Loading AI tools
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
صورة العدو هو تمثيل يُعبر عن العدو، ويمكن تعريفه بأنه تصوّر مشترك بين أعضاء جماعة معينة تجاه هذا العدو، حيث تتسم بنزوع الطابع الإنساني عنه، تمثل الصورة نوعًا من التنميط القائم على الاختزال والتضخيم والتحيز والتعميم، غالبًا ما تُشتق من مزيج أفعال وتصرفات هذا العدو وإدراكات المتلقين، مما يضيف درجة من الدقة في بعض الجوانب بينما يُظهر تحيزُا في جوانب أخرى.
صورة العدو لا تستند فقط إلى مشاعر الكراهية، بل تمتد أيضًا إلى شعور بالتهديد أو احتمال التعرض لاعتداء أو عنف. تتشكل هذه الصورة من وجود جماعة ذات هوية تهددّها جماعة أخرى خارجة. ومن المهم الإشارة إلى أن صورة العدو تختلف عن العداء أو العنف بين أفراد الجماعة نفسها. عادةً ما توجد نزعة لتحقيق الانسجام بين الصفات الجسدية والنفسية للعدو، بحيث لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض. وبالتالي يكوّن ما هو طبيعي وما هو أخلاقي عنصرين متآلفين لا يقبلان الانفصال ، وبالتالي يكون بمقدور الفرد محاربة عدوه بطريقة أوضح عن العدو العقدي فقط المماثل طبيعيًا، لا سيما العدو العقدي من داخل الجماعة.
يمكن اعتبار صناعة صورة العدو جزءً من علم النفس السياسي نظرًا للدور الذي تلعبه صياغة هذه الصورة من قبل أجهزة الإعلام والاستخبارات في تماسك الجماعات ضد التحدي الخارجي ودورها في تفكك الدعم لهذا العدو.
تاريخيًا كان لصناعة صورة العدو دور بارز وخاصة في الحروب وكانت للصورة التي صاغتها قوات دول الحلفاء للنازية دور في تماسك الجبهة الداخلية أثناء الحرب العالمية الثانية، هذه الجبهة التي سرعان ما انقسمت بعد الحرب وبدأت صياغات جديدة لتصوير العدو الشيوعي مقابل العدو الرأسمالي. وفي الشرق الأوسط وفي خضم الحرب الباردة وصلت صناعة صورة العدو إلى مرتبة الحرفية فصورة إسرائيل كانت عبارة عن خنجر في قلب الوطن العربي وصورة العرب كانت عبارة عن تهديد إسلامي يتلقى مساندة من الاتحاد السوفيتي، ويهدف الى إبادة إسرائيل والشعب اليهودي. بعد أحداث 11 سبتمبر 2001،م تم تصوير القائمين بالمهمة كعدو إسلامي العقيدة، شرقي الملامح يجمع بين التعصب والتخلف والدموية وتم تصوير جورج دبليو بوش والحرب على الإرهاب كحملة صليبية تستهدف القضاء على الإسلام والمسلمين.[1]
يمثل العدو نموذجًا خاصًا "للآخر" فكل عدو هو "آخر" لكن ليس كل "آخر" هو عدو ويرتبط بذات السياق مصطلح "صورة أو صور العدو" الأكثر تعلقًا بدراسات الحرب والصراع أو الدعاية الدولية. ويشير مصطلح "صورة العدو" إلى الصور المشتركة والنمطية والغير إنسانية عادة للجماعات الخارجية. إن مفهوم «العدو» يمثل خطوة أبعد في تعريف الهوية فصورة العدو توفر ملامح الخصم أو العدو العسكري من منظور أشخاص أو الدعاية العسكرية. و«الآخر» يساعد في تعريف الهوية بتحديد ما يتم استبعاده كآخر، وفي المقابل، فإن «العدو» يوضح جوهر الصراع بين الجماعة/الفرد والآخرين الأعداء، أي يتجاوز تحديد من هو العدو وماهيته وطبيعته إلى تحديد سبب كونه عدوًا. حيث تحقق صورة الآخر الحاجة البشرية إلى الكشف عن الهوية عبر الاحتكاك بالآخر وهي حاجة قديمة ومتشعبة التعبير، لكن ما يجمعها هو سلبيتها وتطرفها إزاء سلوك الجماعات الخارجية.[2]
يذكر إدوارد سعيد أن أزمة الهوية وهي إحدى أكثر العلاقات تجسيدًا للآخر في العصر الراهن لا تظهر إلا في المجتمعات التي تدخل في ديناميكية الحداثة. وتعنى الأزمة هنا مجرد بدء الجهد المؤلف أو المفرح في تحديد الذات، وهي لم تبدأ إلا بالحداثة أو باكتشاف الغرب.[3] وترى الأستاذة في علم الاجتماع السياسي دلال البرزي أن هذه الوظيفة للآخر تظهر لدى طرفي العلاقة رغم عدم التكافؤ لدى الغالب والمغلوب لكن الفرق يكمن في كون الغالب هو المبادر والقادر على طرحها، جاعلًا من هذه الوظيفة لدى المغلوب «أزمة» تدوم بدوام غلبته.
مصطلح «الآخر» قد يوظف فقط لتعريف الهوية وبنائها، بينما مصطلح «العدو» يستخدم لتوجيه اللوم إلى الأحداث السيئة في الحياة. فالعدو ينشأ فقط لدى الاعتقاد بوجود اختلافات جوهرية «بيننا» و«بينهم» مع ربط هذه الاختلافات بتمييز مواز بين الخير (نحن) والشر (هم)، وهو ما يؤدي عادةً إلى نزع الطابع الإنساني عن الآخر العدو، وبالتالي سيادة النمط العدائي العنيف في التعامل مع الآخر في هذه الحالة.[4]
يرى فيلهو هارلي أن فكرة العدو تنبع نفسيًا من قيام الجماعة بتحديد شرها بنسبته إلى «أنتم» أو «الآخرين» ومن ثم يصبح أنتم «الآخر» هم العدو[5] ومن الناحية الاجتماعية فإن العدو نتاج مشترك يتشكل اجتماعيًا منا جميعًا معًا، فالعدو عادة ليس ظاهرة فردية ينجزها شخص واحد بمفرده. ثقافيًا، تتشكل الذات والآخر في إطار التقاليد المتداولة عبر المواريث من جيل إلى آخر، وهي بطبيعتها لا تعبر عن حقيقة مطلقة أو موضوعية ويرى جيمس أهو إمكانية تلمس مصدر العدو في الأفكار الدينية ويميز في هذا الإطار بين فئتين:
ربط العدو بالتهديد الدائم وهو ما يؤدي إلى تضخيم صورة العدو لأنه لا وجود لعدو إلا وكان قويًا. ويفسر ذلك جزئيًا تصدر ما يسمى «الإرهاب العربي» قائمة المخاوف المواجهة للمجتمعات المتحضرة، وكذلك التصعيد من خطر بلدان كالعراق وسوريا وليبيا وغيرها على الأمن العالمي. وكذلك تحول قضية الهجرة العربية إلى الخطر الرئيسي المهدد للسلم المدني والتوازنات الاقتصادية والاجتماعية والهوية في بعض البلدان الأوربية. ولا ينفي ذلك وجود تفاعل متبادل بين تمثل الذات للآخر وواقع هذا الآخر. فصورة الأخر منها كانت فعالية السلبية إلا أن لها في الواقع بعض الأسس المحسوسة. إن عملية نزع الطابع الإنساني عن العدو (Dehumanization) هي وسيلة لإضفاء الشرعية على استخدام العنف ضد الآخر، وتقليل الشعور بالذنب المصاحب لمثل هذا العنف.[11]
يمكن التمييز بين عدة مستويات لنزع الطابع الإنساني مع مراعاة إمكانية التداخل فيما بينها:
تتعدد أنواع العدو بحسب الصفات والسمات التي يتمتع بها هذا العدو أو التي يتم إضفاؤها عليه عبر عمليات الإدراك، وبحسب طبيعة التهديد الذي يمثله هذا العدو، ويميز البعض في هذا الإطار بين العدو الرمزي، والعدو الشريف أو الجدير، والعدو الحاجز أو المانع، وعدو الإله والعدو المهاجم أو المعتدي، والعدو المستبد/الخائن، والعدو الخفي من الداخل أو ذلك على النحو التالي:
يقصد بديناميكيات العداء مجموعة من الآليات والعوامل التي تسهم في تشويه عملية الإدراك لدى التعامل مع صور العدو، والتي قد تؤدى إلى تفسير التحركات السلمية أو الإيجابية لهذا العدو كتحركات عدائية، أو تصوير حالة الهجوم كدفاع أو العكس. وتزيد هذه العوامل من احتمالات تصعيد العداء ومن أهمها:
رغم صعوبة تغيير صورة العدو إلا أن ذلك يمكن أن يحدث إذا توافرت عوامل ومحركات تدفع إلى ذلك. وهذا التغير قد ينظر إليه كعملية إيجابية تعكس اتجاهًا نحو تسوية النزاعات، ويطلق على التغيير في هذه الحالة عملية «التعلم السياسي». ويقصد بالتعلم السياسي (Political Learning) في هذا السياق «التغير في صور العدو على نحو يعزز احتمالات النجاح في إدارة الصراعات وتسويتها وحلها».[29] وتشبه عملية التعلم هذه نمط التجربة والخطأ (trial & error) التي يؤدي الفشل فيها إلى اتخاذ خطوات جيدة وهكذا. وترتبط عملية «التعلم السياسي» بتوافر مجموعة من العوامل المعززة لتغيير صورة العدو من قبيل:
وتشير بعض الدراسات إلى نموذجي السادات وغورباتشوف وتغير صورة العدو لدى كل منهما حيث يرجع ذلك إلى العاملين الأخيرين (في القائمة الرباعية السابقة) كما يشار إلى أن حدوث تغيرات طفيفة لدى كل منهما في صورة العدو دفعت إلى اتخاذ خطوات محدودة تتفق مع هذا التغير في الصورة، ثم استقبال التغذية الاسترجاعية واتخاذ خطوات أكبر وهكذا.[31]
هذه الاستراتيجية (كما يتضح من طبيعتها) قد يتم تبنيها من قبل قيادات الجماعة أو بعض أعضائها، وقد تتبناها الجماعة الأخرى (العدو) أو قيادة الجماعة الأخرى. كما قد تقوم هذه الاستراتيجيات على خطوات متبادلة بين الجماعة والعدو ويمكن في هذا السياق تناول الاستراتيجيات التالية لتغيير صورة العدو:
وتتم ممارسة هذه العملية في إطار التسميم السياسي عبر آليتين متكاملتين هما: أداة التضليل القائمة على التوظيف المخالف للواقع والسيء للقيم السياسية والدينية، أداة للترويض: التي تجعل تلك القيم و«المواقف الجديدة» ليست مستغربة إنما هي مطلوبة ومتسقة مع الإطار أو النظم القائمة بصرف النظر عن طبيعتها الواقعية. وهكذا يعد التسميم السياسي إحدى العمليات أو المقدمات المنطقية التي يعاد من خلالها تشكيل الإطار الذي ينطلق منه الرأي العام في مجتمع معين، بحيث يتم تشكيل ذلك الراي العام تجاه القضايا التي تواجهه وتجاه الأعداء والخصوم بشكل يتناسب مع القيم الجديدة التي تم غرسها وتسريبها إلى الوعي أو العقل الجماعيين أو ذاكرة النخبة المثقفة أو القائدة فيه.
Seamless Wikipedia browsing. On steroids.
Every time you click a link to Wikipedia, Wiktionary or Wikiquote in your browser's search results, it will show the modern Wikiwand interface.
Wikiwand extension is a five stars, simple, with minimum permission required to keep your browsing private, safe and transparent.