة والتي يُقدِّرُها البعض بالضِعف أو الضِعفين بسبب عدم اكتمال الجيوش الصليبية يومئذٍ، إلا أن المعركة العنيدة كان من الممكن أن تنتهي لصالح الصليبيين بحسب المصادر الغربية حتى تهور الملك ڤلاديسلاڤ الثالث وقرر قتل السلطان مراد الثاني شخصياً وهرع في كتيبة فرسانه الخاصة إلى الهجوم على المقر السلطاني أثناء المعركة على خلاف الخطة، فقتله جنود الإنكشارية العثمانيون وحزّوا رأسه ورفعوها على حربة، فهرب باقي الجنود الصليبيين وتعرَّض الصليبيون لهزيمة كاملة ثقيلة.[18]
ظلت الدولة العثمانية بعد نصرها الساحق آمنة لعدة عقود من أية محاولات أخرى جادة لطردها من أوروپا، وكانت تلك المعركة هي آخر محاولة في القرون الوُسطى لدفع العثمانيين خارج جنوب شرق أوروپا، وامتد الأثر السياسي تلك المعركة بضعة أعوام بينما امتد أثرها العسكري لعدة قرون في شبه جزيرة البلقان ومهدت لفتح القسطنطينية بعدها بتسع سنوات.
لم تُشارك الإمبراطورية البيزنطية بجنودها في معركة ڤارنا ضد العثمانيين خوفًا من ضياع مدينة القسطنطينية إذا فقدت جنودها في المعركة، وكانت القسطنطينية هي آخر ما تبقى لهم من أملاك.[19] ولكن كنتيجة لهذه المعركة، قوي موقف العثمانيين في شبه جزيرة البلقان وعانى الصليبيون المنهكون من هزيمة أخرى وحشية عام 1448م في معركة كوسوفو الثانية، منعتهم من محاولة استعادة شبه الجزيرة من الدولة العثمانية، فتمهّد بذلك الطريق إلى فتح القسطنطينية عام 1453م بعد معركة ڤارنا بتسع سنوات، وفتحها السلطان اليافع محمد الثاني ابن السلطان مراد الثاني، فتلقَّب بالفاتح.
لفتت معركة ڤارنا النظر إلى التكتيكات المختلفة التي طُبِّقت في ملاقاة القوات المضادة.[15]
إن النتائج الحقيقية المهمة لهذه المعركة حدثت في المجال السياسي، فبهذا النصر استعاد السلطان مراد الثاني قوته في السياسة الداخلية، ووقعت المجر وبولونيا في أتون المشاكل الداخلية والبحث عن ملك جديد، وتزعزع بعنف الاعتقاد بأن العثمانيين قد طُردوا من أوروپا، وأصبح العالم الغربي الذي تضاءلت حماسته وإقباله على لم الشمل، متشائماً.[15]
بُذلت المحاولات في الغرب لعدة قرون منذ القرن الخامس عشر الميلادي لتفسير كارثة ڤارنا والعثور على المسؤولين عن الهزيمة، واستمرت هذه المناقشة حتى نهاية القرن العشرين.
قامت «معركة ڤارنا» بناء على خطّة القُوى المسيحية الصليبية بقيادة البابوية والمجريين المدعومين من البيزنطيين، الرامية إلى طرد العثمانيين من شبه جزيرة البلقان ونزول القوات الصليبية بأدرنة عاصمة العثمانيين، والاستيلاء على المكان والقضاء على التهديد العثماني تمامًا.[13][15] كانت «معركة ڤارنا» هي المعركة الأخيرة التي أنهت حملة ڤارنا الصليبية التي بدأت رسميا يوم 1 يناير 1443م بمرسوم بابوي صادر عن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية بتوقيع البابا إيجين الرابع بابا الكنيسة الكاثوليكية.[20]
في اجتماع بمدينة أورشوڤا أُعطي يوحنا هونياد القيادة العليا للجيوش الصليبية ليقود قوات التحالف الصليبي المُكوَّن من مملكة المجر ومملكة بولونيا والاتحاد الكرواتي المجري والتاج البوهيمي (التشيك حالياً) ودوقية ليتوانيا الكبرى وإمارتيّ الأفلاق والبغدان (تُشكلان جزء من رومانيا الحالية) والمتمردين البلغار والإمبراطورية الرومانية المقدسة والدولة البابوية والفرسان التيوتونيين.[21][22][23] تصاعدت حملة ڤارنا الصليبية خلال عدة معارك، وعُرفت أيضاً باسم «الحملة الطويلة»، وبلغت تلك المعارك ذروتها بانتصار عثماني حاسم على التحالف الصليبي في «معركة ڤارنا» التي قُتل فيها ملك بولونيا والمجر الملك ڤلاديسلاڤ الثالث كما قُتل المندوب البابوي الكاردينال «يوليان سيزاريني» (بالإيطالية: Giuliano Cesarini, seniore)، وأساقفة آخرون كانوا قادة محاربين على قوات صليبية، وأعداد غفيرة من الصليبيين.
في بداية سنوات حملة ڤارنا الصليبية بين عاميّ 1443-1444م، أوقع الصليبيون عدة هزائم بالعثمانيين من جهة الغرب بينما تمرد من جهة الشرق الداماد «إبراهيم بك الثاني» حاكم إمارة قرمان (باللغة العثمانية: قره مان) المجاورة لإمارة العثمانيين في الأناضول ونهب المدن العثمانية، مما اضطر السلطان العثماني مراد الثاني الذي أُجبر على قتال الصليبيين في الروملي وقتال الداماد «إبراهيم بك الثاني» في الأناضول للإسراع بإجراء تفاهمات لمعاهدة سلام مع الملك ڤلاديسلاڤ الثالث لمدة 10 سنوات كي يغادر الروملي مصطحباً الجيش العثماني إلى الأناضول ويتفرغ لتأديب إمارة القرمانيين الذين خانوا طعنوا العثمانيين من الخلف، إذ أن العثمانيين كانوا قد ساعدوا «إبراهيم بك الثاني» شخصياً للصعود إلى عرش إمارته ولكنه لم يحفظ للعثمانيين صنيعهم بعدها بل تحالف مع المجر سراً ليحاربا العثمانيين سوياً من الجهتين. فَسَّر العالم المسيحي - خطئاً - معاهدة سلام «أدرنة-سكدين» بأنها الخطوة الأولى في إزالة الإمبراطورية العثمانية من البلقان.
اكتملت اتفاقات صُلح «إدرنة-سكدين» عام 1444م، ووقّع السلطان مراد الثاني معاهدة السلام مع ملك بولونيا والمجر ڤلاديسلاڤ الثالث، وأقرَّ بموجبها إعادة استقلال الأراضي الصربية المتاخمة للمجر بعد أن كان العثمانيون قد فتحوها بأكملها واستولوا عليها، ووعد الطرفان بعدم عبور جيوشهما نهر الدانوب الفاصل بينهما لمدة 10 سنوات، وأقسم السلطان على القرآن الكريم وأقسم الملك على الإنجيل بألا ينقضا هذه المعاهدة. وفي أغسطس 1444م، نقل السلطان مراد الثاني العرش إلى ابنه السلطان محمد الثاني البالغ من العمر 12 عامًا، وقرر الابتعاد عن شؤون الدولة.[24]
استفاد الكاردينال المسيحي «يوليان سيزاريني» من هذا الموقف الذي انتقل فيه حُكم الدولة العثمانية إلى الطفل السلطان محمد الثاني عديم الخبرة بالسياسة أو القتال، وعلى رغم من وجود معاهدة صلح سارية مع العثمانيين، قام بإقناع الملك ڤلاديسلاڤ الثالث بالحنث بيمينه على الإنجيل في معاهدة السلام مع العثمانيين ومسامحته دينياً، واستبعدا تماماً أن يُرجع السلطان الطفل محمد الثاني أباه السلطان «المُعتزِل» ليقود الجيش العثماني بدلاً عنه، فأطاعه الملك ڤلاديسلاڤ الثالث وانطلق في حملة صليبية جديدة ضد العثمانيين فعبروا نهر الدانوب مخالفين معاهدة السلام، وذبحوا المسلمين بالمدن التي مرّوا عليها ظلماً وعدواناً بغير ذنبٍ حتى وصلوا إلى مدينة ڤارنا وعسكروا شمالها.[23][25][26]
ولكن حدث مالم يتوقعاه، إذ عاد السلطان مراد الثاني لقيادة العثمانيين وجمع جيشه بسرعة هائلة بل إنه استخدم أسطول جمهورية جنوة المسيحية الذين كان من المفترض أن يمنعوه من عبور المضيق بحسب دورهم في المخطط الصليبي، وأقنعهم بنقل كامل الجيش العثماني على سفنهم كي يعبر المضيق البحري من أرض الأناضول (آسيا الصغرى) إلى الروملي (أوروپا) وليسير الجيش العثماني بسرعة فائقة ويظهر فجأة في ڤارنا أمام الصليبيين الذين كانوا يتدارسون الانسحاب قبل مجيئه، ولتنشب معركة ڤارنا الفاصلة.[23]
استلم السلطان مراد الثاني العرش عام 1428م وكان عمره يومئذ 18 عاماً، وسرعان ما أعاد إلى أملاك الدولة العثمانية ولايات آيدن وصاروخان ومنتشا وغيرها من الإمارات الأناضولية التي استولى عليها تيمورلنك وفصلها عن إمارة العثمانيين عقب انتصاره على جدُّه السلطان بايزيد الأول في معركة أنقرة عام 1402م، أكبر معركة في القرون الوسطى من حيث عدد الجيشين. أعاد تيمورلنك حُكم تلك الإمارات إلى حُكَّامها القدامى ليدينوا له بالولاء بعد أن أسر السلطان بايزيد الأول وشرذم إمارة العثمانيين، وتم له ولاء أولئك الحكام تحت راية دولته الجديدة في الأناضول. استرد السلطان الشاب مراد الثاني إمارة القرمان،[27][28][29] وأكمل استرداد كل ما فصله تيمورلنك عن الدولة العثمانية حتى أعاد لها أملاكها القديمة كما كانت قبل هزيمة جدّه في معركة أنقرة.[14][30]
بعد استعادة أملاك العثمانيين السابقة جميعها في الأناضول، تفرّغ السلطان مراد الثاني لإعادة فتح البلاد الأوروپية التي استقلَّت من بعد موت جده السلطان بايزيد الأول؛ فحارب ملك المجر وفتح مدينة «كولمباز» الواقعة على الضفة اليُمنى لنهر الدانوب (واسمه بالعثمانية: «نهر الطونة»، أو نهر «الدونا» باللغة المجرية)، وأَلزم ملك المجر بالتوقيع على معاهدة يتخلى فيها عن البلاد الواقعة على الضفة اليُمنى لنهر الدانوب، بحيث يكون النهر فاصلاً بين أملاك الدولة العثمانية ومملكة المجر.[14]
في عام 1440م، حاصر السلطان مراد الثاني مدينة بلغراد عاصمة الصرب الحدودية والقلعة الرئيسية في المجر مدة ستة أشهر،[31] ولكنه لم ينجح في الاستيلاء علي القلعة لشدة الدفاع عنها فاضطُّر إلى العودة إلى الأناضول لوقف هجمات «القرمانيين».[32][33] وفي أثناء عودة العثمانيين من بلغراد إلى الأناضول وقعت بضعة مناوشات عسكرية على الطريق قام بها النبيل المجري يوحنا هونياد، ما أُطلق عليه «الحملة الطويلة». كان عدم نجاح العثمانيين في فتح بلغراد هذه المرَّة إنذاراً جديداً نبّه أوروپا إلى الخطر العثماني القادم وما قد ينطوي عليه المستقبل من فتوحات للعثمانيين في أراضيهم، وكان لابد من العمل بجدّ على الوقوف بوجه قوة العثمانيين المتنامية.[34]
لما رأى حاكم الصرب الديسپوت «جُريج برانكوڤيتش» (بالصربية: Đurađ Branković)(سيريلية صربية: Ђурађ Бранковић)(بالمجرية: Brankovics György) واسمه أيضاً «(جُريج) برانكوڤيتش»، أنه لن يقوى على مقاومة الدولة العثمانية، رضخ بأن يدفع جزية سنوية قدرها 50,000 دوقيَّة من الذهب البندقي إلى العثمانيين، وأن يُقدِّم للسلطان فرقة من جنوده للمساعدة أوقات الحروب، وأن يقطع علاقاته مع ملك المجر، وأن يزوج ابنته «مارا برانكوڤيتش» للسلطان مراد الثاني، وأن يتنازل أيضًا للعثمانيين عن بلدة «كروشيڤاتس» الواقعة وسط بلاد الصرب؛ لتكون حصنًا منيعًا للجنود العثمانيين لدرء أي فتن مستقبلية.[14]
ولكن في السنة التالية عام 841هـ/1439م، انشغل السلطان مراد الثاني بالحرب مع إمارة قرمان، فاستغل «جُريج برانكوڤيتش» ذلك ونقض الهدنة وثار في وجه الدولة العثمانية،[35][36][37] فتوجَّه السلطان مراد الثاني بجيشه من الأناضول إلى الروملي وسار إلى بلاد الصرب والمجر وفتح مدينة «سمندرية» (بالإنجليزية: Smederevo) الواقعة بالقرب من بلغراد عاصمة الصرب بعد حصار دام ثلاثة أشهر.[38][39] عندها فرَّ «جُريج برانكوڤيتش» إلى بلاد المجر محتميًا عند ملكها،[38][40] بينما أكمل السلطان مسيرته بعد فتح «سمندرية» وتوجه إلى بلغراد وحاصرها ستة أشهر ولكنه لم يتمكن من فتحها لشدة دفاع من بها من الجنود.[41][42]
وقعت المملكة المجرية في أزمة بعد وفاة «الملك سيغيسموند» عام 1437م، إذ تولى حكم المملكة المجرية من بعده صهره (زوج ابنته) وخليفته الملك ألبرت الثاني ملك ألمانيا الذي حكم مُدَّة عامين فقط ثم تُوفي عام 1439م هو الآخر، تاركاً أرملته أليصابت اللوكسمبورجية حُبلى بطفل لم يولد بعد هو: «لاديسلاس المشهور باليتيم» (أو: لازلو)، حفيد الملك سيغيسموند والوريث الشرعي لعرش المجر. ولكن بالطبع لم يُتوَّج «لاديسلاس» الرضيع من بعد وفاة أبيه في هذه الظروف الحرجة، وانتخب النبلاء المجريون بديلًا عنه ملكًا أجنبيًا هو الملك الشاب ڤلاديسلاڤ الثالث (بالبولندية: Władysław III Warneńczyk) ملك بولونيا ونصَّبوه على عرش المجر أيضاً رغم النزاعات المستمرة، راجين مساعدته في الدفاع عنهم ضد فتوحات العثمانيين المتلاحقة.
لم يَعُد الملك ڤلاديسلاڤ الثالث إلى وطنه مرة أخرى أبدًا بعد تتويجه ملكًا على المجر، بل بقي مُتولياً حُكم المملكة المجرية المضطربة بجوار النبيل المجري البارز يوحنا هونياد.[43] ساعد هونياد الملك الجديد من خلال تهدئة المقاطعات الشرقية، وفاز بمنصب كبير (بالمجرية: Nádor) في إمارة الأردل (ترانسيلڤانيا) وحمل مسؤولية حماية الحدود الجنوبية للمجر. وكان يوحنا هونياد ابنًا غير شرعي لملك المجر السابق ثم أصبح قائداً للمجر، وكان كاثوليكيًا متعصبًا هدفه الأوحد هو إخراج العثمانيين من البلقان وأوروپا؛ درس تكتيك الحرب العثماني بصورة جيدة وتمكن بذلك من الانتصار على بضعة جيوش عثمانية سارت إليه.[35][43][30]
أَمَّنَ ڤلاديسلاڤ وضعه في المجر بحلول نهاية عام 1442م، ورفض اقتراحاً عثمانياً بتوقيع السلام مقابل الحصول على مدينة بلغراد.[33][43]
كانت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية تتحزّب منذ زمن طويل للدعوة إلى حملة صليبية ضد العثمانيين، ومع نهاية كلاً من الحرب الأهلية المجرية في وقت واحد تقريباً مع مثلها في بيزنطة، أصبحت الكنيسة قادرة على بدء المفاوضات مع الدول المسيحية والتخطيط بشكل واقعي لإطلاق ائتلاف صليبي جديد، ولكن هذا لم يمنع إقامة هدنة مع العثمانيين مع الاستمرار في حشد الجهود الصليبية في نفس الآن.
وفي المقابل، يُعتقد أن السلطان مراد الثاني كانت لديه في هذا الوقت رغبة كبيرة للسلام بسبب عدة دوافع مجتمعة، هي:
في 6 مارس 1444م، أرسلت مارا برانكوڤيتش مبعوثًا إلى والدها «جُريج برانكوڤيتش» ديسپوت الصرب السابق وفتحت بذلك باب النقاش لبدء مفاوضات السلام مع الدولة العثمانية، مما أدّى لاحقاً إلى معاهدة سلام أعادت لوالدها «جُريج برانكوڤيتش» حُكم ديسپوتية الصرب.[33][46]
في 24 أبريل 1444م، أرسل الملك ڤلاديسلاڤ الثالث رسالة إلى السلطان مراد الثاني تُفيد بأن سفيره «ستويكا كيسدانيتش» (Stojka Gisdanić) مُسافر إلى أدرنة عاصمة العثمانيين بصلاحيات كاملة للتفاوض نيابة عن الملك، وطلب منه أنه بمجرد التوصل إلى اتفاق بينهما أن يحلف السلطان مراد الثاني اليمين على المعاهدة ثم يُرسل سفراءه مع المعاهدة إلى المجر، وعندها يُقسم الملك ڤلاديسلاڤ الثالث أيضاً عليها ويحلف اليمين هو الآخر.[33]
في اليوم نفسه الذي أرسل فيه الملك ڤلاديسلاڤ الثالث سفيره إلى السلطان مراد الثاني للاتفاق على الصلح، أضمر الملك نية الخيانة مُسبقاً وعقد المجلس التشريعي بمدينة «بودا» (بودابست) وأقسم أمام الكاردينال «يوليان سيزاريني» (بالإيطالية: Giuliano Cesarini, seniore) بأن يقود حملة صليبية جديدة ضد العثمانيين في الصيف.
في 12 يونيو 1444م، قَبِلَ الوفد المجري عرض السلطان مراد الثاني قبولاً مبدئياً،[47] ونتج عن ذلك اطلاق سراح الأسير «محمود بك جلبي الجندرلي» زوج أخت السلطان مراد الثاني فعاد إلى أدرنة عاصمة العثمانيين ووصلها في شهر يونيو 1444م.
أُجريت المفاوضات لإبرام معاهدة السلام بين يونيو وأغسطس 1444م، أولاً في مدينة أدرنة ثم في مدينة سكدين (بالإنجليزية: Szeged)، ومع ذلك لم يكن الصليبيون مهتمون تمامًا بالسلام خاصة مع قيام الكاردينال «يوليان سيزاريني» بالدفع من أجل استمرار الحملة الصليبية، واستطاع الكاردينال إيجاد حلاً من شأنه أن يتيح استمرار القتال والتصديق على المعاهدة.
وافق على تلك الهدنة من كان أكبر مؤيد لمطالبة «لاديسلاس اليتيم» عرش المجر، وبالتالي زال خطر نشوب حرب أهلية مجرية أخرى.[33]
في أغسطس 1444م وبمجرد أن أقسم السلطان مراد الثاني اليمين عليها، أُرسلت المعاهدة إلى مدينة سكدين المجرية (بالمجرية: Szeged) مع «سليمان بلطة أوغلي» (باللغة التركية العثمانية: بلطه أوغلو سليمان)(بالتركية: Baltaoğlu Süleyman) و«ڤراناس» الرومي (بالإنجليزية: Vranas أو Branas)، للتصديق عليها من قِبَل الملك ڤلاديسلاڤ، وهونياد، وبرانكوڤيتش.[48]
في 1 أغسطس، صادق الملك على المعاهدة في مدينة سكدين وأقسم اليمين المغلظة على الإنجيل بأن يحترم المعاهدة وأن يلتزم بما اتُفق عليه فيها.[49]
في 15 أغسطس 1444م، تم التصديق على المعاهدة في مدينة «ڤاراد» (بالمجرية: Várad) بأداء اليمين من قبل يوحنا هونياد، لنفسه و«نيابة عن الملك نفسه وجميع شعب المجر»، و«جُريج برانكوڤيتش» الصربي.
يُعتبر 15 أغسطس 1444م هو يوم إكمال القسم على «معاهدة سلام سيجيد» من الجانبين (تُسمَّى عند العثمانيين: معاهدة أدرنة-سكدين) وبها دخلت حيز التنفيذ.[14][33][50]
بحسب المؤرخ المجري «يوحنا دي ثوروجز» (بالمجرية: Thuróczy János)(بالألمانية: Johannes de Thurocz) (حوالي 1435م-1488/89م)، فإن الملك ڤلاديسلاڤ عيّن هونياد لتوقيع معاهدة السلام.
بعد إتمام المعاهدة مع المسيحيين في الروملي، صنع السلطان مراد الثاني السلام أيضاً مع الداماد «إبراهيم بك الثاني» حاكم إمارة قرمان في الأناضول في أغسطس 1444م، وكان الداماد «إبراهيم بك الثاني» قد انتهز فرصة انشغال السلطان مراد الثاني مع الصليبيين ونهب المدن العثمانية في الأناضول بما في ذلك أنقرة وكوتاهية، وكان ذلك أحد أسباب تعجل السلطان مراد الثاني في توقيع المعاهدة مع المجر.[51] وفي هذا الخصوص، أفتى مؤرخ الدولة المملوكية بالقاهرة الفقيه الشافعي ابن حجر العسقلاني (المتوفي 1448م) والفقيه الحنفي سعد الدين ديري (المتوفي 1462م)، بوجوب قتل الداماد «إبراهيم بك الثاني» إن لم يَتُب ويستغفر، بسبب طعنه العثمانيين من الخلف أثناء جهادهم الكفار.[30][35]
يُشتبه في أن «جُريج برانكوڤيتش» ديسپوت الصرب الذي حقق أكبر استفادة من هذه المعاهدة بعودة إمارته إليه، بأنه قد أتم مفاوضاته الخاصة مع «سليمان بلطة أوغلي»، إلا أن نتائج تلك المفاوضات غير معروفة كونها لم تصل الباحثين.
حصلت إمارة الصرب وإمارة الأفلاق بمقتضى المعاهدة على استقلالهما، أما المجر فقد كان هناك عدد من النقاط الاستراتيجية الأخرى مثل انسحاب العثمانيين من الأرناؤوط ودفع السلطان مبلغ كبير قدره 100,000 فلورين كتعويض.[49]
كان من أسباب عقد الصلح بين الدولة العثمانية ومملكة المجر ما يلي:
في 22 أغسطس 1444م، وبعد أسبوع واحد من انتهاء المفاوضات، استعاد «جُريج برانكوڤيتش» أراضيه في الصرب بادئاً باستلام مدينة سمندرية في نفس ذلك اليوم بعد أن أخلاها له العثمانيون.[56] وخلال نفس الأسبوع أيضاً، عرض الملك ڤلاديسلاڤ عرش بلغاريا على يوحنا هونياد[56] بُناءً على توصية الكاردينال «يوليان سيزاريني» الذي ظل يَحُثُّ الملك على التخلي عن قَسَمه الذي أدّاه للعثمانيين والوفاء بقسَمِه الذي قطعه للمسيحيين بغزو العثمانيين في الخريف.[57]
بحلول منتصف سپتمبر، تم الانتهاء من جميع عمليات نقل المدن والقلاع والأراضي، سواء تلك التي نصت عليها المعاهدة أو تلك المتعلقة بالمفاوضات الأساسية، مما سمح للحملة الصليبية بأن تصبح محور اهتمام المجر الرئيسي.
بعد إتمام الصلح تُوفي في أماسيا الشاه زاده «علاء الدين» چلبي (بالتركية: Alaüddin Çelebi) أكبر أبناء السلطان مراد الثاني وكان عمره 18 سنة، [30] ولقبه: «أولو» أي: الكبير، [58] والذي كان يعده السلطان لخلافته، [36] جراء سقوطه من على جواده أثناء رحلة صيد، فحزن عليه السلطان وشعر بالتعب من أعباء السلطنة وازداد هم الدُنيا عليه، فتنازل عن المُلك لابنه محمد الثاني الذي عٌرف فيما بعد بمحمد الفاتح والبالغ من العمر 12 عامًا آنذاك، وانقطع السلطان مراد الثاني لِلعبادة، وأقام بعيداً عن العاصمة إدرنة.[13][31]
اعتبر الطرفان: العثماني والمجري أن هذه الاتفاقية بمثابة فرصة لالتقاط الأنفاس، وخصوصًا بعد سلسلة طويلة من الصراعات والحروب، ولكن الملك ڤلاديسلاڤ والكاردينال سيزاريني نقضاها سريعاً بعد فترة وجيزة.[19]
على الرغم من مفاوضات المعاهدة، إلا أن التخطيط للحملة الصليبية ظل مستمراً واستعداداتهم المحمومة للمعركة ضد العثمانيين التي انتهت وصولاً بمعركة ڤارنا مروراً بالمحطات التالية:
تنازعت المَلِك ڤلاديسلاڤ الثالث عدة تجاذبات تحثه على إتمام السلام مع العثمانيين وضغوط أخرى تدفعه إلى المضي في شن الحملة الصليبية ضدهم، فمثلًا انتشر تصريح للملك ڤلاديسلاڤ الثالث عن «مفاوضات السلام» التي يُجريها مع العثمانيين مما تسبب في ممارسة ضغوطٍ إضافية عليه من مؤيدي فكرة «الحملة الصليبية» من أجل دفعه للتخلي عن إتمام السلام مع الدولة العثمانية،[48] وفي نفس الأثناء كانت هناك حرباً أهليةً في بلده الأصلي بولونيا وطالب فصيل هناك بعودة الملك ڤلاديسلاڤ الثالث من المجر لإنهائها مما يستدعيه لإتمام السلام مع العثمانيين لتأمين الجبهة معهم قبل العودة إلى بولونيا، كما أن الخسائر التي وقعت خلال فصل الشتاء الأسبق كانت كلها دلائل ضد استمرار الحرب.[48]
آمن المندوب البابوي الكاردينال «يوليان سيزاريني» بقوة في الحملة الصليبية وضَغَطَ على الملك ڤلاديسلاڤ الثالث للمضي فيها وليُكرِهه على الخروج في حملة صليبية برغم سريان معاهدة أدرنة-سكدين مع العثمانيين. كان الملك متحرجاً من النكوث عن يمينه الذي أقسمه على الإنجيل، ولكن نجحت الدبلوماسية البابوية التي مَثّلها الكاردينال «يوليان سيزاريني» في إقناع الملك ڤلاديسلاڤ الثالث ملك بولونيا والمجر بأن نقض العهد مع المسلمين لا يُعدّ حنثاً بالعهد أمام الله وأحلّه البابا من القَسَم،[31] وعلى الرغم من مرور فترة وجيزة جداً من الوفاء بجميع المتطلبات «قصيرة الأجل» للمعاهدة، إلا أن المجريون استأنفوا وحلفاؤهم الحملة الصليبية ضد العثمانيين.
على الرغم من أن الملك ڤلاديسلاڤ الثالث كان قد أقسم على الإنجيل بأنه لن يخلّ بالمعاهدة، إلا أنه حصل على فتوى دينية من البابوية تتيح له الإخلال بالاتفاق وبحنث اليمين التي أدّاها للعثمانيين حتى ولو كان قد أقَسَم على الإنجيل، و جاء في تلك الفتوى: «لمَّا أنَّ الأتراك يُنكرون ألوهية عيسى فهم كُفار، ومع الكفار يجوز الإخلال بالاتفاق حتى ولو كان هناك قسم على الإنجيل».[60][61]
لم يكن الملك ڤلاديسلاڤ الثالث هو الشخص الوحيد الذي أُكره على المضى في الحملة الصليبية على العثمانيين، ففي 24 يونيو 1444م قام الرحَّالة الإيطالي «تشيرياكو دي بيتسيكولي» (بالإيطالية: Ciriaco de' Pizzicolli) الذي عُرف بنشاطه في النهضة الإنسانية، بالكتابة إلى هونياد وأرسل له رسالة تَوَسُّل لتجاهل السلام، زاعماً فيها كذباً بأن الأتراك مرعوبون وأنهم «يُعِدّون جيشهم للانسحاب بدلاً من دخولهم المعركة»، وتابع قائلاً بأن المعاهدة ستسمح للسلطان مراد الثاني «بالانتقام من الهزيمة التي ألحقها به هونياد في الماضي القريب»، وأن المجر والدول المسيحية الأخرى يجب أن تغزوا تراقيا بعد «إعلانِ حربٍ يستحق الدين المسيحي».[48]
ونتيجةً لكل ما سبق وبناءً على دعوة المندوب البابوي الكاردينال «يوليان سيزاريني»، طمأن الملك ڤلاديسلاڤ الثالث حلفائه في الثاني من يوليو عام 1444م بعزمه على قيادة الحملة الصليبية وأعلن أنه سيتوجه إلى مدينة «ڤاراد» (أوراديا حاليا) (بالمجرية: Várad) (بالتركية: Varat) في 15 يوليو 1444م لتكوين جيش صليبي، [57] ثم أعطى تاج العرش البلغاري لهونياد بُناء على توصية الكاردينال.[56]
تعاونت المجر مع البندقية والبابا يوجين الرابع لتنظيم جيش صليبي جديد بقيادة النبيل المجري يوحنا هونياد المُلقّب «بالفارس الأبيض»،[58] والملك ڤلاديسلاڤ الثالث، وكان هدفهم الرئيسي هو الدفاع عن المجر ضد العثمانيين، ثم مهاجمة أدرنة لاحقاً وهي عاصمة العثمانيين يومئذٍ،[62] وجهَّزوا جيوشا لمحاربة الدولة العثمانية وشكَّلوا جيشاً كبيراً من قوات عدة دول أوربية ليهاجموا العثمانيين وشجعهم في ذلك:
اجتمعت كل الأسباب السابقة لدى الصليبيين لتبنِّي إستراتيجية المواجهة والحرب على الدولة العثمانية رغم سريان المعاهدة. وعلى النقيض من ذلك، كانت الظروف مواتية في الدولة العثمانية لتبني إستراتيجية السلام بعد تأمين الحدود وعقد معاهدات السلم.
فبعد توقيع المعاهدة، أخضع السلطان مراد الثاني إمارة قرمان بنهاية أغسطس 1444م،[58] وتوقّع أن تُعطي الشروط المواتية الممنوحة في كل من معاهدة سلام أدرنة-سكدين والتسوية مع الداماد «إبراهيم بك الثاني» حاكم إمارة قرمان سلامًا دائمًا للدولة العثمانية، وترك كل ذلك انطباعاً لدى السلطان مراد الثاني وقناعةً بأن حدوده آمنة، وكان السلطان قد بلغ الأربعين من عمره آنذاك وناله من الإجهاد ما ناله، فتنازل طواعية عن المُلك لابنه محمد الثاني (الفاتح) وانقطع لِلعبادة في مغنيسية بعيداً عن العاصمة ومشاغل السياسة والحرب مطمئناً على ولده محمد الثاني لأن بينه وبين أوروپا معاهدة لعشر سنوات يكون ولده قد كبر واشتد عوده أمامهم.[63]
استعمل يوحنا هونياد الكثير من ممتلكاته وأمواله لتهيئة الجيوش في سبيل صد العثمانيين في البلقان، وجعلته انتصاراته السابقة يرتقي منصبا عاليا في المملكة المجرية، وتملَّك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والمدن والقلاع، وكان نفوذه الأكبر في بلاده بحيث أنه لم يضاهه أي نفوذ آخر، ومنحه البابا پيوس الثاني لاحقاً لقب «بطل المسيح». لم يكرِّس هونياد قوته في سبيل السيطرة على عرش المجر التي كان يمتد نفوذها إلى رومانيا المعاصرة وأجزاء من البلقان وغيرها.
وفقا لرسالة من «جُريج برانكوڤيتش» ديسپوت الصرب، أنفق يوحنا هونياد أكثر من 63,000 فلورين ذهب لتوظيف المرتزقة في النصف الأول من العام.[64]
رفض «جُريج برانكوڤيتش» أن ينضم للجيش الصليبي في المعركة بعد توقيعه المعاهدة التي استرد بها أملاكه سلمياً من العثمانيين، فقد كان يرغب في السلام أيضاً مثل السلطان، وكانت ابنته مارا برانكوڤيتش متزوجة من السلطان مراد الثاني أيضًا.[55][25][45][65]
في 22 سپتمبر تحرك الصليبيون من المجر،[56] يُريدون التقدم باتجاه البحر الأسود عبر جبال البلقان. [66][67]
كانت نقاط تجمع الجيش الصليبي هي قرية «ڤارادين» (بالإنجليزية: Varadin) (حاليًا: مدينة أوراديا في رومانيا) و«طمشوار» (بالرومانية: Timișoara) في غرب رومانيا.[49]
لم تكن الدولة العثمانية قد علمت حتى ذلك الحين بنقض المندوب البابوي الكاردينال «يوليان سيزاريني» للمعاهدة وتسييرهم الجيش الصليبي من المجر.
عبر الصليبيون نهر الدانوب في الفترة من 18 إلى 22 سبتمبر 1444م، ثم دخلوا مدينة «نوڤي پازار» (واسمها بالتركية: «يني پازار») جنوب غرب صربيا في 24 أكتوبر وذبحوا المسلمين في المدينة. في 26 أكتوبر 1444م، نفذوا المذبحة نفسها في شومن (بلغاريا)، وتيرنوڤو (مقدونيا الشمالية)، وبريڤادي (بلغاريا)، وريتريك (Retric) وميهاليتش (بلغاريا)(بالإنجليزية: Mihalich).
في 9 نوفمبر 1444م، وصل الجيش الصليبي إلى ڤارنا واستولى على قرى «غلطة حصار» و«ماكروپوليس» و«كاڤارنا» و «كالي ياكرا» في جنوب المدينة وأنشأ معسكره في الجزء الشمالي من مدينة ڤارنا.[13][23]
كان عمر السلطان محمد الفاتح 14 عاماً حين فسخ الصليبيون الهدنة سراً مع الدولة العثمانية بعد مرور خمسون يومًا عليها.[68]
تحرك الجيش المجري في 20 سپتمبر 1444م من مدينة سكدين متجهين جنوباً، ووصلت الأخبار إلى السلطان محمد الثاني بواسطة الصدر الأعظم خليل باشا الجندرلي بأن المجر غدرت باتفاقية الصُلح وعبرت الحدود المُتفق عليها وأغاروا على بلاد البلغار غير مراعين لشروط الهدنة.
كان السلطان يعلم أنه صغير السن وعديم الخبرة لمقاومة تحالف ضخم كهذا بنجاح، ولأنه كان ذكيًّا فقد أسرع بجمع مجلس شورى السلطنة العثمانية، وإزاء هذه التطورات قرروا استدعاء السلطان مراد الثاني إلى العرش مرة أخرى، فاستدعى السلطان محمد الثاني والده السلطان مراد الثاني للعودة إلى العرش وقيادة الجيش في المعركة، لكن السلطان مراد الثاني لم يقبل بذلك ورفض قائلاً: «لقد كان هدفنا من مَنح السلطنة إلى ابننا مُحمَّد هو قضاء ما بقي من عمرنا في الطاعة والعبادة، وعليه أن يحافظ على الدِّين والدولة بموجب هذه السلطنة».[41][48][54][60][69]
غضب السلطان محمد الثاني على والده الذي تقاعد منذ فترة وانقطع في جنوب غرب الأناضول لرغبته الشخصية في التفرُّغ لِلعبادة والطاعة لله بعمر 41 عاماً إذ كان السلطان مراد الثاني تقيًّا مخلصاً في إسلامه عاش حياةً مستقيمة وجديَّة ونزيهة، فكتب إلى والده قائلاً: «إِن كُنتَ سُلطَانًا فَظَاهِرٌ أَنَّ عَلَيكَ مُحَافَظَةُ البِلَادِ وَالعِبَادِ، وَإِن لَم تَكُن سُلطَانًا فَيَجِب عَلَيكَ طَاعَةُ السُّلطَانِ وَامتِثَالُ أَمرِه».[70] وبعد أن تلقي السلطان مراد الثاني هذه الرسالة وافق على العودة لقيادة الجيش العثماني، فغادر مغنيسية وأعدّ الجيش للقاء الحملة الصليبية ليباغتها لاحقاً عند مدينة ڤارنا على شاطئ البحر الأسود قبل وصولهم إلى العاصمة إدرنة كما سيأتي تفصيله.[31]
تذكر بعض المصادر أن «جُريج برانكوڤيتش» ديسپوت الصرب كان قد أخبر السلطان بقدوم حملة يوحنا هونياد الصليبية.[71]
تحركت الجيوش الصليبية البَرِّيَّة في الروملي (أرض أوروپا) لغزو أدرنة عاصمة الدولة العثمانية الواقعة في الروملي، مستغلين عُزلة السلطان القوي مراد الثاني وتنحيه طوعً عن العرش بعيداً في الأناضول (آسيا الصغرى) ومستفيدين من تواجد السلطان اليافع محمد الثاني حاكماً رسمياً للعثمانيين وعدم درايته بقيادة الجيوش وأعمال التعبئة والحرب، مع تواجد الجيش العثماني في الأناضول بعيداً عن الروملي، واستندت استراتيجيتهم في ذلك على العوامل البحرية في المعركة:
اعتمد الصليبيون على إسناد الأسطول البحري المسيحي الذي كان يتكون أساسًا من السفن البابوية والبندقية، فكان دور ذلك الأسطول أن يمنع القوات الرئيسية للسلطان مراد الثاني المتواجدين في آسيا الصغرى (الأناضول) من عبور مضيق الدردنيل أو مضيق البوسفور إلى الروملي (أوروپا)، مما يتيح فرصة تقدم سريع للصليبيين في الروملي.[23]
ولكن تبين أن هذا التصور صعب التنفيذ من الناحية الفنية لأن المدفعية العثمانية كانت تحرس ضفتي المضائق. ولذا، أبحرت السفن البابوية والبندقية إلى ڤارنا بعدما دخلت مضيق الدردنيل تحت قيادة «ألڤيس لوريدان» لنقل الجيوش الصليبية من ڤارنا إلى القسطنطينية بحرياً بدلاً من زحف الجيش براً في الأراضي العثمانية وما يستتبعه من تأخر في الوصول بسبب المقاومة والمناوشات العسكرية المُتوقعة في الأراضي العثمانية.
وبالتوازي مع التحركات البحرية، تحرك الجيش الصليبي أيضاً في نفس الوقت باتجاه مدينة ڤارنا، وعلى طول طريق تقدّم الجيش، دعا الملك ڤلاديسلاڤ حاميات القلاع العثمانية التي صادفتهم إلى الاستسلام، ولكنهم دافعوا جيداً عن أنفسهم مما أدَّى إلى إبطاء تقدم الجيش المجري، فقرر الصليبيون تجاوز الحصون العثمانية الصعبة إن لم يستطيعوا الاستيلاء عليها.
خلال مسير الجيش الصليبي إلى ڤارنا انضم إليه الكثير من المحاربين مثل:
ذهب «ڤلاد الثاني دراكول» أمير الأفلاق مُسرعاً لملاقاة ڤلاديسلاڤ الثالث ملك بولونيا والمجر ليحاول ثنيه عن مواصلة الحملة الصليبية على العثمانيين، فالتقاه بالقرب من نيقوپوليس. عن هذه الواقعة، يُخبر الكاتب والشاعر والمؤرخ الإيطالي الأصل «فيليپ بوناكورسي» (بالإيطالية: Filippo Buonaccorsi) (2 مايو 1437م - 1 نوڤمبر 1496م) الذي تكنّى «بكالّيماخوس» (بالإنجليزية: Callimachus) على اسم الشاعر اليوناني القديم كالّيماخوس (باليونانية: Καλλίμαχος)، وكان «فيليپ» على صلة وثيقة بالبلاط البولوني حتى أصبح مُعلماً ومُربياً لملك بولونيا «يان الأول ألبرت» في صباه ويٌعتبر مؤرخاً بولونياً،[72] فذكر أن قادة الحملة الصليبية لم يستمعوا «لڤلاد الثاني دراكول» فعاد إلى الأفلاق بعد أن ترك ابنه «ميرچه الثاني» على قيادة وحدة مساعِدة مكونة من 4000 (وفي مصدر آخر:[بحاجة لمصدر] 7000) من سلاح الفرسان الأفلاقيين، شاركوا جميعهم لاحقاً في معركة ڤارنا، ثم بعد الهزيمة الثقيلة التي مُني بها الائتلاف الصليبي في ڤارنا، قاد «ميرچه الثاني» ما تبقى من وحدته والقوات المسيحية هارباً عبر نهر الدانوب.
تفاجأ الصليبيون بخبر رجوع السلطان مراد الثاني من عُزلته وتوليه قيادة الجيش العثماني، وبأنه نقل قوات الأناضول سريعاً من آسيا الصغرى إلى الروملي عبر المضيق بفضل مساعدة أسطول جنوة (مقابل بعض المال)، ثم تقدُّم العثمانيين في الروملي باتجاه الصليبيين.
لم تصل السفن الصليبية إلى ڤارنا حسب الاتفاق فانعدم الطريق البحري، أما طريق الصليبيين إلى الجنوب عبر البرّ فانعدم أيضاً مع تقدّم الجيش العثماني تجاههم، وبذلك أُغلق طريق وصولهم إلى العاصمة إدرنة وأصبحت القوات الصليبية في وضع خطير مُهدَّدين بوصول القوات العثمانية إليهم، بينما لم تصل قوات صليبية أخرى كان من المفترض مشاركتها في الحملة.
تحت هذه الظروف، كان تراجع الصليبيين من خلال الوادي الضيق لنهر «پروڤاديا» (بالإنجليزية: Provadia)(بالبلغارية: Провадия) بشمال شرق بلغاريا خطير جدا عسكرياً إذا حدث وأطبق عليهم العثمانيين وهم محصورون بالوادي،[73] لذا قرر ڤلاديسلاڤ وهونياد الذهاب من الطريق الآمن الوحيد الموصل إلى مدينة ڤارنا لكي يتراجعوا منها وينسحبوا شمالاً نحو «دبروجة» (بالإنجليزية: Dobruja)(بالبلغارية: Добруджа) الواقعة نحو 50 كم شمال ڤارنا.
في 9 نوفمبر 1444م، اقترب الجيش الصليبي من ڤارنا وخيَّم بعساكره خارجها، ولكن بعدها بقليل وفي نفس اليوم اقترب الجيش العثماني وخيَّم أيضاً غرب مدينة ڤارنا. انحصر الصليبيون بين البحر الأسود وبحيرة ڤارنا والمنحدرات الحرجة على الحافة الجنوبية لهضبة فرانغا وفقدوا طريق الانسحاب شمالاً عن طريق البرّ، وأصبح البحر هو المهرب الوحيد والأمل في وصول الأسطول الصليبي الذي لم يصل أبداً، وحصرهم السلطان مراد الثاني.
عقد الصليبيون مجلساً عسكرياً فجر يوم 10 نوفمبر 1444م، واقترح فيه سيزاريني بناء «حصن العربات الحربية المتحركة»، وأن يُحاط المخيمَ بتلك العربات بحيث يمكن للجيش الصليبي أن يقبع فيه محتمياً ينتظر وصول الأسطول المسيحي ويكون الخيار للصليبيين عندئذ إما الإبحار هروباً أو مواجهة العثمانيين عسكرياً. قام كل من أسقف إيجر «سيمون روزغونيي»، و"بان" الكروات «فرانكو تالوتشي» والعديد من الفرسان المجريين والبولونيين وحتى الملك نفسه، بدعم رأي سيزاريني في بداية الأمر، حتى أخذ الكلمة هونياد في وقت لاحق ورفض الهروب والدفاع، وأثبت فشل التكتيكات الدفاعية وأوضح أن الاختباء وراء العربات الحربية لم يكن ليستحق عناء تكوين هذا الجيش الصليبي الذي كان يسعى بالأساس إلى تحقيق النصر على العثمانيين، وأبَانَ هونياد بأن «حصن العربات المتحركة» يمكن أن يكون فقط الغطاء الأخير لجيشٍ قد هُزم بالفعل وليس تكتيكا ناجعا لتحقيق النصر. ولأجل موقفه الحازم هذا تضامن معه الملك، وكُلِّفت القوات المسيحية كلها بالحرب تحت قيادة هونياد فأصبح قائداً للجيوش الصليبية مجتمعة لهذه المعركة القادمة.[74][55]
أرسل الصليبيون سفنهم الحربية إلى المضائق البحرية كي تمنع العثمانيين من إنزال قوات الأناضول إلى البلقان (أوروپا) عن طريق البحر، ولكي لا تلقي القوات البرّيّة مقاومة عند دخول إدرنة، فأغلقت السفن البابوية والبندقية والجنوية مضيقا البوسفور والدردنيل بقيادة «ألڤيس لوريدان» (بالإنجليزية: Alvise Loredan) أحد نبلاء البندقية وكان قبطاناً وقائداً عسكرياً له تاريخ طويل من المعارك حيث دافع عن سالونيك ضد العثمانيين أثناء المعركة التي أفضت إلى فتح المدينة، وشارك لاحقاً (بعد معركة ڤارنا) في الحرب العثمانية البندقية.[75][76]
دَعَمَ الأسطول الصليبي ثمانية سفن من الدولة البابوية، وخمسة من جمهورية البندقية، وأربعة بورغندية، واثنان من جمهورية راغوزة، وكان دورهم الأساسي يتلخص في أمرين:
عند وصول السفن إلى شبه جزيرة كليبولي، أبحر ثمانية منهم أو أكثر إلى البحر الأسود، ووصلوا إلى مصب الدانوب ودخلوا منه إلى النهر للقاء الجيش المجري.[13] دخلت السفن البابوية والبندقية مضيق الدردنيل ثم ذهبت مباشرة إلى ڤارنا لنقل الصليبيين إلى القسطنطينية.
كانت المدفعية العثمانية تحرس ضفتي المضيقين وبالأخصّ عند مضيق البوسفور.
نظراً لتمكّن الأساطيل البابوية والبيزنطية في تلك الفترة من مضيق الدردنيل جنوب غرب بحر مرمرة فلم يكن في إمكان السلطان مراد الثاني نقل الجيش العثماني من الأناضول إلى الروملي عن طريق شبه جزيرة كليبولي، واضطر السلطان مراد الثاني إلى أن يجتاز مضيق البوسفور شمال شرق بحر مرمرة.
تذكر المصادر العثمانية أن السلطان مراد الثاني أرسل قوة صغيرة إلى جنق قلعة الواقعة على الجانب الأناضولي لمضيق الدردنيل،[77] لخداع الصليبيين وإيهامهم بالاستعداد لعبور جيش الأناضول من هذا المضيق، ثم نقل كامل القوات سريعاً عبر مضيق البوسفور.[23]
وكان الصدر الأعظم خليل باشا الجندرلي والإنكشارية وجنود المدفعية ولابسي الدروع (بالتركية: cebeci) وجيش الروملي متجمعون في إنجغيز (بالتركية: İnceğiz) بالروملي قرب القسطنطينية بانتظار قدوم السلطان وجيش الأناضول، وعندما سمع خليل باشا الجندرلي أن السلطان قد وصل إلى مضيق البوسفور من الجانب الأناضولي، جاء مسرعاً إلى المكان الذي تقع فيه اليوم قلعة روملي حصار المعاصرة (بناها السلطان الغازي محمد الفاتح لاحقا عام 1452م) وكان ذلك الموقع من أنسب المواقع لعبور مضيق البوسفور إلى الروملي؛ فنصب المدافع التي أحضرها معه على التلال الواقعة هناك لحماية عبور القوات العثمانية، وهكذا، ولأول مرة في التاريخ، تمت السيطرة على البوسفور بواسطة نيران المدفعية.[23]
ارتكب الجنويون المسيحيون خيانة للصليبيين بما فيه مصلحة لجنوة، فبدلاً من منع العثمانيين من دخول أوروپا أو إعاقتهم، قاموا بنقل كامل الجيش العثماني إلى القارة الأوروپية على متن سفنهم، من الأناضول إلى الروملي مقابل مبلغ مالي قدره «دوقة» واحدة من عملة الذهب البندقي لكل جندي يُنقل، قبضه أحدهم.[67]
وبذلك تمكنت القوات الأناضولية من العبور بسلام بدون مقاومة.[78]
بعد نقل الجيش العثماني ونزوله الروملي (أوروپا)، تقدمت جيوش العثمانيين باتجاه ڤارنا فأصبح مسار الحملة الصليبية باتجاه الجنوب مغلقاً وأصبحت قوات الصليبيين بموقفٍ خطرٍ.
لم يستطع الأسطول الصليبي منع نقل الجيش العثماني من الأناضول إلى الروملي، وكان من المفترض أن يبحر أسطول البندقية شمالًا إلى مدينة ڤارنا لمقابلة جيش التحالف المسيحي الصليبي ونقله بحراً، ولكن البنادقة فشلوا في ذلك، ووقعت المعركة الحاسمة دون مشاركتهم، وتناقضت المصادر مع أسباب ذلك:
بالتزامن مع غلق الأسطول الصليبي لمضيق الدردنيل، كان الجيش المجري يتقدم تجاه ڤارنا كي يلتقي الأسطول البابوي عند البحر الأسود ويبحر على متنه جنوباً إلى القسطنطينية لدفع العثمانيين خارج أوروپا (الروملي).
تكوّن الجيش البابوي المختلط أساسًا من القوات المجرية والبولونية والبوهيمية، وبلغ تعداد تلك الجيوش مجتمعة 16,000 (أو 15 ألف في أقل التقديرات)، [55][25] وقوات الأفلاق 7000،[80] مع فصائل أصغر من التشيك والفرسان البابويين والفرسان التيوتونيين والبُشناقيين والكروات والبلغار والليتوان والروثينيين (أجداد السلاڤ الشرقيون حالياً).[81]
كان الجيش المجري مسلح بشكل ضعيف وكان ضعيف التنظيم ولم يكن لديهم تقريباً جنود مشاة باستثناء 100 إلى 300 من الرماة المرتزقة التشيك، وتضمَّن الجيش أيضا حوالي 100 عربة مع طواقمها.
كان مع الجيش 2000 عربة تحمل الذخيرة والمؤن والمهمات، وبعضها كان به الجنود حاملي البنادق.[13]
أما الجزء المتبقي فكان سلاح الفرسان الثقيل، وخاصة القوات الملكية والمرتزقة الأجانب، بالإضافة إلى عدد من ألوية النبلاء والأسقفيات، ولم يأت الدعم الذي وعدت به إمارات الأرناؤوط والقسطنطينية.[82]
انضم البلغار المحليون من ڤيدين وأورياهوفو ونيقوپوليس إلى الجيش أثناء مسيره، وشارك «فروزين» ابن قيصر البلغار «يُوحنَّا شيشمان» في الحملة مع حرسه الخاص.
في 10 أكتوبر بالقرب من نيقوپوليس، انضم أيضًا نحو 7000 من سلاح الفرسان الأفلاقي بقيادة «ميرتشا الثاني»، أحد أبناء «ڤلاد دراكول».[7]
شارك اللاجئون الأرمن الذين استقروا بمملكة المجر في حروب بلادهم الجديدة (المجر) ضد العثمانيين منذ معركة ڤارنا عام 1444م وما بعدها، حيث شوهد بعض الأرمن بين القوات المسيحية.[83]
ذَكَرَ الجندي المؤرخ الذي حضر المعركة «أندريس پالاتشيو» (بالألمانية: Andreas Pallatio) أن هونياد قاد «جيش الأفلاق»، مشيراً إلى وجود عناصر رومانية كثيرة في الجيش الشخصي ليوحنا هونياد.[84]
كان تقدم الجيش الصليبي بطيئاُ أول الأمر لانشغالهم بحصار القلاع العثمانية على طول الطرق وعدم استسلام الحاميات العسكرية بها، ثم أصبح التقدم سريعاً عندما قرروا تجاوز تلك الحصون. لكن بعد أن نقل الجنويون الجيش العثماني سريعاً إلى الروملي عبر البوسفور (وهناك مصادر تذكر الدردنيل) وأصبح مسار الحملة الصليبية باتجاه الجنوب مغلقاً، صار التراجع تحت هذا الظرف على طول الوادي الضيق لنهر «پروڤاديسكي» (Provadijsky) خطيرًا، فقرر ڤلاديسلاڤ وهونياد السير في الطريق الوحيد الخالي، ألا وهو الطريق إلى مدينة ڤارنا، كي يتراجعوا من هناك نحو دبروجة كما تقدم تفصيله.
وصل الصليبيون مدينة ڤارنا في 9 نوڤمبر 1444م وخيَّموا هناك في طريقهم إلى دبروجة، وفي أواخر نفس اليوم اقترب من ڤارنا أيضاً جيش عثماني كبير يضم حوالي 60,000 رجل (تضاربت المصادر حول حقيقة تعداد الجيش العثماني في المعركة)، قادمين من جهة الغرب وخيَّموا أمام الصليبيين.
تمكن السلطان مراد الثاني من الوصول إلى ڤارنا قبل وصول الأسطول الصليبي إليها، وبذلك حوصر الصليبيون على غير ميعاد في موقعهم هذا: بين الجيش العثماني من جهة الغرب، والبحر الأسود من الشرق، وبحيرة ڤارنا من الجنوب والتضاريس الوعرة إلى الشمال والمنحدرات الحرجة الشاهقة للحافة الجنوبية لهضبة فرانغا.[85]
كانت ساحة المعركة هي الساحل الشمالي لمستنقعات بحيرة ڤارنا التي تقع غرب مدينة ڤارنا، وهي منطقة جبلية تقع جنوب هضبة فرانغا التي يصل ارتفاعها 356 م، ومعظمها وديان ممتدة ومتناقصة بميل تدريجي من ناحية الشَمَال.[86]
كان موقع الصليبيين في الناحية الشرقية من ساحة المعركة ضعيفاً عسكرياً لأنه ليس لديهم طريق برِّيٌّ للهرب، أما العثمانيون فكانوا في الغرب في موقعٍ أفضلٍ عسكرياً.
تواجه الجيشان عند ڤارنا على غير ميعاد وتأزم موقف الصليبيين أمام جيش عثماني كبير يفوقهم عدداً ويحصرهم في الموقع الذي اختاروه للمبيت، فلم يستطيعوا إكمال الانسحاب، ولم تصلهم سفن الأسطول المسيحي، ولم ترسل بعض الممالك المسيحية جيوشها التي وعدت بها.
وللخروج من هذا المأزق العسكري الخطير أرسل يوحنا هونياد خلال الليل إلى المجلس العسكري الأعلى يدعوهم للإنعقاد في فجر يوم 10 نوفمبر 1444م للتشاور، فتكلّم فيه المندوب البابوي الكاردينال «يوليان سيزاريني» وأصرّ على الانسحاب السريع.
اقترح «سيزاريني» أن يتخذ الصليبيون وضعية الدفاع بواسطة تحصين العربات الحربية المتحركة الهوسيَّة حتى يمكن للجيش أن يقبع في الخفاء وينتظر وصول الأسطول المسيحي من البحر الأسود، وبعدها يكون يقرر الصليبيون إما أن يُبحروا أو أن يهاجموا العثمانيين.
وافقه في هذا الرأي كل القادة المجريون والكروات والتشيك، حتى الملك الشاب نفسه ڤلاديسلاڤ الثالث وكان عمره 20 عامًا، فدعم في البداية رأي «سيزاريني».
ولكن يوحنا هونياد رفض التكتيكات الدفاعية وأعلن أن: «الهروب أمر مستحيل، والاستسلام أمر لا يمكن تصوره. دعونا نقاتل بشجاعة ونُجِلُّ أسلحتَنا».
رضي ڤلاديسلاڤ الثالث عن هذا الموقف وأعطى هونياد القيادة وقال أن الاختباء الدفاعي وراء العربات لم يكن ليستحق عناء تجميع وتسيير هذا الجيش الذي يسعى لتحقيق النصر، وأن تلك العربات الدفاعية يُمكن أن تصلح فقط كملاذٍ أخيرٍ لجيشٍ قُد هُزم بالفعل.
قرر المجلس بكامله الدخول في المعركة والخروج إلى الميدان متأثرين بخطاب هونياد، وخاصة أن التقارير أفادت بأن الجيش العثماني قد بدأ بالفعل في نشر قواته وتجهيز الميدان للمعركة.
تولّى هونياد توزيع وقيادة الجيوش الصليبية فوزعهم بالتفصيل الآتي ذِكرُه.
حول هذه الواقعة، اعترف هونياد في وقت لاحق في رسالته إلى البابا يوم 11 مايو 1445م بأنه كان مخطئًا عندما دافع في المجلس العسكري ذاك عن استحالة الانسحاب، وكتب: «إن درجة مُعينة من الشجاعة المتهورة قد استولت على قلوبنا».[88]
حصن العربات الحربية المتحركة الهوسية (بالتشيكية: vozová hradba)(بالألمانية: Wagenburg) هو تحصين متحرك ابتدعه الهوسيون المسيحيون أتباع رجل الدين اللوثري التشيكي «يان هوس» (1369م-1415م) الذي حاول إصلاح الكنيسة الكاثوليكية فحورب.
طوّرَ الهوسيون التكتيكات العسكرية خلال حروب الهوسيين في القرن الخامس عشر وابتدعوا أسلوب دفاع العربات المُحَصَّنة لأول مرة في معركة نكمير (بالمجرية: Nekmíř) سنة 1419م.
عندما واجه جيش الهوسيون خصمًا متفوقًا عدديًا، شكلوا مربعًا من العربات المسلحة، وضَمُّوا تلك العربات إلى بعضها بسلاسل حديدية، ثم دافعوا عن التحصين الناتج ضد هجوم العدو.
كان مثل هذا المعسكر من السهل تأسيسه وغير مُعرّض عملياً لهجوم فرسان العدو.
يتكوّن حصن العربات الحربية المتحركة الهوسية من عدّة عربات مُرتبة على شكل «مستطيل» أو «دائرة» أو أي شكل مُغلق آخر، وقد تُربط العربات مع بعضها البعض فتكون بذلك معسكراً مُرْتَجَلاً للجيش أو حصن متحرك بحسب التكتيك العسكري المطلوب.
يتألف طاقم كل عربة من 18 إلى 21 جنديًا موزعين على الأعمال القتالية التالية:
تصطف العربات عادة لتُشكِّلَ مربعاً كبيراً، وعادة ما يكون الفرسان داخل هذا المربع أو الجيش بأكمله، فإذا اقترب العدو من العربة الحصينة أثناء المعركة، يأتي رجال القوس والبنادق من داخل العربات ويُحدثون المزيد من الإصابات في العدو من مسافة قريبة، فإذا نفذت الذخيرة، توجد حجارة مُخزَّنة في حقيبة داخل العربات للرمي بها. وبعد هذا الوابل الضخم من الرمي، يُحبط العدو من محاولة اختراق العربات.
هناك مرحلتين رئيسيتين للمعركة عند استخدام حصن العربة:
كانت مدفعية الهوسيين شكلًا بدائيًا من مدافع الهاوتزر الحديثة.
كانت الجيوش الصليبية المُحارِبة للهوسيين عادةً ما تكون من الفرسان ذوي التدريع الثقيل، وكانت تكتيكات الهوسيين ترمي إلى تعطيل الخيول المدرعة للفرسان حتى ينزل الفارس عن جواده وحينئذ يكون الفرسان الراجلون البطيئون أهدافًا أسهل للرماة.
وعندما يرى القائدُ الظرفَ مناسباً، تبدأ المرحلة الثانية من المعركة فيخرج الرجال الذين يحملون السيوف والأسلحة المُعلّقة التي تشبه مدراس القمح (بالإنجليزية: Flail) والحراب (بالإنجليزية: Polearm) ويهاجموا العدو المُنهَك.
قد يخرج سلاح الفرسان الهوسي من وسط العربات المحصنة إلى ساحة المعركة مع المشاة ويهاجم أيضاً، وعندها يتم القضاء على العدو قضاءً مبرماً أو ما يقرب من ذلك.
بعد انتهاء حروب الهوسيين، استعانت بهم القوى الأجنبية مثل المجريين والبولونيين الذين واجهوا في حروبهم السابقة العربات الحربية المحصنة للهوسيين، ذلك السلاح القوى المُدمِّر، واستعانوا بالآلاف من المرتزقة التشيك مثل الجيش الأسود المجري للقتال معهم.
في معركة ڤارنا عام 1444م، ذُكر في المصادر إن 600 من رماة البنادق البوهيميين (التشيك) قد دافعوا عن العربات المحصنة.
في صباح يوم 10 نوڤمبر 1444م، نشر هونياد القوات الصليبية كالآتي:
كان معظم الجنود في هذا الجناح من الفرسان المدرعة الثقيلة.[89][90][89] اصطف الجناح الأيمن للجيوش الصليبية فوق التل باتجاه قرية «كامنار» (بالبلغارية: Каменар)(بالإنجليزية: Kamenar) من قُرى مدينة ڤارنا.
بلغ الجناح الأيمن للجيش الصليبي 6500 رجل موزعون في 5 ألوية من سلاح الفرسان يقودهم الأسقف «يان دومينيك» أسقف «ڤارادين (أوراديا حالياً)» (بالإنجليزية: Varadin):
اختلاف المصادر: في مصدرآخر، كان قادة الألوية موزعون كالتالي:
تكوَّن هذا الجناح من وحدات الفرسان الأكثر خبرة وجَسارة، والعديد من وحدات الفرسان المتوسطة.
كان الجناح الأيسر للجيش الصليبي مؤلف من فرسان إمارة الأردل (ترانسيلڤانيا) والبلغار والمرتزقة الألمان وسلاح الفرسان المجري، ويتكون من 5000 رجل موزعون على 5 ألوية من سلاح الفرسان،[78] يقودهم شقيق «يوحنا هونياد» واسمه «ميخائيل سزيلاغي» (1400-1460م) (بالمجرية: horogszegi Szilágyi Mihály) ويُكتب اسمه في المصادر الرومانية: «ميهاي زيلاغيي» (بالرومانية: Mihai Szilágyi)، على الترتيب التالي:
كانت هناك ثقة تامة في الموقف العسكري للجناح الأيسر للجيش الصليبي لأنه كان على ميسرته ماء البحيرة فلا يمكن أن يلتف عليهم العثمانيون من خلال البحيرة ولذلك جعلوا في الميسرة الفرسان الأكثر خبرة، أما الجانب الأيمن للجيش الصليبي الواقع على أرض وعرة فكان يُمكن للعثمانيين أن يلتفوا ويُحيطوا به، وهو ما حدث عند بدء المعركة.
وُضعت عربات حصن الهوسيين المتحركة وراء المجريين، أقرب إلى البحر الأسود وبحيرة ڤارنا، ودافع عنها 300 أو 600 من التشيك والروثينيين المرتزقة (أجداد السلاڤ الشرقيين الحاليين) (بالإنجليزية: Ruthenes) بقيادة «هيتمان تشايكا»، جنبا إلى جانبٍ مع البولونيين والليتوانيين والأفلاقيين.
كان في كل عربة من 7 إلى 10 جنود وكانت عربات حصن الهوسيين المتحركة مُجهزة بِالمهاريس (قاذفات القنابل).
لم تصطفّ عربات حصن الهوسيين المتحركة على شكل مربع مُغلق كالمعتاد، ولكن تم تشكيلها من خلال قوس طويل.
كتب «أندريس پالاتشيو» الجندي الذي شارك في المعركة وترك وصفًا لها، أن تشكيل عربات حصن الهوسيين المتحركة لم يكن تشكيلاً مغلقاً (على هيئة مربّع) بل كان تشكيلاً مفتوحاً من أجل تشجيع القوات على القتال، وليس للاختباء وسطها.[89]
اتّخَذَ السلطان مراد الثاني ثلاثة استراتيجيات أساسية انعكست على توزيع ونشر القوات في ميدان القتال:
تَشَكّل قلب الجيش العثماني من جنود الإنكشارية وجابيو الرسوم من الروملي، مُوّزَّعِينَ حول تَلَّين مرتفعين بهما مدافن قديمة للسكان المحليين التراقيين.
اتخذ السلطان مراد الثاني موقعه فوق أحد هذين التلّين ليُدير ويراقب سير المعركة.
أُنشئ مقر السلطان وفقًا للممارسة العثمانية الحربية المعتادة؛ فحفرت جنود الإنكشارية مجموعة من الخنادق الخلفية العميقة من جميع الجوانب، ثم أعادوا استخدام تراب الأرض المحفورة لإنشاء حاجزين كالسدّ بالقرب من الخنادق، وعند الحافة وضعوا دعامات حديدية ووضعوا دروعًا، ليمكن إطلاق السهام منها.
لم يُترك في المقر الرئيسي للسلطان سوى نقطتي دخول وخروج وكانت عليهما حراسة مشددة.[89]
كان السلطان مراد الثاني في المقر الرئيسي مُحاطاً بجنود الإنكشارية، وكان بكلربك الأناضول على قيادة ميمنة الجيش، وبكلربك الروملي على قيادة الميسرة.[78]
حُملت وثيقة معاهدة أدرنة-سكدين ووُضعت على رُمح طافوا به بين صفوف الجنود العثمانيين ليشاهده الجميع قبل بدء المعركة كدليل على خيانة الكفار بعد أن أقسم ملكهم على الإنجيل بوقف الحرب مدة 10 سنوات.[93]
ثم غُرز رمح في الأرض بجانب خيمة السلطان ورُفعت عليه المعاهدة التي انتهكها الصليبيون بشكل خطير وعُلِّقت بحيث يكون نص المعاهدة مواجِهاً لجبهة الحرب.
كان قائد الجناح الأيمن هو بكلربك الأناضول: الداماد «قراجة باشا ابن عبد الله باشا» (باللغة العثمانية: قره جه پاشا)(بالتركية: Karaca Paşa) وهو زوج أخت السلطان مراد الثاني،[78] وتألّف الجناح الأيمن من حوالي 20-22 ألف فارس.
لم يكن لفرسان الأناضول خبرة سابقة بقتال الجيوش الأوروپية، ولذلك التحق اثنان من بكوات الروملي بالميمنة وهما «سليمان بك» و«حسن فناري أوغلي»، ليصبحا تحت قيادة بكلربك الأناضول «قراجة باشا».
وُزِّعت قيادات ميمنة الجيش العثماني كالآتي:
تألفت ألوية الجناح الأيمن للجيش العثماني من القوات التالية:
كان قائد الجناح الأيسر للجيش العثماني هو بكلربك الروملي «شهاب الدين شاهين باشا الخادم» (بالتركية: Hadım Şehabettin Paşa)، ونظَّم قوَّاته على شكل 7 صفوف.
وكان العدد الإجمالي لقوات الجناح الأيسر تحت قيادة «شهاب الدين» حوالي 19,000 فارس.[89][94][25]
تكون الجناح الأيسر من الآقنجية (سلاح الفرسان الخفيفة)،[97][98] وفرسان السپاهية (سلاح الفرسان الثقيلة المدرعة) من الأناضول، وقوات أخرى.
نُشِرَت رماة الإنكشارية وسلاح الفرسان الخفيفة «الآقنجية» على هضبة فرانغا (بالإنجليزية: Franga).
كان ترتيب مواضع الألوية بحسب قادتها على الترتيب التالي:
وكانت مهمة الأخير، «داود بك» أمير سنجق پريشتينا الموجود في أقصى يسار الجناح الأيسر للجيش العثماني، هو أن يتجاوز العدو من ميمنتهم ليلتف عليهم.
هناك اختلاف كبير جداً بين جميع المؤرخين سواء الغربيين أو العثمانيين في تقديرات أعداد الجيوش المشاركة في المعركة.
لم يشارك الصرب في هذه المعركة.
لا يوجد مصدر أو دليل مباشر على مشاركة البُشناقيين أو السلوڤاك.[49]
تراوح عدد الصليبيين من 16 ألفًا إلى 24 ألفًا إلى 30 ألفاً، بحسب المؤرخين الغربيين.
أما بالنسبة لحجم الجيش العثماني، فهناك الكثير من الاختلافات في التقديرات الغربية، وأقربها 35,000 جندي:
تقييمات المؤرخين الغربيين لتعداد الجيش العثماني
في معركة ڤارنا |
المُغنّي الألماني المتجول ميكائيل بيهايم (1416-1472م) من بادن-فورتمبيرغ
Michael Beheim |
النهضوي والكاتب الإيطالي
فيليپ كاليماخوس (1437-1496م) Filippo Buonaccorsi - Callimachus |
الجندي المؤرخ الذي حضر المعركة
أندريس پالاتشيو Andreas Pallatio |
النهضوي والشاعر الإيطالي، ومؤرخ البلاط المجري الذي أسند إليه الملك متياس كورڤينوس (Matthias Corvinus) كتابة "تاريخ المجر"[107]
أنطونيو بونفيني (1434-1503م) Antonio Bonfini |
المؤرخ المجري
بانلاكو |
تقديرات أخرى |
---|---|---|---|---|---|---|
إجمالي العدد
(المجموع) |
120 ألف[90] | 105 آلاف[74] | من 60 ألف إلى 100 ألف[104]، 105 آلاف[90]، 125[106] | |||
إنكشارية | 12 ألف[90] | 5 آلاف[90][74] | 16 ألف[74] | |||
سپاهية | 3 آلاف[74] | |||||
عزب | 5 آلاف[74] | |||||
آقنجية | 16 ألف[90][74] | 6 آلاف[74] | 6 آلاف[74] | 20-30 ألف[101] | ||
فرسان الروملي | 30 ألف[74] | 7 آلاف[101] | ||||
فرسان الأناضول | 40 ألف[74] | 30-40 ألف[101]، 40 ألف[90][108] |
تقدير جيش الأناضول:
جاء السلطان مراد الثاني من اعتكافه واعتزاله إلى أدرنة عاصمة العثمانيين، واختار من الجيش أحسن 40,000 جندي وذهب إلى ڤارنا، دون أن يخلع ابنه السلطان محمد الثاني عن العرش.[13][23][30][35][58]
تقديرات الخسائر:
تقديرات القوات الصليبية:
بعد أن عَلِمَ الصليبيون بعبور العثمانيين المضيق ونزول الجيش العثماني إلى الروملي بأرض أوروپا قادمين لملاقاتهم، وعندما علم الملك ڤلاديسلاڤ الثالث بذلك أراد أن يرجع بجيشه لأن أساس الحملة كان مباغتة العثمانيين أثناء هدنة السِّلم، ولكن العثمانيين قطعوا عليه هذا التراجع إذ وصلوا في نفس اليوم بالقرب من ڤارنا قادمين من الغرب، وخيّموا أمام الصليبيين.
كان على أسطول البندقية الإبحار شمالًا إلى مدينة ڤارنا لمقابلة جيش التحالف المسيحي الصليبي ونقله بحراً، ولكن البنادقة فشلوا في ذلك، ووقعت المعركة الحاسمة دون مشاركتهم.
في 28 رجب 848هـ / 10 نوڤمبر 1444م التحم الجيشان في معركة ڤارنا بالقرب من البحر الأسود عند حصن ڤارنا، في بلغاريا.
صلى السلطان مراد الثاني ركعتين في ميدان معركة ڤارنا قبل بدء المعركة ودعا فيهما الله قائلاً: «إلهي! لا تجعل عبادك المؤمنين في يد الكفار بسبب كثرة خطاياي. إلهي! احفظ أُمَّتك من أجل حُرمة حبيبك (المقصود الرسول محمد عليه الصلاة والسلام) يا منصور ويا غالب».[23]
عندما تواجه الجيشان، سيطر كل منهما على الآخر لمدة ثلاث ساعات تقريبا بدون ظهور أحدهما على الآخر.[13]
جاءت الحركة الأولى من الجانب العثماني عندما بدء 6000 من فرسان السپاهية بتعجيز ميمنة الصليبيين بإطلاق السهام.[13]
انطلقت الفرسان الخفيفة العثمانية الآقنجية والعزب ترتقي الهضبة الشمالية لساحة المعركة ولم تنتبه ميمنة الصليبيين لذلك، ثم نزلوا معاً في هجوم واحد من المنحدرات كالسيل المنحدر إلى السهل على الجناح الأيمن للصليبيين، فأمر «بان» (رئيس) الكروات «فرانكو تالوتشي» بالهجوم.[13]
كتب «أندريس پالاتشيو» الذي حضر المعركة بخصوص تلك الواقعة: «رغم أن الهواء كان شفافاً والبحر هادئ ولكن بدأت عاصفة واشتد الريح قادماً من جهة الغرب (حيث معسكر العثمانيين)، كَسَرَت ودَمَّرَت بيارقنا عدا بيرق القديس جرجس».[74][89][55]
ربما تسببت هذه الرياح القوية العنيفة القادمة من جهة العثمانيين في وجه الصليبيين بتشتيت انتباههم وشغلتهم بها مما سمح بنقل جزء من مفرزة الجناح الأيسر للجيش العثماني وأن يرتقي الهضبة الشمالية، هضبة فرينغا، بدون أن يلحظ الصليبيون تواجودهم قريبا منهم فوق الهضبة.
بمجرد انحدار الفرسان الخفيفة العثمانية من الوديان والتلال ومن بين الشجيرات بهجومٍ موحّدٍ على ميمنة الصليبيين التي يقودها «بان» الكروات «فرانكو تالوتشي»،[49] اندفع العثمانيون بقيادة جميع قادة الجناح الأيسر الأربعة الذين تقدموا في وقت واحد مع فرسانهم:
ردّ الصليبيون من اليسار بقَواذف القنابل والأسلحة النارية فأوقف العثمانيون هجومهم وتراجعوا، وهنا وقع الجنودُ الصليبيون في خطأ استراتيجي بأنهم تَعقَّبوا فرسان الآقنجية الخفيفة السريعة وطاردوهم مُطَارَدَةً غير مُنَظّمة، وكان سلاح الفرسان الثقيلة سپاهية الأناضول قد نَصَبُوا كمينًا مُسبَّقاً للصليبيين من الجانب، فأُجِبَر الصليبيون على الفرار واستطاع القليل منهم الإختباء خلف حصن عربات الهوسيين.
هاجم شهاب الدين باشا بكلربك الروملي فرقتين مَلَكِيَّتّين صليبيتين، بينما كسر داود بك أمير سنجق پريشتينا دفاعات ميمنة الصليبيين، فانجرفت تحت وقع الهجوم جنود الميمنة المتكونة من أربع فِرق يقودهم الأسقف «يان دومينيك»، والكاردينال «سيزاريني»، وأسقف «إيجر» و«فرانكو تالوتشي» الذين حاولوا النجاة جميعاً والفرار صوب بحيرة ڤارنا وخليج ڤارنا وقلعة «غلطة» (بالإنجليزية: Galata) الصغيرة الواقعة على الضفة الأخرى جنوب خليج ڤارنا،[89] ولكن معظمهم قُتل في المستنقعات المحيطة ببحيرة ڤارنا ونهر دڤنِيَا (بالإنجليزية: Devnya) الذي يَصُبُّ فيها،[109] وربما قُتل «سيزاريني» هناك ولقي مصرعه في تلك المستنقعات بحسب بعض المصادر.[74]
وفي أثناء التراجع الفوضوي للجيش الصليبي لقى المندوب البابوي الصليبي الكاردينال «يوليان سيزاريني» حتفه، وكان يقود سلاح الفرسان البُشناقيين والمرتزقة الألمان، ويُحتمل أن يكون بعض الأساقفة الصليبيين قد لقوا مصرعهم هناك أيضاً مع القوات التابعة لهم.[110]
فقط تمكنت قوات «بان» الكروات «فرانكو تالوتشي» من الانسحاب وراء حصن العربات الهوسية، بينما تمكن داود بك من اختراق سلسلة العربات.
شاهد هونياد الوضع البائس على الجهة اليمنى للصليبيين فأخذ جزءًا من القوات الملكية كان واقفًا في الوسط كاحتياطي للمساعدة وقادهم إلى مساعدة الجهة اليمنى. لم يرغب هونياد في أخذ فرقتي الاحتياط كليهما كي لا يستنفذ الإحتياطي بأكمله إذ أن نتيجة الأعمال الحربية على الجهة اليسرى لم تكن واضحة بعد.
لم توفر مساعدة هونياد سوى إغاثة مؤقتة للميمنة، لأنه أثناء اشتباكه مع قوات داود بك، تعرض هونياد لهجوم مضاد من قِبل يونس بك فرجع إلى موقعه في قلب الجيش بالقرب من الملك «ڤلاديسلاڤ الثالث».[89]
استطاع تدخّل هونياد بحنكته القيادية أن يقلل من حجم الكارثة علي ميمنة الجيش الصليبي وأن يجعل الأمور تحت السيطرة بعد هلاك الكثير من الصليبيين.
كتب «ر. جينكينز» (R. Jenkins) كاتب السيرة الذاتية للكاردينال المقتول «يوليان سيزاريني»، يقول عنه:
لم يكن لفرسان الأناضول في ميمنة العثمانيين سابق خبرة بقتال الجيوش الأوروپية، وكان ميدانهم أكثر صعوبة كونه سهل مفتوح لا توجد فيه ملاجئ.
هجم الجناحُ الأيمنُ العثماني على ميسرة الصليبيين وفيها فرسان المجر والبلغار بقيادة «ميخائيل سزيلاغي» شقيق «يوحنا هونياد»، ثم توقف اندفاع العثمانيين ورجعوا، ثم أعاد فرسان السپاهية الكرَّ وهجموا مرة أخرى.
رمي الصليبيون العثمانيين بالنبال، ثم سار مشاة ميسرة الصليبيين وميمنة العثمانيين للقاء بعضهم البعض.
واجهت قوات «فناري أوغلي» قوات «طوماس زيكيلي»، وواجهت قوات قائد ميمنة العثمانيين الداماد «قراجة باشا» بكلربك الأناضول قوات «ميخائيل سزيلاغي»، وكانت مفرزة «سليمان بك» تقف على يسار الداماد «قراجة باشا». هاجم «ميرچه الثاني» حاكم الأفلاق مفرزة «سليمان بك» مباشرة متجاوزًا «ميخائيل سزيلاغي» كي يمنع «سليمان بك» من تطويق «سزيلاغي» من الخلف.[89]
قرَّرَ هونياد التحرك بصحبة مجموعتين من الفرسان لمساعدة أخيه «ميخائيل سزيلاغي» ونصح الملك ڤلاديسلاڤ الثالث أن يتريث في مكانه وينتظره حتى يعود ثم يهاجما معاً قلب الجيش العثماني.
أُحبط الهجوم العثماني وتفوَّق الصليبيون على هذا الجانب في تلك المعركة، وبدأت وحدات الأناضول في التراجع إلى التلال.[89]
رفض «قراجة باشا» التراجع وهاجم بدلا من ذلك «طوماس زيكيلي»، ولكن هذا لم يحقق له النصر أو لوحدته؛ واستشهد الداماد «قراجة باشا» نفسه في المعركة وتراجع جيش الأناضول بأكمله.
ونتيجة لتراجع ميمنة العثمانيين أمام ميسرة الصليبيين، نقل هونياد فرقة من ميسرة الجيش إلى الميمنة التي اجتاحها العثمانيون في بادئ المعركة، وهناك بدأ شهاب الدين باشا وجيشه في التغلب على هجمة قوات هونياد القادمين من ميسرة الصليبيين مع من تبقى من قوات ميمنة الصليبيين، ولكن في نهاية المطاف تم دفع العثمانيين إلى المنحدر بقيادة هونياد. ورغم ذلك، لاحظ الجندي المؤرخ «أندريس پالاتشيو» أنه يبدو كما لو أن خسائر العثمانيين كانت بالكاد منعدمة.
وحتى هذا الوقت من المعركة لم تكن قوات المشاة الخاصة بالسلطان مراد الثاني، وهم الإنكشارية ووحدات قوات القصر، قد دخلت بعد إلى ميدان الحرب.
وهنا، بعد انسحاب جيش الداماد «قراجة باشا» ومع بداية تراجع جيش شهاب الدين باشا ومطاردة هونياد للجنود العثمانيين المتراجعين، أرسل السلطان مراد الثاني رجاله إلى المعركة، فلمّا انتبه هونياد لذلك ترك تعقب جنود العثمانيين المنسحبين وعاد إلى الملك ڤلاديسلاڤ الثالث في داخل حصن العربات الهوسية المتحركة.
وهنا انضم الكثير من جنود ميسرة الصليبيين إلى بقية الجيش، إلا فقط جنود الأفلاق الذين هزموا مفرزة «الأرناؤوطيين» العثمانيين بقيادة «أفرنوس أوغلي»، فانشغلوا بالنهب وجمع الغنائم وتركوا المعركة.
لاحظ الجندي المؤرخ «أندريس پالاتشيو» بخصوص هذه المرحلة من المعركة وذكر في كتاباته أن «الجنود في الجيش الصليبي قد قاتلوا طوال اليوم واستُنفذوا، كما أن العديد منهم، مثل هونياد نفسه، قد أصيبوا في المعارك، أما وقد نزلت قوات السلطان مراد الثاني ضدهم في تلك اللحظة وجائهم الأكثر خبرة والأكثر تجهيزا بقوات جديدة وكاملة من الجيش العثماني، فقد ازداد موقف الصليبيين تأزماً».[89]
نزل حوالي 6 أو 8 آلاف من الجنود الإنكشارية على المنحدر، ثم بدأوا يحتمون خلف الأحراش وهم يمطرون الصليبيين بالسهام، ثم اشتبكوا مرة أخرى ولكن لم تظهر الغَلَبة لأي من الفريقين.
ذكر الجندي المؤرخ «أندريس پالاتشيو» أن عدد الصليبيين انخفض، فهم قد فقدوا أربعة فرق تمامًا على الجهة اليمنى دون حساب الخسائر بين القوات الأخرى، وتراوح حجم الجيش الصليبي في هذه المرحلة من المعركة بين ستة إلى سبعة آلاف شخص.
دمَّر العثمانيون تماماً الجناح الأيمن للصليبيين أثناء التراجع، كما انسحب معظم الجنود الصليبيين من الجناح الأيسر للجيش، وعاد بعض العثمانيين مثل «داود بك» وشهاب الدين باشا إلى مقر السلطان مع بطانتهم الشخصية.[89]
ثم تمكَّن الصليبيون في ميمنتهم رغم التعب والهزيمة والقتلى من دفع الإنكشارية وقوات العزب إلى التلال.
تضارب المصادر الغربية: تذكر إحدى النسخ أن معظم الجنود العثمانيين قد فرَّوا أو قُتلوا، ولجأ السلطان مراد الثاني بنفسه إلى مقر السلطنة فوق التل،[74] أما المؤرخ المجري المتأخر «توماس پالوشفالڤي» (بالمجرية: Tamás Pálosfalvi) من «معهد التاريخ» فرع «أكاديمية العلوم المجرية» بمدينة بست، بودابست المجر،[112][113] فهو مقتنع بالرأي بأن القوات العثمانية قد دُمرت تقريبًا في نفس وقت مقتل ڤلاديسلاڤ الثالث (الذي سيأتي ذكره لاحقاً).[86]
أما المصادر العثمانية: فتذكر "موسوعة الإسلام التركية" التابعة "لوقف الديانة التركي"،[114] أنه بعد أن بدأت قوات الروملي بالتفكك، حشد السلطان مراد الثاني قواته الخاصة ولكنهم لم يكونوا فاعلين وكانوا متفككين للغاية ولم يكن هناك سوى عدد قليل جدًا من رجال الإنكشارية والعزب بالقرب من السلطان. وفي مواجهة هذا الوضع، بدا وكأن السلطان مراد الثاني قد يقبل عرض الانسحاب إلا أنه ظل في ساحة المعركة وخاصةً بتشجيع الداماد «قراجة باشا» لذلك، فغيّرت هذه الخطوة مسار التصادمات. وبينما ظل السلطان باقياً تحت الحماية وسط رجال الإنكشارية؛ هاجمهم في هذه اللحظة ملك المجر ڤلاديسلاڤ الثالث مع 500 فرسانه ولكنه لم يستطع التغلب على المعسكر العثماني الخاضع لحراسة جيدة، ولأنه لم يستطع رؤية الخندق هناك، سقط حصانه، وأدى هذا إلى حالة من الذعر العام في الجيش المجري.[13]
في أثناء وقوع تلك الأحداث، تجاهل الملك الشاب صغير السنّ ڤلاديسلاڤ نصيحة الخبير المحنك هونياد، وظنَّ أن اللحظة الحاسمة قد حانت بعدما رأي تهاوي جناحي الجيش الأيمن والأيسر، فهرع في 500 من فرسان حرسه الشخصي البولونيين بهجومٍ متهورٍ يبغون اقتحام قلب الجيش العثماني يريدون السلطان.[116]
وفقا للمؤرخ شاهد عيان المعركة «لاونيكوس خاقوقوندِلس» (حوالي 1423م - حوالي 1470م) (بالإنجليزية: Laonikos Chalkokondyles)(بالتركية: Laonikos Halkokondilis)،[115] فإن المحاطين بالملك الذين كانوا يحسدون هونياد على مجده ويُريدون الحدّ من نفوذه، أرادوا إقناع الملك بأن نصيحة هونياد للملك بانتظار عودته كي يهاجما معاً السلطان كانت نصيحة سيئة، واستفزوا الملك ڤلاديسلاڤ الثالث وزيَّنوا له مهاجمة السلطان مراد الثاني بمفرده قبل عودة هونياد (حتى يفوز بالمجد وحده)،[74][89] فتهور الملك ذو العشرين ربيعاً وقرر تجاهل نصيحة هونياد واتباع نصيحة النبلاء، وحفز حصانه ثم تلاه حوالي 500 من فرسانه متجهين صوب مقر السلطان مراد الثاني وبه أكثر الجنود العثمانيين بأساً وخبرة بالحروب.[89]
حاول الملك ڤلاديسلاڤ الثالث اجتياح مشاة الإنكشارية بهجومٍ محفوفٍ بالمخاطر وسوء التقدير لأَسْر السلطان مراد الثاني وقتله، ولكن عندما اقترب منهم افسح له الجنود العثمانيون كي يدخل في وسطهم مندفعاً بسهولة حتى كاد أن يصل إلى خيمة السلطان مراد الثاني بل وصل إلى منطقة البيارق وبها راية السلطان مراد الثاني.[70] وعندها، قاومت الإنكشارية هجوم سلاح الفرسان المجري ودافعوا بقوة وأجبروا المهاجمين على التجمع في المركز، فانكسر هجوم ڤلاديسلاڤ الثالث وسط جنود الإنكشارية الذين سرعان ما أحاطوا به، ثم سقط جواد الملك ڤلاديسلاڤ الثالث مقتولاً أمام الخيمة.
وأمام حرسه الشخصي المكون من 500 رجل، اقترب منه بسرعة الجندي الإنكشاري المُخضرم «خوجة قراجة خِضر آغا» (بالتركية: Koca Hızır)،[35][117] وبضربة واحدة من سيفه قطع رأس الملك فذبحه ورفع رأسه على سن رُمح، وفي وقت لاحق قدَّمّ الرأس كهدية شخصية وفعل ولاء للسلطان مراد الثاني.[116][118]
تذكر المصادر الغربية بخصوص هذا الموضع من لمعركة أنه إما أن الملك وقع في فخ منصوب أو أنه طُعن.
أما المصادر العثمانية وهي الأقرب لحقيقة ما جرى في هذا الموضع لأن تلك الأحداث تمت داخل معسكر المسلمين ولم يحضرها أغلب أفراد الجيش الصليبي،[119] فتَذكُر أن الجندي «تيمورطاش» (بالتركية: Timurtaş) ضرب الجواد ببلطة (فأس) فطرح الجواد والملك أرضاً.[120]
ووفقا لوصف المؤرخ العثماني «محمد نشري» في المصادر العثمانية، فإن الملك ڤلاديسلاڤ الثالث صاح في العثمانيين قائلاً: «أريد التحدث مع السلطان مراد، مرتجفاً من الخوف، وهرع في اتجاه الإنكشارية الذين انشقوا على الجهتين ليدعوا له مجالاً للدخول بينهم، ثم ذبحوا جواده من الخلف وأوقعوه أرضاً، وانحنى «قراجة خِضر» ليقتله فصاح الملك:»سلطان مرادّ! سلطان مراد!«فتجاهله «قراجة خِضر» وقام على الفور بِحَزِّ رأسه وربطه على سن رُمح».[94][43][55][121][89]
بعد قتل الملك المجري ڤلاديسلاڤ الثالث، نُصب رأسه على رُمح وضُرب طبل البِشارة ورُفعت راية الغَلَبَة والظَّفَر،[70][122][123] فأُصيب الصليبيُّون بِالهلع والفزع لمَّا شاهدوا رأس الملك مرفوعًا على رمح.[124]
انهارت معنويات الفرسان المتبقين في الائتلاف الصليبي لما رأوا رأس ملكهم مقطوعاً ومرفوعاً على الرمح فبدأ الصليبيون في الهرب وهزمهم العثمانيين،[110][124] وأدى الذعر الناتج بين الصليبيين إلى فرارهم بلا رئيس، وقُتل نصف الجيش البولوني المجري.[125]
لجأ بعض الجنود المجريين الهاربين إلى «حاجز العربات الحربية المتحركة» ليحتموا وراءها وواجهوا الهجوم العثماني بالمدافع وطلقات البنادق، ولكن ذلك لم يُغنِ عنهم شيئًا سوى إنقاذ بعض أفراد القوات المجرية باعطائهم وقت كافٍ للتراجع. ثم في وقت لاحقٍ انسحبت أيضا تلك الفلول من خلف «حاجز العربات الحربية المتحركة».[13]
بعد عودة هونياد، حاول بشكل محموم إنقاذ جثة الملك، ولكن إزاء الهلع والذعر الذي أصاب الصليبيين،[126] كل ما استطاع أن يُنجزه هو تنظيم فرار جيشه وتراجعه، وقام بتشجيع جيشه على: «القتال من أجل ديننا، وليس من أجل الملك» ولكنه لم يقدر على استعادة قوة الجيش؛ وعانى الآلاف من الإصابات في تلك الفوضى، وتم القضاء على ذلك الجيش تقريبًا،[126] وهرب القائد العام المجرى يوحنا هونياد من المعركة.
وبالكاد استطاع يوحنا هونياد أن يفرّ من ساحة المعركة ببعض الصعوبة وأن ينجو من الوقوع في الأسر.
في الْيوم التَّالي هاجم العثمانيون معسكر المجر واستولوا عليه.[31]
كلّف الهجوم اليائس للملك في نهاية المطاف ليس فقط حياته، بل أيضا هزيمة الجيش الصليبي، وكَتَبَ مؤلف قصة قصيرة يونانية عن هذا الفعل الطائش: «إن قَتل الملك في ڤارنا كان نتيجة غباءه.»[43][127][127] ولم يكن مصرع الملك بطولياً بالمرة، بل كانت نتيجة انعدام خبرته.[10]
يبدو أن مقتل ڤلاديسلاڤ الثالث كانت له عواقب قليلة في بداية الأمر بسبب أن من حضر مقتله كانوا قلة من الناس، ولأنه لم يعد أي شخص تقريباً من الصليبيين من هذا الهجوم للإبلاغ عما حدث، فلم يصل نبأ مقتل الملك إلى بقية الصليبيين إلا بعد وقت واعتقد الكثير من الصليبيين أن الملك كان مايزال على قيد الحياة وأنه سيعود إلى المخيم في وقت لاحق فواصل المتحاربون من الطرفين قتال بعضهم البعض عبر الجبهة رغم مقتل ملك الصليبيين.
كان جنود هونياد الذين قد فروا جنوبًا إلى بحيرة ڤارنا في بداية المرحلة الأولى من المعركة قد رأوا من مات منهم في مستنقعات البحيرة، فتوقفوا عن الفرار جنوباً ورجعوا محاولين الهرب عن طريق شمال أرض المعركة عبر الجبال. وعندما مرّ أولئك الهاربين عبر المعسكر الصليبي نادوا الجنود الموجودين بالمعسكر للهرب معهم. سمع الصليبيون الذين كانوا بالمعسكر أصوات الجنود الشاردين المارين هرباً بمعسكرهم تناديهم بالهرب معهم، ولكن كل من سمعهم ممن مَرُّوا عليهم اعتقدوا أن هذا فخاً من العثمانيين فلم يتحركوا، بينما واصل الفارُّون طريقهم إلى الشمال بدون توقف.
ومرَّ الوقت في المعسكر الصليبي بهدوء بدون وقوع اشتباكات فيه، حيث اعتقد الجميع أن ملكهم قد انتصر،[89] بينما لم يهاجمهم العثمانيون بعد مقتل الملك.
كان باستطاعة العثمانيين سماع نشاط في معسكر الصليبيين فأرسلوا من يراقبهم خوفًا من عودة الجنود الهاربين إلى حصن العربات الهوسية أو إلى المعسكر الملكي مرة أخرى.
أما في المخيم الصليبي فكان الناس ما يزالون ينتظرون عودة ملكهم، ولكن أصبح من الواضح بشكل متزايد مع مرور الوقت وعدم رجوع الملك أنه من غير المُجدي الانتظار أكثر من ذلك.
أظهر العثمانيون لجيش الصليبيين رأس الملك مرفوعاً على رمح لتبديد الشكوك،[89] وحاول الصليبيون حتى المساء بقيادة هونياد استخلاص جثة الملك واستعادتها، أما الجنود الصليبيون الفارِّين من ساحة المعركة فقد سقطوا في الوادي الذي «كان شديد الانحدار إلى درجة أن أي حصان أراد أن يمر به، انزلق وسقط على المجموعة».[128] وانطلقت الفرسان العثمانية فيهم أسراً وتقتيلاً.
وذكرت المصادر أنه كان هناك الكثير من القتلى خلال رحلة هروب الصليبيين لدرجة أن «الوادي كان ممتلئًا بالجثث حتى أن الخيول صارت تدهسها».[89]
عندما أدرك هونياد أنه قد خسر المعركة، انسحب مع قواته دون إبلاغ جيش الصليبيين فنجح في الهروب عبر الجزء الشمالي عند البحر الأسود. تعقبت القوات العثمانية بقيادة «داود باشا» قوات هونياد وطاردتهم لمدة يومين ولكنهم لم يستطيعوا اعتقاله.[23] وانتهت المعركة نهاية كارثية على مجموع الجيوش الصليبية، وتشتت جّمعُهُم بين قتيلٍ وأسيرٍ وناجٍ بنفسه.
واستطاع عدد قليل من الصليبيين، من بينهم هونياد، الفرار من أرض المعركة أحياء.[35]
في صباح اليوم التالي ذهب السلطان مراد الثاني بعد أداء الصلاة إلى ساحة المعركة ليتفقدها برفقته «عزب بك» ورأى الأرض مغطاة بجثث مشوهة لأشخاص وخيول.[89]
قال السلطان «لعزب بك»: «أليس من المُستغرب أن تكون الجثث هنا لشباب فقط وأنه من بين وجوه كثيرة لا توجد فيهم لحية شيباء واحدة؟» فأجابه عزب بك: «إذا كان بينهم رجل كبير واحد على الأقل، فما كانوا ليشاركوا في هذا المشروع المجنون».[93] ثم ذهب السلطان مراد الثاني بعدها «إلى معسكر الكفار، ودخل خيمة الملك وغرز سيفه في عرش الملك ثم جلس، وقدم الثناء والشكر لرحمة الله وهدايته».[129][89]
حطّم العثمانيون كلِّيَّةً حملة ڤارنا الصليبية والجيوش الصليبية المشاركة فيها،[130] وانتصر الجيش العثماني المُسلم انتصارًا ساحقًا في هذه المعركة على القوات الصليبية.
أزال العثمانيون معارضة كبيرة لتوسعهم في وسط وشرق أوروپا؛ وجعلت المعارك اللاحقة عددًا كبيرًا من الأوروپيين أن يُصبحوا رعايا للدولة العثمانية.
ذُبح ملك بولونيا والمجر الشاب «ڤلاديسلاڤ الثالث» (بالبولندية: Władysław III Warneńczyk).
قُتل المندوب البابوي الكاردينال «يوليان سيزاريني» (بالإيطالية: Giuliano Cesarini, seniore) الذي كان أول من أثر على معاهدة سلام إدرنة-سكدين 1444م.
اختفى الأسقف «سيمون روزغونيي» قائد لواء بالجناح الأيمن دون أن يترك أثرا؛ ويُفترض أن العثمانيين قد ألقوا القبض عليه في المعركة.[131]
قُتل الداماد «قراجة باشا» بكلربك الأناضول خلال الحرب، وكان زوجاً لأخت السلطان مراد الثاني،[35] كما قُتل «حسن فناري أوغلي» بكلربك «قره سي».[13]
قُتل في المعركة حوالي 15 ألف مقاتل من الجيوش الأوروپية.
وأما في المصادر العثمانية، فقد غنم العثمانيون 250 عربة مملوءة بالنفائس الخاصة بالملك المقتول «ڤلاديسلاڤ الثالث».[23] ولم يُعثر أبداً على رأس أو جثة الملك «ڤلاديسلاڤ الثالث».
وُضع رأسا الملك «ڤلاديسلاڤ الثالث» الذي خان عهده مع العثمانيين وحنث بالقسم أمام ربه، والمندوب البابوي الكاردينال «يوليان سيزاريني» على «مزراقين» (رُّمْحين قصيرين)، ومعاهدة سكدين على مزراق ثالث، وأُشهرت على كتائب العثمانيين المظفّرة.[35]
امتد الاحتفال إلى العالم الإسلامي، ففي الجمعة الأولى من وصول الخبر إلى القاهرة يوم 1 أبريل 1445م، أمر السلطان المملوكي سيف الدين جقمق بتلاوة اسم السلطان مراد الثاني، مُجاملةً له، بعد اسم الخليفة العباسي، وبرفع الدعاء في الأقطار المملوكية لأرواح الشهداء العثمانيين، وأُقيمت احتفالات النصر في مصر.[35]
بعد هذا النصر الساحق، قوي موقف العثمانيين في شبه جزيرة البلقان كنتيجة للمعركة،[18] وفي السنوات التالية طوَّرَ السلطان مراد الثاني نجاحه في البلقان وقهر ديسپوتية المورة أيضاً.
بعد وفاة «جُريج برانكوڤيتش» ديسپوت الصرب عام 1456م، استعاد العثمانيون بسط سيطرتهم على كامل الأراضي الصربية في عام 1459م بقيادة السلطان محمد الفاتح ابن مراد الثاني، بالإضافة إلى البوسنة والأرناؤوط، أي كامل «غرب البلقان»، مُتِمَّاً بذلك قروناً من الفتوحات العثمانية لجميع الأراضي البيزنطية.[132]
في عام 1448م عانى الصليبيون المُتَضَعْضِعون من هزيمة وحشية أخرى في معركة كوسوڤو (قوصوه) الثانية، وبعدها لم يعودوا يبذلون محاولات جادة لاستعادة شبه جزيرة البلقان من الدولة العثمانية.
أصبح مصير القسطنطينية محددًا مسبقًا ولم يكن سوى مسألة وقت،[18] فلم تعد هناك تهديدات للعثمانيين من جهة الغرب، وتقدم العثمانيون لفتح القسطنطينية فاكتمل الفتح عام 1453م بعد معركة ڤارنا بتسع سنوات.[132]
ظلت الدولة العثمانية آمنة لعدة قرون بعد معركة ڤارنا من أية محاولات صليبية جادة أخرى لطردها من أوروپا، إذ كانت تلك المعركة آخر محاولة في القرون الوُسطى لدفع العثمانيين خارج جنوب شرق أوروپا.[33]
كان الجندي المؤرخ «أندريس پالاتشيو» من بين الصليبيين الهاربين الذين نجوا بحياتهم من معركة ڤارنا، وذكر عن هذا الهروب بأن هونياد تمكن من الوصول إلى المجر خلال يومين لأنه كان لديه من يدله على الطريق، وفي المصادر العثمانية أنه انسحب إلى الأفلاق.[13] أما أولئك الصليبيين الذين فرُّوا بشكل عشوائي فقد وصلوا بعد حوالي 10 أيام لبلادهم. أثناء هرب الجنود الصليبيين أُصيب العديد منهم بالشلل أو التجمّد بسبب قضمة الصقيع في شهر نوڤمبر أو بسبب الموت جوعًا،[89] كما مات الكثير منهم في معارك «مُتابَعة» صغيرة، وأُسر العديد من الأوروپيين، وخسر الصليبيون أكثر من 4 آلاف قتيل أثناء هروبهم بخلاف من قُتل أو مات في ڤارنا.
وفقا للمؤرخ المجري «پال إنجل» (1938م-2001م) (بالمجرية: Pál Engel) فإن «مع وفاة الملك، سقطت البلاد في حالة من الفوضى»: في المجر، جاءت الفوضى بعد وفاة الملك سيغيسموند عام 1437م ثم توقفت المحاكم عن العمل منذ عام 1439م وظلت فقط أقوى القوانين سارية المفعول. ولكن بعد الهزيمة في ڤارنا، أصبح الوضع «أكثر كارثية، إلى أقصى حد ممكن»،[24] إذ سقطت المجر مرة أخرى في أتون الحرب الأهلية حتى انتُخب يوحنا هونياد في يونيو 1446م وصياً للعرش خلفاً «للاديسلاس اليتيم»:[24]
انتُخب هونياد حاكماً على المجر ووصيّ على عرش الملك الطفل «لاديسلاس» عام 1446م وحتى وفاة هونياد أثناء حملة عسكرية ضد القوات العثمانية في 11 أغسطس 1456م.[134]
خطط هونياد لتنظيم حملة صليبية جديدة ضد الدولة العثمانية، ولهذا الغرض أمطر البابا وغيره من الملوك الغربيين برسائل عام 1445م وفيها اعترف في رسالته الشهيرة إلى البابا في 11 مايو 1445م بأنه كان مخطئًا عندما دافع في المجلس العسكري ذاك عن استحالة الانسحاب، وكتب: «إن درجة مُعينة من الشجاعة المتهورة قد استولت على قلوبنا».[88]
وفي سپتمبر التقى هونياد في نيقوپوليس مع قبطان ثماني سفن حربية بورغندية اسمه «واليرون دي واڤرين» (بالفرنسية: Waléran de Wavrin)(ابن شقيق المؤرخ يوحنا دي واڤرين)، و«ڤلاد دراكول» حاكم الأفلاق الذي استولى على قلاع صغيرة على طول نهر الدانوب السفلي من العثمانيين إلا أنه لم يخاطر بالاشتباك مع الحاميات العسكرية العثمانية المتمركزة على الضفة الجنوبية للنهر، بل عاد إلى المجر قبل فصل الشتاء وسرعان ما أبرم «ڤلاد دراكول» معاهدة سلام أخرى مع العثمانيين.
كانت معركة ڤارنا رادعاً ثقيلاً للدول الصليبية امتد أثره لعقود.
تدّعي بعض المصادر الغربية أن خسائر السلطان مراد الثاني في معركة ڤارنا كانت ثقيلة للغاية ولم يُدرك أنه انتصر إلا بعد ثلاثة أيام. ولكن لا يوجد مصدر لهذا الإدعاء وخاصة أن الصليبيين فروا من ساحة المعركة بنهاية يوم المعركة ولم يبقَ لهم شهود عيان على هذا الحدث.[135] بل على العكس من ذلك، فلو كانت خسائر العثمانيين ثقيلة بهذا القدر في ڤارنا لما استطاعوا تأكيد ذلك النصر الساحق مرة ثانية في معركة كوسوڤو (قوصوه) الثانية بعدها بأربع سنوات عام 1448م، مما رَدَعَ الدول الأوروپية عن إرسال أي مساعدة عسكرية كبيرة إلى البيزنطيين خلال الحصار العثماني للقسطنطينية وفتحها عام 1453م، بعد 9 سنوات من معركة ڤارنا.[48][52][53]
وبعد فتح القسطنطينية، أعلن بابا الكنيسة الكاثوليكية «پيوس الثاني» رسميًا عن حملة صليبية دامت ثلاث سنوات في «مجلس مانتوا» لاستعادة القسطنطينية من العثمانيين، إلا أن القادة الذين وعدوا بـ 80,000 جندي تخلوا عن الوفاء بالتزامهم.[136]
قام المغني الألماني الجوّال المعاصر للمعركة: «ميكائيل بيهايم» (بالألمانية: Michael Beheim) (1416م-حوالي 1472م) بكتابة أغنية تدور حول قصة جندي صليبي اسمه «هانس ميرجست» أمضى 16 عاماً في الأسر العثماني بعد معركة ڤارنا.[110][137] وهي أغنية شهيرة ولا يوجد مرجع صحيح يؤيد صحة هذه القصة إلا كونها من قصص الحكواتية.
اشتملت معركة ڤارنا على بعض التكتيكات الحربية الجديدة المختلفة.
أدت تلك المعركة إلى تعلُّم العثمانيين الكامل لأساليب الحرب المجرية الجديدة وخاصة تكتيك التحصّن باستخدام «حصن العربات الحربية المتحرك»، إذ كان العثمانيون حريصين جدًا على تجربتهم العسكرية في مناطق الصراع البعيدة. وليس هناك ما يشير إلى أن المجريين قد استخدموا العربات بشكل فعَّال في هذه المعركة، إذ أن أولئك الصليبيين الذين تراجعوا في وجه الهجوم العثماني ودخلوا خلف العربات هم فقط الذين قاموا باستخدام المدافع الصغيرة والبنادق،[13] ولكن لم تُستخدم العربات في سحق هجوم مكثف للعثمانيين على سبيل المثال.
من المثير للجدل إدّعاء بعض المصادر الغربية بأن تكتيكات الجيش العثماني كانت هراءً، ولا تذكر تلك المصادر أمر هجوم أو استدعاء خداعي جماعي أوعامٍ للقوات العثمانية، ولكن بما أن يوحنا هونياد قد خَبُرَ تكتيكات العثمانيين جيدًا وانتصر عليهم في عدة معارك سابقة، فلا بد أنه قد وضع جيشه بطريقة تمنع تنفيذ تلك التكتيكات. فإن أُخذ بعين الاعتبار أن الهجمات الأولية التي قام بها فرسان السپاهية تُعدُّ دليلاً على تكتيك معروف، فإنها في الحقيقة تشير إلى أن شهود العيان المواجهين في الحرب قد رأوها، وفي هذه الحالة يكون من الصعب تطبيق هذا التكتيك القديم علنا، مما يؤكد استخدام العثمانيون لتكتيكات خداعية ناجحة لم تذكرها المصادر العثمانية ولكن اكتفي بسرد ظاهرها شهود العيان من الصليبيين.[13]
خلال تلك المعركة وما تبعها من المعارك في البلقان، حصل العثمانيون بشكل غير متوقع على أفضل سلاح لدى أعدائهم: المدفع والبندقية، وتعلموا أسلوب وتكتيك حصار معسكرات العدو من الجهات الأربع بواسطة العربات التي تجرها الخيول، وتكتيك المناورة الذي كان يطبقه هونياد بنجاح، وقد استخدم العثمانيون البنادق لأول مرة في معركة ڤارنا وهو ما ساعد على تحديث الجيش العثماني.[76]
اتخذت قوات التحالف الصليبي شكل قوس لتطويق القوات العثمانية، ولكن من دهاء القوات العثمانية أن طوقت التحالف بالمثل بل اتخذت شكل مربع لإتمام هزيمة التحالف الذي لم يجد مفراً من القوات العثمانية.[78]
وضع السلطان مراد الثاني المعاهدة التي نقضها أعداؤه على رأس رمح ليشهدهم ويشهد السماء على غدر العدو، وفي الوقت نفسه يزيد من حماس جنده،[78] أما وضع رأس الملك المذبوح على رأس رمح وتشهيره بين العساكر فقد أدى إلى سريان الفتور بين جنود المجر، كما أدى إلى تشتت صفوفهم، وتمت هزيمتهم أشد هزيمة، وهرب من بقى من عساكر العدو إلى المعسكر، وقام القائد هونياد بجمع قواته والهروب إلى المجر، وتم الاستيلاء على معسكر العدو في اليوم التالي على الرغم من محاولة بعض القادة الاستماتة في الدفاع عنه إلا أنه سقط.[78]
تسببت قوة النيران المجرية في أضرار جسيمة لسلاح الفرسان العثماني، وكاد الصليبيون أن ينتصروا في هذه اليوم تقريبا لولا تلاحق الأحداث، ومنها ظهرت أهمية المدفعية والبنادق في المعركة.[85]
كتب السلطان مراد الثاني في رسائل الفتح:
"ولهذا فقد جعل الله تعالى دولتنا ثابتة بعنايته الربانية وحمايته السبحانية، وجعل سلطنتنا مُحكمة ثابتة، ونظام دولتنا متناغًما. وقد أراد منَّا أن نكون أصحاب رحمة بقدر ما نحن أصحاب قوة، وأظهر لنا تجليات نُصرته في كل وقت وحين، وجعلنا أرباب علم وعرفان وأصحاب بصيرة ورحمة وجود، وثبَّت في قلوبنا الأمر الإلهي الموجود في الآية الكريمة رقم 69 في سورة العنكبوت". ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ٦٩﴾ [العنكبوت:69] |
—"العثمانيون رجالهم العظام ومؤسساتهم الشامخة" عثمان نوري طوباش |
بعد النصر، كتب السلطان مراد الثاني عدة رسائل بالفتح وأرسلها إلى كل الأطراف، وقد شعر كل المسلمين بالفرح في كافة بلدان الإسلام من هذا الانتصار.[61]
كانت رسالة الفتح التي أرسلها بخصوص فتح «َوارنه» (ڤارنا) تنص على ما يلي:[61]
"لقد منَّ الله تعالى الذي أحاط كل المخلوقات برحمته وإحسانه عليَّ بإدارة المسلمين وحل مشكلاتهم، ودفعها، وتنفيذ أوامره، والعمل على طمأنينة وراحة المسلمين. ولهذا فقد جعل الله تعالى دولتنا ثابتة بعنايته الربانية وحمايته السبحانية، وجعل سلطنتنا مُحكمة ثابتة، ونظام دولتنا متناغًما. وقد أراد منَّا أن نكون أصحاب رحمة بقدر ما نحن أصحاب قوة، وأظهر لنا تجليات نُصرته في كل وقت وحين، وجعلنا أرباب علم وعرفان وأصحاب بصيرة ورحمة وَجُود، وثبَّت في قلوبنا الأمر الإلهي الموجود في الآية الكريمة رقم 69 في سورة العنكبوت،[138] كما أنه جعلنا مظهرا للبشارة الواردة في سورة آل عمران في الآية رقم 169 ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ١٦٩ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ١٧٠﴾ [آل عمران:169–170].
ولكي نستطيع أن نؤدي شكر الله تعالى على إحسانه ونعمه التي لا تحصى، فإننا نسعى جاهدين في كل وقت وحين لخدمة الدين الإسلامي، وسلامة وسعادة كل البشر من ناحية الروح والفكر والبدن والمال، وهم الذين استودعهم الله أمانة لنا. ولأن السعادة الدنيوية والأخروية للبشر لن تتحقق إلا باتباع الدين الإسلامي، فإننا قد حصرنا كل عمرنا وكل ما نملك من أجل إعلاء دين الحبيب المصطفى ورفع رايته، وإيصال هذا الدين إلى كل البشر، وسعينا إلى نشر وإحياء سنته السَّنِيَّة إلى كل البشر.
إن هذه هي غايتنا وهدفنا البحت في هذه الدنيا، فتحنا البلدان بهذه النية الخالصة، وسعينا لأن نكون دواء لآلام المتألمين من عباد الله، ولم نتأخر دقيقة واحدة في تأمين كل شيء يلزمنا من أجل الجهاد في سبيل الله والحرب ضد من يفسدون في الأرض، أو ينشرون الفتن. وأعددنا لذلك أفضل الأسلحة والمهمات، لم نضع الوقت هباء، ولم نعامل كل الأهالي الموجودين تحت إدارتنا بالظلم أو الجور بل عاملناهم بالعدل والإنصاف، ودائًما ما كنا نتصرف بمشاعر الرحمة والإنصاف.
وقد كان هذا حالنا منذ تأسيس تلك الدولة وحتى الآن، فقد عاش ملايين الناس الذين تحت إدارتنا في سعادة ورفاهية وعدل، وحملنا سيوفنا المباركة وأسلحتنا المختلفة إلى كل مُعاند خائن سفيه من أعداء الدين وإلى كفار مقهورين، أسأل الله تعالى أن لا يوفقهم وأن يجعلهم مغلوبين مُدَمَّرين حتى لا يبقى على الأرض من الملاعنة أحد ويهلكوا هم وآثارهم. والحاصل؛ يجب على كل مسلم إعلام وإبلاغ رسالة الفتح هذه من على المنابر، وليعُوا تماماً النعمة العظيمة لله تعالى عليهم، ويشكروه ما استطاعوا، وليقوموا بعمل الخيرات وتقديم الصدقات ليزداد عون الله ونُصرته لهذا الدين، وليُقِّوي دينَنَا ودولتنا ويَرفَعَ من شأننا، ولا يحرمنا من هذه السعادة.
وليُنبأ هذا الفتح ويُنشر على كافة المسلمين، وليدعوا لدولتنا بالسعادة والبقاء، ولا ينقطعوا عن الدعاء، والسلام ".[61]
في المجلس العسكري الذي انعقد فجر يوم المعركة 10 نوفمبر 1444م، رفض يوحنا هونياد التكتيكات الدفاعية وأعلن: "الهروب أمر مستحيل، والاستسلام أمر لا يمكن تصوره. دعونا نقاتل بشجاعة ونُجِلُّ أسلحتَنا".
في وقت لاحق، اعترف هونياد في رسالته إلى البابا في 11 مايو 1445م بأنه كان مخطئًا عندما دافع في المجلس العسكري ذاك عن استحالة الانسحاب، وكتب: "إن درجة معينة من الشجاعة المتهورة قد استولت على قلوبنا." |
—جوزيف بانلاكي (Bánlaky József) - التاريخ العسكري للأمة المجرية" |
كتب هونياد رسالة إلى البابا بعد هزيمة ڤارنا الماحقة وصف بها المعركة وأدان عدم تقديم حلفاء المجر المساعدة لها.
هذا الوصف المختصر لمعركة ڤارنا هو جزء من الرسالة المكتوبة إلى البابا:
"الأب الأقدس.
على الرغم من أنني لم تُتح لي الفرصة لتقديم تقرير شخصي لك إلى قداستك، إلا أنني أؤدي ذلك إليك بكل ثقة في تلك الرسالة. وأُرسل لك أخبارًا عن الصراع الأخير، الذي لم يكن فيه قوتنا هي السبب، ولكن خيبة أملنا هي التي تعرضت للخيانة. بعد أن اكتسبتُ خبرة واسعة في الحرب منذ سنواتي الأولى، أعترف بسهولة بأن عجلة الحظ العسكري هي، وفقًا لأدنى رغبة للمراقب الأعلى (المقصود هو: الربّ)، تتحول إلى نهايات إِيجَابِيّة أو كارثية. لعل الله يحكم على أولئك الذين كانوا سبباً في هذا الضيق للشعب المسيحي. وَعَدَ العديدُ من الأمراء المجاورين لنا من «والاشيا» (الأفلاق) ومن بلغاريا وألبانيا وكذلك القسطنطينية، بمساعدات عسكرية كبيرة، وطلبوا منا أن نسافر لمساعدتهم بأقدام سريعة لأن كل شيء وُفِّر لنا. لقد استجبنا لدعوتهم بعد هذا التشجيع الكبير وسرنا بجيشنا، وعبرنا إلى أراضي الأتراك (العثمانيين). وبما أن كل ما نحتاج إليه هو المساعدة الموعودة، فقد اخترقنا بثقة كل يوم أكثر بُعداً في أرض العدو. استسلمت بعض الوحدات المعادية دون مقاومة، وبعضها هزمناهُم. ولكن بعد وقت كان من الواضح أننا لا نستطيع الاعتماد على الوعود السابقة بالمساعدة. كان علينا أن نواجه وضعا لم نكن نتوقعه لأن صداقة الأمراء المذكورين أعلاه في أفضل حالاتها كانت أسوأ من عدم كفايتها، ولأن التحالف الموعود قد تحول في الواقع إلى خداع خبيث. وهكذا، إذا تجاهلنا الدفاع عن أرضنا، وجدنا أنفسنا غير مسلحين في بلد العدو. ومع ذلك، قبل أن يصبح وضعنا المحفوف بالمخاطر واضحًا، حصلنا على العديد من الغنائم وذبحنا العديد من الأتراك (العثمانيين)، وألحقنا أضرارًا كبيرة. كنا قادرين على تجنب المعركة المفتوحة، لكننا شعرنا بالخجل من التخلي عن الحملة التي بدأناها من أجل المسيح، لذلك، تغلبت علينا جرأة متدينة وعزمنا على اتخاذ مسار المغامرة. وقعت معركة غير متكافئة تم خوضها بعُنف، وتوقفت المذبحة فقط بغروب الشمس. لكن المعركة أصبحت معركة خاسرة بسبب الموجات المتواصلة لأكثرية هجومية لا نهاية لها، والذي انسحبنا عنها ولم ننهزم كثيرًا، بدلاً من اكتساحنا والانفصال عن بعضنا البعض.
ومع ذلك، فقد رأيناها بأعيننا ونعرفها من العديد من الوثائق، بأننا لم نُلحِق جروحًا بالعدو أقل مما تلقينا. تركناهم مع ما تبقى من انتصار دموي. علاوة على ذلك، يجدر بنا أن نتحسر بتنهدات كبيرة على الخسائر المؤسفة التي عانينا منها. لأنه هناك مات في ڤارنا الملك، أميرنا وزعيمنا اللامع، والأب الموقر المندوب البابوي "يوليان"، الذي كانت شخصيته حكيمة وقوية ولم تكن هزيمتنا ناجمة عن ضعفنا، أو شجاعة الأتراك (العثمانيين) المتفوقة، لكن العدالة الإلهية هي التي قادت الهزيمة لنا لأننا كنا غير مُجهَّزِين وغير مُسلحين تقريبا؛ وفاز البرابرة اليوم بسبب خطايانا. لذلك، إدراكًا لثقل ذنبنا بدلاً من ثقل جروحنا، لدينا أمل قوي في أن الشخص الذي أدار الهزيمة كانتقام لخطايانا (المقصود: الربّ) سيعطي علاجًا لمن عندهم أمل وسيحرك عقلك قداستك لتقوية الشعب المسيحي المعوجَّة وليست المُنكسرة."[139]
الكاردينال "يوليان سيزاريني" الذي كان تحت قيادة "ڤلاديسلاڤ" أبلغ البابا على الفور بهذه الأمور ولكنه باسم البابا سمح للملك بأن يحنث في اليمين لكن الله لم يغفر لأحدٍ أن يحنث في يمينه. "ڤلاديسلاڤ" كرجل شاب ترك نفسه ليقتنع وبدأ على الفور في بناء حرب على الأتراك العثمانيين. |
—المؤرخ والروائي البولوني والليتواني "مايسي ستايسكوڤسكي" (Maciej Stryjkowski) (حوالي 1547م - 1593م) |
بُذلت المحاولات في الغرب منذ القرن الخامس عشر الميلادي لتفسير كارثة معركة ڤارنا والعثور على المسؤولين عن الهزيمة، واستمرت هذه المناقشة حتى نهاية القرن العشرين.
أرْجَع العديد من المؤرخين ومُدوِّني التاريخ بدءًا من المعاصرين للمعركة أو من الذين شهدوها، إلى أن «انتهاك اليمين والحنث بالقَسَم» كان هو سبب هزيمة الصليبيين.
وبناءً على حقيقة أنه لم يتم الحفاظ على نسخة من «عقد الهدنة» نفسه، فقد بُذلت محاولات لإسقاط تهمة «الحنث باليمين» عن الملك ڤلاديسلاڤ:
Seamless Wikipedia browsing. On steroids.
Every time you click a link to Wikipedia, Wiktionary or Wikiquote in your browser's search results, it will show the modern Wikiwand interface.
Wikiwand extension is a five stars, simple, with minimum permission required to keep your browsing private, safe and transparent.