فرانز بواس
من ويكيبيديا، الموسوعة encyclopedia
فرانز أوري بواس (بالإنجليزية: Franz Boas) (1858-1942) عالم أنثروبولوجيا ألماني المولد أمريكي الجنسية ورائد في علم الأنثروبولوجيا الحديث، أُطلق عليه لقب «أبو الأنثروبولوجيا الأمريكية»، وارتبط عمله بحركة التاريخانية الأنثروبولوجية.[2][3][4][5]
أثناء دراسته في ألمانيا، مُنح بواس شهادة دكتوراه في الفيزياء عام 1881 بالتزامن مع دراسته للجغرافيا كذلك. ثم شارك في بعثة جغرافية إلى شمال كندا، حيث فتنته ثقافة شعب الإنويت في جزيرة بافن ولغتهم. وتابع بعد ذلك فأجرى أعمالاً ميدانية حول الثقافات واللغات المحلية في منطقة شمال غرب المحيط الهادي. هاجر في عام 1887 إلى الولايات المتحدة، حيث عمل في البدء مشرفاً على متحف في مؤسسة سميثسونيان، وأصبح عام 1899 بروفيسور أنثروبولوجيا في جامعة كولومبيا، وبقي يعمل هناك لبقية مسيرته المهنية. ومن خلال طلابه، الذين أسس الكثير منهم أقسام أنثروبولوجيا وبرامج بحث فيما بعد مستلهمين من معلمهم، كان لبواس تأثير عميق على تطور الأنثروبولوجيا الأمريكية. وكان من بين طلابه أسماء لامعة عديدة منها: أ. ل. كروبر، وروث بندكت، وإدوارد سابير، ومارغريت ميد، وزورا نيل هيرستون، وجيلبرتو فريري، وكثيرون غيرهم.[6]
كان بواس واحداً من أبرز المناهضين لإيديولوجيات العنصرية العلمية التي كانت تحظى بشعبية آنذاك، وهي تقول إن العرق مفهوم بيولوجي وإن السلوك البشري يمكن فهمه على النحو الأفضل من خلال نمذجة الخصائص البيولوجية. وقد أظهر من خلال سلسلة دراسات رائدة أجراها على بنية الهيكل العظمي التشريحية أن شكل الجمجمة وحجمها مطاوعان بشدة للعوامل البيئية مثل الصحة والتغذية، على النقيض من ادعاءات علماء الأنثروبولوجيا العرقية آنذاك الذين كانوا يعتبرون شكل الرأس سمة عرقية ثابتة. وعمل بواس كذلك في سبيل برهنة أن الفروق في السلوك البشري لا تُحدَّد في المقام الأول من خلال الترتيبات البيولوجية الفطرية بل هي في معظمها نتيجة للاختلافات الثقافية المكتسبة عن طريق التعلم الاجتماعي. وبهذه الطريقة، قدّم بواس الثقافة بصفتها المفهوم الأولي لوصف الفروق السلوكية بين الجماعات البشرية، والمفهوم التحليلي المركزي للأنثروبولوجيا.[6]
كان من بين إسهامات بواس الأساسية للفكر الأنثروبولوجي رفضه للمقاربات التطورية -ذات الشعبية آنذاك- لدراسة الحضارة، والتي كانت ترى أن كل المجتمعات ترتقي من خلال مجموعة ذات تسلسل هرمي من المراحل التقنية والحضارية، تتربع الحضارة الأوروبية الغربية على قمتها. فقد جادل بواس بأن الحضارة تتطور تاريخياً من خلال التفاعلات بين الجماعات البشرية وانتشار الأفكار، وأنه بناء على ذلك ليست هناك عملية سير نحو نماذج حضارية «أرقى» باستمرار. وقد أدت هذه الرؤية ببواس إلى رفض التنظيم القائم على «مراحل» للمتاحف الأثنولوجية (علم الأعراق)، وفضّل بدلاً من ذلك ترتيب المعروضات بناء على نسبها أو قرابتها من المجموعات الثقافية المعنية.[6]
وكذلك قدّم بواس إيديولوجية النسبية الثقافية، التي تنص على عدم إمكانية تصنيف الثقافات موضوعياً بوصفها أعلى أو أدنى، أو أفضل أو أصحّ، لأن كل البشر يرون العالم من عيون ثقافتهم الخاصة، ويحكمون عليه وفقاً للمعايير التي اكتسبوها من ثقافتهم. بالنسبة إلى بواس، كان هدف الأنثروبولوجيا هو فهم الطريقة التي تكيّف فيها الثقافة البشرَ على فهم العالم والتفاعل معه بطرائق مختلفة، ومن الضروري من أجل التوصل إلى ذلك اكتساب فهمٍ للعادات اللغوية والثقافية الخاصة بالجماعة البشرية قيد الدراسة. ومن خلال الجمع بين فروع الأركيولوجيا (علم الآثار)، ودراسة الثقافة المادية والتاريخ، والأنثروبولوجيا الفيزيائية، ودراسة التنوع والاختلاف في تشريح الجسم البشري، مع الأثنولوجيا، ودراسة الاختلاف الثقافي في العادات، واللسانيات الوصفية، ودراسة اللغات المحلية غير المكتوبة، تمكن بواس من وضع التقسيم رباعي الفروع للأنثروبولوجيا، الذي برز في الأنثروبولوجيا الأمريكية في القرن العشرين.[6]