من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
عنف رمزي (Symbolic Violation) مفهـوم سوسـيولوجي معاصـر[1] يعني أن يفرض المسيطرون طريقتهم في التفكير والتعبير والتصور الذي يكون أكثر ملائمة لمصالحهم، ويتجلى في ممارسات قيمية ووجدانية وأخلاقية وثقافية تعتمد على الرموز كأدوات في السيطرة والهيمنة مثل اللغة، والصورة، والإشارات، والدلالات، والمعاني. فهو عنف نائم خفي هادئ، غير مرئي وغير محسوس حتى بالنسبة لضحاياه.[2] ويعد مفهوم العنف الرمزي واحداً من المفاهيم المهمة التي تصدرت طروحات بيير بورديو المبكرة عام 1972 .[3]
يعرفه بيير بورديو: العنف الرمزي هو عبارة عن عنف لطيف، وغير محسوس، وهو غير مرئي بالنسبة لضحاياه أنفسهم، وهو عنف يمارس عبر الطرائق والوسائل الرمزية الخالصة أي: عبر التواصل، وتلقين المعرفة، وعلى وجه الخصوص عبر عملية التعرف والاعتراف.[4] و«هو أيضاً صنف من التصرفات والأقوال والأفعال والحركات والكتابات، التي من شأنها أن تـُلحق الأذى بالاتزان النفسي أو الجسدي لشخص ما، وأن تـُعرّض عمله وحياته للخطر، وأن تتسبّب بتعكير مناخ العمل وتسميمه».[5] ويمكن تعريفه بأنه: نوع من العنف الثقافي الذي يؤدي وظائف اجتماعية كبرى، ويمكن أن تلمسه في وضعية الهيمنة التي يمارسها أصحاب النفوذ على أتباعهم بصورة مقنعة وخادعة، إذ يقومون بفرض مرجعياتهم الأخلاقية والفكرية على الآخرين من أتباعهم، ويولدون لديهم إحساسا عميقا بالدونية والعطالة والشعور بالنقص.[6]
«وفي إطار تحديد هوية العنف الرمزي، ينبغي الفصل بين صور العنف الرمزي وممارسات العنف الأخرى التي درست تحت طائلة الدراسات السيكولوجية، فالعنف بشكل عام يتضمن أشكال الانتهاك الجسدي كما يتضمن العنف المعنوي الذي يتوجه ضد الآخر مثل: الاستهزاء. بينما العنف الرمزي فهو عنف غامض مستتر، يتماهى، ويتوارى خلف الكثير من السلوكات اليومية المقبولة اجتماعياً وثقافياً وإيديولوجياً، ودينياً، وتكون نتائجه خطرة وكارثية لأنه يُطَبع الشخصية على العنف ويناوب الأدوار بين الجلاد والضحية ويؤسس ويثقف بشكل مستتر للعنف الصريح (الجسدي والمعنوي)».[7] فالعنف الرمزي مقارنة بأي شكل آخر من أشكال العنف يكون غامضاً مستتراً خفياً ناعماً، ولكن نتائجه قد تكون كارثية فيما يتعلق بتوجهات الحياة الاجتماعية بمساراتها الفكرية والأيديولوجية. إضافة ادإلى ذلك يعد العنف الرمزي عنفا إشكاليا وظيفيا، يحمل في ذاته طابعاً أيديولوجياً، و يثير هذا الأخير كثيراً من الجدل بين الباحثين والمفكرين.[6]
قبل البدء في طرح الترابط ما بين العنف الرمزي والعنف المباشر فإنه يجب علينا تعريف العنف المباشر، وعليه يكون التعريف بأنه: عمليات ممارسة القوم من أجل إيذاء الأشخاص أو تدمير الممتلكات وإلحاق الضرر بالأشخاص أو التدخل قسراً في الحد من الحريات ويدخل أيضاً في سلوكيات عديدة منها القتل، الضرب، التشويه.[8]
الترابط ما بين العنف الرمزي والعنف المباشر:
قد لا يبدو هناك ارتباط مباشر ما بين هذان النوعان من العنف إلا أنه عند تحديد الاختلافات ما بينهما يترتب علينا وصفها. ففي حين أن العنف المباشر يشير إلى أن العنف الجسدي الذي يقوم به الفاعل من خلال إيذاء الأفراد إما عن طريق الضرب أو القتل وغيرها من الطرق، إلا أن العنف الرمزي يكون أكثر نعومة من دون ممارسات جسدية، أي أنه يُصيب أكثر الأفراد بطريقة غير مباشرة، فعند المقارنة بينهما يظهر لنا أن العنف المباشر يكون كالآتي: يقتل الناس مباشرة، يقتل بسرعة، ضرر جسدي، يكون على فترات متقطعة وبشكل مقصود. أما العنف الرمزي فيكون: يقتل الناس بشكل غير مباشر، يقتل ببطئ، الحرمان الجسدي، مستمر وغير مقصود.
ومن هنا يمكننا توضيح أن الترابط ما بين العنف الرمزي والعنف المباشر هو ترابط بشكل دائري، أي أنهما عبارة عن نظام مشترك مترابط . فعلى سبيل المثال عند قيام الرجل بضرب النساء فإنه يؤكد تراتبية الهيمنة التي تفرضها السلطة الأبوية، ففي حالة ضرب الرجال للنساء فإن القائم بفعل الضرب هو الرجل والذي يمثل العنف المباشر، في حين أن الشرعية التي سمحت بضرب النساء هي السلطة الأبوية التي تعزز هذا الفعل، وتعزيز مثل هذا الفعل هو عنف رمزي.[8]
ويشترك العنف الرمزي مع سائر أنواع العنف في الهدف متمثلاً في إلحاق الأذى والضرر بالأخرين، ويختلف عنها من حيث أداؤه لأنه خفي وغير واضح تماما، ومن خصائصه:
للعنف الرمزي مظاهر وأسالیب عدیدة، من أبرزها عند بوردیو:
في مجال الإعلام ركز بيير بورديو على التلفزيون باعتباره أداة إعلامية خطيرة تمارس العنف ضد المواطنين، إذ تقدم لهم ما تشتهيه السلطة المهيمنة التي تستغل وسائل الإعلام لتحقيق مصالحها وأهدافها وأرباحها. ومن ثم، يتلاعب التلفزيون بعقول الناس، وينشر بينهم إيديولوجية الدولة المهيمنة، وأفكار الطبقة الحاكمة. وهذا يهدد – فعلا- الثقافة والفن والديمقراطية الحقيقية.[11] وينطبق هذا الحكم نفسه على الصحافة التي صارت من الوسائل الخطيرة التي تشارك الفئات الحاكمة في ممارسة العنف الرمزي ضد الآخرين.
وفي مجال التربية والتعليم وطبقاً لبورديو تتضمن الأنشطة التربوية القائمة على تلقين المعلومات، موضوعياً نوعاً من العنف الرمزي، وذلك بوصفها فرضاً من قبل جهة عليا تسعى لتوطيد هيمنة رؤى الطبقة المسيطرة، وإعادة إنتاج موروث العنف الرمزي الاجتماعي الذي يرسخ الطبقية والتبعية للكثير من الآراء.وكذلك تمايز مستويات المدارس وفرص الطلبة في الانتساب إليها، لاعتبارات اقتصادية وطبقية اجتماعية يخضع الطلبة لامتحانات مركزية موحدة في بعض المراحل الدراسية، ونتيجة طبيعية ان تكون فرصة شريحة معينة من الطلبة في النجاح وتحصيل قدر أكبر من الدرجات أكثر من فرصة الطلبة في شرائح اجتماعية أخرى هذه النتائج تنطوي على عنف رمزي مشروع يعيشه الجميع دون ان يدركوا خطورته.[7]
أظهرت استطلاعات أن أكثر من مليوني فرنسي وفرنسية، أي ما نسبته 9 بالمائة من الفرنسيين، يتعرضون للاعتداء المعنوي والعنف الرمزي في أماكن عملهم.[10]
Seamless Wikipedia browsing. On steroids.