Loading AI tools
عالم اقتصاد بريطاني من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
جون مينارد كينز أو بارون كينز الأول[7] (بالإنجليزية: John Maynard Keynes) «5 جزيران/يونيو 1883 - 21 نيسان/أبريل 1946» اقتصادي إنجليزي ساهمت أفكاره في إحداثِ تغييرٍ جذري في نظرية وممارسة الاقتصاد الكلي؛ عُرف كينز بأنّه مُنقذ الفردية الرأسمالية من انتشار البطالة نتيجة إيمانه بأنّ عدم معالجة هذه المُشكلة سيؤدي لتحكم الأنظمة الاستبدادية في العالم الغربي.[ar 1] كانت الرياضيات مادته المفضلة، حيث لعبت دوراً أساسياً في صقل مهاراته والتأسيس لأعماله فيما بعد،[8] بالإضافة إلى تميزه في الأدب الكلاسيكي والتاريخ.[ar 2] يُعتبر جون مينارد كينز أحد أكثر الاقتصاديين نفوذاً في القرن العشرين،[9] وهو باني اللّبنة الأساسية لمدرسةٍ اقتصادية كثيرة التفرعات عُرفت فيما بعد بالاقتصاد الكينزي.[10]
جون مينارد كينز | |
---|---|
(بالإنجليزية: John Maynard Keynes) | |
معلومات شخصية | |
الميلاد | 5 يونيو 1883[1] كامبريدج[2] |
الوفاة | 21 أبريل 1946 (62 سنة)
[3] فيرل |
سبب الوفاة | نوبة قلبية |
الجنسية | المملكة المتحدة |
اللقب | اللورد كينز |
عضو في | مجلس اللوردات |
الزوجة | ليديا لوبوكوفا |
العشير | ألفرد نوكس[4] جيمس ستراتشي[4] ديفيد غارنت[4] |
الأب | جون نيفيل كينز [5] |
إخوة وأخوات | |
منصب | |
عضو مجلس اللوردات | |
بداية | 1942 |
نهاية | 1946 |
الحياة العملية | |
المدرسة الأم | كلية إيتون كلية كينغ[6] |
مشرف الدكتوراه | ويليام جونسون، وألفريد نورث وايتهيد |
تعلم لدى | ألفرد مارشال، وويليام جونسون |
طلاب الدكتوراه | جوان روبنسون |
المهنة | اقتصادي، ورياضياتي، وسياسي، وفيلسوف، وأستاذ جامعي، ودبلوماسي، وكاتب غير روائي، ورجل أعمال |
الحزب | الحزب الليبرالي |
اللغة الأم | الإنكليزية |
اللغات | الإنجليزية |
سنوات النشاط | 1883 - 1946 |
مجال العمل | الاقتصاد |
موظف في | جامعة كامبريدج |
منظمة | مجموعة بلومزبري |
سبب الشهرة | مؤسس الاقتصاد الكينزي |
أعمال بارزة | النظرية العامة للتوظيف والفائدة والنقد |
التيار | مجموعة بلومزبري |
الجوائز | |
زمالة جمعية الاقتصاد القياسي نيشان الحمام من رتبة مرافق زميل الأكاديمية البريطانية | |
التوقيع | |
تعديل مصدري - تعديل |
قاد كينز ثورةً في التفكير الاقتصادي[ar 3] في أثناء فترة الكساد الكبير التي تحدى فيها أفكار الاقتصاد الكلاسيكي الجديد المعتمد على التأكيدات بأن السوق الحر سيوفر تلقائياً كل ما يحتاجه الاقتصاد من العمالة بشرط مرونة العُمال في طلب أجورهم. جادل كينز في الفكرة القائلة بأنّ إجمالي الطلب (إجمالي الإنفاق في الاقتصاد) هو المُحدد الأساسي للنشاط الاقتصادي، ورأى أن الطلب الكلي غير المُلائم سيؤدي لفتراتٍ طويلةٍ تتسم بنسبة بطالةٍ مُرتفعةٍ مما سيؤدي لتخفيض أُجور العُمال ممّا يعني أنّ الاقتصاد لن ينتعش بشكلٍ تلقائي مع أسلوب التوظيف للسوق الحُرّة.[11] عليه دعا كينز إلى استخدام السياسات المالية والنقدية للتخفيف من الأثر الكبير للركود الاقتصادي، وفصَّل أفكاره كلها في مؤلفه الأهم الذي نُشر عام 1936 النظرية العامة للتوظيف والفائدة والنقد.[ar 4] بدأت الاقتصادات الغربية في تبني توصيات كينز في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين وبحلول العقدين التاليين كانت الحكومات الرأسمالية كلها تقريباً قد تبنت توصياته. شارك جون مينارد كينز بصفته مندوب بريطانيا في تصميم المؤسسات الاقتصادية الدولية بعد الحرب العالمية الثانية وقدم العديد من التوصيات التي نُقض بعضها لاحقاً من قبل الوفد الأمريكي.
تسببّ الركود التضخمي في الاقتصادين البريطاني والأمريكي مع حلول السبعينات من القرن العشرين بانهيار جزئي في أفكار كينز إضافة إلى تعالي الانتقادات لتوصياته من قبل اقتصاديين مثل ميلتون فريدمان[12] وغيره ممّن جادلوا في قدرة التدخل الحكومي على تنظيم دورةِ الأعمال بشكلٍ إيجابي من خلالِ سياستها المالية،[13] ومع ذلك فقد عادت سياسات الاقتصاد الكينزي للظهور مع الأزمة المالية العالمية عام 2008 حيث شكلت توصيات كينز الأساس النظري للخطوات التي قام بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما[ar 5] ورئيس وزراء بريطانيا جوردن براون ورؤساء حكومات آخرين لإخراج العالم من أزمته حينها.[14]
أدرجت مجلة تايم في عام 1999 كينز ضمن أهم شخصيات القرن العشرين واعتبرت أن «فكرته الراديكالية بأن الحكومات يجب أن تنفق أموالاً لا تمتلكها ربما تكون قد أنقذت الرأسمالية».[15] واعتبرت مجلة ذي إيكونوميست كينز «أشهر اقتصاديي بريطانيا في القرن العشرين».[16] إضافةً إلى كونه خبيراً اقتصادياً فقد كان كينز موظفاً حكومياً أيضاً ومديراً لمصرف انجلترا وعضواً في مجموعة بلومزبري للمثقفين.[17]
ولد جون مينارد كينز في كامبرديج في إنجلترا لعائلة من الطبقة المتوسطة، والده جون نيفل كينز [الإنجليزية] كان خبيراً اقتصادياً ومحاضراً في العلوم الأخلاقية في جامعة كامبريدج، أمّا والدته فلورنس أدا كينز [الإنجليزية][ar 6] فكانت مُصلحةً اجتماعية. كان كينز مولودهم الأول وأنجبا طفلين بعده هما مارغريت [الإنجليزية] عام 1885 وجيفري [الإنجليزية] عام 1887 والذي أصبح طبيباً جراحاً، أمّا مارغريت فقد تزوجت من عالم الفيزيولوجيا الحائز على جائزة نوبل أرشيبالد هل.[18]
عاش مينارد كينز جواً عائلياً مُترابطاً وفقاً لسيرته التي كتبها المؤرخ الاقتصادي روبرت سكيدلسكي [الإنجليزية]؛ إذ إن والديه لم ينفصلا ولم يُغادرا منزلهما، وحتّى بعد بلوغ الأولاد واستقلالهم كانا يرحبان بعودتهم لمنزل العائلة. حصل كينز على دعم كبير من والده لاجتياز الامتحانات الخاصة بالحصول على المنح الدراسية إضافةً لحصوله على دعمٍ ماديٍّ منه في مطلع شبابه، لكن أصول العائلة كادت توشك على النفاد مع بداية الكساد الكبير في عام 1929. وفق روايات المؤرخ سكيدلسكي فإن والدة كينز أولت أطفالها اهتماماً كبيراً، «ولأنها استطاعت النمو مع أطفالها فإنهم لم يتخلوا عن المنزل أبداً».[19]
عند بلوغه سن الخامسة أوائل عام 1889 بدأ كينز بالذهاب لروضة الأطفال التابعة لمؤسسة ستيفين بيرس [الإنجليزية]، ومنذ بدايته ظهرت موهبته بالحساب، لكن صحته السيئة منعته من الاستمرار الدائم في روضة الأطفال، فتلقى تعليمه في المنزل على يد المربية بياتريس ماكينتوش إضافةً لوالدته. بعد بلوغه سن الثامنة عام 1892 بدأ كينز حياته المدرسية في مدرسة سينت فيث [الإنجليزية]، وبعد عامين وضحت مقدرته الكبيرة في الرياضيات، وقد كتب مدير المدرسة عام 1896 «إنّه عقلٌ مُميز عن جميع الأولاد في المدرسة» وكان واثقاً من قدرته على الحصول على منحة دراسية في إيتون.[20][21]
استطاع كينز الحصول على المنحة الملكية في كلية إيتون حيث أظهر العديد من المواهب خصوصاً في الرياضيات والتاريخ والأدب الكلاسيكي؛ لتُتوج هذه المواهب بحصوله على جائزة توملين (بالإنجليزية: Tomline Prize) للرياضيات. كان دان ماكميلان الصديق الأول لكينز وهو الأخ الأكبر لهارولد ماكميلان الذي سيصبح رئيساً لوزراء بريطانيا لاحقاً.[22] على الرغم من أنّ كينز ينحدر من الطبقة المتوسطة، إلا أنه اختلط بسهولة مع تلاميذ الطبقة العُليا.
حصل كينز على منحة لدراسة الرياضيات في الكلية الملكية في كامبريدج وغادر إليها عام 1902. ورغم رغبته الواضحة وتوجهه نحو الفلسفة خصوصاً النظام الأخلاقي لجورج إدوارد مور، إلاّ أن ألفرد مارشال طلب منه أن يُحوّل وجهته ليصبح خبيراً اقتصادياً.[23] ونجح كينز في الحصول على عضوية نادي جامعة بيت [الإنجليزية][24] إضافةً لكونه عضواً نشطاً في مجتمع رُسل كامبريدج [الإنجليزية][ar 2] شبه السري، وهو نادٍ مُخصص للنقاش بين أكثر الطلاب تميزاً. احتفظ كينز بعلاقة مع هذا النادي بعد تخرجه -كما كان يفعل العديدُ من الطلاب- واستمر في حضور اجتماعاته. وقبل مغادرة كامبريدج استطاع كينز أن يُصبح رئيسأ لجمعية اتحاد كامبريدج [الإنجليزية] والنادي الليبرالي في الجامعة نفسها، وفي تلك الفترة قيل بأنّه صار مُلحداً.[25][26]
في مايو 1904 حصل على درجة البكالوريوس في الرياضيات من الدرجة الأولى. بصرف النظر عن بضعة أشهر قضاها في إجازات مع العائلة والأصدقاء، واصل كينز إشراك نفسه في الجامعة على مدار العامين التاليين، وشارك في المناقشات ودروس الفلسفة، وحضر محاضرات الاقتصاد بشكل غير رسمي بصفته طالب دراسات عليا لمدة فصل دراسي واحد، مما شكل بداياته الأولى لتعلم الاقتصاد.
كتب الاقتصادي هاري جونسون أنّ التفاؤل الذي أحاط بكينز هو المفتاح الأساسي لفهم تفكيره الذي سيظهر في مراحل متقدمة.[27] كان كينز على ثقة تامّة بأنّه يستطيع إيجاد الحلول لأي مشكلة يُطلب إليه حلها مُعتمداً على حب المسؤولين الحكوميين لفعل الخير.[28] هذا التفاؤل لدى كينز كان ثقافياً أيضاً، وهو نابعٌ من ازدواجية المرحلة التي عاشها، فمن ناحية هو يُمثل الجيل الأخير الذي نشأ في عهد قوة إمبراطورية بريطانيا العُظمى، ومن ناحيةٍ ثانيةٍ هو شعور هذا الجيل بأنّه قادر على الحكم بالثقافة بدلاً من الخبرة. بحسب ما ذكر سكيدلسكي كاتب السيرة الذاتية لكينز فإن الإحساس بالوحدة الثقافية الذي ساد في بريطانيا العظمى بعد الحرب العالمية الأولى أعطى المتعلمين بشكلٍ جيد فرصة العمل في جهاتٍ مُختلفة، ما أكسبهم الثقة بقدراتهم على الاستعانة بالخبرات من القطاعات المختلفة.[19]
كانت علاقات كينز العاطفية والجنسية الأولى مع الرجال حصراً،[29] ومن بينهم كان ديلي نوكس ودانييل ماكميلان؛[22][30] كان كينز منفتحاً في الحديث عن شؤونه الخاصة واحتفظ بمذكراتٍ كتب فيها عن لقاءاته الرومانسية من العام 1901 حتّى 1915.[31][32] وبسبب علاقة كينز الوثيقة مع ماكميلان نشرت شركة ماكميلان واحداً من أهم أعمال كينز الأولى، وهو «الآثار الاقتصادية للسلام».[33]
كانت مجموعة بلومزبري متراخيةً بما يخص المثلية الجنسية؛ وقد ساهم كينز مع الكاتب ليتون استراشي في إعادة تشكيل المواقف الفيكتورية لرسل كامبريدج، فشاعت العلاقات المثلية بين أعضاء النادي لبعض الوقت، كما كتب برتراند راسل.[34] ربما كان الفنان دنكان غرانت من محبي كينز لكنهما في الغالب كانا مُتنافسين وليسا عشاقاً.[35]
يستخدم معارضو كينز في السياسة والاقتصاد نشاطه المثلي غالباً لأجل التأثير على عمله الأكاديمي[36] حيث يوجهون أغلب انتقاداتهم نحو عدم اهتمام كينز بالمستقبل لأنه لم يُنجب أطفالاً،[36] رغمّ أن بعض مُنتقدي حياته الشخصية اعتذروا على هجومهم هذا بعدما تأكدوا أن زوجة كينز كانت خضعت لعملية إجهاض.[ar 7] فوجئ أصدقاء كينز في مجموعة بلومزبري عندما بدأ يتودد إلى النساء،[37] وأظهر أنّه ثنائي الميول الجنسية؛[38] كان إعجابه الأول بالسيدة راي كوستيلو وقد كتب عام 1906: «يبدو أني قد وقعت في حب راي قليلاً، لكن وبسبب أنّها ليست رجلاً لم أكن أعرف الخطوات التي يجب أن آخذها تجاهها».[39]
كتب كينز عام 1921 أنّه يعيش حال «حب شديد» مع ليديا لوبوكوفا راقصة الباليه الروسية وأحد أهم نجوم فرقة سيرجي دياجليف الروسية.[40] في مراحل الخطوبة الأولى حافظ على علاقات مع بعض الرجال،[41][42] لكنه اختار لوبوكوفا في النهاية وتزوجا عام 1925. كتب دينكان غرانت «يا له من زواج عظيم بين الذكاء والجمال، إنّ زواجهما عادل». كتب بيرت كلارك إن الزواج أعطى كينز تركيزاً جديداً واستقراراً عاطفياً وسعادة مُطلقة،[43][44] كان الزوجان يأملان في إنجاب طفل لكن هذا لم يحدث.[43]
تعرضت لوبوكوفا لانتقاداتٍ في البداية -على الأقل من قبل أصدقاء كينز في مجموعة بلومزبري- وذلك بسبب سلوكها غير المتوافق مع السلوكيات الإنجليزية. لُوحظ هذا الشيء في رسائل فانيسا وكلايف بيل وفيرجينيا وولف.[45][46] في رواية السيدة دالاوي لفيرجينيا وولف الصادرة عام 1925 بُنيت شخصية ريزيا وران سميث على طبائع لوبوكوفا،[47] لاحقاً كتب فورستر عن ندمه لما حدث مع ليديا كينز واعتبر أنّه كان يجب تسجيل كل كلمةٍ من كلماتها:[48] «كيف كُنا جميعاً نستخف بها».[45]
اعتبر كينز أن السعي وراء مصلحته المالية يُمثل حالة مرضية بينما الهدف الصحيح من عمله هو توفير أوقات الفراغ، أراد توفير وقت عمل أقصر للجميع وإجازات أكثر.[49] كانت اهتماماته أدبية عمومًا ودرامية خصوصًا حيث قدم دعماً مالياً لمسرح كامبردج للفنون وسمح لهذه المؤسسة المسرحية أن تُصبح واحدة من المؤسسات البريطانية العاملة خارج لندن.[50]
اهتمام كينز بالرقص والأوبرا الكلاسيكييْن دفعه لدعم دار الأوبرا الملكية في كوفنت جاردن وشركة الباليه في سادلرز ويلز، وبصفته عضواً في مجلس تشجيع الموسيقا والفنون (بالإنجليزية: Council for the Encouragement of Music and the Arts)[51] فقد ساعد خلال الحرب في تأمين الأموال الحكومية للحفاظ على المُنظمتين. بعد الحرب الثانية لعب دوراً كبيراً في إنشاء مجلس الفنون في بريطانيا العُظمى وتولى رئاسته في عام 1946.[52] منذ البداية كانت منظمتا دار الأوبرا الملكية وسادلرز ويلز أكبر الحاصلين على منح من هذه الهيئة.
جمع كينز كمية كبيرة من الأعمال الفنية مثل أعمال بول سيزان وإدغار ديغا وأميديو موديلياني وجورج براك وبابلو بيكاسو وجورج سورات (يمكن رؤية بعضها الآن في متحف فيتز ويليام)[50] إضافةً لاستمتاعه بجمع الكتب حيث جمع العديد من أوراق إسحاق نيوتن وبناءً على دراستها وصف نيوتن بأنّه «آخر السحرة».[53]
كان كينز مثل العديد من البريطانيين البارزين في ذلك الوقت عضواً في مجموعة بلومزبري، روت فيرجينيا وولف -وهي إحدى كُتاب سيرته- عن العشاء الذي جمعها مع كينز وت. س. إليوت حيث ناقشوا مواضيع الدين في سياق الكفاح ضد أخلاق العصر الفيكتوري،[54] في الغالب فقد تأكد أن كينز كان ملحداً،[55] ووفقاً لجامعة كامبريدج فإنّه ظل ملحداً حتى وفاته.[56] حسب الكاتبة فإن كينز لم يكن قادراً على أخذ الدين على محمل الجد معتبراً أنّه انحراف للعقل البشري.[55]
كاتبُ سيرةٍ آخر وهو هسيون تشارلز كتب أنّه «كسر إيمان الأسرة وأصبح مُلحداً شرساً» خلال الفترة التي قضاها في إيتون.[57] أحد أصدقاء كينز ذكر أنّه "ملحد مخلص لمعبد مصلى الملك (بالإنجليزية: King's Chapel)".[58] وفي كامبريدج كان عضواً في جمعية كامبريدج للزندقة،[59] وهي مجموعة مُلحدة غير سرية روّجت لأفكار العلمانية والإنسانية.[60]
كان كينز مستثمراً ناجحاً وكوّن ثروته الخاصة؛ لكن ومع انهيار وول ستريت عام 1929 جُمّد الكثير من أصوله وهذا ما لم يكن يتوقعه، إلاّ أنّه برغم ذلك لم يحتجْ لوقتٍ كبيرٍ لتعويض خسارته. عند وفاته عام 1946 كان صافي ثروته 500 ألف جنيه إسترليني أي ما يعادل 20.5 مليون جنيه إسترليني أو 27.1 مليون دولار بأرقام عام 2018، كانت هذه الثروة كلها رغم الدعم السخي الذي قدمه للجمعيات الخيرية. فرضيات كينز كانت تجعله يتردد في بيع شيء في أثناء هبوط السوق فقد كان يرى في هذا الهبوط مؤشراً قوياً على تعميق الركود.[61]
في بداية العشرينات من القرن العشرين أدار كينز الهبة المقدمة من جامعة كامبريدج بشكل سيئٍ باستراتيجية تعتمد على توقيت ازدهار السوق أو هبوطه، لاحقاً أصبح تركيزه أكبر على الأسهم المُتداولة للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم،[62] هذا القرار أثار جدلاً كبيراً حيث اعتُبرت هذه الأسهم استثماراً عالي الخطورة وكانت التوصيات المُمتدة لقرون تُشير بأن الاستثمار الأفضل يكون في الأراضي الزراعية أو في الأملاك الثابتة مثل الأسناد. مُنح كينز إذناً في استثمار مبلغ قليل في الأسهم وأسفرت إدارته المُميزة عن نمو هذا الجزء من المال ليصبح غالبية أصول الوقف الذي يحصل عليه.[63] الإدارة النشطة في محفظته الاستثمارية تفوقت على الأسهم البريطانية بمتوسط 6%[62] وحتّى 8% سنوياً خلال ربع قرن تقريباً ممّا أعطاه تصوراً إيجابياً من قبل مستثمرين مثل وارن بافت وجورج سوروس.[64] يصف جويل تلينجهاست من شركة فيديليتي للاستثمارات كينز بأنّه من المُمارسين الأوائل في استثمار القيمة وهي مدرسة فكرية شُكلت رسمياً في الولايات المتحدة من قبل بنيامين غراهام وديفيد دود في كلية كولومبيا للأعمال خلال عشرينات وثلاثينات القرن العشرين.[62] رغم تميزه في الاستثمار إلاّ أنّ الاعتقاد السائد يقول بأن كينز طوّر أفكاره الاقتصادية بشكل مستقل، كان أيضاً رائداً في التنويع المالي لأنّه أدرك أهمية الاحتفاظ بالأصول ذات «المخاطر المُتعارضة»؛ وكتب عنها: «حيث من المحتمل أن تتحرك في اتجاهين متعاكسين عندما تكون هناك تقلبات عامة».[65] إضافة لوضعه أولوية للمُستثمر الدولي وهو تجنب التحيز للبلد الأم، واستثمار جزء كبير من أمواله خارج المملكة المُتحدة.[66] وصف كين فيشر كينز بأنه استثناء من القاعدة القائلة بأن الاقتصاديين عادة ما يكونون مستثمرين سيئين.[65]
طوال حياته كان كينز عضواً في الحزب الليبرالي، وهو أحد الحزبين الرئيسين في المملكة المتحدة آنذاك، والحزب المُسيطر على الحكومة حتَى العشرينات. ساعد كينز الحزب في حملته الانتخابية قرابة عام 1906 إلا أنّه كان يرفض أن يُرشح لمنصبٍ رغم عرض منصبٍ عليه لاحقاً في ثلاث مناسباتٍ منفصلةٍ عام 1920. عند وصول لويد جورج لزعامة الليبراليين عام 1926 تولى كينز دوراً رئيسياً في تحديد السياسة الاقتصادية للحزب،[ar 2] لكن الحزب كان قد خسر نفوذه لصالح حزب العُمال.[19]
كان لدى كينز فرصة لدخول البرلمان في العام 1939 عضواً مستقلاً حيث كان من المُقرر إجراء انتخابات فرعية لأحد المقاعد بسبب مرض أحد كبار السن من حزب المحافظين، وقد حصل رئيس كلية المجدلية في كامبريدج على تعهدٍ بعدم قيام أي حزبٍ بترشيح مُمثل في حال قرر كينز التَرَشُح، لكن كينز رفض الترشح بعدما شعر بأنّه سيمارس تأثيراً أكبر إذا ما ظلّ حُراً.[43]
دعا كينز لتحسين النسل[67] وشغل منصب مدير الجمعية البريطانية لتحسين النسل من عام 1934 وحتّى 1944. وقد أعلن قبل فترة وجيزة من وفاته عام 1946 أن علم تحسين النسل «العلم الأكثر أهمية، وسأضيف بأنّه السبب الرئيسي لوجود علم الاجتماع».[68]
لاحظ كينز أن «الشباب لم يكن لهم دين سوى الشيوعية وكان هذا أسوأ من لا شيء».[54] واعتبر أنّ الماركسية «لم تؤسس أفضل من سوء فهمٍ لريكاردو»، وبمرور الوقت كان كينز مُقبلاً على التعامل بدقةٍ مع الماركسيين وغيرهم من الاقتصاديين لحل المشكلات الاقتصادية التي أنذرت نظرياتهم بحدوثها.[54]
في عام 1931 كتب عن اللينينية:[69] «كيف يمكنني قبول عقيدةٍ تجعل من نصوصها كُتباً مُقدسةً فوق النقد، كُتباً دراسيةً قديمةً لا أعرف أنها خاطئة علمياً فحسب، بل ودون اهتمام أو تطبيق في العالم الحديث؟ كيف يمكنني أن أتبنى عقيدةً تُفضل الطين على السمك وترفع البروليتاريا الفقيرة فوق البرجوازية والمثقفين الذين يمثلون بكل أخطائهم نوعية الحياة ويحملون بالتأكيد بذور كل الإنجازات البشرية؟ حتى لو كنا بحاجةٍ إلى دين فكيف نجده في القمامة العكرة للمكتبة الحمراء؟ من الصعب على ابن أوروبا الغربية المتعلم ومالك الذكاء أن يجد مُثله العليا هنا، إلا إذا عانى أولاً من عملية اهتداء غريبة وبشعة غيرت كل قيمه.»
أيّد كينز بشدة حقوق المرأة وشغل منصب نائب رئيس جمعية ماري ستوس التي عملت على زيادة الوعي بما يخص تحسين النسل، كما قام بحملةٍ ضد التمييز الوظيفي ضد المرأة، وعدم مساواتها في الأجور مع الرجل إضافة لكونه مؤيداً صريحاً لإصلاح القوانين المناهضة للمثلية الجنسية.[49]
في العام 1908 وتحديداً في شهر أكتوبر بدأ كينز العمل في مكتب الهند[70] التابع للحكومة البريطانية، كان عمله في البداية مُمتعاً لكنه مع نهاية العام شعر بالملل واستقال من منصبه ليعود لكامبريدج ويعمل على نظرية الاحتمالات بعد تلقيه تمويلاً مبدئياً من شخصين في الجامعة هما والده والاقتصادي آرثر بيغو.
قدم كينز أول مقالة علمية في الاقتصاد عام 1909 ونشرت في «المجلة الاقتصادية» (بالإنجليزية: The Economic Journal)، شرحت المقالة الانكماش الاقتصادي الأخير في الهند.[71] في العام نفسه أسس النادي الاقتصادي وهو مجموعة تُجري نقاشات أسبوعية، وفي ذاك العام قَبل تمويلاً من ألفريد مارشال لدراسة الاقتصاد، واستطاع لاحقاً أن يوفر المال من خلال الدروس الخاصة التي يُعطيها للطلاب.
عام 1911 أصبح كينز مُحرراً للمجلة الاقتصادية التي نشر بها وبحلول عام 1913 نشر كتابه الأول «العملة الهندية والتمويل» (بالإنجليزية: Indian Currency and Finance) [72] وعُين بعدها في الهيئة الملكية للعملة الهندية والتمويل حيث أظهر كينز موهبة كبيرة في تطبيق النظرية الاقتصادية على المشكلات العلمية.[73] نُشرت أعماله المكتوبة تحت اسم ج.م كينز (بالإنجليزية: J M Keynes) رغم أنّه عُرف باسم مينارد بين عائلته وأصدقائه.[43]
كان كينز في الحادية والثلاثين من عمره عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى وقد استُدعي إلى لندن قبل بدء الأعمال العسكرية بأيام؛ عندها كان المصرفيون الإنكليز يحاولون الضغط لأجل تجميد المدفوعات المُترتبة على الحكومة البريطانية وتحويل النقد الموجود إلى ذهب، أقنع كينز وزير الخزانة لويد جورج بأنها فكرة سيئة وستضر بسمعة الدولة إذا ماجُمّدت المدفوعات قبل أن يصبح الأمر ضرورياً، في العام 1915 عمل كينز رسمياً في وزارة الخزانة ونظم التعاملات المالية بين بريطانيا وحلفائها القاريين.[ar 8] وفق ما كتب الاقتصادي روبرت ليكاتشمان فإن «إتقان كينز كان أسطورياً»[74] في أغلب الأحيان كحالة جمعه لكمياتٍ من البيزيتا الإسبانية.[75] سُرّ وزير الخزانة لمعرفته بأن كينز قد وفرّ ما يكفي من العملة الإسبانية لأجل الحكومة البريطانية، لكن وعلى عكس ما توقعه فإن كينز لم يُسلم البيزيتا الإسبانية للحكومة بل باعها كُلها في السوق، وقد آتتْ هذه الجرأة ثمارها حيث أصبحت العُملة الإسبانية أقل ندرةً وأقل تكلفةً.[76][هامش 1]
بعد اندلاع الحرب فُرض على الجميع الخدمة العسكرية عام 1916، لكن كينز طلب إعفاءً من الخدمة -وهو طلب رمزي لأنّه كان مُعفىً فعلياً- وذلك لقاء استمراره في العمل الحكومي.[ar 9] في الاحتفال الرسمي بعيد ميلاد الملك عام 1917 حصل كينز على وسام الحمام عن عمله في زمن الحرب؛[77] هذا النجاح أدى لتعيينه ممثلاً مالياً للخزانة في مؤتمر فرساي عام 1919 إضافة لتعيينه ضابطاً في الفريق المانح لوسام ليوبولد البلجيكي.[78]
كانت تجربة كينز في معاهدة فرساي مؤثرة كثيرًا على نظرته المستقبلية لكنها لم تنجح؛ اهتم كينز بفرض غراماتٍ معقولةٍ على ألمانيا ورفض التعويضات العالية التي ستُصيب الشعب الألماني بصدمةٍ ما يعني ضعف القدرة الألمانية على شراء المُنتجات من الدول الأُخرى، وعندها سيتأثر الاقتصاد العالمي كله لا ألمانيا فقط.[ar 9]
لسوء حظ مينارد كينز فقد كانت القوى المُحافظة في عام 1918 [الإنجليزية] قادرة على استبعاده، بل واستبعاد وزارة الخزانة كلها في أثناء المحادثات. فقد استولى التوأم السماوي على أمكنتهما، القاضي اللورد سومنر [الإنجليزية] والمصرفي اللورد كونليف [الإنجليزية] اللذين اشتُقت ألقابهما من خلال الأموال «الفلكية» التي طالبوا ألمانيا بدفعها.[79] في فرساي كان اللاعبون الثلاث الأساسيون هم البريطاني لويد جورج والفرنسي جورج كليمنصو إضافة للرئيس الأمريكي وودرو ويلسون.[80] لم يكن لكينز تواصلٌ مباشرٌ إلاّ مع لويد جورج الذي تعاطف بعض الشيء مع وجهة نظر كينز، إلاّ أنّه وجد نفسه في انتخابات 1918 مُضطراً للحديث عن طلب تعويضاتٍ عاليةٍ من ألمانيا، فقد كانت هذه الخُطب تلقى دعم الجمهور.
موقف لويد جورج ضد الفرنسيين في مؤتمر باريس -عندما طلب ضمان إرسال الإمدادات الغذائية للمدنيين الألمان- جعله يحصل على بعض الولاء من كينز. طالب كليمنصو بتعويضاتٍ كبيرةٍ، وبشكل عام فإن فرنسا ولأسبابها الخاصة بأمنها القومي حاولت دفع الأمور لتسويةٍ أقسى من تلك التي اقترحتها بريطانيا. أراد الرئيس الأمريكي ويلسون ترك رأس مالٍ كافٍ لألمانيا لتدفع ثمن ما تستورده، لكن مرضه في بداية المؤتمر ساعد لويد وكليمنصو بالضغط عليه للموافقة على تسوية قاسية ضمتْ حتّى المعاشات التقاعدية.[81]
قبل نهاية المؤتمر توّصل كينز (وفق منظوره حول خفض التعويضات) إلى خطّةٍ تستطيع مساعدة ألمانيا وغيرها من الطبقات الوسطى والفقيرة في أوروبا، واعتبر أيضاً أنّها ستكون مفيدة للاقتصاد العالمي ككل، شملت الخطة إعادة هيكلةٍ جذريةٍ لديون الحرب والتي كان من الممكن أن تؤثر بشكل مباشر على تحسن وضع التجارة الدولية من جميع النواحي، لكنها في الوقت نفسه تُلقي بتكلفة إعادة الإعمار في أوروبا كاملةً على عاتق الولايات المتحدة الأمريكية. وافق لويد جورج على الخطة مُعتبراً أنّها ربما تكون مقبولة لدى الناخبين البريطانيين، لكن أمريكا آنذاك كانت الدائن الأكبر للدول الأوربية وكان الرئيس الأمريكي بدأ يؤمن أن بلاده قدمت تضحياتٍ مُفرطةً في الحرب، ولذلك وافق على فرض السلام القاسي (بما فيها القيم الفلكية للتعويضات).[82] انتهى المؤتمر بمعاهدةٍ أثارت اشمئزاز كينز لأسبابٍ أخلاقيةٍ واقتصاديةٍ، وأدت لاستقالته من منصبه في وزارة الخزانة البريطانية.[83]
شرح كينز النتائج الضارة المتوقعة بسبب المعاهدة في كتابه الآثار الاقتصادية للسلام[ar 10] الذي نُشر عام 1919.[84] وُصف هذا الكتاب بأنّه أعظم مؤلفاته، ففيه قدم كينز كل مواهبه إضافة إلى مهاراته الاقتصادية ومناشداتٍ تُشعر القارئ بالتعاطف:[ar 11]
«لا أستطيع أن أترك هذا الموضوع وكأن علاجه مُتوقفٌ على ما تعهدنا به أو على الحقائق الاقتصادية؛ إن سياسة اختزال ألمانيا بالعبودية لجيلٍ كاملٍ وإهانة حياة الملايين من البشر وحرمان أُمّةٍ بأكملها من السعادة يجب أن تكون سياسةً بغيضةً ومكروهةً حتّى ولو كانت مُمكنةً، حتّى ولو كانت تُثرينا، حتّى لو كان ذلك لا ينزع يُطفئ الحياة في أوروبا بكاملها»[85]
استحضر أيضاً صور الاتفاقية «يجب أن تظل ألمانيا فقيرةً عاماً بعد عام ويجب أن يُعاني أطفالها من الجوع والشلل» إضافةً لتنبؤاتٍ جريئةٍ عللها من خلال الوقائع:
«إذا كنا نتعمد إفقار أوروبا الوسطى، فلا أتوقع أن الانتقام سيتأخر؛ لا شيء يمكن أن يؤخر تلك الحرب النهائية بين قوى رد الفعل والاضطرابات اليائسة للثورة والتي ستنتهي قبلها أهوال الحرب الألمانية الأخيرة»[86]
يؤكد أتباع كينز على صدق تنبؤاته حيث أكدتها أزمة التضخم المُفرط في ألمانيا عام 1923 وزاد تأكيدها من خلال انهيار جمهورية فايمار (1934) واندلاع الحرب العالمية الثانية، على الرغم من ذلك فإن المؤرخة روث هينغ تعتقد أن الكثير من موثقي معاهدة فرساي للسلام يرون أنّ شكلها الاقتصادي لم يكن قاسياً على ألمانيا إلى حد الإفراط، وفي الوقت الذي أُكد فيه على الأضرار والالتزامات في الصحف اليومية لإرضاء الناخبين، فإن الهدف كان تقديم مساعدةٍ لألمانيا لدفع فواتيرها إضافةً لبعض التعديلات التي حدثت بناء على الطلب الألماني لإعادة هيكلة جدول التعويضات عملياً.[87][88]
لم يُدفع سوى جزء صغير من التعويضات؛ يعتبر المؤرخ ستيفان آلان شوكر بشأن التعويضات الأمريكية لألمانيا (1919-1933) أن تدفق رأس المال من أمريكا تجاوز بشكلٍ كبيرٍ المدفوعات الألمانية، بحيث تلقت ألمانيا دعماً يساوي أربعة أضعاف المبلغ المُتفق عليه في خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية.[89]
وضح شوكر أيضاً بأن كينز أصبح مستشاراً غير رسمي للتعويضات الألمانية في السنوات التي تلت معاهدة فرساي، وكتب إحدى المذكرات الرئيسية ودعم التضخم المُفرط على أسس سياسية، كل ذلك لم يُلغِ الشهرة الكبيرة التي حققها كتاب «الآثار الاقتصادية للسلام» رغم اعتباره مُناهضاً للمؤسسة الاقتصادية البريطانية. ومع عدم وجود أي عرض أمام كينز للعمل كمديرٍ لأحد البنوك البريطانية أو بوظيفةٍ رسميةٍ، إلاّ أنّه كان قادراً على التأثير في صنع السياسات الحكومية من خلال أعماله المنشورة وشبكة اتصالاته الواسعة ممّا سهل عليه حضور بعض الاجتماعات الرسمية رفيعة المستوى بصفة مستشار غير رسمي.[82]
كان كينز قد أنهى اطروحته عن الاحتمالات [الإنجليزية][90] قبل الحرب لكنه نشرها عام 1921.[82] حقق هذا العمل اهتماماً من الناحية الفلسفية والرياضية من خلال أسس نظرية الاحتمالات، وذلك عبر دفاعه عن فكرة أن الاحتمالات ليست سوى قيمٍ وسيطةٍ للصِّحة التي تتراوح ما بين الحقيقة المجردة والزيف. طوَّر كينز أول نهج فاصل احتمالي للحدود الدنيا والعليا في نظرية الاحتمالات في الفصلين 15 و17 من الكتاب، بالإضافة لتطوير نهج أهمية القرار الأول بمعاملاته التقليدية للخطر والوزن في الفصل 26. بعيداً عن العمل الأكاديمي فقد نشط كينز من خلال بيع أعماله الصحفية دولياً كما عمل مستشاراً مالياً،[ar 12] في عام 1924 كتب نعياً لأستاذه ألفريد مارشال وقد وصف جوزيف شومبيتر النص بأنّه «أجمل سيرةٍ ذاتيةٍ لرجل علمٍ قرأتها في حياتي».[91] واعتُبرت السيرة أحد أفضل أعمال كينز.[82]
واصل كينز الدعوة لخفض التعويضات الألمانية ومُراجعة معاهدة فرساي وشنّ هجوماً على سياسات الانكماش التي تلت الحرب العالمية الأولى في مؤلفه «كرّاسة في الإصلاح النقدي»[92] المنشور عام 1923،[ar 13] وهو حجة قوية تهدف لاستقرار الأسعار المحلية وتجنب الانكماش عن طريق السماح بانخفاض قيمة العملة. دفعت أزمة البطالة البريطانية في العقد الثاني من القرن العشرين كينز للدعوة لتخفيض قيمة الجنيه الإسترليني وذلك لتحسين وضع الوظائف الحكومية من خلال جعل الصادرات البريطانية في متناول السوق [الدولية].
منذ عام 1924 دعا أيضاً لاستجابةٍ ماليةٍ حيث يمكن للحكومة توفير فرص العمل من خلال الاستثمار في المشاريع العامة.[82] كانت آراء كينز في تلك الفترة محدودة التأثير على صانعي السياسات وذلك -وفقاً لهيمان مينسكي- يعود لعدم وضوح الفكرة النظرية. كما دعا كينز لوضع حدٍّ للغطاء الذهبي[ar 13] إذ رآى أنّه لم يعد هناك فائدة من اعتماد دول مثل بريطانيا لهذا الغطاء لأنّه بتعارض مع تحقيق استقلاليةٍ في الاقتصاد المحلي كما أنّه يمكن أن يجبر البلدان على تطبيق سياسة الانكماش في الوقت التي تريد فيه معالجة أزمة البطالة، في تلك الأثناء كان مصرف إنجلترا ووزارة الخزانة يؤيدان الغطاء الذهبي وفي عام 1925 استطاعا إقناع وينستون تشرشل بإعادته (كما كان قبل الحرب)، وهو الأمر الذي كان مُحبطاً للصناعة البريطانية وقد رد كينز بكتابة «العواقب الاقتصادية للسيد تشرشل»، واستمر في المجادلة ضد الغطاء الذهبي حتّى تخلت عنه بريطانيا عام 1931.[82] [هامش 2]
في العشرينات كان كينز قد بدأ بعملٍ يدرس العلاقة بين البطالة والمال والأسعار،[93] نُشر العمل عام 1930 تحت عنوان بحث في النقود [الإنجليزية].[ar 14] مَفاد الفكرة الأساسية للكتاب أنه إذا تجاوز إجماليُّ الادخار (المدخرات) إجماليَّ الاستثمار (الرساميلَ المُستثمَرةَ)،[هامش 3] فإن البطالة سترتفع. يرجع هذا لرغبة العمال في تحصيل أجورٍ عاليةٍ من عملهم، ما يجعل تحقيق الربح على أرباب العمل صعباً. الموضوع الآخر للكتاب هو عدم موثوقية المؤشرات العامة في إعطاء صورةٍ صحيحةٍ للوضع الاقتصادي، وربّما تكون غير مفيدةٍ أصلاً، فقد انتقد عودة بريطانيا للعمل بالغطاء الذهبي عام 1925 بعد الرجوع لمؤشر أسعار الجملة، إذ اعتبر المؤشر يقلل من أهمية الآثار المُتغيرة في تكاليف الخدمات والعمالة.
انتقد كينز بشدةٍ إجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومة البريطانية في فترة الكساد الكبير، واعتقد أن عجز الميزانية خلال فترة الركود نتيجة طبيعية للكساد الاقتصادي: «بالنسبة للاقتراض الحكومي بأي شكلٍ كان فهو العلاج الطبيعي لمنع حدوث خسائرَ في الأعمال، لكن في حالة ركودٍ كبيرةٍ مثل الركود الحالي فالنتيجة هي توقف الإنتاج تماماً»[94]
في عام 1933 أي في ذروة الكساد الكبير نشر كينز كتاب رسالة في الرخاء (بالإنجليزية: The Means to Prosperity).[ar 15] احتوى الكتاب على توصياتٍ لمعالجة البطالة في أثناء الركود العالمي، توصية كينز الأساسية كانت الإنفاقَ العامَّ من أجل مواجهة تقلبات السوق الدورية من خلال الإرشادات الأولى لتأثير "المضاعف" [الإنجليزية]، ورغم أن الكتاب كان موّجهاً للحكومة البريطانية إلاّ أنّه تضمن نصائحَ لدولٍ أُخرى مُتأثرةٍ بالركود العالمي. أُرسلت نسخة للرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت وغيره من رؤساء العالم وأُخذ الكتاب بجديةٍ في أمريكا وبريطانيا وعُرضت الأفكار في مؤتمر لندن الاقتصادي عام 1933.[95] ممّا مهد الطريق لقبول الأفكار الكينزية رغم عدم وجود منهج عملٍ مُوحدٍ ولا تأثيرٍ عمليٍّ فوري.[96]
تبنت ألمانيا والسويد سياساتٍ شبيهةً بسياسات كينز إلا أن السويد كانت أصغر من أن تحظى باهتمامه وكان صامتاً عن عمْدٍ إزاء الجهود الناجحة في ألمانيا (النازية) وذلك بسبب استيائه من طموحاتها الإمبريالية والمُعادية لليهود. إضافةً لبريطانيا العُظمى انصبّ اهتمام كينز أيضاً على الولايات المتحدة الأمريكية وتلقى منها دعماً كبيراً لوجهات نظره الخاصة بالإنفاق العام المعاكس للدورة الاقتصادية[هامش 4] عام 1931 حيث شكلت أفكاره والاتجاه الأمريكي الأولي المعاكس للنظم الاقتصادية السائدة.[97] عمومًا بقي الرأي العام الأمريكي معادياً فيما يتعلق بالتدخل المالي الحكومي للتخفيف من الكساد. عام 1933 أقنع فيليكس فرانكفورتر كينز بمخاطبة الرئيس روزفلت مباشرةً وهو ما فعله من خلال إرسالِ عدّةِ رسائلَ عام 1934 ورغم إشادة الرجلين ببعضهما إلاّ أن المُفكرين أجمعوا على أن جهود كينز بدأت بالتأثير على السياسة الأمريكية بعد عام 1939.[96] [هامش 5]
أهم أعمال كينز النظرية العامة للتوظيف والفائدة والنقد[ar 16] نُشر عامَ 1936.[11] كان للكتاب تأثيرٌ جذريٌّ على السياسات الاقتصادية وعلى طريقة فهم معظم الاقتصاديين للعمليات الاقتصادية.[ar 17] لاحقاً قدم الاقتصادي ديفيد بانسان-بات مسوّغاً نظرياً لسياسات التدخل الحكومي لمُعالجة الركود،[98] ورغم أن كينز نشر في مقدمة العمل توضيحاً بأنّ مهمة الكتاب «تطبيق النظرية على الممارسة» فقط، إلاّ أن نشر الكتاب شكل المنهج الذي شاع في الثلاثينيات.[99] بالإضافة إلى ذلك قدم كينز للعالم تفسيراً جديداً للضرائب؛ فبما أنّ العملة الوطنية مُحددّةٌ من قبل الدولة فإن التضخم يصبح ضريبةً، وبانخفاض قيمة العملة فإن هذه الضريبة المُخيفة تعني:
(آ) أن معيار القيمة يجب أن يُحكم بقرار مدروس؛ (ب) أن من الممكن الحفاظَ على مسارٍ وسطيٍّ ما بين الانكماش والتضخم.[100]
جاء هذا التفسير من خلال البحث البائس للنموذج الكلاسيكي للسيطرة على الاقتصاد. تحدّتْ نظرية كينز العامة النموذج الكلاسيكي القائم على حريّة اقتصادية كاملة دون تدخل الدولة وبهذه الحريّة سيؤسس السوق بنفسه حياةً اقتصاديةً متوازنةً، وهنا وضع كينز نفسه في مواجهة أساتذته السابقين، إذِ اعتقد أنّ النظرية الكلاسيكية كانت «حالة خاصة» تنطبق فقط على ظروف القرن التاسع عشر، أمّا نظريته فهي نظرية عامة. كان الاقتصاديون الكلاسيكيون يؤمنون بقانون ساي [الإنجليزية][101] الذي ينص على أن «العرض يُولد الطلب»، وأنّه في السوق الحرة سيكون العمال مستعدين دائماً لخفض أجورهم إلى المستوى الذي يُتيح لأرباب العمل عرض العمل عليهم بشكلٍ مُريح.[ar 18][ar 19] وكان أحد ابتكارات كينز مفهوم «ثبات الأسعار»، والاعتراف بأن العمال في كثيرٍ من الأحيان يرفضون خفض أجورهم حتّى في الحالات التي يرى فيها الاقتصاد الكلاسيكي منطقيّةً في خفضها،[ar 20] وبسبب ثبات الأسعار جزئياً فقد أثبت أن كلاً من «إجمالي العرض» و«إجمالي الطلب» يؤديان إلى توازنٍ مستقرٍ في البطالة [بمعنى سوية بطالةٍ دائمة]، وهنا وجب أن تعتمد الاقتصادات على الدولة وليس على السوق فقط.
تُجادل النظرية العامة بأنّ الطلب هو المُحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي وليس العرض؛ يُحدَّدُ اجمالي الطلب من خلال مجموع الاستهلاك والاستثمار بناءً على إجمالي الدخل في مجتمعٍ ما، في حالة البطالة والقُدرة الإنتاجية الضعيفة أو غير المُستخدَمة يُمكن تعزيز العمالة من خلال الإنفاق على الاستهلاك والاستثمار، وإذا لم تتدخلِ الحكومة لزيادة هذا الإنفاق فيمكن أن يظل توازن التوظيف منخفضاً والبطالة مرتفعة. وُصف هذا الإثبات بأنّه الإنجاز الرسمي الثوري لكتاب كينز.[102] دعا الكتاب لسياسةٍ اقتصاديةٍ نشطةٍ من قبل الحكومة لتعزيز الطلب في أثناء أزمات البطالة المُرتفعة مثلاً من خلال الإنفاق على القطاعات العامة، وقد كتب كينز عام 1928:
غالباً ما يُنظر إلى النظرية العامة على أنّها أساس الاقتصاد الكلي الحديث؛ إن القليل من الاقتصاديين الأمريكان اتفقوا مع كينز خلال الثلاثينيات،[103] لكن أفكاره سرعان ما حظيت بالقبول على نطاقٍ واسعٍ حيث وافق أساتذة أمريكيون بارزون على طرحه مثل ألفين هانس قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية.[104][105][106]
تعرض كينز لأزمةٍ قلبيةٍ في عام 1937 جعلته غير قادر على متابعة النقاشات الخاصة بالنظرية العامة إلاّ بشكلٍ محدودٍ فقد كان مُضطراً لفترات الراحة بين الحين والآخر. جادل هيمان مينسكي وبعض علماء الاقتصاد ما بعد الكينزي بأنّ حالة كينز الصحية هي التي تسببت بإضعاف بعض أفكاره من قبل الحريصين على المساومة مع الاقتصاديين الكلاسيكين وتقديم مفاهيمَ مُرتبطةٍ بنماذج رياضيةٍ مثل نموذج IS-LM حيث يزعمون أنّه نموذج يشّوه أفكار كينز.[97][106] مع نهاية عام 1939 بدأ كينز بالتعافي وبقيت طاقته موجهةً نحو الجانب العملي للاقتصاد؛ مشاكل ضمان التخصيص الأمثل للموارد لجهود الحرب، ومفاوضات ما بعد الحرب مع أمريكا، والنظام المالي الدولي الذي قُدم في مؤتمر بريتون وودز.
ردّ كينز على الاشتراكيين الذين جادلوا بأنّ الرأسمالية هي سبب الحرب وجادلهم بأنّه بإدارة الرأسمالية محلياً ودولياً ووضع نظامٍ نقديٍّ لا يضع مصالح الدول بمواجهة بعضها بعضاً إضافةً لتطبيق مبدأٍ عالٍ من حرية التجارة حينها يستطيع النظام الرأسمالي تعزيز السلام بدلاً من الصراع مع الدول. ساهمت خطط كينز لما بعد الحرب العالمية الثانية في إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وفي وقتٍ لاحقٍ إنشاء الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة وفي النهاية منظمة التجارة العالمية ما فعّل رؤية كينز للنظام الرأسمالي.[107]
تعرض كينز لانتقاداتٍ واسعةً خصوصاً من مدرسة شيكاغو للاقتصاد بحجة دعوته إلى الإنفاق الحكومي غير المسؤول عن طريق الاقتراض، لكن الواقع أنّه كان من أشد المؤمنين بالموازنات المتوازنة واعتبر أن مقترحات برامج الأشغال العامة هي مقترحاتٌ استثنائيةٌ وماهي إلا استجابةٌ للظروف.[49]
نشر كينز في أثناء الحرب العالمية الثانية عام 1940 رؤيته من خلالِ أطروحةٍ كتبها كيف تدفع ثمن الحرب (بالإنجليزية: How to Pay for the War) واعتبر بأن المجهود الحربي يجب تمويله من خلال فرض ضرائب أعلى ومن خلال الادخار الإجباري (التقشف) وذلك لتجنب التضخم، حيث يعمل الادخار الإجباري على تنشيط الطلب المحلي ويساعد في توجيه الإنتاج الإضافي باتجاه الحرب وهي طريقة أكثر إنصافاً من فرض ضرائبَ عقابيةٍ إضافة لكونها تُجنبنا الركود فبمجرد انتهاء الحرب سيُسمح للعمال بسحب مدخراتهم. اقتُرح على كينز العمل في منصب شاغر في محكمة مصرف إنجلترا عام 1941 ليشغل المنصب لفترة كاملة،[108] وكوفئ في عيد ميلاد الملك البريطاني عام 1942 على خدماته النبيلة،[109] وفي 7 يوليو نُشر لقبه في الجريدة الرسمية باسم «بارون كينز، من تيلتون في مقاطعة ساسكس»، وشغل مقعداً في مجلس اللوردات مُمثلاً عن الحزب الليبرالي.[110]
عندما بدأ نصر الحلفاء يتأكد كان كينز مُنخرطاً في عمله كثيرًا حيث كان زعيم الوفد البريطاني ورئيس لجنة البنك الدولي في مفاوضات (1944) والتي أسست لنظام بريتون وودز؛ خلال المؤتمر دعا كينز لإنشاء نظام جديد لإدارة العملات واقترح وحدة عملة عالمية هي البانكور إضافة لمؤسسات جديدة مثل مصرف مركزي عالمي واتحاد المقاصة الدولي. حيث تصور من خلال هذه المؤسسات إمكان إدارة نظام للتجارة الدولية والمدفوعات، كما تستطيع منح حوافز للبلدان لتجنب العجز التجاري الذي قد يصيب ميزانياتها.[111] رغم اقتراحات كينز إلاّ أن القوة التفاوضية للولايات المتحدة الأمريكية أجبرت المجتمعين على التوافق مع سياسات هاري ديكستر وايت الأكثر تحفظاً. وفقاً للاقتصادي الأمريكي برادفورد ديلونغ فقد أُبطلت كل نقطةٍ تقريباً من قبل الأمريكيين لكن صحة أفكار كينز أثبتتها الأحداث لاحقاً.[112]
أُسس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ليكون تأسيسهما حلاً وسطاً يعكس الرؤية الأمريكية. لن يكون هناك حوافز للدول وبدلاً من ذلك سيستمر عبء تصحيح الخلل التجاري على البلدان التي تُعاني عجزاً في الميزانية -تلك التي وصفها كينز بأنّها البلدان الأقل قدرة على معالجة المشاكل الاقتصادية- دون إلحاق ضرر بشعوبها، رغم ذلك كان كينز سعيداً بإنجاز الاتفاقية النهائية: «إذا ظلت المؤسسات وفية لمبادئِها التأسيسية؛ فإن أخوة الإنسان ستصبح أكثر من عبارة.»[113][114]
رغم تدهور صحة كينز بعد الحرب إلاّ أنّه واصل تمثيله للمملكة المتحدة في المفاوضات الدولية ونجح في الحصول على شروط تفضيلية من الولايات المتحدة للديون الجديدة لتسهيل إعادة بناء الاقتصاد البريطاني.[115]
أخبر كينز أستاذ الاقتصاد الاجتماعي في مصرف إنجلترا[116] هنري كلاي عن آماله بأن تُساعد اليد الخفية لآدم سميث الاقتصاد البريطاني للخروج من الفجوة الواقع فيها: «أجد نفسي أعتمد أكثر فأكثر في إيجاد حل لمشاكلنا على اليد الخفية التي حاولت استنتاجها من التفكير الاقتصادي قبل عشرين عاماً»[117]
كان تفسير كينز للقتل الجماعي في السنوات الأولى للشيوعية في روسيا مبنياً على أساس عرقي؛ «الطبيعة الروسية واليهودية» ولم يكن نتيجة الحكم الشيوعي. بعد رحلته إلى الاتحاد السوفييتي كتب في «نظرة مختصرة عن روسيا» أنّ «هناك وحشية في الطبيعتين الروسية واليهودية إذا تحالفا كما هو الحال الآن»، وكتب أيضًا أنه «من قسوة وغباء روسيا القديمة لا يمكن أن يظهر شيء على الإطلاق، ولكن تحت قسوة وغباء روسيا الجديدة قد تختبئ ذرة من المُثل العُليا.»[118]
حاول بعض النقاد إظهار كينز بصورة المتعاطف مع النازية ووصفه عدد من الكتاب بأنه معادٍ للسامية. تحتوي رسائل كينز الخاصة على صور وأوصاف يمكن قراءة بعضها بأنها معادية للسامية، بينما يمكن وصف البعض الآخر بأنها فلسفية.[119][120]
اعتبر بعض العلماء أن هذه الرسومات تُعبر عن قبول الحياة دون تمييز ولا تُعبر عن العنصرية، ففي عدّة مناسبات استخدام كينز نفوذه لمساعدة أصدقائه اليهود خصوصاً عندما مارس ضغوطاً ناجحةً لحصول لودفيغ فيتغنشتاين على الإقامة في المملكة المتحدة وذلك لإنقاذه من الترحيل بعدما احتل النازيون النمسا. كان كينز من أنصار الصهيونية وخدم في اللجان الداعمة لقضيتها.[121]
كاتب السيرة الذاتية روربرت سيكدلسكي إضافة لغيره من كُتاب سيرة حياة كينز رفضوا المزاعم القائلة بأنّه عنصري أو لديه معتقدات شمولية.[28] البروفيسور جوردن فيلتشر كتب أن اعتقاد وجود صلّة بين كينز والاستبداد هو أمر لا يمكن أن يستمر.[106] فبمجرد ظهور العدوانية النازية ضد اليهود أوضح كينز كراهيته للنازية، وباعتباره من دعاة السلام طوال حياته فقد فضل التعامل السلمي مع ألمانيا النازية رغم دعوته لوجود حل قاسٍ في وقت لاحق بينما كان العديد من المحافظين يحاولون التهدئة، إضافة لذلك فقد انتقد كينز اليسار بشدةٍ بسبب عدم منطقيته في محاربة هتلر: «كان المثقفون من اليسار هم الأشد في المطالبة بمقاومة العدوان النازي بأي ثمن. وعندما تعلق الأمر بالمواجهة لم تمر سوى أربعة أسابيع قبل أن يتذكروا أنهم دعاة سلام ويكتبوا رسائل انهزامية، تاركين الدفاع عن الحرية والحضارة للعقيد بليمب [الإنجليزية]»[102]
وُصف كينز بغير المبالي بالتضخم[122] أو حتّى بأنه إيجابي إزاء فكرة التضخم المعتدل وأعرب بشكل واضح عن تفضيله للتضخم على الانكماش قائلاً: من الأفضل إن كُنا بين خيارين أن نختار الجزء الذي لا يُحول الاقتصاد إلى ريعي بدلاً من إلحاق الأذى بالطبقة العاملة.[123] كما وأيد التضخم في ألمانيا كوسيلة للتحرر من التعويضات، وقد أدرك مخاطر التضخم[106] في الآثار الاقتصادية للسلام: «يقال إن لينين أعلن أن أفضل طريقة لتدمير النظام الرأسمالي هي إفساد العملة. من خلال عملية تضخم مستمرة يُمكن للحكومات أن تصادر سراً ودون مراقبة جزءاً مهماً من ثروة مواطنيها. لا توجد وسيلة أدق وأضمن لقلب الأساس الحالي للمجتمع من إفساد العملة. تُشرك هذه العملية جميع القوى الخفية للقانون الاقتصادي في التدمير، وتُنشئ بذلك طريقة لا يستطيع شخص واحد في المليون تشخيصها.»[122]
كانت القضايا التي شغلت مساحةً واسعةً من أفكار كينز هي القضايا المتعلقة بالتضخم إضافة لأزمة الديون بعد الحرب العالمية الأولى وقد أرجع ذلك إلى التمويل الحكومي التضخمي.[ar 21] فكرة كينز التي شرحها في «بحث في الإصلاح النقدي» نصت على أنّ عدم الاستقرار في قيمة النقود سيولد عدم استقرار في النشاط الاقتصادي على المدى القصير فهي تُخل بالتوقعات المالية القائمة في المجتمع وتسبب نقصاُ في عملية التوظيف، لكنه وبرغم ذلك دافع عن التضخم: «سيكون من الأسوأ في عالم فقير زيادة نسبة البطالة بدلاً من إحباط أصحاب الدخول الربوية.»[ar 22]
كتاب «بحث في الإصلاح النقدي» هو العمل الأكثر تركيزاً على العمليات الخاصة بإصدار النقد والتضخم وقد حوى أربع نقاط لافتة للنظر:
في بداية حياته المهنية كان كينز اقتصادياً مُقرباً من ألفريد مارشال ومؤيداً بشدّة للتجارة الحرّة، لكن وبحلول العام 1929 والتزام السلطات البريطانية بالدفاع عن الغطاء الذهبي للجنيه الإسترليني وتجميد الأجور الاسمية اقترب أكثر من التدابير الحمائية.[124]
بعد الاستماع للجنة ماكميلان لإنقاذ الاقتصاد البريطاني[125] في 5 نوفمبر 1929 أشار كينز إلى أن فرض التعريفات الجمركية على الواردات من شأنه أن يساعد في إعادة التوازن للميزان التجاري. يذكر تقرير اللجنة في قسم بعنوان «مراقبة الواردات ومساعدة الصادرات» أنه في اقتصاد لا يوجد فيه توظيف كامل يمكن أن يؤدي إدخال التعريفات الجمركية إلى تحسين الإنتاج والتوظيف، وبذلك يُقلَّص العجز التجاري ممّا يساعد على نمو البلاد.[124]
في يناير 1930 اقترح في المجلس الاستشاري الاقتصادي إدخال نظام حماية لتقليل الواردات، وفي خريف عام 1930 اقترح تعريفة موحدة بنسبة 10٪ على جميع الواردات وإعانات بنفس المعدل لجميع الصادرات. وقد نشر في العام نفسه[126] رسالة حول النقود سُميت في البداية «نظرية النقود والائتمان»[ar 24] قبل أن يُغير اسمها ليصبح «بحث في النقود»[ar 25] (بالإنجليزية: Treatise on Money) تحدث فيه عن التعريفات الجمركية أو القيود التجارية الأخرى بهدف تقليل حجم الواردات وإعادة التوازن إلى الميزان التجاري.[124]
في 7 مارس 1931 نشر مقالاً في نيوستيتسمان بعنوان «مقترحات لتعرفة الإيرادات الجمركية» (بالإنجليزية: Proposals for a Revenue Tariff)،[127] وأشار إلى أن تخفيض الأجور أدى إلى انخفاض الطلب المحلي مما أدى إلى تقييد الأسواق، ولذلك اقترح فكرة سياسةٍ توسعيةٍ مقترنةٍ بنظام التعريفة الجمركية لتحييد التأثيرات على الميزان التجاري. حيث رأى أن تطبيق التعريفات الجمركية «أمر لا مفر منه، أياً كان وزير الخزانة». وبالتالي بالنسبة لكينز فإن سياسة الانتعاش الاقتصادي لا تكون فعالة بالكامل إلا إذا قُضي على العجز التجاري، كما اقترح فرض ضريبة بنسبة 15٪ على السلع المصنعة وشبه المصنعة، و5٪ على بعض المواد الغذائية والمواد الخام مع إعفاء بعض المواد من الضريبة مثل الصوف والقطن.[124]
في أزمة 1929 اعتبر كينز أن الافتراضات المتعلقة بنموذج التجارة الحُرّة غير واقعية؛ وانتقد الافتراض الكلاسيكي لتعديل الأجور،[124][128] ومع بدايات 1930 قدم مُذكرة للمجلس الاستشاري الاقتصادي شككّ فيها بالمكسب الآتي من خصخصة بعض البضائع، واعترف لاحقاً في أثناء مشاركته في لجنة ماكميلان بأنّه لم يعد يؤمن بالخصخصة الوطنية ويرفض التخلي عن الصناعات لصالح القطاع الخاص وانتقد بشكل واضح نظرية الميزة النسبية[ar 26][129] مُعتبراً أنّ مفاضَلتَها بين الأشخاص[130] هدرٌ للموارد الوطنية.[124][128]
في 13 مارس من العام 1931 وصف في الديلي ميل افتراض التنقل الجغرافي للعمالة[131] بأنّه «هراء» لأنّه ينص على اعتبار الشخص الذي لا يعمل في البلد مُساهماً في خفض معدل الأجور، قد يشمل خفض معدل الأجور أيضاً الأشخاص الباحثين عن وظائف، وهذا ما لم يك مُمكناً بالنسبة لكينز فافتراضاته تقول بأن العمل لأجل التوظيف الكامل يوجِد عودةً تلقائيةً إلى التوازن وهذا ما يشوه نظرية الميزة النسبية.[124][128]
في يونيو 1933 نشر في نيوستيتسمان مقالًا بعنوان الاكتفاء الذاتي الوطني (بالإنجليزية: National Self-Sufficiency)[132] انتقد فيه حجة تخصيص الاقتصادات التي هي أساس التجارة الحرة، وعليه اقترح البحث عن درجة معينة من الاكتفاء الذاتي بدلاً من خصخصة الاقتصادات الذي دعت إليه النظرية الريكاردية للميزة النسبية. فضّل كينز الحفاظ على مجموعةٍ متنوعةٍ من الأنشطة للدول، وهذا يدحض مبدأ تجارة صنع السلام لتصبح رؤيته للتجارة هي نظام يتنافس فيه الرأسماليون الأجانب على أسواق جديدة. دافع كينز عن فكرة الإنتاج على التراب الوطني عندما يكون ذلك ممكناً ومعقولاً وأعرب عن تعاطفه مع دعاة حماية الإنتاج الوطني:[133][134] «درجة كبيرة من التخصبص الدولي ضروري في عالم عقلاني في جميع الحالات حيث تمليه الاختلافات الواسعة في المناخ والموارد الطبيعية والقدرات المحلية ومستوى الثقافة وكثافة السكان. ولكن على نطاق واسع وبشكل متزايد من المنتجات الصناعية وربما المنتجات الزراعية أيضاً فقد أصبحتُ أشك فيما إذا كانت الخسارة الاقتصادية للاكتفاء الذاتي الوطني كبيرة بما يكفي لتجاوز المزايا الأخرى لإدخال المنتِج والمستهلكِ تدريجياً في نطاق نفس المنظومة الوطنية والاقتصادية والمالية. تتراكم الخبرة لإثبات أن معظم عمليات الإنتاج الضخم يمكن إجراؤها في معظم البلدان والمناخات بكفاءةٍ متساويةٍ تقريبًا.»[هامش 6]
في وقتٍ لاحقٍ جرت مراسلات بين كينز وجيمس ميد[135] تركزت حول قيود الاستيراد حيث ناقشوا الخيار الأفضل بين الحصة [أو الكوتا] والتعريفات [الجمركية]، وفي مارس 1944 بدأ كينز مناقشة مع ماركوس فليمنج[136] بعد أن كتب الأخير مقالاً بعنوان «الحصص مقابل الاستهلاك». في هذه المراسلات نرى كينز يتخذ موقفاً حمائياً بعد الكساد الكبير. واعتبر أن نظام الحصص يمكن أن يكون أكثر فعالية من انخفاض قيمة العملة في التعامل مع الاختلالات الخارجية. وبذلك فإن انخفاض العملة لم بعد كافياً بالنسبة لكينز وأصبحت التدابير الحمائية ضروريةً لتجنب العجز التجاري وتجنب عودة الأزمات التي يسببها نظام اقتصادي منظم ذاتياً. بدا [بالنسبة لكينز] أنّ من الضروري تنظيم التجارة ووقف التجارة الحرة (وقف تحرير التجارة الخارجية).[124]
أشار كينز إلى أن الدول التي تستورد أكثر مما تصدر تُضعف اقتصاداتِها وعندها يزداد العجز التجاري وترتفع البطالة ويتباطأ الناتج المحلي الإجمالي. والدول التي تمتلك فائضاً نتيجة ارتفاع قيمة صادراتها على وارداتها (ميزانها التجاري رابح) تمارس «عواملَ خارجيةً سلبيةً» على شركائها التجاريين، وبالتالي تزداد ثروة بعض الدول مقابل تدميرها لاقتصادات شركائها. اعتقد كينز أن منتجات البلدان ذات الفائض يجب أن تخضع للضريبة (مثلاً فرض تعرفة جمركية عليها) لتجنب الاختلالات التجارية، وهكذا لم يعد يؤمن بنظرية الميزة النسبية (التي تقوم عليها التجارة الحرة) والتي تنص على أن العجز التجاري غير مهم لأن التجارة تعود بالنفع على الطرفين. وهذا يفسر أيضاً رغبته في الاستبدال بالتجارة الدولية (التجارة الحرة) نظاماً تنظيمياً يهدف إلى القضاء على الاختلالات التجارية في مقترحاته بشأن اتفاقية بريتون وودز.[137]
كينز مُقترح الفكرة التي عُرفت لاحقاً بالخطة الكينزية لإقامة اتحاد مَقاصّةٍ دولي؛ بُنيت الخطة على أساسين الأول أنّ تسوية الأرصدة غير المسددة يجب حلها عن طريق إنشاء أموال دولية إضافية، والثاني ينص على معاملة المَدين والدائن على حد سواءٍ تقريباً فكلاهما يسببان اضطراباً في التوازن. رُفضت الخطة ويرجع ذلك نسبياً لتردد الرأي الأمريكي الرافض للمساواة بين المدين والدائن.[138]
خطة كينز لم تعتمد على تحرير التجارة الحرة[139][140] بل على تنظيم التجارة الدولية من أجل القضاء على الاختلالات التجارية، وبذلك فالدول التي لديها فائض سيكون لديها حافز لتقليصه لأنها ستُسدد عجز الدول الأُخرى.[141] اقترح كينز مصرفاً عالمياً يصدر عملة قابلة للتداول في جميع دول العالم وفق أسعار صرف ثابتة، وتكون هذه العملة هي وحدة القياس بين الدول ما يعني أنّ احتساب العجز أو الفائض سيكون بها، وستتمتع كل دولةٍ بتسهيلات سحبٍ وفق حسابها في اتحاد المقاصة الدولي. وأشار كينز إلى أنّ الفوائض لدى الدول ستؤدي إلى ضعفٍ في الطلب العالمي ذلك لأن البلدان التي تمتلك فائضاً ستمارس ضغوطاً خارجيةً سلبيةً على شركائها التجاريين [للحفاظ على تفوقها التجاري] وهذا سيشكل تهديداً للازدهار العالمي أكثر بكثير من تهديد العجز.[142]
في مقالة «الاكتفاء الذاتي الوطني»[143] سلط كينز الضوء بشكل واضح على المشكلات التي ولدتها التجارة الحُرّة. كانت وجهة نظره -التي أيدها العديد من الاقتصاديين والمُنظرين في ذلك الوقت- هي أن الدول الدائنة قد تكون مسؤولةً تماماً مثل الدول المَدينة عن عدم التوازن في التبادلات وأن كليهما يجب أن يكون مُلزماً بإعادة التجارة إلى حالة التوازن وعدم قيامهنَّ بذلك يمكن أن يكون له عواقب وخيمة. على حد تعبير جيفري كروثر رئيس تحرير مجلة الإيكونومست:[144] «إذا لم تكن العلاقات الاقتصادية بين الدول قريبةً من التوازن بطريقة أو بأخرى فلا توجد مجموعة من الترتيبات المالية التي يمكن أن تنقذ العالم من تقليل نتائج الفوضى.»
استُرشد بهذه الأفكار من خلال الأحداث التي سبقت الكساد الكبير عندما تجاوز الإقراض الدولي المُقدم من الولايات المتحدة قدرة الاستثمار السليم وبالتالي حُوّل إلى استثماراتٍ غير منتجةٍ وبذلك حدث التقصير والتوقف المفاجئ عن عملية الإقراض.[145]
عمل كينز بشكل مُجد طوال حياته، وحتّى عندما كانت صحته سيئة بقي يعمل لفرز الشؤون المالية لكليته القديمة،[146] وساعد في إنشاء نظام بريتون وودز وعمل على إنشاء نظام نقدي دولي من شأنه أن يكون مُفيداً للاقتصاد العالمي. عانى كينز في عام 1946 من سلسلةِ نوباتٍ قلبية أثبتت لاحقاً أنّها قاتلة ورغم ذلك شارك في مفاوضات القرض الأنجلو أمريكي في سافانا، جورجيا وحاول تأمين شروطٍ مواتيةٍ للملكة المُتحدة مع الولايات المتحدة، وقد وصف هذه المفاوضات بـِ«الجحيم المُطلق».[93][147] في 21 أبريل 1946 وبعد أسابيع من عودته من الولايات المتحدة قضى كينز نحبه[ar 27] في منزله الريفي في تيلتون عن عُمرٍ قارب 62 عاماً،[19][148] وعلى عكس رغبته بوضع رماده في أحد السراديب فقد نُثر هذا الرماد فوق تيلتون.[149]
توفي والدا كينز بعد وفاته فقد عاش أبوه جون نيفل ثلاث سنواتٍ بعد وفاته، بينما عاشت والدته حتّى عام 1958، كان السير جيفري كينز شقيقه جراحاً وباحثاً[150] ومُحباً للكتب وعاش إلى عام 1928، ومن بين أبناء أخيه كان ريتشارد كينز عالم وظائف الأحياء الذي توفي عام 2010، وكيونتين كينز وتوفي عام 2003. لم يكن لكينز أطفال وتوفيت أرملته ليديا لوبوكوفا عام 1981.[151]
طُوّر مفهوم المُضاعَف (بالإنجليزية: Multiplier) لأول مرةٍ على يد الاقتصادي البريطاني ريكارد خان.[152] في مقالاته التي نشرها عام 1931 بعنوان «علاقة الاستثمار المنزلي بالبطالة» (بالإنجليزية: The Relation of Home Investment to Unemployment).[153] مُضاعَفُ خان كان مضاعف العمالة، ومنه انطلق كينز وصاغ مفهوم مضاعف الاستثمار[154] والذي يعني في جوهره أنّ الزيادة الإجمالية في الدخل أو الإنتاج أو العمالة تتضاعف بسبب الزيادة الأصلية في الأصول المُستثمَرة؛ فمثلاً إذا كان مقدار الاستثمار مليون دولار فإن إجمالي الناتج لن يكون مساوياً مليون دولار بل سيكون من مضاعفات هذا المبلغ.[ar 28] [هامش 7]
قدم كينز الإلهام الرئيسي لصانعي الاقتصاد في أوروبا وأمريكا ومعظم دول العالم منذ فترة الكساد الكبير وحتّى منتصف السبعينات من القرن العشرين،[ar 29][106] وفي حين حدث الانجذاب الأول نحو أفكار كينز في نهاية الثلاثينات إلا أن الدول لم تبدأ بالإنفاق بشكلٍ كافٍ لمكافحة البطالة إلاّ بعد الحرب العالمية الثانية، ووفقاً للاقتصادي الأمريكي جون كينيث جالبرايث الذي كان مسؤولاً عن التحكم في التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية في أثناء الحرب فإنّه «لا يمكن للمرء أن يجد أفكاراً أفضل من الأفكار الكينزية».[155]
ارتبطتِ الثورة الكينزية بصعودِ الليبرالية الحديثة في الغرب بعد الحرب العالمية الثانية[156] حيث انتشرت بشكلٍ كبيرٍ لدرجة أن بعض العلماء والاقتصاديين اعتبروا كينز صانع مُثلِ الليبرالية الجديدة.[ar 30] كما صنع سلفه آدم سميث في الليبرالية الكلاسيكية.[157] وعندما حاول ونستون تشرشل التقليل من شأن الأفكار الكينزية مستخدماً في حملته الانتخابية عام 1945 خطاباً ناقداً للاقتصاد المُختلط هُزم هزيمةً ساحقةً أمام كليمنت أتلي الذي استمرت سياسات حكومته متأثرةً بأفكار كينز.[155]
وبسبب التأثير الكينزي فقد ركزت النصوص الاقتصادية في فترة ما بعد الحرب مباشرة كثيرًا على التوازن في التجارة؛ فمثلاً خَصصت الطبعة الثانية من الكتاب المدرسي التمهيدي الشهير مخطط النقود[158] الفصول الثلاثة الأخيرة من فصوله العشرة لمسائل إدارة النقد الأجنبي وخاصة مشكلة التوازن. لكن أفكار كينز اختفت في السنوات الأخيرة لانهيار نظام بريتون وودز عام 1971 وذلك بفعل تأثير مدرسة الاقتصاد النقدي خاصة في مواجهة الاختلالات التجارية الكبيرة، كانت المخاوف وخاصة تلك المٌتعلقة بالآثار المُزعزعة للاستقرار بسبب الفوائض التجارية الضخمة سبباً في هذا الغياب للاقتصاد الكينزي في الخطاب السائد،[159] وبقيت أفكاره متوارية عن الأنظار[160] حتّى بروزها من جديد في أزمة 2007-2008.[161]
في آواخر الثلاثينات حتّى الأربعينيات من القرن العشرين حاول الاقتصاديون ولا سيما جون هيكس وفرانكو موديلياني وبول صمويلسون تقديم شروحات لكتابات كينز وإعطائها طابعاً رسمياً من حيث التوافق مع النماذج الرياضية الرسمية، فيما عُرف لاحقاً بالتركيب الكلاسيكي الجديد إذ دمجوا التحليل الذي آتى به كينز مع الاقتصاد الكلاسيكي ليُعطوا الاقتصاد الكينزي الجديد[162] والذي سيطر على الاقتصاد الكلي لأربعين عاماً لاحقة.
مع حلول خمسينات القرت العشرين تبنت غالبية دول العالم المُتقدم السياسات الكنزية إضافة لاستخدام العديد من الدول النامية برامج مُماثلة من الاقتصاد المختلط، ومع استخدام دول العالم للأفكار الكينزية أصبحت هذه الأفكار سائدة في جامعات العالم. شهدت فترة الخمسينات والستينات ازدهاراً في الاقتصادات الرأسمالية الحُرّة، والتي بدأت تنمو بوتيرةٍ مرتفعةٍ وتشهد تحسناً في الأُجور بشكلٍ استثنائي[ar 31] مع معدلات بطالة مُنخفضة. [163][164] كتب البروفيسور جوردون فليتشر أن سنوات الخمسينات والستينات كانت ذروة التأثير الكينزي وبدت الرأسمالية في عصرها الذهبي.[106]
في أواخر 1965 نشرت مجلة تايم[165] على غلافها عنواناً كتبه ميلتون فريدمان وردده الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون لاحقاً: «كلنا كينزيون الآن».[166] قدمت المقالة وصفاً للظروف الاقتصادية السائدة آنذاك وذكرت أن الاقتصاديين في واشنطن التزموا بفكرة كينز المركزية القائلة بأن الاقتصاد الرأسمالي الحديث لا يعمل تلقائياً بكفاءةٍ عاليةٍ ولكن يمكن رفع كفاءته من خلال تدخل الحكومة، يذكر المقال أيضاً أن كينز كان واحداً من أهم ثلاثة اقتصاديين عرفتهم البشرية، وأنّ نظريته العامة كانت شديدة التأثير مثل كتاب ثروة الأمم لآدم سميث.[167]
أدى الخلل في توازن الاقتصاد الكلي عام 1971 إلى انهيار نظام أسعار الصرف الثابتة، وكما نُسب لكينز النجاح الاقتصادي حتّى الستينات فقد تسببت الأزمة مع بداية السبعينات في الحديث عن فشل الأفكار الاقتصادية التي أتى بها.[ar 32]
تعرض الاقتصاد الكينزي للتجاهل في بريطانيا مع مجيء المحافظين بزعامة مارغريت تاتشر في عام 1979، وفي أمريكا مع الجمهوريين وإدارة رونالد ريغان (81-1989)، لكن بداية الحشد ضد أفكار كينز بدأ قبل قُرابةِ ثلاثين عاماً من هذا التاريخ عندما أنشأ النمساوي قريدريك هايك جمعية مونت بيليرين [الإنجليزية] عام 1947 بقصدٍ صريحٍ وهو تنظيم التيارات الفكرية المُعارضة للكينزية.[168] كان من بين أعضاء الجمعية لودفيج فون ميزس إلى جانب الشاب ميلتون فريدمان في تلك الفترة. في البداية كان للجمعية تأثير ضئيل جداً فوفقاً لفريدريك هايك: «بدا الأمر وكأن كينز أتى من القداسة حيث رفض الناس نقد أعماله بعد وفاته».[169][170] مع ذلك استطاع فريدريك هايك إثبات نفسه باعتباره ناقداً للاقتصاد الكينزي منذ منتصف خمسينات القرن العشرين، وتعمقت صورة الناقد بخاصةٍ بعد نشره عام 1963 كتاب التاريخ النقدي للولايات المتحدة [الإنجليزية].[171]
من الناحية العملية في الحياة الاقتصادية فإن الحكوماتِ الضخمةَ[هامش 8] بدت راسخةً بقوةٍ في خمسينات القرن العشرين لكن كفّة الميزان بدأت تميل باتجاه المصالح الخاصة في الستينات. كان كينز قد كتب واصفاً بالحماقةِ تلك السياسةَ المُتمثلةَ في السماح للمضاربين «المنحلين والأنانيين» بالتأثير الذي تمتعوا به منذ الحرب العالمية الأولى، وبعد ذلك على مدى عقدين عقب الحرب العالمية الثانية. كان الرأي العام مُعارضاً بقوةٍ للمضاربين من القطاع الخاص. قُيّدتِ المضاربة الدولية بشدةٍ من خلال ضوابط رأس المال المعمول بها في اتفاقية بريتون وودز، ووفقاً للصحافيّيْنِ لاري إليوت ودان أتكينسون فإن العام 1968 كان العام المحوري الذي تحولت فيه السلطة لصالح وكلاء خاصين مثل المضاربين بالعملات. اعتبر الصحفيان أن الحدث الرئيس عام 1968 كان تعليق أمريكا شراء الذهب مقابل الدولار الأمريكي إلاّ بناءً على طلب حكوماتٍ أجنبيةٍ؛ الحدث الذي مثل بداية الانهيار لاتفاقية بريتون وودز.[172] [هامش 9] [هامش 10]
نُظر إلى السياسات الكينزية على أنّها تتسبّب بالعجز في الميزانية بطريقةٍ مُتعمَّدةٍ؛[ar 33] ولاحقاً أدت القفزة في الأجور عام 1968 إضافةً إلى أزمة حظر النفط (73-1974)[ar 34] إلى تعاظم الانتقادات للسياسات الكينزية. بدأت هذه الانتقادات تلقى قَبولاً واسعاً مع بداية السبعينات بشكل أساسي حيث تمكن مُنتقدو النظرية من تقديم حجّةٍ ذات مصداقيةٍ مفادها أنّ النماذج الكينزية لم تعد تعكس الواقع الاقتصادي. لم يُضمّن كينز نفسه صيغاً رياضيةً واضحةً في نظريته العامة ما دفع اقتصاديين مثل هيمان منسكي للاعتقاد بأنّ سبب الاستخدام المحدود للرياضيات هي الشكوك في قدرة النماذج الرياضية على رصد النشاط الاقتصادي بشكلٍ كافٍ، ورغم ذلك فإن الاقتصاديين الكينزيين طوّروا العديد من النماذج مٌستخدمين كمثالٍ منحنى فيلبس الذي تنبأ بعلاقةٍ عكسيةٍ بين البطالة والتضخم، وكان يعني ضمناً أنّه يمكن الحد من البطالة عن طريق الحوافز الحكومية. كان ميلتون فريدمان قد نشر ورقةً بحثيةً عام 1968 يجادل فيها بأن العلاقة الثابتة التي ينطوي عليها منحنى فيليبس غير موجودة.[173] اقترح فريدمان في ورقته أنّ السياسات الكينزية المُستدامة يمكن أن تؤدي إلى البطالة والتضخم في آنٍ واحد، وهي ظاهرة عُرفت لاحقاً بالركود التضخمي. ظهر الركود التضخمي في أوائل السبعينات في كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا[ar 35] كما توقع فريدمان، كما تدهورت الأوضاع الاقتصادية مع أزمة حظر النفط (73-1974). اكتسب ميلتون فريدمان بفضل توقعاته مكانةً عاليةً قاد من خلالها انتقاداتٍ ناجحةً موجهةً للمدرسة الكينزية، واستطاع من خلال البرامج الإذاعية والتلفزيونية إقناع شريحةٍ واسعةٍ من الناس إضافةً للأوساط الأكاديمية والسياسية. لتُقوَّضَ بعدها المصداقية الأكاديمية للاقتصاد الكينزي من قبل علماءٍ آخرين يتّبعون مدرسة شيكاغو إضافةً لانتقاداتٍ من مدرسة هايك النمساوية. كانت هذه الانتقادات ناجحةً إلى درجة أنّ روبرت لوكاس زعم -عام 1980- بأنّ الاقتصاديين سيتعرضون لإهانةٍ إذا ما وُصفوا بأنّهم كينزيون.[174]
من حيث الجانب العملي للاقتصاد كان أداء الاقتصاد الكينزي سيئاً، واستُبدل به اقتصاد المدرسة النقدية باعتبارها كانت قد صاحبت التأثير الأساسي على السياسات الاقتصادية في بريطانيا والولايات المتحدة.[106] ورغم تراجع تأييد المدرسة الكينزية إلاّ أن العديد من الاقتصاديين على جانبي المحيط الأطلسي تمسكوا بأفكار كينز، لكن وبحلول عام 1984 بدأ نظام الاحتياطي الفدرالي يتجاهل السياسة النقدية تماماً، وبدأ بالعودة الجزئية مجدداً إلى مبادئ جون مينارد كينز.[175] لم يحظَ النقد الموجه لكينز بقبول جميع الأكاديميين. فهيمان مينسكي جادل بأنّ الاقتصاد الكينزي تعرض للتدهور بسبب الاختلاط المفرط بالأفكار الكلاسيكية الجديدة منذ الخمسينات، وأسف لأن هذا الفرع الجديد من الاقتصاد كان يُلحَق باسم «كينز».[97] كتب روبرت كونتر في كتابه التوقع الأمريكي (بالإنجليزية: The American Prospect) أن النشاط المُفرط للأفكار الكينزية لم يك من تسبب بالمشاكل الاقتصادية في السبعينات، وإنما انهيار نظام بريتون وودز لضوابط رأس المال مما سمح بهروب رأس المال من الاقتصادات المنظمة إلى الاقتصادات غير المنظمة بطريقةٍ شبيهةٍ بقانون جريشام (حيث تطرد العملات الضعيفة العملات القوية).[176] [هامش 11] صرّح المؤرخ بيتر بوغ بأن سبب ما عانته أمريكا في السبعينات هو رفض زيادة الضرائب لأجل تمويل حرب فيتنام، وهذا مُخالف لنصيحة كينز.[177]
الرد الأكثر نموذجيةً كان في قَبولِ بعض الانتقاداتِ وتطوير النظرية على ضوئِها للدفاع أمام الحجج التي تُريد إبطال مفعول الفكر الكينزي بأكمله، هذا الرد أدى إلى ظهور مجموعة عملٍ نجحت في إنتاج الاقتصادات الكينزية الجديدة. كتب آلان بليندر [الإنجليزية] عام 1992 عن «عودة كينز» حيث أصبح الفكر الكينزي رائجاً بشكلٍ كبير في الأوساط الأكاديمية العالمية رغم أن الاتجاه السائد للاقتصاد خلط أفكار كينز بشكلٍ كبيرٍ مع المدرسة النقدية والتفكير الكلاسيكي الجديد. على أن التعاطف مع السوق الحرّة بقي موجوداً على نطاقٍ واسعٍ في القطاعات الحكومية الأمريكية، وفي مؤسساتٍ مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والخزانة الأمريكية إضافةً لوسائل إعلامٍ مؤثرةٍ عالمياً مثل صحيفتي الفايننشال تايمز وذي إيكونوميست.[178] [هامش 12]
أدت الأزمة المالية العالمية (2007-2008) إلى شكوك كبيرة حوّل آلية السوق الحرة حتّى من قبل حركات اليمين الاقتصادية، في شهر مارس عام 2008 أعلن مارتن وُلف كبير المعلقين الاقتصاديين في صحيفة فاينانشال تايمز عن موت حلم رأسمالية السوق الحر.[180] في الشهر نفسه استخدم الاقتصادي جيمس جالبرايث (وهو غير جون كينيث جالبرايث الاقتصادي الكينزي) محاضرة ميلتون فريدمان السنوية الخامسة والعشرون لشن هجوم على الاقتصاد النقدي مُجادلاً بأن الاقتصاد الكينزي كان أكثر منطقية في معالجة الأزمات الناشئة.[181] دعا روبرت شيلر إلى التدخل الحكومي لمعالجة الأزمات المالية[182][183][184] وناقش بول كروغمان الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد قضية التدخل الكينزي القوي في الاقتصاد في أعمدته الصحفية التي كان يكتبها لصحيفة نيويورك تايمز،[185][186][187] كما جادل الكثير من المعلقين الاقتصاديين مثل جورج أكيوف في تدخل الحكومة لتخفيف الأزمة المالية،[188] برادفورد ديلونج،[189] روبرت رايخ،[190] وجوزيف ستيجليتز.[191] إضافة لاستشهادات الصحف والإعلام بأعمال كينز لهيمان مينسكي،[97] روبرت سكيدلسكي،[19] دونالد ماركويل[71] وأكسيل ليجونهوفود.[192]
بعدها تتابعت السياسات لإنقاذ العالم من الأزمة المالية ففي 7 سبتمبر 2008 أعلنت الحكومة الأمريكية تأميم الشركتين العقاريتين المملوكتان لها فاي ماي وفريدي ماك والمُشرفتين بشكل مباشر على معظم عمليات سوق الرهن العقاري في الولايات المتحدة، وفي أكتوبر أشار وزير الخزانة البريطاني أليستر دارلينغ إلى السياسات الكينزية في إعلانه لخطط تحفيز مالي كبير لإنقاذ السوق من آثار الركود.[193][194] تبنت حكومات أُخرى في أغلب دول العالم سياسات مُماثلة،[195][196] وهذا تناقض كبير مع الإجراءات التي فُرضت على إندونيسيا عام 1997 بإجبارها على إغلاق 16 مصرفاً دفعةً واحدةً ما أدى لانتشار ظاهرة الجري نحو المصارف والتي تعني تهافت الناس على المصارف لسحب أموالهم.[197] الكثير من المناقشات خلال الأزمة وما بعدها عكست بشكل واضح أهمية الدعوة التي كان أطلقها كينز لوجود تنسيق دولي للتحفيز المالي أو النقدي، وتنظيم المؤسسات الاقتصادية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والتي اعتبرها الكثيرون «بريتون وودز جديدة» لذلك يجب إصلاحها قبل اندلاع أزمات جديدة.[198] دعا خبراء الاقتصاد في كلٍّ من صندوق النقد الدولي والأمم المتحدة لنهج دولي مُنسق للتحفيز المالي.[199] وقد ناقش دونالد ماركويل بأن غياب هذا التنسيق سيؤدي لتدهور العلاقات الدولية وربّما لحربٍ عالميةٍ ناشئةٍ عن عواملَ اقتصاديةٍ مُماثلةٍ لتلك التي كانت موجودة إبان أزمة الكساد الكبير في الثلاثينيات.[71]
وفي ديسمبر من العام 2008 نشرت صحيفة فايننشال تايمز تقول: «الظهور المفاجئ للسياسة الكينزية هو انعكاس مذهل لعقيدة العقود العديدة الماضية»، ولاحقاً أصدر بول كروغمان كتاب عودة اقتصاديات الكساد، وأزمة عام 2008[200] مُعتبراً أن الظروف الاقتصادية مشابهة لتلك التي انتشرت مع بداية القرن العشرين ممّا جعل وصفات السياسات الكينزية أكثر أهميةً من أي وقتٍ مضى. وفي عام 2009 نشر روبرت شيلر وجورج أكرلوف كتاب الأرواح الحيوانية[201] وفيه جادلا بأن حزمة التحفيز الأمريكية الحالية صغيرة جداً لأنّها لا تأخذ في الاعتبار رؤية كينز حول أهمية الثقة والتوقعات في تحديد السلوك المستقبلي لرجال الأعمال.[202]
في عام 2009 ألقى محافظ مصرف الصين الشعبي خطاباً بعنوان «إصلاح النظام النقدي الدولي» أيد فيه فكرة كينز الخاصة بعملةٍ احتياطيةٍ عالميةٍ تُدار مركزياً، واعتبر أنّ جزءاً من انهيار بريتون وودز كان بسبب الفشل في تبني عملة البانكور التي تكلم عنها كينز واقترح تحركاً تدريجياً نحو زيادة استخدام حقوق السحب من صندوق النقد الدولي.[203][204] [هامش 13] رغم عدم قبول أفكار محافظ البنك الشعبي الصيني إلاّ أن قادة قمّة مجموعة العشرين اللذين اجتمعو في أبريل 2009 في لندن اتفقوا على السماح بسحب 250 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لتُوزع على العام بأسره وسُجلت الخطط التحفيزية باعتبارها مُساهمة في تحقيق توقعات اقتصادية أفضل من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية[205] وصندوق النقد الدولي،[206][207] وقد حذرت المنظمتان في تقريرهما عام 2009 دول العالم بأنّ التعافي سيكون بطيئاً لذا لا يجوز التراجع عن إجراءات مكافحة الركود مبكراً.
رغم الرضا عن الإجراءات التحفيزية بين أغلب صانعي السياسات في العالم إلاّ أن الجدل استمر حول كيفية تمويل الإنفاق وقد أعرب بعض القادة مثل أنجيلا ميركل[208] ومؤسسات مثل البنك المركزي الأروبي[209] عن قلقهم بشأن التأثير المحتمل على التضخم والدين القومي والمخاطرة بأن يؤدي التحفيز الضخم إلى تعافي غير مستدام.
أحدث الاقتصاد الكينزي انقساماً بين مُحترفي الاقتصاد أكثر مما أحدث اهتماماً ورغم أن الكثير من الاقتصاديين مثل جورج أكيرلوف، وبول كروغمان، وروبرت شيلر، وجوزيف ستيجليتز أيدوا التحفيز الكينزي إلاّ أن آخرين عارضوا ولم يتفقوا بأن زيادة الإنفاق الحكومي ستؤدي لخروج الولايات المتحدة من أزمة الركود.[210] بعض الاقتصاديين مثل روبرت لوكاس شككوا في الأساس النظري لحزم التحفيز وآخرون مثل روبرت بارو وجاري بيكر اعتبروا أننّا لا نملك أدلة على أن التحفيز الكينزي سيفيد الأسواق[211] ورغم ذلك إلا أنّ المؤلفات الأكاديمية المُتتابعة تُظهر باستمرار أن التوّسع المالي يُساعد الاقتصاد على النمو في المدى القريب وأن أنواعاً مُعينة من الحوافز المالية فعالة كثيرًا.[212][213]
على نطاق الأشخاص فإن كينز اعتُبر من الأشخاص المُرحب بهم أينما حل حتّى من قبل أولئك اللذين تعرضوا للنقد منه.[214] خطاب كينز الذي ختم به مفاوضات بريتون وودز بالحفاوة وأقرّ المندبون بجودة أفكار كينز على الرغم من مشاكله الصحية.[28] كان الاقتصادي في المدرسة النمساوية قريدرك هايك من أبرز المُنتقدين لكينز[102] ورغم ذلك فقد كتب بعد وفاته: «لقد كان أعظم رجل عرفته على الإطلاق، وكنت أُكن له الكثير من الإعجاب، إنّ العالم كان سيكون أفقر بكثير بدونه.»[215]
رئيس قسم الاقتصاد السابق في كلية لندن للاقتصاد ليونيل روبنز والذي شارك في العديد من المناقشات مع كينز خلال فترة الثلاثينات، وقد كتب بعد مراقبته في أثناء المفاوضات مع الأمريكيين لوضع خطّة لبريتون وودز:[102] «سارت الأمور بشكل جيد للغاية بالفعل. كان كينز بكلامه الأكثر إقناعاً ووضوحاً "كان تأثيره لا يُقاوم". في مثل هذه اللحظات غالباً ما أجد نفسي أفكر في أن كينز يجب أن يكون أحد أبرز الرجال الذين عاشوا على الإطلاق؛ بهذه المحاكاة السريعة وحدسه السريع المُشابه للطيور والرؤية الواسعة، وفوق كل ذلك الإحساس الذي لا يضاهى باللياقة الكلامية، كل هذه العناصر تتحد جميعها لتكوين شيء يتجاوز حدود الإنجاز البشري العادي بعدة درجات»
مسؤول المفوضية الكندية العُليا [الإنجليزية] دوجلاس لوبان كتب:[102] «أنا مندهش. هذا هو أجمل مخلوق استمعت إليه على الإطلاق. هل ينتمي إلى جنسنا؟ أم أنه من جماعة أخرى؟ هناك شيء أسطوري ورائع عنه. أشعر فيه بشيء ضخم مثل أبو الهول وأيضاً أشعر أنّ لديه أجنحة»
برتراند راسل[50] وصف كينز بأنّه من أكثر الأشخاص اللذي عرفهم ذكاءً وعلّق:[216] «كان عقل كينز هو الأكثر حدة ووضوح من بين كل من عرفتهم، عندما تناقشت معه شعرت أنني وضعت حياتي بين يدي ونادراً ما كنت أخرج دون الشعور بأني أحمق بعض الشيء»
كتبت صحفية نيويرك تايمز تعليقاً في نعي كينز: «هناك الرجل نفسه: متألق، لامع، فوار، مثلي الجنس، مليء بالنكات الشيطانية...، لقد كان رجلاً إنسانياً مكرساً حقاً لقضية الصالح العام.»[104]
جعل اعتماد الحكومة البريطانية على كينز منه صاحب التأثير الأكبر على اقتصاد القرن العشرين،[93] وبسبب هذا المركز فقد تلقى الكثير من الانتقادات من جانبي الصيف السياسي حيث اعتُبر مناهضاً للرأسمالية من قبل الحركات اليمينية في فترة العشرينات وفي فترة الثلاثينات الحمراء فضل العديد من الاقتصاديين الآراء الماركسية حتّى في كامبريدج[97] وكان كينز يحاول اقناعهم بمزايا السياسة الأكثر تقدمية. النقد الأكبر لكينز كان من الحركات اليسارية حيث اعتبروه مؤيداً للرأسمالية وبقيت الانتقادات يساريةً كثيرًا حتّى الخمسينات عندما عادت حركات اليمين توجه له الانتقادات.
في عام 1931 انتقد فريدرش هايك رسالة كينز في النقود[217] التي نُشرت عام 1930، وبعد قراءة كتاب هايك الطريق إلى العبودية كتب كينز لهايك[218] «أجد نفسي مُتفقاً أخلاقياً وفلسفياً مع كل هذا تقريباً»، لكنه أنهى الخطاب: «وبالتالي فإن ما نحتاجه في رأيي ليس تغييراً في برامجنا الاقتصادية فهذ لن يؤدي في الممارسة العملية إلاّ إلى خيبة الأمل من نتائج فلسفتك؛ بل ربما نحتاج العكس أي توسيع السياسة الحالية. الخطر الأكبر بالنسبة لك هو الفشل العملي المحتمل لتطبيق فلسفتك في الولايات المتحدة.» القضية الأكثر أهمية في ذلك الوقت هي الفكرة القائلة أنّ إنفاق الدولة في حالة العجز يمكن أن يُخرج بلداً من الكساد، وقد ردّ كينز على انتقادات هايك:[219] «يجب أن أختتم بشكل مختلف إلى حد ما. يجب أن أقول إن ما نريده ليس عدم وجود تخطيط أو حتى تخطيط أقل، في الواقع يجب أن أقول إننا نريد بالتأكيد هو المزيد. لكن يجب أن يُحطط هذا في مجتمع يشارك فيه أكبر عدد ممكن من الأشخاص، تخطيط يشارك فيه القادة والأتباع. سيكون التخطيط المعتدل آمناً بدرجة كافية إذا كان من ينفذونه موجهين أخلاقياً بشكل صحيح.»
هايك أجاب عن سؤالٍ متعلق باتفاق كينز الأخلاقي والفلسفي مع آراءه في كتاب الطريق إلى العبودية قائلاً:[220] «لأنه كان يعتقد أنه لا يزال في الأساس ليبرالياً إنكليزياً كلاسيكياً ولم يكن مدركاً تماماً للمدى الذي ابتعد فيه عن هذه الأفكار. كانت أفكاره الأساسية لا تزال أفكار الحرية الفردية. لم يفكر بشكل منهجي بما يكفي لرؤية الصراعات. كان -بمعنىً ما- فاسدًا بسبب الضرورة السياسية.» شعر هايك أن الأرثوذكسية الكينزية أعطت الكثير للدولة مقابل سلب الأشخاص وبذلك ستؤدي إلى الإشتراكية.[221]
وصف ميلتون فريدمان النظرية العامة بأنّها «كتاب عظيم» لكنه حادل بفكرة الفصل الضمني بين المقادير الاسمية والأحجام الحقيقية واعتبر هذا شيئاً غير مرحّبٍ به، رأى فريدمان أن سياسة الاقتصاد الكلي تؤثر بشكل مؤكد على النواحي الاسمية فقط وبهذا اعتبر مع عدد من الاقتصاديين أنّ الاقتصاد الكينزي يمكن أن يؤدي لتضخم مصحوبٍ بركودٍ مُكوناً مزيجاً من النمو المُنخفض والتضخم المُرتفع وهذا ما عانته الاقتصادات الامُتقدمة في أوائل السبعينات. العمل الأكثر تأثيراً بفريدمان كان «مسلك على الإصلاح النقدي» (بالإنجليزية: Tract on Monetary Reform) والذي اعتبره أفضل أعمال كينز لتركيزه على الاستقرار في الأسعار المحلية.[222]
كان جوزيف شومبيتر خبيراً اقتصادياً في عمر كينز نفسه وأحد منافسيه الرئيسيين ومن بين المراجعين الأوائل الذين جادلوا بأن نظرية كينز العامة لم تكن نظرية عامة بل هي حالة خاصة.[223] وأن العمل يعبر عن «موقف الحضارة المتعفنة». بعد وفاة كينز كتب شومبيتر مقالاً مُختصراً عن سيرة كينز الاقتصادي. بشكلٍ عام كان إيجابياً للغاية بشأن كينز كرجل حيث أشاد بلطفه وطبيعته الودودة وقيّم بعض السير الذاتية التي كُتبت عن كينز مُعتبراً إياها أفضل ما رآه على الإطلاق لكنه ظلّ مُتمسكاً بانتقاد السياسات الكينزية في الاقتصاد وربط عدم إنجاب كينز للأطفال بالنظرة قصيرة المدى التي كان يمتلكها. واعتبر كينز مالكاً لوطنيةٍ لا واعيةٍ تسببت في عدم فهمه لمشاكل الدول الأُخرى. بالنسبة لشومبيتر فإن «الكينزية العملية هي نبتة لا يمكن زرعها في تربة غير إنكليزية: تموت هناك وتصبح سامة عند موتها.»[224] كان شومبيتر مُعجباً بكينز وحاسداً له، لكنه بعد موته عام 1946 تعامل مع أفكار كينز تعاملاً روتينياً بوصفها «علاج رروتيني دون مفتاح» وهذه المعاملة نفسها أعطاها لاحقاً لآدم سميث في كتابه تاريخ التحليل الاقتصادي حيث اعتبر أفكارهم لا تملك مصداقية ولا إضافة ولا ابتكاراً واحداً في تحليل التقانات الاقتصادية.[225]
كان الرئيس هاري ترومان متشككاً في التنظير الكينزي. بدا ذلك واضحاً عندما أخبر ليون كيزرلينج[226] كبير مستشاريه الاقتصاديين وهو كينزي الفكر: «لا أحد يستطيع أن يقنعني أبداً أن الحكومة تستطيع إنفاق دولار لم تحصل عليه».[94]
منذ عام 2015 تُمنح «جائزة جون مينارد كينز» في المملكة المتحدة، وهي جائزة عالمية تُقدم لأي شخص أياً كانت جنسيته بشرط أن يتمتع بمواهب استثنائية.[227]
مُترجمة
غير مُترجمة [متبوعة بسنة النشر]
غير مُترجمة [متبوعة بسنة النشر]
Seamless Wikipedia browsing. On steroids.
Every time you click a link to Wikipedia, Wiktionary or Wikiquote in your browser's search results, it will show the modern Wikiwand interface.
Wikiwand extension is a five stars, simple, with minimum permission required to keep your browsing private, safe and transparent.