Remove ads
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
هذه المقالة التاريخية الآثارية يمكن إدراجها أيضاً ضمن أبحاث الجندر (علم النوع الاجتماعي)، حيث أن دارسوا العلوم الإنسانية ما برحوا يعالجون القضايا الأثرية التاريخية من وجهة نظر ذكورية، وهذا النوع من الدراسات المهتمة بالنساء لا يزال في طوره الأولي.
حظيت النساء- إن كن ولدن حرات- في المجتمع الرومي القديم بإمكانيات أكثر مقارنة مع المجتمعات القديمة الأخرى، فحياتهن لم تكن معزولة عن الحياة العامة كما في اليونان القديمة مثلاُ.
وإن كانت النساء مُحددات الأهلية القانونية، إلا أنهن لم يختلفن في ذلك عن معظم الرجال، ومن هنا فإن الكثيرات من النساء استطعن ممارسة حياة مستقلة، لكن حقوقهن لم تتجاوز شخوصهن، فلم يكن بإمكانهن أن يصبحن وصيات قانونيات أو كفيلات أو سياسيات أو موظفات دولة. وقد تعلّق وضع المرأة في المجتمع الرومي بوضوح بالسوية الاجتماعية لعائلتها، أما الإماء فلا حقوق لهن.
بسبب شح المصادر عن التاريخ الرومي المبكر، وأيضاً التغيرات الاجتماعية والقانونية العميقة بدءً من القرن الثالث والرابع الميلاديين، تُعالج هذه المقالة وضع النساء فيما يسمى العصر الرومي الكلاسيكي (آخر قرني العصر الجمهوري وأول قرني العصر القيصري أو ما يسمى العصر الإمبراطوري)
تعود المصادر الكتابية عن النساء الروميات للقرن الثالث قبل الميلاد، فأقدمها شواهد القبور (epitaphium)، كما بقيت بعض السير ورسائل عن النساء من العصر الجمهوري المتأخر والعصر الإمبراطوري، أما في كتابة التاريخ فالإشارة للنساء كانت فقط في الهوامش، عدا عن ذلك فقد تناول بعض الفلاسفة أحوال النساء، مثل سنكا (Seneca ،1 م- 65 ق.م) وبعض الفقهاء الآخرين.
وبالنسبة للمراحل القديمة فالاعتماد يكون أساساً على المتاع الأثري (اللقى الأثرية) وبعض الإشارات في الكتابات المتأخرة، وهذا يسري على الزواج وقانون الكفالة في ألواح القانون الإثني عشر(Leges duodecim tabularum) حوالي 450 ق.م، وفي تاريخ تيتوس ليفيوس (Titus Livius، 59 ق.م- 17 م) حيث تُقدم أخبار عن القرون الأولى، فيها توصيف لقيم بالكاد وُجدت. وقد ركزت المصادر الكتابية القليلة نسبياً، التي تقدم معلومات عن حياة النساء الروميات، على النساء من عائلات «عليّة القوم».
إن النظرة لوضع المرأة الرومية تغيرت كثيراً في المائة سنة الأخيرة، فقد وصفت الكتب المبكرة وضع المرأة في الحضارة الرومية كمساوٍ تماماً لوضع الرجل، أما اليوم فيشار إلى وجود تحجيم (وتقييد) لوضعها، والسبب في ذلك هو التغيير في النظرة لوضع حقوق المرأة، في المائة سنة الأخيرة.
تمتعت النساء الروميات بحرية عالية فعلاً، مقارنة ليس مع معاصرتهن اليونانيات فحسب بل أيضا مع النساء في العصور الوسطى والعصر الحديث وحتى مرحلة متقدمة من القرن العشرين، لكن بالطبع لم يصل الأمر للمساواة مع الرجال بالمعنى الحديث.
وبالتوافق مع وظيفة المرأة اجتماعياً كتابعة لرجل، بالكاد وصل مجال نشاطها القانوني خارج شخصها. وطالما تهتم بشؤونها الشخصية فالقيود عليها قليلة، لكنها تصبح غير مؤهلة عند وجوب تمثيل الآخرين، ومع أن تشريعات العصر الإمبراطوري حسنت الوضع القانوني للنساء، إلا أنها لم تغير شيئاً في موضوع الأهلية، فالنساء لا حصة لهن في مهام الشأن العام[1]، ولا يسمح لهن بشغل وظيفة سياسية ولا حق لهن بالانتخاب (والتصويت)، ولا حق بالتبني ولا الكفالة ولا الوصاية (محددة بأبنائهن فقط)، حتى مجرد رفع ادعاء (شكوى) ممنوع، ولا يصبحن مُحلفات أمام محكمة، كما انتقصت حقوقها في الإرث والتوريث ببعض القوانين، كما في القانون (lex Voconia) من العام 169 ق.م الذي منع توريث النساء في طبقة المخمنين العليا (Iustrum).
باللاتينية (patria potestas)، بعد أن أضحى «زواج اليد»(cum manu) نادراً في العصر الجمهوري، لم تعد النساء مرهونات بأزواجهن، إنما بآبائهن، والمُسرَحات (المُحررات) دخلن تحت «سلطة رب الأسرة» لسادتهن السابقين، ولا يختلف وضع المرأة في ذلك عن وضع الرجل الذي يدخل تحت «سلطة رب الأسرة» لوالده إلى أن يموت أو يسرحه (الأب)، وطالما أن الأب حي يعتبر الرومي والرمية غير أهل قانوناً، حتى ولو بلغ الأبن الستين وأنجب أولاد وأحفاد وأنجز السلك الوظيفي (cursus honorum) كاملاً. الفارق بين الجنسين يظهر عندما يُسرح احدهما من «سلطة رب الأسرة»، فيصبح الذكر بعمر 14 سنة حُرّاً تماماً (sui iuris) وبإمكانه تأسيس «سلطته الأسرية»(patria potestas) خاصته، أما الأنثى فيتوجب عليها إنجاب ثلاث أطفال على الأقل لتتمكن من التصرف بممتلكاتها بدون وصاية، ولا يحق لها ممارسة «سلطة رب الأسرة» على أحد (ومنه عدم التبني) ووفق زواج «اليد الحرة» (sine manu)، فلا تربطها قانوناً علاقة قرابة دموية بأطفالها. كما الرجال والرقيق كانت النساء مقيدات الأهلية ضمن «سلطة رب الأسرة» بينما كان لهن حرية التصرف في الأملاك، وفق اعتماد ممنوح من رب الأسرة أو الوصي. ولا حق لهن بكتابة وصية دون موافقة الوصيّ الذي لا يصح أن يكون الزوج أو الحمو، لكن ممكن أن يكون من أقارب المرأة، فبزواج «اليد الحرة» يبقى انتماء المرأة لعائلة أبيها، وكذلك المُسرَحات.
وفي زمن الإمبراطور كلاوديوس Claudius (ق.م10 - 54 م) صدر قانوناً أضحت الوصاية فيه لا تنتقل من رب الأسرة إلى ورثته، وبهذا تحررت المرأة التي مات والدها من «سلطة رب الأسرة» وغدت تتمتع بأهلية قانونية فيما يخصها، كأن تزوج وتطلق نفسها وتتصرف بممتلكاتها وتورث بوصية، لكن في حال أرادت التصرف بالعقارات والرقيق، فقد احتاجت لوصيّ يمكن أن تختاره بنفسها.
كون تزويج البنت يعني علاقة سياسية- اقتصادية مع عائلة العريس أساساً، فقد حدث في حالات قليلة خطبة وزواج لبنات «علية القوم» قبل السن القانوني 12 سنة[2]، وكان الطبيب سوران الأفسوسي، حوالي 100 م، قد أشار إلى أن الزواج يجب أن يتم بعد البلوغ مبكراً بأسرع وقت، أما قوانين الزوج في عهد اكتافيوس اغسطس (36 ق.م- 14 م) فنصّت على العشرين سنة كسن لزواج الفتاة، ولم يكن الزواج ليعقد دون موافقة رب الأسرة، أما موافقة العروس فكان أمراً شكلياً.[3]
ساد في بدايات العصر الجمهوري زواج المانوس (اليد/ Manus) والذي تُضم بموجبه الزوجة وما تملك لسلطة زوجها (أو أبيه)، وتصبح كإحدى بنات عائلته وتحمل اسمها.
ويتحقق زواج المانوس (اليد/ Manus) بثلاث طرق هي، كوِمبتيو (coemptio) شراء رمزي للمرأة، أو وسوس (usus) عن طريق إقامة شخصين لمدة سنة معاً على أن لا تغيب المرأة عن البيت لأكثر من ثلاثة أيام وليالي، أو كونفارِّاتيون (confarreatio) ويتم بتضحية يقدمها الشخصين ويتناولان قرباناً بوجود كاهن وترتدي العروس ثوباً أبيض (tunica)، والأمة من زواج المانوس هذا تصبح بعده حرة.
بدءً من القرن الثالث قبل الميلاد أُزاح زواج «المانوس الحر» الشكل القديم للزواج «المانوس»، ووفقه لم تعد المرأة تابعة لزوجها، إنما بقيت تبعيتها لأسرة والدها، وعليها وفق أعراف هذا الزواج مغادرة بيت زوجها لثلاثة أيام بالسنة. وفيه يبقى للزوجة «جهازها» (هدايا الزواج) ولها أن تتملك وترث، وفي حال كانت ثرية لها أن تنفق على زوجها، الذي لا يرثها، وفقط بموافقة وصيّها لها أن تُورّث أبناءها الذين لا ينتمون لعائلة والدها، وبدءً من عام 178 م. سمح مجلس الشيوخ (senatus) للنساء بتوريث أبنائهن. وكان للنساء الطلاق - بموافقة الوالد إن كان حيّ- بأي حال، وذلك بمغادرة بيت الزوجية مع ممتلكاتهن، كذلك كان الطلاق سهلاً للرجال بمجرد قوله عبارة الطلاق.
وحرص الروم على الزواج «اللائق»، لهذا لم يسمح في العصور المبكرة بالزواج بين «طبقة النبلاء» (patricius) و«العامة» (plebs) ولا بزواج الروم من غيرهم، ومنعت قوانين (lex Iulia) حوالي 90 ق.م المنحدرين من عائلات أعضاء مجلس الشيوخ الزواج من المُسرَحات وأبنائهن. وكذلك الجنود والرقيق لم يكن لهم أن يعقدوا زيجات قانونية، ولهذا شاعت المعاشرة (concubitus) والتي ينتج عنها أطفال غير شرعيين لأنهم قانوناً بلا أب لكنهم أحرار (sui iuris)، فالأم لا تملك «سلطة رب الأسرة»، وحتى لو تزوج الوالدان لاحقاً لم يحصل الأولاد قانوناً حتى عهد جوستنيان الأول (Iustinianus، 482- 565 م)، إلا على نوع من البنوة الشرعية (adrogatio)، وإن كان أحد الزوجين ليس رومياً كما كان الحال غالباً في الولايات قبل قانون المواطنة لكركلا (Caracallus) في 11.07.212 م فيعتبر الأبناء أغراباً، وإن فقد أحد الزوجين مواطنته يعتبر الزواج لاغياً تلقائياً، وكون الزواج ممنوع على الجنود اعتبرت عقود الزواج قبل التجنيد لاغية أيضاً.
يُعدّ القانون اليولياني للخيانة (lex Iulia de adulteriis) في العام 18 ق.م من قوانين الزواج في عهد اكتافيوس أغسطس، أول ما وصلنا عن العقوبات في مجال الجنس، ففي العهد الجمهوري، اعتبرت الخيانة الزوجية جريمة للمرأة فقط، وسُمح للأسرة بقتل ابنتهم المُدانة، ومع قوانين الزواج عهد اكتافيوس أغسطس الغيت الحلول العائلية لمسألة الخيانة، وكان للزوج حينها إما الطلاق، أو الإدعاء على زوجته وشريكها بالخيانة، وإن لم يرغب الزوج بأحد الحلين عُدّ قواداً، أما الزوجة التي خانها زوجها فلا حق لها بالادعاء عليه، لكن لها أن تخلعه وتأخذ «جهازها»، وقد كانت عقوبة المُدانة قاسية، إذ تفقد معظم أملاكها وتُنفى وتصبح بمستوى الغانيات ولا يحق لها الشهادة أمام القضاء ولا الزواج بمواطن روميّ ولا وراثته، كما زاد قياصرة لاحقين هذه العقوبات، إلا أن قضايا الخيانة في المحاكم كانت نادرة. في حالات التحرش الجنسي والاغتصاب يعاقب الفاعل إن كانت المرأة حرة، أما الرقيق والغانيات فلا حق لهن بطلب عقاب الفاعل.
كان للرجل فقط في العصور الرومية المبكرة أن يطلق زوجته ضمن شروط محددة كالخيانة أو عقم الزوجة، وفي التقليد (Tradition) الرومي سُجلت أول حالة طلاق في العام 230 ق.م حين طلّق القنصل (consul) سبوريوس روغا (Spurius Ruga) زوجته لعقمها. ومع نهاية العصر الجمهوري حق للمرأة تطليق زوجها، إن كان زواجها من نوع «المانوس الحر»، وفي العهد الإمبراطوري زادت ممارسة الطلاق ولم يوجد في الديانة الرومية ما يحول دون ذلك.
وللطلاق كان يكفي أن ينطق أحد الزوجين أمام شهود بعبارة الطلاق (tuas res tibi habeto) بمعنى (خذ أشياءك معك) أو (i foras) بمعنى (أخرج من بيتي) أو تبليغ العبارة كتابياً عن طريق أحد الأحرار. وأبناء الطليقين يدخلون ضمن«سلطة رب الأسرة» للأب لكنهم عادةٍ ما يشبّوا لدى الأم، ونظراً لأن أغلب الزيجات مُرتبة مسبقاً، كان الطلاق يُرتب أيضاً، سواء لضعف اهتمام عائلتي الزوجين بالعلاقة بين الأسرتين، أو لأسباب شخصية، إلا أن منعاً صدر لرب الأسرة بحل «الزواج السعيد» في عهد مارك أوريل (Marcus Aurelius، 121- 180 م) وابتداءً من القرن 2 م. كانت المبادرة بالطلاق تأتي بتصاعد من النساء. ارتبط الطلاق أو وفاة الزوج - وفق «المانوس الحر» - بإعادة (جزء) من «جهاز» العروس (الذي نال قسطاً من التشريعات الرومية) لها أو إلى «رب أسرتها»، وكان للرجال الزواج مباشرة بعد طلاق أو وفاة زوجاتهم، أما النساء فكانت لهن «عدّة» من عشرة شهور، ورفعتها قوانين اكتافيوس أغسطس للسنة، والسبب في «العدة» هو القطع بأبوة المولود. وكان من المتوقع أن تتزوج الأرملة (vidua) خلال سنتين خصوصاً إن كانت لا تزل في سن الإنجاب.
كان عادياً في العصر الجمهوري أن تسمى النساء فقط بأسماء عائلاتهن (nomengentile) أو ما يسمى عشيرة (gens)، بمعنى أنهن لم يملكن أسماء شخصية، وإن تزوجت فتاة وفق «زواج المانوس» تغير اسمها وحملت اسم العائلة الجديدة التي تصبح «ابنة» لها، وعند تعدد بنات العائلة تستخدم تعابير: مايور (maior) الكبيرة، ومينور (minor) الصغيرة، وتِرتيا (tertia) الثالثة وهكذا. مع نهاية العصر الجمهوري ابتدأ منح الفتيات كوجنومينا شخصي (cognomina) (الاسم الثالث للذكور/ اللقب)، ويكون إما مؤنث كوجنومينا أبيها، مثل فيبسانيا اغريبينا (Vipsania Agrippina) بنت ماركوس فيبسانيوس أغريبا، أو ترث اسم أمها كما في لونيا لبِيدا (Iunia Lepida) بنت اميليا لبِيدا (Aemilia Lepida) وبنت ماركوس لونيوس (Marcus Iunius Silanus Torquatus) بينما كلاوديا انتونيا (Claudia Antonia) التي سميت على اسم جدتها انتونيا الصغيرة (Antonia minor) وكلاوديا اوكتافيا (Claudia Octavia) على اسم أم جدتها اوكتافيا الصغيرة (Octavia minor) كانتا بنتيّ القيصر كلاوديوس (T. Claudius C. A Germanicus) وعنه اسم العائلة، وبالطبع كان لنساء في محيط العائلة والاصدقاء أسماء شخصية، فمثلاً بنت الفارس (Titus Pomponius Atticus) سميت (Caecilia) أو (Pomponia) أو (Attica) في المصادر المختلفة، وكذلك أسماء التودد (الدلع) واردة كتسمية توليا (Tullia) بنت شيشرون بتوليولا (Tulliola). تخلى الناس في العصر الإمبراطوري عن هذا النظام الجامد في التسمية، واختاروا الاسم الأول بحرية، كما كان الحال عند معظم المجموعات التي عاشت في الإمبراطورية الرومية. أما الرقيق فحملن الأسماء الموهوبة لهن من أسيادهن، والمعتوقات يحتفظن باسم الرق الكوجنومِن (cognomen) بجانب اسم عائلة عاتقهن، كذلك حمل المواطنون الجدد الاسم الثاني (nomen gentile) «الكنية» للمعترف بمواطنتهم مضافاً لأسمائهم الشخصية
لم يكن التفريق بين الجنسين عند الروم علّة لذاته، إنما موضوعاً قانونياً بامتياز، فالزواج والعائلة اعتبرت عماد الجمهورية (res publica) في الدولة الرومية، حيث للجنسين وظيفتهما الاجتماعية، فالرجل «كرب أسرة» عليه المحافظة على استمرارية العائلة والمجتمع، والمرأة «كربة أسرة» تقف إلى جانبه وواجبها الأول إنجاب الذرية (ذكوراً). وقد نظر حقوقيون من مثل كاتو الكبير (M. P. Cato Censorius، 243 ق.م- 149 م) وشيشرون (M. T. Cicero، 106- 34 ق.م) للمرأة - وفق الفلسفة الأرسطية- على أنها أدنى من الرجل طبيعياً، وفهمها قاصر (Imbecillitas Mentis)، وشخصيتها قلقة (Levitas Animi)، وعليها البقاء جسدياً تحت زوجها (Infirmitas Sexus)، ومما تقدم استنتجت ضرورة الكفالة والزواج للمرأة. ويُفسر فرض قيود على حقوق المرأة ومجال نفوذها بمثابة حماية لها من عدم كفاءتها الخاصة.
(mater familias) اكتسبت المرأة قيمتها في المجتمع الروميّ كأم، فبزواجها تصبح ماترونا (Matrona) وهي الرومية المتزوجة بمواطن روميّ، وتصبح أيضاً «أم أسرة» (mater familias) وليس بالضرورة أن يكون لها أولاد، ومن واجباتها تربية الأطفال، والإشراف على رقيق البيت، وغزل الصوف، ونسج المنسوجات وحياكة ملابس الأسرة، أما أعمال البيت من تنظيف وطبخ وغسل وتسوّق، فتترك للرقيق، وفقط في العائلات الفقيرة كان على الزوجة ممارسة هذه الأعمال المعتبرة شديدة الوضاعة. كانت الماترونا وأم الأولاد شخصية ذات مكانة في العائلة، فتدير المنزل والمزرعة، وكان لها أن تصبح مثلاً أعلى في المجتمع احتراماً لفضائلها، ومن واجباتها أيضاً المشاركة «بالعبادات» الخاصة والعامة، وقد وُجدت عبادات مختلفة مثل عبادة «الإلهة الطيبة» (Bona Dea) إلهة الخصب التي اقتصرت عبادتها على المتزوجات.
ارتبطت مرتبة المرأة بمرتبة أبيها وبعد الزواج بزوجها، فنساء رجالات مجلس الشيوخ تمتعن كرجالهن بامتيازات بيّنة، وسمح لهن وضع أشرطة أرجوانية على ثيابهن وكذلك ركوب العربات في المدن، وإن تزوجت امرأة من «علية القوم» رجلاً من «العامة» تفقد امتيازاتها، ولذلك بقيت الزيجات بين الطبقات نادرة حتى القرن الثالث الميلادي.
كون الوظيفة الاجتماعية للروميّات قُصرت على الأمومة، لذا طُلب من الزوجات لزوم بيوتهن (domiseda)، وكان عليهن تدبير بيوت أزواجهن بالتناغم مع التقاليد «الفاضلة» للمجتمع الرومي الفلاحي العتيق، من بساطة وادخار واستقامة وتقوى. وكانت «العفّة الجنسية» (pudicitia) والتي رُمز لها بغزل الصوف (lanificium) إحدى الفضائل الأنثوية المميزة، ومنه نشاهد على كثير من شواهد قبور النساء، سلة صوف وكرسي. وكانت المرأة التي تتزوج لأول مرة ولا تتزوج عند موت زوجها تعتبر «عفيفة» بامتياز (Univira). ولم يكن من العادي أن تُنادى النساء بأسمائهن في اللقاءات العامة، كما أن حفل التأبين الذي أقامه يوليوس قيصر لعمته يوليا (Iulia) ولاحقاً لزوجته كورنيليا (Cornelia) يُعتبر أمراً استثنائياً.
وكنموذج ساطع من العصور المبكرة، بُجلت لوكرِتيا (Lucretia) حوالي 500 ق.م، التي انتحرت لئلا تجلب فضيحة لأسرتها نتيجة لاغتصابها، لذلك فقد رُبيت الفتيات الروميات على «ضبط النفس» الذي اعتبر فضيلة، كأن تعيش زوجة شابة زهداً جنسياً بعد إنجابها ثلاث أولاد، وقد ألّف الكاتب بلوتارخ (Plutarch) مؤلفاً خاصاً عن فضائل النساء (Mulierum Virtutibus). وكانت نساء «الطبقة العليا» محور اهتمام الجمهور، فنساء مثل كورنيليا والدة (Gracchen) وليفيا (Livia Drusilla) واغريبينا (Agrippina) الكبيرة، واوكتافيا (Octavia) كُرّمن كقدوات لمطابقتهن المثل الأعلى، والنساء اللاتي لم يُسلّمن بالدور المرسوم لهن، اتهمن من مؤرخي تلك الأيام بالسلوك اللا أخلاقي والإسترجال.
بينما قدمت في حفل التطهر (dies lustricus) أضحية التطهر للمولود الذكر في يومه التاسع ومنح اسماً، تم ذلك للمولود الأنثى في يومها الثامن، للاعتقاد بأن الأنثى أسرع نمواً، ومن غير المعروف إن كانت الأنثى الحرة تنال تعويذة (bulla) في هذا الحفل كما الذكر. في الطفولة لهت الفتيات بالدمى وألعاب أخرى، وتعلمن من أمهاتهن تدبير المنزل، ومع نهاية العصر الجمهوري هناك وثائق تفيد بالتحاق الفتيات بالمدارس الابتدائية العامة ليتعلمن القراءة والكتابة والحساب، ومن غير المعروف إن كنّ قد دخلن المدارس العُليا التي يعلم بها الجراماتيكوس (grammaticus) القواعد والآداب والتاريخ والفلسفة والجغرافيا والعدّ (Arithmetik) والهندسة الرياضية (Geometry) الرومية منها واليونانية، كذلك من غير المعروف عدد الفتيات اللاتي زُرن المدارس، وعلى كل حال نساء كثيرات كن يكتبن ويقرأن، حتى من الطبقات «الدنيا»، مثل زوجة القصاب التي أجرت الحسابات كما نجده على أحد النقوش، وأيضاً النص على شاهدة قبر الطفلة ماجنيلا (Magnilla) الذي يصف تفوقها في الدراسة وهي في عمر السابعة.
عادةٍ ما تعلمت النساء من «الطبقات الدنيا» مهن مارسنها، أو مارسن العمل اليدوي مع أزواجهن، وكن يتاجرن بالمواد الغذائية والملابس ومواد التجميل ويعملن أحياناً «بالأكشاك»، كما أن كثيرات عملن في الصناعات النسيجية، ودربت الرقيق عادةٍ على أعمال بعينها، كان باستطاعتهن كسب المال بها بعد عتقهن، ومع أن الموسيقيات والممثلات نُظر لهن نظرة سوء وكن تحت شبهة المجون، اعتبر التدريب الفني للفتاة شيئاً مناسباً، وقد ذكر بليني الكبير (G. Plinius S. Maior) في كتاب (التاريخ الطبيعي) العديد من الرسامات الشهيرات، كما مُدحت نساء«الطبقات العليا» اللاتي عزفن القيثارة.
هناك صمت في المصادر فيما يخص تعليم بنات «الطبقات العليا» في حين أن إخوتهم (الذكور) اعدّو بتعليمهم فن البلاغة الذي يفيد في السلك الوظيفي، وكانت غاية النساء الأهم زواجاً نافعاً للأسرة، وكونهن يتزوجن باكراً فإن تعلمهن بالمدارس العامة أو الخاصة ينتهي أبكر من الفتيان، إلا في حال دعم زوجها متابعتها التعلم. وقد أرتئ الفيلسوف الرواقي موسونيوس (G. Musonius، 30- 102 م) وجوب تعليم الفتيان والفتيات دروس الفلسفة، لأنها تُنمي الفضيلة.
قليلات من النساء المتعلمات معروفات باهتمامهن بالفلسفة والأدب، من مثل كورنِليا مِتِلا (Cornelia Metella) في القرن الأول ق.م، والخطيبة هورتِنسيا (Hortensia) بنت الخطيب المشهور هورتِنسيوس (Q. Hortensius H، 114- 50 ق.م) أو الخطيبة ماِسيا سِنتيا (Maesia Sentia) معروفة الاسم، وأيضاً توليا (Tullia) التي اعتبرها والدها شيشرون كمحاورة علّامة رفيعة الشأن لديه، وعدا عن هذه الحالة نادراً ما وردت صفة علّامة (docta) للنساء، وتعبير «الفتاة العلامة» (puella docta) الوارد في غنائيات الحب لأوفيد (Ovid) يفهم من باب اللمز حيث يمكن المقارنة مع سِمبرونيا (Sempronia) المرأة التي تنتمي «للنخبة»، فقد ربط المؤرخ سالوستيوس (Sallustius) تحولها اللاأخلاقي بتعليمها اليوناني. ويبدو أن الدراية بالفلسفة اليونانية كانت في القرن الميلادي الثاني «موضة» للنساء أيضاَ حين رمى لوقيان السميساطي النساء الثريات بأنهن يستخدمن المدرسين الخاصين لاستعراض ثقافتهن المزعومة. وفقط سولبيكيا (Sulpicia) الكبيرة في نهاية القرن الأول قبل الميلاد وسولبيكيا الصغيرة في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي معروفتين بالاسم كشاعرتين روميتين. لم توجد طقوس بلوغ للفتيات أسوة بالفتيان، حيث يرتدي الشاب التوغا (toga) اللباس الأبيض للراشدين الروم، وعوضاً عن ذلك شملت طقوس العرس تضحية الفتيات بالدمى للربة فينوس.
زوجت الفتيات الروميات - خاصةً من «الطبقة العليا»- بسن مبكرة جداً، فالمصادر من روما ومن مصر الرومية تذكر نسبة عالية من زيجات في سن المراهقة، وأحيانا تحت سن الزواج القانوني، ويُستكمل الزواج حتى لو كانت الفتاة غير بالغة، وانتشرت عادة تزويج الفتيات الصغيرات في كل أنحاء الإمبراطورية الرومية، وغالباً في الزيجة الأولى للزوجين كان العريس أكبر بعشر سنوات، وإن كان الزوج أرملاً أو مطلقاً زاد فارق السن على الأرجح. وكان للأرملة الراشدة عند الزواج الثاني أو الثالث ما تقوله في اختيار شريكها وتقارب عمر الزوجين في هذه الحالة، حتى أن بعضهن اخترن رجلاً أصغر سناً، كما حال فابيا (Fabia) التي سخر منها شيشرون، بأنها طوال عشرين سنة بقي عمرها ثلاثين عاماً، حين كانت في منتصف العشرينات متزوجة بدولابِلا (Dolabella) وتزوجت لاحقاً.
واتخذت الرومية كزوجة وضع ماترونا (Matrona) غير المنقوص، ولأول مرة كان بإمكانها المشاركة في الحياة الاجتماعية وتحمل مسؤولية. كان لقاء الزوجين سحابة النهار قليلاً، فالزوج يذهب لقضاء أشغاله، بينما تهتم الزوجة بالأسرة والبيت، مما يمكن أن يعني لها القيام بإدارة جميع ممتلكات الأسرة حتى وإن كان أحد الزوجين – وفق المانوس الحر- مستقل المالية، ولم يكن الزوج ملزماً بالإنفاق على الزوجة. وقد يحدث أن تقرض الزوجة الزوج من ممتلكاتها حين تختل ميزانية البيت وتطالب بها لاحقاً.
أعتبر الإخلاص الزوجي حالة مثالية، لكن – على الأقل حسب الكتاب سوِتونيوس (G. Suetonius، 70- 140 م) – النساء من «الطبقات العليا» اللاتي حُلّ زواجهن لأسباب سياسية واقتصادية، أقمن علاقات خارج إطار الزوجية، والتي نالت السمعة الأسوأ بهذا المنحى كانت مِسالينا (Messalina) زوجة القيصر كلاوديوس (T. Claudius C. A. G.) ومع ذلك تذكر كثير من شواهد القبور الودّ بين الزوجين. ويذكر فالِريوس ماكسيموس (Valerius Maximus) الربة فيريبلاكيا (Viriplacia) التي يتضرعون لها لحل الخلافات الزوجية.
تُعلي الأمومة من شأن المرأة، وخصوصاً إن راعى أبنائها ذلك، كما كانت شخصية اعتبارية في لأسرة. وفي الإرث وكون الأم لا تعتبر قريبة مباشرة لأبنائها فهي ليست (Agnat) (من السلالة الذكر الأب) وفق وزواج المانوس الحر، فلا تسري قوانين الإرث بينها وبين أبنائها مباشرة، وإن اعتبرت وأهلها قريبة دموياً (cognati). ومنه فحقوق الأمهات لم تكن مثبتة بشكل مؤسساتي، وإنما وفقاً للعادات فقط. إن أكثر الأمهات اللاتي وصلتنا إخبارهن بأنهن مارسن تأثيراً كبيراً على أبنائهن كن أرامل، وأبنائهن قُصّر. وقد وجدن العديد من الأمهات - في حال سبق ونجون من مخاطر الولادة - نفسهن أرامل، بسبب اشتراط فارق السن الكبير بينهن وأزواجهن.
وقد استطاعت الروميات من استخدام علاقتهن في تحسين وظائف أولادهن وتزويج بناتهن زيجات لائقة، كونهن على عكس النساء في المجتمعات يونانية الثقافة، لم يُحجبن في غرف خاصة للنساء «حرملك». إلا أن الأمهات لا سلطة (potestas) لهن على أبنائهن ولا يستطعن فرض طاعتهن. اعتبر الإرضاع فضيلة، ورغم ذلك فقد جلبت الكثير من الأمهات الروميات – اللاتي استطعن مادياً – مرضعات لأطفالهن. ولم يكن غريباً أن يوضع «الطفل الصغير» (infantia = قبل مرحلة الكلام) في أكواخ مربين رقيق أو معتوقين. وقد انتقد كتاب ذلك العصر هذه الظاهرة، كما كتب تاكيتوس (Tacitus، 58- 120 م) في مؤلفه جرمانيا (Germania) بأن النساء الجرمانيات يرضعن ويرعين أبنائهن بأنفسهن. ورغم هذا ورغم النسبة العالية لوفيات الأطفال تثبت شواهد القبور وبعض الرسائل رابطة عاطفية بالأطفال الصغار، وعادة ما بقيت المرضعات شخصيات هامة، لمن سبق وارضعهوم. واعتبر دور الأم في الحنان أرفع شأناً من الإشراف على رعاية الأطفال والتربية الجيدة في حداثتهم، وبهذا لا يختلف دورها كثيراً عن دور الأب، رغم الإعلاء من سلطة الأب.
بعكس النساء في المجتمعات يونانية الثقافة، لم يطلب من الروميات قصر حياتهن في غرف خاصة للنساء (حرملك)، بل شاركن بالحياة العامة، مع أن الكثيرات والكثيرين من الروم كانوا محدودي الأهلية القانونية، فقد مارسن مهن، وقد قُدرت الطبيبات والقابلات، وعُرفت بعض التاجرات وصاحبات الورش والفنادق في المدينة الميناء اوستيا (Ostia Antica). وأيضاً كممثلات وموسيقيات كما هِريا ثيسبه (Heria Thisbe) التي نقش على شاهد قبرها فوزها بالعديد من المسابقات. ولم يسمح للنساء المشاركة في الحياة السياسية، وإن كان لهن الإصغاء للخُطب في منتدى روما (Forum Romanum) أو لمرافعات المحاكم، أما مقر المجلس التشريعي (Comitium) والبلدية (Curia) فكانا محظوران عليهن.
جلست النساء في المسارح بجانب الرجال قديماً، وبعد تشريعات اكتافيوس أغسطس توجب عليهن الجلوس في الصف العلوي، حيث جلس الرقيق والأجانب أيضاً، وفقط كاهنات-عذراوات فِستا (Vesta) ونساء بيت القيصر لهن الحق بالجلوس في الصفوف الأمامية، ويُستنتج من ما بقي من أشعار تهكمية أن بعض النساء والفتيات شكلن مجموعات «عبادة المشاهير أو النجوم» حول المجالدين (gladiator) و«المكاسرين» كما مجموعات اليوم من عابدي نجوم الموسيقى والرياضة. وكان للحمامات (أو المسابح) الساخنة (thermae) والعادية، إما توقيت مختلف أو أماكن مفصولة للنساء، وأيضا ليس كعادات المجتمعات ذات الثقافة اليونانية حيث لا تظهر المرأة لضيوف زوجها، ظهرت المرأة الرومية كمضيافة في الولائم، وفي صالات الطعام (Triclinia) لم تضطجع النساء على الأرائك، إنما جلسن على الكراسي إلى الطاولة، وقد انتظر منهن عدم المشاركة بأحاديث الرجال، وحين ينتقل الرجال بعد الطعام للشرب، تغادر النساء المحتشمات، أما في الأعياد العامة فقد احتفل النساء والرجال كل على حدة في الغالب.
كان للدعارة قطاع منظم بإحكام، ففي نهاية العصر الإمبراطوري كان في روما وحدها حوالي 45 بيت دعارة، وإن كان معظمها قد صنف كصالون حلاقة أو حمام، وكانت غالبية الغانيات من الرقيق الأجنبيات اللاتي توجر بهن في أسواق خاصة، وكانت كل أنواع الغانيات (lupae, scorta, meretrices) مسجلات بقرار من الشرطة عند جهاز أمني (aediles) الذي راقب بيوت الدعارة. كما وجدت عاهرات «مستقلات» بحثن عن زبائن في الأحياء المشبوهة. وكن تعرفن عن بعد من ثيابهن البراقة وعطورهن ومغالاتهن بالتبرج، وكن مضطهدات قانونياً، والرقيق من النساء لم يكن لهن أية حقوق. وبالمناسبة ففي قصة تأسيس روما يرد أن رومولوس ورموس ربتهما ذئبة، ومن الممكن أن يكون هنا تلاعب بالألفاظ حيث كلمة (lupae) تعني غانية وذئبة في آن.
كما عمدت بعض نساء «الطبقة العليا» للاستفادة من إمكانية تسجيل أنفسهن كعاهرات للخلاص من الادعاء عليهن بالخيانة الزوجية، لكن ذلك مُنع مع نهاية القرن الأول الميلادي. أما المحظيات وهن عاهرات استخدمهن رجل واحد على المدى الطويل قد يصل لنصف حياتهن، فقد توجب عليهن تلبية احتياجات أخرى، فالفهم والعقل ضروري تماماً كما المظهر الأنيق المرتب الجذاب، كون المحظية تمثل مرافقة لعشيقها في مناسبات مختلفة، وكثير من الرجال المقتدرين اسكنوا محظياتهم بيوتاً خاصة، مع رقيق لخدمتهن ومراقبتهن أيضاً، ولم يكن نادراً أن يغرق الشباب في الديون لأجل فتاة، وليس لأجل اعتلاء الهرم السياسي، ولأن القليل من الزيجات تدوم مدى الحياة، والتعفف عن الجنس اعتبر فضيلة للمرأة وكان عملياً منقذاً من وفاة الأمهات عالية النسبة. فقد اختيرت المحظيات من الزوجات انفسهن، كما فعلت ليفيا (Livia) زوجة اكتافيوس أغسطس عندما اختارت له محظيته.
كان تأثير النساء بالسياسة غير مباشر عبر ذكور العائلة، لانعدام حقوقهن بالمشاركة في الحياة السياسية، وكان لأصولهن العائلية تأثيرعلى السلك الوظيفي لأزواجهن، لأنه بالزوج تنشأ علاقات وتعقد أحلاف بين العائلات تكون المرأة فيها كعُهدة أكثر من كونها شخصية مستقلة. كزوجة (matrona) لرب أسرة رومي (Patron) كان لها التواجد عندما يحيي رب الأسرة أتباعه صباحاً وعند لقائه ضيوفه، ولها المشاركة في الحديث والتأثير على الآخرين، ولها في غيابه النيابة عنه والتفاوض باسمه، لكن يبقى هذا في الأمور الخاصة غير الرسمية. لهذا تبقى معارفنا عن فاعلية النساء في السياسة من خلال القليل من الشخصيات النسائية فقط. مثل بوركيا (Porcia) زوجة السناتور المتواطئ ماركوس بروتوس (Marcus I. Brutus C.) وامه سِرفيليا (Servilia) اللتان حسب الإخباريات اشتركتا في مداولات المتآمرين. هناك استثناء يطالعنا في العصر الجمهوري مثلته فولفيا (Fulvia، 80- 40 ق.م) التي ساندت بنشاط زوجها الأول بوبليوس (Publius C. Pulcher) ومن ثم نشطت كزوجة لماركس انطونيوس (Marcus Antonius) أحد الثلاثي في عملية إباحة الدماء (proscriptio) لعام 34 ق.م. وحتى أنها حاربت في الحرب البروسينية (bellum Perusinum)، ولهذا انتقص خصومها من أنوثتها. وقليلات هن النساء «البسيطات» اللاتي وصلنا عن مشاركتهن بالسياسة، وغالباً عبر تدخلهن في الانتخابات، كما ظهر في «الشعارات الانتخابية» على الجدران في بومبي (Pompeii)، حيث شاركت نساء أيضاً في «مؤامرة بيزو» (G. C. Piso) لقتل نيرون (Nero C. C. A. G.) من العام (65 م)، كما فعلت انطونيا (Claudia Antonia) بنت القيصر كلاوديوس (Claudius).
ويجدر الإشارة إلى ما أورده تاكيتوس (Tacitus، 58- 120 م)، من خبر إلقاء القبض على المُحررة إبيكاريس (Epicharis) عندما حاولت تحريض الأسطول في ميسِنوم (Misenum) على نيرون، والتي لم تعترف عن «المتآمرين» تحت التعذيب، وإنما شنقت نفسها بمئزر صدرها (strophium) ما أشاد به تاكيتوس كبسالة مقابل جبن الوجهاء من الرجال
كانت المشاركة المباشرة بالأحداث السياسة نادرة، وهناك حالتان فقط معروفتان من العصر الجمهوري، حيث تحالفت بعض النسوة لحماية أنفسهن من ضريبة خاصة فُرضت على الغنيات الحرات (matrona)، حيث يذكر ليفيوس (Titus Livius، 59 ق.م- 17 م) مظاهرة للنساء في العام 195 ق.م لرفع قوانين (Lex Oppia) التي سُنت في العام 215 ق.م وتنصّ على منع ارتداء الحُلي والمواد الثمينة لصالح تمويل الحرب على قرطاجة، وعند انتهاء الحرب وعودة الرخاء، رغبت الثريات من النساء أن لا يُقيدن بقوانين الحرب. مما أغضب المُخمن (censura) والكاتب كاتو الكبير (Marcus Porcius Cato، 234- 149 ق.م) حيث اعتبره تدخل نسائي في السياسة، بينما دافع عنهن السياسي لوسيوس فالِريوس (Lucius Valerius Flaccus، توفي 180 ق.م)، ولا حقاً تم التراجع عن هذا القانون (55) وفي العام 42 ق.م اختيرت هورتِنسيا (Hortensia) وهي بنت (Quintus Hortensius Hortalus، 114-50 ق.م) لتتحدث أمام الثلاثي (triumvirate) ضد زيادة الضريبة على عقارات النساء (matrona) لتمويل الحرب الأهلية، وقد نجحن في هذه الحالة أيضاً.
اكتسبت القيصرات وأمهات القيصر في العصر الإمبراطوري نفوذاً واسعاً، اكتافيوس أغسطس نفسه تشاور مع زوجته ليفيا، وإن لقب اغسطا «العليّة» (Augusta) والتي حملته ليفيا لأول مرة – منحها إياه اكتافيوس أغسطس في وصيته- اظهر مكانة نساء العائلة القيصرية، لكن «السيدة الأولى» كان لها واجبات تشريفية وليس قوة سياسية مباشرة ورسمية. وقد نظر تاكيتوس وكُتّاب آخرين لنفوذ نساء البيت الإمبراطوري على حساب مجلس الشيوخ كخلل في النظام لعصر البرينسيبات (Principate، 27 ق.م- 284 م) الذي زاد فيه أكثر من العهد الجمهوري دور النساء كأدوات ضمان للسلطة بتزويجهن من المرشحين المحتملين للخلافة في السلطة، كما كان عليه حال يوليا (Julia Augusti filia، 39 ق.م- 14 م) بنت اكتافيوس أغسطس. لقد رافقت اغريبينا الكبيرة (Agrippina maior ،14 ق.م- 33 م) زوجها جِرمانيكوس (Germanicus J. C.) في كل رحلاته، ونابت عنه في حالات طارئة وقمعت تمرداً، ما أثار غيرة طيبِريوس (Tiberius) حسب تاكيتوس. وأيضاً بعض الجنود مثل اولوس (Aulus Caecina Severus) الذي طالب عام (21 م) بإعادة تطبيق قانون منع موظفي الولايات من اصطحاب زوجاتهم معهم. مع انه كان في هذا الوقت من التقاليد أن يصطحب الوالي وحاشيته نساءهم معهم، حتى لا ينفصلوا عنهن لسنوات، في حصن فيندولاند (Vindolanda) على سور هادريان (Vallum Aelium) في بريطانيا بقيت بعض ألواح كتابية في بعضها دعوات لأعياد ميلاد من زوجات القادة لزوجات القادة في الحصون المجاورة. بعد موت زوجها، كافحت اغريبينا لأجل حق ابنها بالعرش الإمبراطوري، وأضحت بذلك منافسة لأخت زوجها ليفيا (Livia Julia)، ولوجود أتباع كثر للمتنافستين، هدد النزاع بينهم استقرار البيت الإمبراطوري وعرض الدولة كاملة للخطر. وقد انصب طموح نساء أخرى ات من البيت الإمبراطوري بتنصيب أبنائهن على العرش الإمبراطوري، فقد حاكت اغريبينا الصغيرة (Julia Agrippin) لهذه الغاية دسيسة ناجحة، ولم يثنها حتى القتل، ليخلف نيرون كلاوديوس (Claudius) بدل بريتانيكوس (Britannicus)، أما خطتها بأن تحكم بنفسها فقد فشلت لعدم وجود حلفاء لها في ذلك. مع بدايات القرن الثالث الميلادي انتزعت يوليا ماِسا (Julia Maesa) - أخت يوليا دومنا (Julia Domna) زوجة سِفِروس (L. S. Severus) – العرش الإمبراطوري لحفيدها القاصر ماركوس (Marcus Aurelius Antoninus) المُلقب «إل جبل» (elaga'balus) مع أبنتها وأمه يوليا سواِمياس (Julia Soaemias) بوجودهما شخصياً بالمعركة، وإن كانت - ماِسا – حكمت عوضاً عنه كما يرد في مؤلف تاريخ القيصر (Historia Augusta) فإن ذلك موضع شك حالياً، ولما كان من المتوقع إخفاق «إل جبل» بسبب سلوكه «غريب الأطوار»، نَصبت ماِسا الِكسندر سِفِروس (Alexander Severus، 208- 235 م) ذو الثلاثة عشر ربيعاً وابن ابنتها يوليا ماميا (Julia Mamaea، 180- 235 م) كخليفة. وقد حكمت ماميا مع ابنها الِكسندر أحد عشرة سنة ورافقته في حملاته العسكرية على الساسانين، إلا أن العسكر قتلوهما في العام (235 م) لقلّة ما دفعا من أعطيات (Donativa) للجند، ويجعل المؤرخ هِروديان (Herodian، 178- 250 م) من والدة القيصر سبباً لإخفاقه.
نُظمت عبادات وآلهة لكل مناحي ومراحل الحياة في المجتمع الروميّ القديم، ومع أن الطقوس المنزلية سيطر عليها رب الأسرة، إلا أن للنساء واجبات عبادية أمام مذبح البيت ومشاركة في العبادات العامة. وكما كان لكل روميّ «جنيّه» (genii) الخاص، كان للروميات إلهتهن جونو أو يونو (Juno) التي عُبد معها «أرواح» البيت والأموات مثل لارِس (Lares) وبِناتِس (Penates) ومانِس (manes) على نفس المذبح المنزلي، وفي طقوس الدفن شاركت النساء بشكل عام، كما شاركن كندّابات.
حُجبت النساء عن الكثير من العبادات العامة التي اعتبرت على علاقة بالشأن العام (officia) حيث لا مكان للنساء، وأيضاً الإلهات الكبيرات مثل الربة سى رس (Ceres) وفلورا (Flora) وبومونا (Pomona) التي سدنهن رجال مفردين (Flamen)، منعت النساء – إلا باستثناءات قليلة – من التقريب لهن، وأيضا من الذبح والطحن وشرب النبيذ غير المخلوط (temetum) كما يذكر بلوتارخ (Plutarch)، وربما يقصد منع النساء من التضحية (الذبح) حيث الذبيحة ترتبط بوليمة الأضحية (mola) والشراب المقدم هو النبيذ غير المخلوط. قدمت النساء – باستثناءات قليلة مثل عذراوات فِستا (Vesta)- في ممارستهن للعبادات، أضاحي غير دموية مثل الورود والحليب، كما كانت ليفيا (Livia Drusilla) استثناءً كأنثى في عبادة القياصرة، فكانت كاهنة أضاحي للإله القيصر أغسطس (Divus Augustus).
كانت يونو (Juno) حامية النساء، وأسماؤها المتعددة تشير لمرافقتها حياة النساء كاملة، باسمها سوراريا (Iuno Soraria) تجعل أثداء المراهقة تنهد، وباسم فلوّنيا (Flounia) تقف بجانب الحائضات، وباسم برونوبا (Pronuba) تحمي في الأعراس، وباسم لوسينا (Lucina) تحمي في الولادة. كذلك إلهات أخرى ات كن هامات في حياة النساء، مثل فِنوس (Venu) بمهامها كربة الخصب والحياة، والتي تضحي لها العروس قبل العرس بدُماها، والربتين كونكورديا (Concordia) وماتِرماتوتا (Mater Matuta) كانتا مسؤلتين عن التناغم الأسري، والربة فورتونا (Fortuna Muliebris حظ المتزوجات) للخجل (pudicitia) والإخلاص الزوجي وفورتونا العذراء (Fortuna Virgo) للأعراس. وقد رممت ليفيا (Livia Drusilla) معابد تلك الربات في روما بالترافق مع صدور قوانين الزواج من زوجها اكتافيوس أغسطس. وقد كانت لأوضاع الحمل والولادة خصوصاً العديد من الربات، ولضمان حماية هذه الربات فمن الواجب إتباع شعائر مختلفة، ففي أعياد اللوبركاليا مثلاً، كانت النسوة اللاتي ترغبن بأطفال تدعن نفسهن تُضربن من قبل كهنة فاونوس (Faunus) بعُصب من جلد الذبيحة، وعند الحمل توجهت الروميات لربة الخصب ديانا (Diana) والربة الِمونيا (Alemonia) اللتان تجعلان الأجنة تنمو، وإلى ربتي الشهر التاسع والعشر نونا (Nona) ودِكيما (Decima) المسؤلتان عن الولادة في الوقت الصحيح، وإلى إجِريا (Egeria) للولادة وكارمِنتا (Carmenta) لتيسير الولادة واللاتي في النفاس توجهن للِفانا (Levana) وكونينا (Cunina) راعيتا الرُضّع. لقد كانت الممارسات الدينية مرتبطة بالوضع الاجتماعي، وكادت المتزوجات الحرات (matrona) تحتكرن المشاركة في عبادات النساء الرسمية، ما لم تكن هذه العبادات مرتبطة بمراحل حياة المرأة، وسُمح فقط للمتزوجات لمرة واحدة (univirae) بلمس تمثالي كونكورديا (Concordia) وماتِرماتوتا (Mater Matuta)، ومحاولات الفصل بين الطبقات أثناء ممارسة العبادة، دفعت بعض «الارستقراطيات» لبناء هيكل للربات خاص في بيوتهن، كما احتكرت الحرات من العائلات المتنفذة عبادة بونا ديا (Bona Dea) ذات الشعائر السرية التي انتهت بفضيحة عندما تسلل كلاوديوس (Publius Clodius Pulcher) متخفياً بزي نسائي في العام (62 ق.م)، ففي هذه الشعائر تجتمع نساء حرات في أحد البيوت حيث تقام ذبيحة ووليمة ويشرب النبيذ غير المخلوط، وقد أجمعت كل المصادر القديمة على أن هذه العبادة تمثل «العالم المقلوب» الذي تتخذ فيه النساء دور الرجال.
كان لأكثر الربات كاهنات، ولتجسيد الربات للفضيلة والخِصب في الأغلب، تطلب ذلك من كاهناتهن أن يكن مثلاً أعلى في سلوكهن – أكثر من الكهنة الذكور - وأن ينتمين لأسر «علية القوم»، وفي أغلب الحالات اختارت الحرات واحدة منهن لشرف الكهانة، ففي العام 204 ق.م اختيرت كلاوديا (Claudia Quinta) كامرأة عفيفة (pudicissima femina) مع بوبليوس (Publius C. S. Nasica) لاستلام تمثال الربة (Magna Mater) في روما. وقد كان لزوجة كاهن جوبتر الأوحد (Flamen Dialis) مهام كهانة (Flamina Dialis) إلى جانب زوجها، وفقط مع زوجته كان للكاهن تمثيل كمال الألوهة، فإن ماتت يفقد الكاهن الأرمل وظيفته، وربما كان ذلك حال بعض مراتب الكهنة الآخرين أيضاً، فقد تمتعت كاهنات-عذراوات فِستا (Vesta) إحدى أقدم الربات الروميات بوضعية خاصة، فمن مهامهن إشعال نار في المعبد في الأول من آذار والحفاظ عليها مشتعلة على مدار السنة، وإعداد ولائم الأضاحي (mola) التي لا تضحية بدونها، وكون نار فِستا اعتبرت رمزاً للاستقرار السياسي فقد نالت كاهناتها العديد من المزايا مقارنة مع باقي النسوة، فكان لهن أن يسرن في الأماكن العامة برفقة حارس شخصي (lictores) وأيضا الجلوس في المقاعد الأمامية التي تحجز عادة لأعضاء مجلس الشيوخ في النشاطات كسباق العربات مثلاً.
وعندما ترسمن كاهنات تخرجن من سلطة أبائهن لتدخلن في «سلطة رب الأسرة» (patria potestas) للكاهن الأعلى أو «الحبر الأعظم» (Pontifex Maximus)، ولهن أيضاً من غير زواج وضع الزوجة الحرة (matrona)، لكن كان عليهن البقاء عذراوات لمدة ثلاثين سنة، ومن ثم يسمح لهن بالزواج – الذي نادراً ما حدث- وإن ثبت عدم عفة إحدى كاهنات-عذراوات فِستا فكانت توأد ويجلد شريكها على الملأ من قبل الكاهن الأعلى حتى الموت.
بسبب نوع من المساواة بين الجنسين في الديانات الشرقية السرانية التي انتقلت مع نهاية العصر الجمهوري مثل عبادات كوبيليا (Matar Kubileya) المعروفة بـ«سيبل» (Cybele) وإزيس (Isis)، أقبلت الكثيرات من الروميات لتبني هذه العبادات، على العكس من ديانة ميثرا (mitra) المقصورة على الرجال والمفضلة عند الجنود. منذ القرن الثالث قبل الميلاد أقيمت أعياد (باخوس) باخاناليبوس (Bacchanalibus)، وذلك تقليداً لاحتفالات (ديونسيوس) ديونسيسا (Dionysia) اليونانية، وفي بدايتها كانت أعياد نسائية صرفة، احتفل فيها بالكحول تمجيداً لباخوس (Bacchus) رب النبيذ (وربما كان يتم فيها تعاطي نوع من الأعشاب المخدرة) ومع الوقت شارك الرجال بهذه الأعياد، ومن خلال هذه الطقوس ازدادت ممارسات الجنس الجماعي، مما دعا مجلس الشيوخ لإصدار قرار في العام (186 ق.م) يضع المشاركين في هذه الأعياد تحت الرقابة الشديدة مما يعني شبه المنع، ومع ذلك فقد انتشرت هذه الطقوس في وسع الإمبراطورية في العهد الإمبراطوري. كما انتشرت في الغال (Gallia) عبادة أمات الآلهة (Matrae)، وأيضاً اجتذبت المسيحية المبكرة بعض النساء لمساواة الجنسين أمام الإله كما بين العديد من شهود ذلك العصر فعلى الأقل كان ممكن للنساء أن يمارسن وظائف دينية في المسيحية المبكرة.
كان علم أمراض النساء (Gynaecology) منذ العصور القديمة اختصاصاً قائماً بذاته، فقد احتوى مجمع نصوص الطب (Corpus Hippocraticum) على أربعة كتب عن أمراض النساء (Corp. H. 36–39; 43) وأخرى عن علم الأجنة والرضّع، وأهم ما وصلنا للطبيب سورانوس الأفسوسي (Soranus Ephesius حوالي 100 م) دليله للقابلات الذي وصلنا نسخة محررة منه من العام (500 م) حيث أن القابلات كن طبيبات نساء في آن، وكانت مهنتهن تلاقي رواجاً ومعترف بها، والنساء المقتدرات وظفن قابلات شخصيات في بيوتهن، كما تبين ذلك شواهد قبور عدة.
كان يُعتقد بأن الرحم عضواً حرّ الحركة في جسد المرأة، وأنه بالممارسة المنتظمة للجنس وبالحمل يمكن تثبيته في مكانه، ولهذا نصح الطبيب سورانوس بالزواج سريعاً بعد البلوغ (الطمث) وإلا سيتجول الرحم خلال الجسد مسبباً الآلام والأمراض. وهذا التجوال للرحم سببه اختلاطات في الجسد، وهكذا يمكن للإرهاق أن يسبب هبوط في الرحم الذي يفرّ من الجسد الحار إلى البرودة. ونُظر للحيض كانسياب لفائض الدم في الجسد الأنثوي الضعيف، وتحتاجه الحوامل والمرضعات لتغذية الطفل، فيما عدا ذلك فالدم يسبب الأمراض، واعتبر بعض الأطباء الزواج علاجاً ناجعاً في حالات تأخر الطمث عند الفتيات عن سن المعتاد في الرابعة عشرة، ورأى آخرون أن التحكم بحدوث الطمث يكون إما بزيادة النشاطات الحركية أو تجنبها. ونُصح بالطعام قليل الدهون لتأخير النضج الجسدي عند المراهقات اللاتي لا يُراد تزويجهن. إن دور المرأة في الإلقاح والتخصيب كان موضع خلاف، فالطبيب سورانوس اعتبر الرحم مكان فقط تتشكل فيه نطاف الذكر، أما جالينوس (Clarissimus Galenus توفي 216 م) فقد عرف دور البويضة وأنه يجب اختلاط سوائل الجنسين، ولتحديد جنس المولود (أنثى أو ذكر) كان يُنصح بطعام وسلوك معين لإنجاب ما يُراد
للأعتقاد بأن جميع فتحات الجسم مرتبطة ببعضها، نُصح في حالة هبوط الرحم مثلاً، بأن يجذب الرحم للأعلى عن طريق وضع رائحة زكية أمام الأنف، كما أن حلقات (pessulus) إغلاق الرحم كانت معروفة، والأمراض التي ربُطت بحركات صعود لرحم، تُعالج بوضع قطعة مشربة بروائح عطرة في الفرج. كما فُضّل علاج التهابات الجهاز التناسلي عند النساء بالمراهم والتحاميل، إما العمليات الجراحية فكانت للحالات الضرورية جداً، وقد تمت عمليات إزالة رحم بنجاح، وكذلك عمليات ترقيع غشاء البكارة
كانت حالات الطرح (إسقاط الحمل) كثيرة، وكما الكتابات الطبية كذلك المعدات الطبية مثل منظار المهبل (speculum) الذي وجد في بومبي تسمح باستنتاج أن عمليات تجريف الرحم كانت موجودة وأخطارها كانت معروفة أيضاً. كذلك كانت الولادة نفسها مخاطرة كبيرة، فالنقوش تُفيد بنسبة موت عالية للنساء في العمر بين الثلاثين والخمسين، وبهذا الصدد انتقد الطبيب سورانوس الزواج بالصغيرات اللاتي لم تنضج أرحامهن بعد، كذلك كانت نسبة موت المواليد الجدد والرضع عالية، فنصف الأطفال يموتون قبل عامهم الثاني.
وإن كان الخِصب أهم مزايا المرأة، والولادة وتربية الأطفال واجبها الرئيسي، وعدم الإنجاب سبباً للطلاق، رغم ذلك لم تكن الغانيات فقط من اهتممن بمنع الحمل، فالنساء من «علية القوم» إلى جانب تقتيرهن بالجنس طبقن أساليب مختلفة لمنع الحمل كالدهن بالزيوت والعسل. فكانت معدلات الولادة منخفضة بينهن لدرجة أن يكتب يوفِنال (Iuvenalis) ساخراً [ بالكاد تضطجع بالسرير الذهبي ولّادة. فالفنون تستطيع الكثير وكثيراً أيضاً تفيد العقاقير الممزوجة التي تجعل منهن عقيمات ويمكنها أن تقتل إنساناً في الجسد]
كما سنًّ أغسطس قوانين لزيادة معدل المواليد، ولاحقاً قام قياصرة مثل نِرفا (Nerva 30-98 م) وترايانوس (Traianus 53- 117 م) بالإنفاق على الأطفال الإيطاليين. اعتبر الجنين حتى الولادة جزء من جسد الأم، وعلى الرغم من أن قسم أبقراط ألزم الأطباء بعدم إعطاء مواد للإجهاض، فقد كان الإجهاض مباحاً في حال موافقة الزوج أو والد المرأة، وقد نصح الأطباء في هذا الحال محاولة إجهاد الجسد أولاً قبل اللجوء للعقاقير، وحذروا من اللجوء للجراحة، حيث كانت نسبة الوفيات عالية فيها. كثيراً ما كان يتم التخلي عن الأطفال غير المرغوب بهم، وقرار إن كان الرضيع سيلحق بالأسرة شأن «رب الأسرة» وحده، وتعتبر جريمة إن أجهضت أو تخلت الأم بنفسها عن طفلها، وكان التخلي عن الأطفال أمراً شائعاً لدرجة أن الروم كانوا يتعجبون من الشعوب التي كانت تحتفظ بكل أطفالها.
بشكل عام لم تحدث تغيرات كبيرة على الملابس عبر القرون بين النساء والرجال، والتي لم تختلف كثيراً بين الجنسين على أي حال.وحيث وضعت النساء الريكينيوم (ricinium) البسيط المربع على أكتافهن ورؤسهن في العصور المبكرة، أضافت في العصور اللاحقة البالو (Pallo) العريضة والمثلثة الشكل التي تصل حتى الركبة وتغطي الكتف والرأس. ولاحقاً أصبحت هذه القطعة تثبت بمشبك (fibula) مزخرف (بروش) على الكتف الأيمن. أما الستولا (stola) الذي كان يُدعي الثوب الطويل (vestis longa) فكان عبارة عن ثوب متهدل بأكمام (تشبه أكمام الكيمنو الياباني) تصل الأرض، والذي شد بحزام في الوسط وأحياناً أسفل الصدر، ولبس فوق البالو. وكان مقصوراً على الحرات (matrona) زوجات المواطنين الروم. وكون الستولا غير مخيطة وتتألف من جزأين يجمعهما الحزام في الوسط ويعقدان بأربطة عند الأكتاف، فقد كانت غير عملية وتطلب ارتداؤها وضعيات جسدية بعينها وبطءً بالحركة. ومع بداية العصر القيصري خرجت الستولا ومعها ربطة الشعر الصوفية (vittae) من الموضة، واقتصر ارتداؤها على الحرات المتزوجات من «علية القوم» في المناسبات المميزة. ارتدت الروميات التونيكا (tunica) التي لبستها المسرحات والرقيق والفتيات بمفردها، والتي كانت أطول للنساء عنها للرجال عادةً. وفي الرحلات والبرد لبست النساء أدثرة ومعاطف، بعضها بطاقية كما الرجال. كما لبست النساء في بعض الأزمنة التوكا أو التوغا (Toga) والتي كانت لباساً للرجال أساساً، إلا أنها اعتبرت علامة للطبقة الممتهنة من الخادمات والمجرمات بالخيانة. ومن أجزاء اللباس الهامة كان حزام الصدر (fascia pectoralis) من الجلد الطري أو النسيج المتين، والإنتوسيوم (intusium) وهو نوع من القمصان بلا أكمام، وفي البرد لبست نوع من «التونيكا الداخلية»، وللسباحة لبست النساء نوع من «البيكيني»، وللأقدام لبست النساء كما الرجال الكالكيوس (Calceus) لكن بألوان أبهج وأزهى.
إن التغيرات التي لم تحصل على الأشكال عبر القرون، حدثت في نوعية المواد المستخدمة في ألبسة النساء الميسورات على الأقل، في البدايات استخدم الصوف والكتان فقط بحكم التجارة غير المتطورة، ومع نمو الإمكانيات فُضلت الأنسجة الخفيفة والناعمة كالحرير المجلوب من الصين والقطن. وقد وصف بليني الكبير (G. Plinius S. Maior) الحرير بأنه [مادة، تجعل النساء الكاسيات يظهرن عاريات] وكانت الألوان الرائجة بالإضافة للأبيض، الأطياف بين الأحمر والأزرق، مثل البنفسجي والأرجواني، وبشكل خاص الزهري الغامق (nigrantis rosae) وأيضاً القرمزي الفاتح (nimiae eius nigritiae austeritas illa nitorque) الذي يبدو أنه كان مفضلاً لدى الروميات، وبالمبدأ فضلت الألوان الزاهية لصاحبات البشرة الداكنة، والعكس صحيح.
تطورت عبر العصور نوع من ثقافة الحمامات، وقد كانت حمامات النساء اقل فخامة منها للرجال حيث الفصل كان بالمكان وليس كما العادة حالياً بالتوقيت، كما تكون الحمام من عدة أجزاء، مثل حجرات الماء الساخن وحجرات الماء الدافئ، وحجرات البخار، وكان يتم مسح الأجساد حين الانتقال بين هذه الحجرات وعند النهاية بالزيوت، وكون الاستحمام عارياً كان نادراً إلا في بعض حمامات المياه المعدنية الساخنة (thermae) واعتبر عموماً عملاً غير لائق. لبست الروميات ما يشبه «البكيني»، بعد ذلك تأتي عملية إزالة الشعر التي قام بها الرقيق للنساء ورجال الروم، وللتغلب على آلام هذه العملية عند النساء استخدمت بعض أنواع الراتنج والشمع. كما اعتبر إزالة شعر العانة من «أصول المهنة» لدى الغانيات. وعموماً اعتبرت العناية الجسدية نوعاً من النظافة أكثر منها تجملاً، فنظفت الذراعين والرجلين يومياً من العرق والأوساخ، اما حمام كامل الجسد فكان مرة أسبوعيا، ويمكن القول أن الروميات كن أكثر نظافة وتجملاً من النساء في العصور الوسطى. كان التجميل شائعاً بين كل الطبقات وللرجال أيضاً، وكان «المكياج» يوضع مساءً على الوجه، وقد عُطر بشدة لرائحته غير المستساغة بسبب صناعته من دهون صوف الضأن (Lanolinum) ويكتب يوفِناليس (Iuvenalis) في القرن الأول الميلادي ساخراً [ يمكن للزوج أن يخمن من خلال رائحة السرير في المساء، أن زوجته تريد إغواء عشيقها «بالمكياج» في اليوم الثاني ] وكانت المرآة مصنوعة من المعدن المصقول وعادةً مزخرفة على الظهر أداة لا غنى عنها في التجميل، واستخدم السخام لوضع ظل على الجفون والمغرة في تلوين الرموش والشفاه، والكلس وكربونات الرصاص كمبيض (بودرة) كون السمرة كما في العصور الوسطى علامة على العمل في الحقول ما اعتبر وضاعة. واستخدمت بغزارة مواد مثل الدهون والمراهم والعسل والطحين، واقنعة من حليب الأتان، وكذلك بعض المواد للعناية بالأسنان، وكان طلاء الأظافر لليدين والقدمين مادة لا غنى عنها، حيث تظهر القدمين جذابتين في الصنادل.
تغيرت التسريحات عبر الزمن وكانت مرتبطة بالسنَ والوضع الاجتماعي، وكانت في الأزمنة الرومية المبكرة تسريحات بسيطة واعتبر الشعر المستعار من سمات الغانيات.لاحقاً تعقدت قصات الشعر باضطراد، وفي العصر أللإمبراطوري كانت «الموضة» تستلهم زينة الإمبراطورات تقليدياً ثُبت الشعر بأقمشة بأحزمة صوفية (vittae)، وغُطي بأوشحة مختلفة، واعتبر الظهور على الملأ بدون غطاء رأس قلة حياء زائدة، فكان على النساء في بدايات العصر الجمهوري الإكثار من تغطية أجسادهن عند مغادرتهن البيت، حتى أن جالوس (Sulpicius Gallus) طلق زوجته لأنها تنقلت دون غطاء رأس بين العامة، إلا أن نساء قليلات حافظن على هذه الأعراف القديمة مع نهاية العصر الجمهوري.
لم يكن الشعر القصير عند الروميات وارداً أبداً، وعادة ما رفع الشعر فنياً، أو مُسد، أو جُعد بأداة (Calamistrum)، وعُني بتزينه بدبابيس أو شبكات أوعُصب، وضُم على شكل عقدة أو زود بجزء من شعر مستعار، أو ربط على شكل ذيل الحصان، وأحياناً ضُم الشعر بشبكة (reticulum) وزين بحلي ذهبية، وللتسريحات المعقدة احتاجت النساء الميسورات «رقيقاً خاصاً» اورناتريكس (ornatrix).
بعد الحروب في نهاية القرن الثاني ق.م مع الشماليين من الكيمبري (Cimbri) والتيوتوني (Teutoni) اضحت الشُقرة والحُمرة «موضة»، واستخدمت لذلك أصباغ للشعر كالسابو (sapo) مع دهن الماعز أو الحنة، وكان شعر النساء مادة تصدير أساسية عند الجرمان (Germani). وقد احتوت أجزاء متبقية من قاموس (Sextus Pompeius Festus) من القرن الثاني الميلادي، نصاً يفيد أن العرائس وعذراوات فِستا (Vesta) سرحن شعرهن بطريقة خاصة وبستة ضفائر، ربما نوع من الإشارة للعذرية.
تحلت النساء الميسورات عادةً بالألماس، والخواتم والمشابك وعصبات الرأس الموشاة والحلق والأساور والعقود، وبعض النساء عادةً ما تنقلن بكنوزٍ يلبسنها، وبالأخص زينة الأذنين، حيث زٌينت بالعديد من الحلق في آن. ووصف بليني (Pliniu) اللؤلؤ بأنه الحرس الشخصي للنساء أما الأقل مالاً فتزين بالبرونز والزجاج، واستخدمت المشابك (fibula) كزينة لجانب وظيفتها في تثبيت الثوب. وعادةً ما انتقد الكتبة الذكور «بشغف» رغبة النساء بالتجمّل والتزيّن، فها مكسيموس (Valerius Maximus) ينتقد نجاح النساء في رفع قوانين (Lex Oppia) التي سُنت في العام 215 ق.م، يقول:
[ لو علم المرء حينها إلى إي مدى ستندفع النساء في سعيهن المبذر نحو الأبهة والتكلفة، والتي تزداد يومياً بتكاليف جديدة، لتوجب على الآباء الإبقاء على قانون (Luxusleidenschaft) من البداية، لكن ما عليّ أن أقوله عن النساء أيضاً: إنهن يسعين دائماً لصب كامل جهودهن في تجميل مظهرهن... ]
Seamless Wikipedia browsing. On steroids.
Every time you click a link to Wikipedia, Wiktionary or Wikiquote in your browser's search results, it will show the modern Wikiwand interface.
Wikiwand extension is a five stars, simple, with minimum permission required to keep your browsing private, safe and transparent.