Remove ads
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
فرديناند الثاني (9 يوليو 1578 – 15 فبراير 1637) عضو من آل هابسبورغ وإمبراطور روماني مقدَّس (1619-1637) وملك بوهيميا (1617-1619، 1620-1637). هو ابن كارل الثاني أرشيدوق النمسا الداخليَّة، وماريا من بافاريا. كان والداه كاثوليكيَّين متديِّنين، وفي عام 1650، أرسلاه للدراسة في كلية اليسوعيِّين في إنغولشتات، وذلك لأنهما أرادا عزله عن النبلاء اللوثريون، وفي يونيو من العام نفسه، حين كان عمره 12 سنة، توفي والده، وبذلك ورث عنه النمسا الداخليَّة -ستيريا، وكارينثيا، وكارنيولا، ودوقيات أصغر حجمًا. نَصَّبَ شقيق والده الأكبر، الأبتَر رودولف الثاني، وهو إمبراطور روماني مقدَّس، وكان حينها رئيس آل هابسبورغ، أوصياء لإدارة هذه الأراضي.
فرديناند الثاني | |
---|---|
(بالألمانية: Ferdinand II) | |
معلومات شخصية | |
الميلاد | 9 يوليو 1578 [1][2][3] غراتس[4] |
الوفاة | 15 فبراير 1637 (58 سنة)
[5][4][1][2][3] فيينا[4] |
مواطنة | الإمبراطورية الرومانية المقدسة |
الزوجة | ماريا آنا من بافاريا (23 أبريل 1600–8 مارس 1616) إليونور غونزاغا (2 فبراير 1622–15 فبراير 1637) |
الأولاد | فرديناند الثالث إمبراطور الروماني المقدس الأرشيدوقة ماريا آنا من النمسا سيسيليا ريناتا النمساوية ليوبولد فيلهلم أرشيدوق النمسا يوهان كارل دي هابسبورغ الأرشيدوقة كريستين الأرشيدوق كارل |
الأب | كارل الثاني، أرشيدوق النمسا |
الأم | ماريا آنا من بافاريا |
إخوة وأخوات | كونستانس من النمسا، والأرشيدوقة غرغوريا ماكسميليانا من النمسا ، والأرشيدوقة ماريا كريستينا من النمسا ، والأرشيدوقة كاثرين ريناتا من النمسا ، والأرشيدوقة إليونور من النمسا، وماريا مادالينا النمساوية، ومارغريت النمساوية ملكة إسبانيا، وآن من النمسا، ملكة بولندا، وليوبولد الخامس أرشيدوق النمسا، وكارل من النمسا، أسقف فروتسواف، والأرشيدوق ماكسيمليان إرنست من النمسا |
أقرباء | فرديناند الأول، إمبراطور روماني مقدس (جد) |
عائلة | هابسبورغ |
مناصب | |
ملك بوهيميا (23) | |
1619 – 1637 | |
ملك المجر[6] | |
20 مارس 1619 – 15 فبراير 1637 | |
إمبراطور روماني مقدس | |
28 أغسطس 1619 – 15 فبراير 1637 | |
الحياة العملية | |
المدرسة الأم | جامعة إنغولشتات |
المهنة | أرستقراطي |
اللغات | الألمانية، واللاتينية |
الجوائز | |
فارس رهبانية الجِزَّة الذهبية | |
تعديل مصدري - تعديل |
تمَّ تَنصِيب فرديناند حاكمًا فعليًا على مقاطعات النمسا الداخليَّة في عام 1596 وعام 1597. وكذلك فقد عَهِد اليه عمه رودولف الثاني بقيادة دفاعات كرواتيا، وسلافويا، وجنوب شرق المجر ضد الدولة العثمانية. كان فرديناند يعتبر تنظيم المسائِل الدينية امتيازًا ملكيًا، كما وبدأ بإدخال إجراءات صارمة مُتعلقة بالإصلاح المضاد منذ عام 1598. إذ امر أولًا بترحيل كافَّة القساوسة والمعلمين البروتستانت؛ ومن ثمَّ انشَأ لجانا خاصة لاستعادة الأبرشيَّات الكاثوليكيّة. وفي عام 1600، استحوذ العثمانيون على ناجيكانيزسا، الأمر الذي مكّنهم من احتلال ستيريا. وبعد عام من ذلك، حاول فرديناند استعادة السيطرة على المعقل، إلا انَّ المعركة انتهت بهزيمته في شهر نوفمبر من عام 1601، وذلك نتيجة لقيادة قواتِه غير الحكيمة. وفي أثناء المرحلة الأولى من الصراع العائلي المعروف أيضًا بشجار الإخوة، وقف فرديناند في بادئ الأمر إلى جانب شقيق رودولف الثاني، ماثياس، وهو من كان يريد إقناع الإمبراطور السوداوي بالتخلِّي عن عرشه، إلَّا أن التنازلات التي قدَّمها للبروتستانت في المجر والنمسا وبوهيميا قد اشعلت غضب فرديناند. وكان يخطط لإقامة تحالف من اجل تعزيز موقف الكنيسة الكاثوليكية في الإمبراطورية الرومانية المقدسة، إلا أن الأمراء الكاثوليك قاموا بتأسيس الرابطة الكاثوليكية دون مشاركته عام 1610.
وفي عام 1617، اعترف فيليب الثالث ملك إسبانيا، وهو ابن أخ الابتَر ماثياس، بحق فرديناند في خلافة ماثياس في بوهيميا والمجر وذلك مقابل تقديم تنازلات عن أراضي. كما وقدمت إسبانيا الدعم لفرديناند ضد جمهورية البندقية في فترة 1617-18. لم يوافق البرلمان على منصب فرديناند بصفته خليفة لماثياس الا بعد أنه تعهَّد باحترام امتيازات الطبقات في كلا المملكتين. وفي 23 مايو 1618، تسبب تفسير رسالة الجلالة المختلف، الذي لخَّص حريّّات البروتستانت البوهيميين، بحدوث انتفاضة، تُعرف بحادثة القذف من النافذة الثانية في براغ. أسس الثوار البوهيميون حكومة مؤقتة، حيث غزوا النمسا العليا وطلبوا يد العون من مناوئي آل هابسبورغ. تُوفِّي ماثياس الثاني في 20 مارس 1619. وانتُخب فرديناند إمبراطورًا رومانيًا مقدَّسًا في 28 أغسطس 1619 (فرانكفورت)، وذلك قبل أن تخلع الطبقات البوهيمية البروتستانتية فرديناند بيومين (عن عرش بوهيميا). انتشرت أخبار خلعه في فرانكفورت في الـ28 غير أن فرديناند لم يغادر المدينة حتى احتشد الناس حوله. وعرضت بوهيميا تاج (ملك بوهيميا) على فريدريك الخامس ناخب بالاتينات في 26 أغسطس 1619.
اندلعت حرب الثلاثين عامًا في 1618 نتيجة للقصور الناجم عن سَلَفَيه رودولف الثاني وماثياس. إلّا ان تصرفات فرديناند المعادية للبروتستانتية هي التي جعلت الحرب تكتسِح الامبراطورية برمَّتها. وبصفته كاثوليكي غيور، أراد فرديناند استرجاع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية لتشكل الديانة الوحيدة في الإمبراطورية وأراد أيضًا القضاء على أي معارضّة دينيَّة. وقد خَلَّفت الحرب الدمَار في الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وتحولت مدنها إلى أطلال، ولم يسترد الشعب عافيته الا بعد قرن كامل.
ولد فردينند في قلعة بمدينة غراتس في 9 يوليو عام 1578، وهو ابن كارل الثاني أرشيدوق النمسا، وماريا من بافاريا.[7] وَرِث كارل الثاني، أصغر أبناء الإمبراطور الروماني المقدّس فرديناند الأول، كلًا من مقاطعات النمسا الداخلية -ستيريا، وكارينثيا، وكارنيولا، وغوريزيا، وفيوم، وترييستي، وأجزاء من إستريا وفريولي- عن والده عام 1564.[8] كانت ماريا من بافاريا ابنة أخ زوجها، لأنها ابنة ألبرت الخامس، دوق بافاريا، من شقيقة كارل الثاني آنا.[9] وقد أدى زواجهما إلى تَصَالح العائلتين الكاثوليكيتين الحاكمتين في الإمبراطورية الرومانية المقدسة.[10] كانا من الكاثوليك المتدينين، إلا أن كارل الثاني اضطر إلى تقديم تنازلات لرعاياه اللوثرية في عام 1572 وعام 1578 وذلك لتأمين الدعم المالي للبرجوازيَّة والنبلاء البروتستانت لتأسيس نظام دفاعي جديد في مواجهة الأتراك العثمانيين.[11][12]
تلقَّى فرديناند تعليمه بإشرافٍ من قبل والدته في المقام الأول.[13] وفي سن الثامنة، التحق بمدرسة اليسوعيين في غراتس.[13] وبعد ثلاثة أعوام تم وضعه في منزل منفصل.[13] إذ أراد والداه فصله عن نبلاء ستيريا اللوثريون وأرسلاه إلى إنغولشتات ليكمل دراسته في كلية اليسوعيين في بافاريا.[14] اتَّخذ فرديناند من كلمات بولس الرسول -«التاج من نصيب من يقاتل بحق»- شعارا له قبل ان يغادر غراس في بداية عام 1590.[15] طلب والداه من خاله، فيلهلم الخامس، دوق بافاريا، أن يشرف على تعليمه.[16]
توفي كارل الثاني في 10 يوليو عام 1590[13] على نحو غير متوقع، بعد ان اختار زوجته، وشقيقه الأرشيدوق فرديناند الثاني، ونسيبه الدوق فيلهلم الخامس ليكونوا أوصياء على فرديناند.[17] حاولت ماريا وفيلهلم الخامس الإبقاء على فترة الوصاية من أجلها، إلا ان رودولف الثاني، رئيس آل هابسبورغ، عيَّن شقيقه، أرنست أولا عام 1592، ومن ثم ماكسيمليان الثالث عام 1593.[17][18] حثَّت طبقات النمسا الداخلية الإمبراطور على جلب فرديناند من بافاريا، الأمر الذي عارضته ماريا، إلا ان فرديناند أكمل دراسته في جامعة اليسوعيين.[17] كان فرديناند وابن خاله، ماكسيمليان الأول الحاكمين الاوربيين المستقبليين الوحيدين اللذان اكملا دراساتهيما في أواخر القَرن السادس عشر.[19] كان يحضر الحصص الدراسية على نحو منتظم، رغم أن حالته الصحية الحساسة أجبرته عادةً على المكوث في غرفته.[20] ازداد تدينه في فترة دراسته.[21] حيث أنَّه لم يتغيب عن القداس في أيام الأحد ولا أيام الأعياد، وحجَّ إلى الضرائح البافارية.[20]
أكمل فرديناند دراسته في 21 ديسمبر عام 1594، ولم يسمح رادولف الثاني بعودته إلا بعد شهرين من ذلك.[22] وقبل أن يعود إلى مسقط رأسه، تعهَّد فرديناند رسميًا بتقديم الدعم للجامعة ولليسوعيين.[22] تنازل ماكسيميليان الثالث عن الوصاية وجعل الإمبراطور فرديناند البالغ من العمر 17 عامًا وصيًا على نفسه.[23] اختار فرديناند اليسوعي بارثولوميو فيلر ليكون كاهن الاعتراف الخاص به.[24] وأصبح برجوازي من غراتس معتنق للكاثوليكية، هانز أولغي من إيجنبرغ، أحد أكثر أفراد البلاط الموثوقين.[25] أثار ضعف موقف الكاثوليكية ذهول فرديناند، وخصوصا بعد أن أدرك أنه لم يَحتفل بأفخارستيا في قداس عيد الفصح سوى أقاربه وحاشيته الأكثر ثقة.[26]
بَلغ فرديناند سن الرشد في أواخر عام 1596.[27] وفي بادئ الأمر، نُصِّب حاكمًا رسميًا على ستيريا في ديسمبر.[27] كان يتجنب التناقش مع الطبقات في الشؤون الدينية، مستغلًا بذلك خوفهم من غزو عثماني ومن إنتفاضات الفلاحين في النمسا العليا.[27] وفي مطلع العام التالي، أقسم الممثلون عن دوقيات النمسا الداخلية الأُخرى بتقديم الولاء له.[25] لم يغيِّر نظام الحكومة التقليدي، إذ لم يعيِّن في أعلى المناصب سوى الكاثوليك.[25] التقى لاحقًا هو ووالدته برودولف الثاني في براغ،[25] حيث أنبأ فرديناند الإمبراطور بخططه في تعزيز موقف الكاثوليكية.[26] أقَرَّ مستشارو الإمبراطور بأحقيَّة فرديناند في تنظيم القضايا الدينية، غير انَّهم طلبوا منه عدم استفزاز رعاياه من البروتستانت.[28] أولى رودولف الثاني فرديناند مسؤولية الدفاع عن كرواتيا وسلافونيا وكذلك الأجزاء الجنوبية الشرقية من المجر ضد العثمانيين.[29] وقام بزيارة ناجيكانيزسا والقلاع القريبة حيث امر بإصلاحها.[28]
قام فرديناند برحلة غير رسمية إلى إيطاليا قبل أن يُقحَم تماما في إدارة الدولة.[28][30] حيث عين والدته وصية على العرش ومن ثم غادر غراتس في 22 أبريل عام 1598.[31] التقى بالبابا كليمنت الثامن في فرارة،[32] وأعرب بشكل مختصر عن رغبته في طرد كافة البروتستانت من النمسا الداخلية، الأمر الذي عارضه البابا.[33] واصل فرديناند رحلته، وزار البيت المقدس في لوريتو.[33] وفي الضريح، تعهد بطريقة احتفالية بانه سيعيد مجد الكاثوليكية، وفقا لسيرته الأولى، التي كتبها بعد موته كاهن الاعتراف الخاص به، فيلهيم لاموميني.[33]
عاد فرديناند إلى غراتس في 20 يونيو عام 1598.[28] وذكر يوهانس كيبلر، الذي كان يقيم في البلدة، ان البرجوازيين البروتستانت شاهدوا عودة فرديناند والخوف يتملكهم.[34] وسَبَق لفرديناند أن بَذل محاولات فاشلة لتعيين كهنة كاثوليك في كنائس بلدات ذات أغلبية لوثرية قبل رحلته إلى إيطاليا.[35] قدَّم لوغنس زونابنتا، طالب يسوعي سابق، أرسله فرديناند إلى أبرشية في غراتس، شكوى رسمية ضد القساوسة اللوثريين المحليين في 22 أغسطس، يتهمهم بالتدخل في عمله على نحو غير قانوني.[36] كانت والدة فرديناند وكاهن الاعتراف يحثانه على اتخاذ إجراءات حازمة.[36] حيث أمر بترحيل كافة المعلمين والقساوسة البروتستانت من ستريا، وكيرنتن، وكارنيولا في 13 سبتمبر، مؤكدا انه هو «المشرف العام على كافة المؤسسات الكَنَسيَّة في أراضيه الموروثة».[30][37] وعندما احتج البرجوازيون والنبلاء البروتستانت على قراره، رَدَّ بأن الطبقات لم تمتلك سلطة قضائية على الشؤون الدينية.[38] وأستدعى إلى غراتس قوات مرتزِقة إسبانية وإيطالية.[39] ونتيجة لإجراءاته الحازمة، لم تندلع أي أعمال شغب في الوقت الذي غادر فيه قادة الطائفة البروتستانتية غراتس في يوم 29 سبتمبر.[40]
منع فرديناند الطبقات من دخول ستيريا، وكيرنتن، وكارنيولا لعقد مجلس مشترك. طلب برجوازيون ونبلاء من ستريا يد العون من رودولف الثاني وأقرانهم النمساويون ضده لكن من دون جدوى.[41] وبالرغم من أنه قد أصدر مراسيم جديدة تهدف إلى تعزيز موقف الكنيسة الكاثوليكية دون الحصول على موافقة الطبقان، إلا أن الطبقات منحوه الإعانات التي طلبها منهم.[42] وبعد حَل المجلس العام في ستيريا، لخص فرديناند آرائه المتعلقة بالإصلاح المضاد في رسالة موجة للمندوبين.[43] كما أنه إدعى بان ملاحقة الكاثوليك غير الشرعية قد اجبرته على اتخاذ إجراءات صارمة، مضيفًا أن الروح القدس كانت مصدر الهام أفعاله.[43] وفي أكتوبر عام 1599، شكل فرديناند لجانا خاصة، مكونة من أسقف وشخص ذو منصب رفيع، لغرض تنصيب كهنة كاثوليك على كل بلدة وقرية، حيث أذن لهم باستخدام القوة العسكرية إذا لزم الأمر.[30][44] وفي أثناء زيارة لأعضاء اللجنة، كان على البروتستانت المحليون الاختيار ما بين اعتناق الكاثوليكية أو المّنفّى، رغم انه من الناحية العملية نادرًا ما كان يسمح للفلاحين المغادرة.[44] وكذلك قام أعضاء اللجنة بأحراق الكتب الممنوعة.[30] ولم يجبر فرديناند النبلاء اللوثريين على اعتناق الكاثوليكية، إلا أنه منعهم من توظيف كهنة بروتستانت.[45]
تزوج فرديناند من قريبته، ماريا آنا من بافاريا، في غراس في 23 أبريل عام 1600.[46] إذ طوَّر زواجهما من العلاقات بين آل هابسبورغ وآل فيتلسباخ، التي كانت قد تدهورت بسبب تعيين شقيق فرديناند ليوبولد الخامس على أسقفية باساو.[47] وفي تلك الآونة، أخذت العلاقة بين رودولف الثاني وشقيقه، ماثياس، بالتدهور.[48] وخوفًا من ان يستغل الأمراء الناخبين البروتستانت وفاة شقيقه الأبتَر من أجل انتخاب إمبراطور بروتستانتي، أراد ماثياس اقناع رودولف الثاني في تعيينه خليفة له.[48] وقد ناقش ماثياس هذه القضية مع شقيقه الأصغر، ماكسيمليان، وفرديناند في اجتماع سري عُقد في شوتوين في شهر أكتوبر من عام 1600.[48] حيث اتفقوا على طرح القضية على الإمبراطور، إلا أن رودولف المتسم بالسوداوية والايمان بالخرافات رفض الحديث عن قضية خلافته.[49][50]
شَنَّ اليوسكوكس -وهم جنود غير نظاميين من أصول مختلطة ينحدرون من الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأدرياتيكي- عدة هجمات على سفن تابعة للبندقية، لزعمهم أن البنادقة قد تواطئوا مع العثمانيون.[51][52] وحَثَّ البنادقة فرديناند على منع المزيد من أعمال القراصنة.[51] وفي عام 1600، ارسَل مندوبًا إلى اليوسكوك، حيث لقى حتفه على أيديهم.[51] استمرت الغارات العثمانية على المناطق الحدودية وتولت النمسا الداخلية تأمين معظم نفقات الدفاع عن كرواتيا، وسلافونيا، وجنوب شرق المجر.[53] لم يتمكن فرديناند من إدارة الشؤون المالية قط، وكانت أهم القلاع تعاني من مشكلة سوء الإمداد.[54] وفي 20 أكتوبر عام 1600، احتلت القوات العثمانية ناجيكانيزسا، والتي تركت حدود ستريا مكتوفة الأيدي تقريبا في مواجهة الغارات العثمانية.[53] حثّ فرديناند فيليب الثالث ملك إسبانيا على إرسال تعزيزات وأموال إليه.[53] وقام البابا بتعيين ابن اخيه، غيان فرانسيسكو الدوبرانديني، قائدًا على القوات الباباوية.[55] حذَّر فرديناند مستشاريه من غزو مضاد قبل وصول تعزيزات إضافية، إلا ان الدوبرانديني أقنعه بفرض الحصار على ناجيكانيزسا في 18 أكتوبر عام 1601.[54] وبعد أن قُضي على قواته بسبب الجوع وسوء الأحوال الجوية، أُجبِر فرديناند على رفع الحصار والعودة إلى ستيريا في يوم 15 نوفمبر.[55]
فشِل العثمانيون في استغلال هذا النصر، لأن قوات رودولف الثاني تمكنت من هزيمتهم بالقرب من سيكشفهيرفار.[56] أعاد هذا النصر ثقة رودولف بنفسه، لذا قرر اتخاذ إجراءات صارمة متعلقة بالإصلاح المضاد، في سيليزيا والمجر، مما أشعل غضب رعاياه البروتستانت.[50] انتفض القُطب الكالفيني ستيفن بوجكاي ضد رودولف، وانضم اليه معضم النبلاء المجر قبل نهاية عام 1604.[50] تمكن ماثياس من إقناع فرديناند، وماكسيمليان، وشقيق فرديناند، ماكسيمليان إرنست، لأجل البدء بمفاوضات جديدة بخصوص خلافة رودولف، مستغلًا بذلك حالة القلق التي يمر بها أقاربه.[57][58] استنتج الأرشيدوقات الأربع، من اجتماعهم الذي عقد في لينتس في أبريل عام 1606، بأن الإمبراطور لم يكن كفء وقرروا أن يحل ماثياس محله في كل من بوهيميا، والمجر، والنمسا السفلى والعليا.[57] زعم فرديناند لاحقا أنه لم يوقع سوى على المعاهدة السرية وذلك لأنه كان يخشى أن يتهمه أقربائه بالسعي لنيل العرش بخلاف ذلك.[57] لم يتخل رودولف عن العرش، وأعلن أنه كان يفكر في تعيين شقيق فرديناند، لوبولد، خليفةً له.[59] وحقيقة الأمر، فقد سمح الإمبراطور لماثياس بدء المفاوضات مع بوجكاي.[60] وتم إدراج الاتفاق الناتج عن ذلك تحت معاهدة فيينا، حيث نَصَّ على منح البروتستانت المجر الحرية الدينية وكذلك على إجراء انتخابات البلاطين (أو النائب الملكي) في المجر في 23 يونيو عام 1606.[60][61] وأنهت معاهدة زيتفاتوروك الحرب مع الدولة العثمانية في 11 نوفمبر عام 1606.[58][62]
دعا رودولف الثاني البرلمان الإمبراطوري إلى ريغنسبورغ وعين فرديناند نائبا له في نوفمبر عام 1607.[60] وفي جلسة البرلمان الافتتاحية التي عُقدت في 12 يناير عام 1608، طالب فرديناند نيابة عن الإمبراطور الطبقات الإمبراطورية بتوفير أموال لأجل تمويل قوات تألف قوامها من 24 ألف جندي.[63] حيث صرح مفوضو الأمراء البروتستانت بأنهم سيصوتون لصالح الضريبة في حال تقبلت الطبقات الكاثوليكية تفسيرهم لصلح أوغسبورغ الديني، وبالأخص حقهم في استعادة الأراضي التي صادروها من رجال الدين الكاثوليك في ممالكهم.[64] حثَّ فرديناند كلا الطرفين على احترام الصلح الديني، ولكن من دون جدوى تذكر.[65] وباشر إجراء مفاوضات مع فيلهلم الخامس بغية تشكيل تحالف يشمل الأمراء الكاثوليك، إلا أن عَمه لم يرغب في مشاركة آل هابسبورغ في هذا التحالف.[66] وبعد انتهاء جلسات البرلمان في أوائل مايو، شكلت البالاتينات الانتخابية، وبراندنبورغ، وفورتمبيرغ، وإمارات بروتستانتية أخرى تحالفا، يعرف باسم الاتحاد البروتستانتي، يهدف إلى الدفاع عن مصالحهم المشتركة.[67][68]
بالنسبة للبرلمان أوحى تعيين فرديناند كنائب للإمبراطور بأن رودولف كان يعتبر فرديناند -الهابسبورغ الوحيد الذي قد أنجب أطفالًا- خليفته.[60][69] أفشى ماثياس عن معاهدته السرية مع فرديناند، وعفا الإمبراطور عن فرديناند.[65] وشكل ماثياس أخيرًا تحالفًا مع ممثلي الطبقات النمساوية والمجرية حيث قاد إلى مورافيا جيشًا قوامه 15 ألف رجل من المقاتلين الضَّوَارِي.[70] توصل المبعوثون عن الكرسي الرسولي وفيليب الثالث من إسبانيا إلى حل وسط في شهر يونيو عام 1608.[70] وبناء على ما نصت إليه معاهدة ليبن، فقد احتفظ رودولف بغالبية أراضي التاج البوهيمي وكذلك لقب الإمبراطور الروماني المُقدّس. ولكنه اضطر إلى التنازل عن المجر، والنمسا العليا والسفلى، ومورافيا لصالح ماثياس.[70] وأُجبِر كِلا الشقيقان على الاعتراف بامتيازات الطبقات في ممالكهم، بما فيها الحرية الدينية.[70]
توفيت والدة فرديناند في 29 أبريل عام 1608، عندما كان فرديناند مقيما في ريغنسبورغ.[71] وكان موتها، وفقا لما ذكره المؤرخ روبرت بايرلي، بالنسبة لفيرديناند «فقدان أهم شخص في حياته»، الشخص الذي ساهم في تشكيل شخصيته ومنظوره أكثر من أي أحد.[71] وطلب من العالم كاسبار شوبه، الذي كان قد التقى به في البرلمان الإمبراطوري، أن يضع خطة مفصلة لتحالف العواهل الكاثوليكيين.[72] اظهر شوبه أن التحالف يهدف إلى ضمان السلام الديني، ولكنه طالب في نفس الوقت بإعادة المذهب الكاثوليكي إلى كافة إمارات الكنسية السابقة وطالب أيضًا بإرجاع أراضي الكنيسة المصادرة.[73] تبنى فرديناند وجهات نظر شوبه وعينه لبدء مفاوضات مع البابا بولس الخامس حول «حرب عادلة» للدفاع عن مصالح الكاثوليك، إلا ان البابا تجنب الالتزام، وذلك لأنه لم يكن يريد إثارة غضب هنري الرابع ملك فرنسا.[74] كما حاول فرديناند أيضًا تعزيز علاقاته مع أقاربه البافاريون، وذلك لان تمرد ماثياس على رودولف الثاني والتنازلات لتي قدمها للبروتستانت أصابته بالصدمة.[75][76] إلا ان فيلهلم الخامس وماكسيميليان من بافاريا، تجاهلاه بتأسيسهما بالتعاون مع الناخبون الكَنسيون الثلاثة -رؤساء أساقفة ماينتس، وترير، وكولونيا- الرابطة الكاثوليكية في فبراير من عام 1610.[72] لم يتمكن سوى فيليب الثالث ملك إسبانيا، الذي وَعَد بتقديم مساعدات مالية للرابطة، من إقناع الأمراء الكاثوليك في أغسطس باعتبار فردينلاند مديرًا ونائبًا لحامي الرابطة.[72]
تمكن فرديناند من إقناع الإمبراطور بالسعي إلى مصالحة ماثياس،[77] وذلك بالتعاون مع مستشار رودولف الثاني الرئيسي، ميلخيل كليسل، أسقف فيينا. أقبل فرديناند وأمراء إمبراطوريين آخرين إلى براغ لمقابلة الإمبراطور في 1 مايو عام 1610.[77] حافظ فرديناند على حِدَّيته في النزاع العائلي، مما مكنَّه من التوسط بين الشقيقين.[78] إذ توصلوا إلى حلٍ وسط، ولكن رودولف رفض جعل ماثياس خليفة له.[78] وقام عوضًا عن ذلك بتبني شقيق فرديناند الأصغر، ليوبولد، الذي قد استأجر 15 ألف مرتزقًا بناءً على طلبه.[79] غزا ليوبولد بوهيميا في عام 1611، إلا أن قوات الطبقات البوهيمية تغلبت عليه.[79][80] وخلعت الطبقات البوهيمية رودولف عن العرش وانتخبت ماثياس ملكًا في 23 مايو عام 1611.[79][80] وبما ان رودولف احتفظ بلقب الإمبراطور، فإن خلافته في الإمبراطورية الرومانية المقدسة بقيت غير مضمونة.[79] وفي ديسمبر، اجتمع ماثياس، وفرديناند وماكسيميليان في فيينا لمناقشة مسألة مبعوث فيليب الثالث، بالتاسار من ثونييغا.[79] إذ قرروا دعم ماثياس في انتخابات ملك الرومان (التي كانت من الممكن ان تضمن حقه في خلافة رودولف الثاني)، ولكن الناخبين الكنسيين الثلاثة عارضوا الخطة نظرا للتنازلات التي قدمها ماثياس للبروتستانت في المجر، والنمسا وبوهيميا.[81]
تَمَّ انتخاب ماثياس إمبراطورًا رومانيًا مقدسا بعد أشهر فقط من موت رودولف الثاني المصادف 20 يوليو عام 1612.[82] وبما أن ماثياس وشقيقيه أرسل الباقيان على قيد الحياة، ماكسيميليان الثالث وألبرت السابع، كانوا مقطوعي النسل، فلم يكن من الممكن ضمان خلافته في النمسا، وبوهيميا، والمجر والإمبراطورية الرمانية المقدسة.[83] وقام ماثياس بتعيين فرديناند حاكما على النمسا العليا والسفلى وكذلك ممثلا عنه في المجر، ولكن كليسل أصبح مستشاره الأكثر نفوذًا.[82] أراد كليسل تشكيل تحالفا أميريًا جديدًا في الإمبراطورية الرومانية المقدسة وبمشاركة أمراء بروتستانت وكاثوليك.[84][85] لاحظ فرديناند وماكسيمليان الثالث الخطر الكامن في خطته وأرسلا مبعوثينَ إلى روما لإقناع البابا بأهمية تشكيل تحالف كاثوليكيّ خالص.[84] وعلى الرغم من جديد العصبة الكاثوليكية، إلّا انها أعلنت، بناءً على اقتراح كليسل، أن هدفها الرئيسي هو الدفاع عن الدستور الإمبراطوري وليس حماية الكاثوليكية.[84] أعلن فيليب الثالث ملك إسبانيا عن مطالبته بخلافة ماثياس في بوهيميا والمجر، مؤكدًا ان والدته، آنا، شقيقة ماثياس، لم تتخل قط عن حقها في كلا المملكتين.[83][86] وفي شهري يونيو ويوليو، تناقش ماثياس وفرديناند بخصوص مسألة ثونيغا في لينتس، ولكنهما لم يتوصلا إلى اتفاق.[87] تخلَّى ماكسيمليان الثالث وألبرت السابع اللذان فضلا فرديناند على فيليب الثالث عن مطالبهما لصالحه، إلا ان كليسل بذل جهدًا حثيثًا لتاجيل القرار.[87]
أرسل فرديناند قوات إلى مركز الأوسكوكس الرئيسي الواقع في سينج لإيقاف غارات القرصنة في عام 1614.[51] حيث تم أسر وضرب أعناق العشرات من قادة الأوسكوك، إلا ان هذا لم يرضِ البنادقة الذين اجتاحوا إستريا واستحوذوا على مناطق الهابسبورغ في عام 1615.[88] وحاصروا غرادسكا منذ 12 فبراير وحتى 30 مارس، إلا أنهم لم يستحوذوا على الحصن.[89] طلب فرديناند المساعدة من إسبانيا وتلقت البنادقة الدعم من الهولنديين والإنجليز، ولكن كلا الطرفين فشلا في تحقيق نصر حاسم في حرب الأوسكوك.[86][89]
تبنى ماثياس فرديناند في عام 1615، ولكن من دون أن يوافق على انتخاب فرديناند ليكون ملك الرومان، لأنه كان يخشى ان يجبره فرديناند على التنازل عن العرش.[90] وفي مستهل عام 1616، تعهد ماثياس بعدم تدخله بإدارة شؤون الدولة في ممالك ماثياس.[90] وان كليسل الذي اعتبر فرديناند دميةً بيد اليسوعيين استمر في معارضة تعيينه خليفة لماثياس.[86] وفي 31 أكتوبر عام 1616، اتَّفق فرديناند وماكسيميليان الثالث على إزالة كليسل، ولكن فرديناند أراد أن يبرم اتفاقًا مع فيليب الثالث حول خلافة ماثياس قبل اتخاذ مزيدًا من الخطوات.[90] وقَّع المبعوث الجديد عن فيليب في فيينا، إنيغو فيليث دي جيفارا، الكونت السابع في أونياتي، وفرديناند على معاهدة سرية في 20 مارس عام 1617.[91] حيث اعترف فيليب بأحقية فرديناند في وراثة ممالك ماثياس، ولكن فرديناند وعَد بالتنازل عن مناطق الألزاس، وفينالي ليفور وإمارة بيومبينو في إيطاليا لصالح فيليب بعد ان خلف ماثياس ليصبح إمبراطور روماني مقدس.[92][93] وكذلك فقد منح فيليب فرديناند مليون تالر لتمويل الحرب القائمة ضد البنادقة.[93][94] وفي مارس عام 1617،[89] حاصر البنادقة غرادسكا مرة أخرى. كان فرديناند بحاجة إلى مزيدٍ من الأموال، إلا ان الطبقات لم تصوت على فرض ضرائب جديدة.[89]
أصيب ماثياس بمرض خطير في أبريل عام 1617.[95] وأجتمع مع البرلمان البوهيمي لضمان خلافة فرديناند، متجاهلًا بذلك نصيحة كليسل.[95] أعلن أن شقيقاه قد تنازلا عن حقهما لصالح فرديناند، ولكن غالبية المندوبين البوهيميين رفضوا حق آل هابسبورغ في وراثة بوهيميا.[95] وبعد إجراء بعض المفاوضات، أجمع كافة المندوبون على «قبول» فرديناند ملكا في 6 يونيو، ولم يعارضهم سوى نبيلان وبرجوازيان.[96][97] تعهد فرديناند باحترام رسالة الجلالة - وهي وثيقة رسمية تضمن الحرية الدينية في أراضي التاج البوهيمي- إلا بعد استشارة اليسوعيين المحليين.[98] وتُوَّج ملكا في كاتدرائية القديس فيتوس في 29 يونيو،[99] وتَمَّ تعيين عشرة أوصياء على العرش (سبعة من الكاثوليك وثلاثة من البروتوستانت) وهم من أسس مكتب رقابة في براغ.[100]
التقى فرديناند وماثياس بيوهان غيورغ الأول، ناخب ساكسونيا في دِرِسدِن الذي وعد بتقديم الدعم لفرديناند في الانتخابات الإمبراطورية.[93][101] ووافق يوهان غيورغ على إقناع الناخبين البروتستانت الأخرين، فريدريك الخامس ناخب بالاتينات ويوهان زيغسمونت ناخب براندنبورغ، من أجل التصويت لفرديناند.[101] استأجر فرديناند قوات جديدة لمجابهة البنادقة وانضم إلى جيشه عدد من المتطوعين.[89] وجنَّد النبيل البوهيمي الكاثوليكي، ألبرشت فون فالنشتاين، 260 جنديًا على نفقته الخاصة.[89] وفي 22 سبتمبر، رَفَع البنادقة الحصار عن غراديسكا، ولكن السلام لم يحل حتى أوائل سنة 1618، أي بعد أن وافق فرديناند على إخراج الأوسكوك من الخط الساحلي وأمر بتدمير سفنهم.[93][89] انسحب البنادقة من الأراضي التي قد استحوذوا عليها في إستريا وتم إقامة ثكنات عسكرية دائمة في سينج.[93][89]
استدعى فرديناند البرلمان النمساوي إلى بروشبورغ (حاليًا براتيسلافا عاصمة سلوفاكيا) في مطلع عام 1618.[102] وبعد أن نجح المندوبون النمساويون في تعيين بالاتين جديد (أو ملازم ملكي) وأكدوا على امتيازات الطبقات، أعلنوا فرديناند ملكا في 16 مايو عام 1618.[102] عيَّن فرديناند القُطب الكاثوليكي، جيغموند فوركاخ، ليكون البالاتين الجيد.[102]
أثار تطبيق رسالة الجلالة جدلًا في بوهيميا.[103] إذ قال البروتستانت بأنها قد سمحت لهم بناء كنائس على أراضي الأساقفة الكاثوليك، إلا أن الكاثوليك لم يقبلوا بتفسيرهم.[103] ألقى مسؤولون ملكيون القبض على برجوازيين بروتستانت ممن أرادوا إنشاء كنيسة في بوروموف ومع ذلك لم تدميرها.[104][96] ألقى البروتستانت معظم اللوم على اثنين من الحكام الملكيين الكاثوليك الأربع، ياغوسلاف بوغريتا من مارتينس، وفيليم سلافاتا من كلوم، بسبب أعمالهم العنيفة.[105] وفي 23 مايو عام 1618، قاد يوندغي ماتوئاس تون -أحد القُطبين التشيكيين اللذان لم يقبلا بخلافة فرديناند- مجموعة من النبلاء المسلحين إلى قلعة براغ.[105] حيث أسَرَوا الحاكمَين وأحد سكرتيراتهم وقذفوا بهم من النافذة.[96][105] وشكلت حادثة القذف من النافذة الثانية في براغ بداية انتفاضة جديدة.[96] وبعد يومين من ذلك، انتخبت الطبقات البروتستانتية مدراء لتشكيل حكومة مؤقتة وبدأوا بتجهيز جيش.[104][106]
كان فرديناند يقيم في بريشبورك حين تم إعلامه بأحداث بوهيميا في 27 مايو سنة 1618.[104] وقام بحث ماثياس على إرسال مبعوث إلى براغ، إلا أن مبعوث ماثياس فشل في التوصل إلى حل وسط.[107] تُوِّج فرديناند ملكًا على عرش المجر، ومن ثم عاد إلى فيينا بعد أسبوعين من ذلك.[108] على الرغم من أن الكاردينال وقف بجانب مطلبهم في وضع سياسة أكثر حزمًا لمواجهة المتمردين البوهيميين،[109] إلا أن فرديناند وماكسيمليان الثالث اتَّفقا على التخلص من كليسل. وبعد اللقاء بكليسل في منزله، قاما بدعوته إلى هوفبورغ، ولكن فرديناند أمر باعتقاله عند مدخل القصر في 20 يوليو.[103] تم تلقائيا حِرمان فرديناند كَنَسيَّا نتيجة لِحَبس كاردينال. ولكن البابا بولس الخامس غَفَر له قبل نهاية العام.[110] باشر فرديناند إجراء مفاوضات مع المتمردين وبتوسطٍ من يوهان غيورغ الأول ناخب سكسونيا.[110] إذ طالب بحل الحكومة المؤقتة وكذلك جيش المتمردين.[110] ولكن بدلًا من الانصياع لأوامره، شكل المتمردون تحالفا مع الطبقات في سيليزيا، ولوستيا العليا والسفلى، والنمسا العليا.[111][112] كَلَّف كارلو إمانولي الأول دوق سفويا إرنست فون مانسفيلد بتقديم المساعدة للبوهيميين.[113] استحوذ مانسفيلد ومرتزقته على بلزن، التي كانت تمثل مركزا مهما للكاثوليك البوهيميين، وقام المتمردون بشن غارات على النمسا السفلى.[112][113] وابتداءً من شهر سبتمبر عام 1618، بدأ البابا بول الخامس بدفع إعانات مالية شهرية لفرديناند حتى يساهم في نفقات الحرب وكذلك وعد فيليب الثالث ملك إسبانيا بتقديم الدعم له.[113]
توفي الإمبراطور ماثياس في 20 مارس عام 1619.[113] وشَجَّع ماكسيمليان ناخب بافاريا فرديناند على إتباع سياسة عدوانية ضد المتمردين البوهيميين، إلا أن فرديناند التزم مجددًا برسالة الجلالة وحَث البوهيميين على إرسال مفوضِين إلى فيينا.[113] تجاهل المدراء إجراءات فرديناند حيث أجروا المزيد من التحضيرات لإقامة نزاع مسلح.[114] اجتاح فالنشتاين أولوموتس واستولى على 96 ألف تالر من الخزانة المورافية في 30 أبريل.[115] وقّدَّم الغنائم لفرديناند إلا أن الملك أعادها إلى الطبقات المورافية.[116] طالبت الطبقات البروتستانتية في النمسا العليا بضمان حرياتها السياسية والدينية قبل الاعتراف بفرديناند خليفةً لماثياس.[115] وفرض تون وقواته المتألفة من 15 ألف جنديًا الحصار على فيينا في 5 يونيو.[112][117] وبما أنه لم يكن في المدينة سوى 300 جنديًا، فقد أرسل فرديناند مبعوثين إلى قائد قواته في كريمس، هنري دامبير وَدَخل في مفاوضات يشأن مطالب البروتستانت في النمسا العليا.[115] وصل دامبير وقواته إلى فيينا باستخدام القوارب حيث اجبروا المندوبين البروتستانت على الهرب من هوفبورغ.[115] وبعد أن انتصر جنرال فرديناند، كونت بوسكيوي، على الثوار البوهيميين في معركة سابلات، رفع تون الحصار في 12 يونيو.[115]
دعا يوهان شويكهات من كرونبرج، رئيس أساقفة ماينتس، إلى عقد اجتماع الناخبين في فرانكفورت.[118] تجنب فرديناند النمسا العليا المتمردة حيث اقترب من التجمع عن طريق سلازبورغ وميونخ.[118] أرسل البوهيميون مبعوثين إلى المؤتمر إذ أنكَرَوا حق فرديناند في التصويت ليكون ملكا عليهم، إلا ان الناخبون تجاهلوا مطلبهم.[118] وفي 31 يوليو، شكَّلّت الطبقات من كافة أراضي التاج البوهيمي كونفدرالية.[112][119] وخلعوا فرديناند في 24 أغسطس، وبعد أربع أيام، عرضوا التاج على فريدرخ الخامس ناخب بالاتينات.[112][119] حاول فريدرخ إقناع الناخبين بانتخاب ماكسيمليان الأول ناخب بافاريا ليكون الإمبراطور الروماني المقدّس الجديد.[120] إلا ان ماكسيمليان رفض هذا الترشيح وتَّم بالإجماع انتخاب فرديناند إمبراطوراً في يوم 28 أغسطس.[121] وصلت إلى فرانكفورت في اليوم نفسه أخبار خلع فرديناند عن بوهيميا، إلا أنه لم يغادر المدينة حتى انتعل العرش في يوم 9 سبتمبر.[121] شكَّل غابرييل بيثلن، أمير ترانسيلفانيا، تحالفًا مع البوهيميون وغزا المجر العليا (المعروفة غالبًا بسلوفاكيا حاليًا) في سبتمبر.[122][123] وبعد انتشار خبر انتصار بيثلن، وافق فريدرخ الخامس على التاج البوهيمي في 28 سبتمبر.[122]
وقَّع فرديناند على معاهدة في ميونخ مع ماكسيملبان الأول في 8 أكتوبر عام 1619.[124] ترأس ماكسيمليان رابطة كاثوليكية مُجدَّدة ووعد فرديناند بتعويضه عن تكاليف الحرب.[124][125] كان فرديناند لا يزال في ميونخ في الوقت الذي وحَّد فيه بيثلن وتون قواتهما حيث فرضا حصارًا مجدداً على فيينا في نوفمبر.[125] طلب فرديناند المساعدة من نَسيبه، سييسموند الثالث ملك بولندا.[126] لم يتدخل سييسموند، ولكنه سمح للمرتزقة القوزاق بغزو المجر العليا، مما أجبر بيثلن على العودة مسرعاً إلى ترانسلفانيا في أواخر يناير عام 1620.[127][128] عقد فرديناند وبيثلن هدنة مدتها 9 أشهر، نَصَّت على الإقرار بفتوحات بيثلن في المجر على نحو مؤقت.[128] وبسبب تخلي بيثلن عنه، أُجبر تون على رفع الحصار.[127][128] وأمر فرديناند فريدرخ بمغادرة بوهيميا قبل حلول 1 يوليو، مهددًا بفرض حظر الإمبراطوري عليه.[129] وعد يوهان غيورغ الأول ناخب سكسونيا بتقديم الدعم ضد المتمردين البوهيميين مقابل الحصول على لوساتيا،[130] إلّا أن بيثلن شكّل تحالفًا جديدًا مع الكونفدرالية البوهيمية حيث أرسلا مبعوثِين إلى القسطنطينية لطلب مساعدة السلطان.[131]
استمر فرديناند بإجراء المفاوضات مع النمسا العليا والسفلى بشأن الاعتراف بخلافته لماثياس في كلتا المقاطعتين.[126] وبعد أن أكد كاهنه الجديد، اليسوعي مارتن بيكانوس، إمكانية منح امتيازات للبروتستانت من أجل ضمان ولائهم، أكَّد فرديناند على حق اللوثريين في ممارسة ديانتهم في النمسا العليا، وكذلك على إنقاذ المدن في 8 يوليو عام 1620.[132] وبعد خمسة أيام، اقسمت الغالبية العظمى من النبلاء على الولاء له.[133] وبعد فترة قصيرة، احتلَّ يوهان تسركليه، كونت تيلي، والقائد السابق لجيش الرابطة الكاثوليكية، النمسا العليا، وتغلبت بوسكيوي على ما تبقى من المتمردين في النمسا السفلى وكذلك تمكن يوهان غيورغ ناخب ساكسونيا من غزو لوساتيا.[130][134] احتفظ ماكسيميليان الأول بالنمسا العليا لضمان تسديد ديون فرديناند وأقسمت الطبقات المحلية بالولاء له يوم 20 أغسطس.[135] خَلَع البرلمان المجري فرديناند وانتَخب بيثلن ملكًا في 23 أغسطس.[131][136] حاول مبعوث لويس الثالث عشر ملك فرنسا وشارل دي فالوا، دوق أنغوليم التوصل إلى حل وسط بين فرديناند وخصومه، إلا ان فرديناند كان عازمًا على إجبار رعاياه المتمردين على طاعته.[137] قامت القوات الموحدة التابعة لماكسيميليان الأول ناخب بافاريا، وتيلي وبوسكيوي بغزو بوهيميا حيث هزمت البوهيميين وحلفائهم هزيمة نكراء في معركة الجبل الأبيض بتاريخ 8 نوفمبر عام 1620.[134][138]
حَثَّ ماكسيميليان الأول ملك بافاريا فرديناند على اتخاذ إجراءات صارمة ضد البوهيميين وحلفائهم،[139] حيث أعلن فرديناند في 29 يناير عام 1621 عن خروج فريدريك الخامس عن القانون.[140] وكَلَّف فرديناند كلا من كارل الأول، أمير ليختنشتاين والكاردينال فرانز أمير ديتريخشتاين بإدارة حكومة بوهيميا ومورافيا، على التوالي، وكذلك أمر بإنشاء محاكم عدل خاصة تهدف إلى النظر في محاكمات المتمردين.[141] إذ حكمت هذه المحاكم الخاصة على معظم قادة المتمردين بالموت، حيث تم إعدام 27 منهم في ساحة البلدة القديمة في براغ يوم 21 يونيو.[141] وتَمّ جزئيًا أو كليًا مصادرة عقارات أكثر من 450 نبيل وبرجوازي.[142] طالب فرديناند إجراء المزيد من المحاكمات، إلا ان ليختنشتاين أقنعته بإصدار عفو عام، وذلك لعدم طرد قوات مانسفيلد من بوهيميا الغربية.[143] أراد بثلين أيضًا مواصلة الحرب على فرديناند، لكنه لم يتلق الدعم من العثمانيين.[144] وبعد مفاوضاتٍ طويلة، تنازل بيثلن عن لقب ملك المجر، بعد أن منحه فرديناند سبع مقاطعات مجرية ودوقيتين من سيليزيا في إطار صلح نيكولسبورغ.[136] وبحلول ذلك الوقت، كان فرديناند قد منع القساوسة البروتستانت من دخول براغ، متجاهلًا اعتراضات يوهان غيورغ الأول ناخب ساكسونيا.[145]
Seamless Wikipedia browsing. On steroids.
Every time you click a link to Wikipedia, Wiktionary or Wikiquote in your browser's search results, it will show the modern Wikiwand interface.
Wikiwand extension is a five stars, simple, with minimum permission required to keep your browsing private, safe and transparent.