الهادي هو اسم من أسماء الله الحسنى﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ٣١﴾ [الفرقان:31]والهادي هو الذي هدى ومنَّ بهدايته على من يشاء من عباده، ودل خلقه على معرفته بربوبيته وأسمائه وصفاته وألوهيته، ودلهم على سبيل النجاة، وهو الإسلام واتباع الرسول.قال ابن الأثير: هو الذي بصّر عباده وعرّفهم طريق معرفته حتى أقروا بربوبيته، وهدى كل مخلوق إلى ما لا بد له منه في بقائه ودوام وجوده.[1] فيدلّ هذا الاسم على أنّه تعالى يخصّ من يشاء من يشاء من عباده بمعرفته والدلالة على توحيده. وأنّه يهدي جميع الخلائق إلى جلب مصالحها ودفع مضارّها.[2] ورد اسم الله الهادي في آيتين من القرآن الكريم، وهما في قوله تعالى ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ٥٤﴾ [الحج:54]، وفي قوله تعالى ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ٣١﴾ [الفرقان:31].[3] ولم يردْ في السنة النبوية.[4]
تعريف اسم الله الهادي لغة
- قال ابن فارس: الهادي من الجذر (هَدَيَ) وأصله يدلّ على التقدم للإرشاد، هديته الطريق هداية، أي تقدمته لأرشده. وكل متقدّم لذلك هاد. والهدى: خلاف الضلالة.[5]
- قال ابن الأثير: هو الذي بصّر عباده وعرّفهم طريق معرفته حتى أقروا بربوبيته، وهدى كل مخلوق إلى ما لا بد له منه في بقائه ودوام وجوده.[1]
- وهَداه يَهْدِيه هِدَايةً، إِذا دَلَّه على الطَّرِيق.[6] والهداية دلالة بلطف.[7] ويقال: هديتُه الطريق أهديه هداية، وهديته إلى الطريق وللطريق، وهداه الله إلى الإيمان هدىً، والهدى البيان.[8] والهدى: الرشاد والدلالة، والمهدي: الذي قد هداه الله إلى الحق. والمعنى المحوري للجذر (هدي) تبيّن الوجهة أو تبيينها بالتقدم أو الكشف، ومن دلالة التّقدّم للتّوجيه إلى المراد عُبِّر بالتركيب عن الدلالة، والهادي: الدّليل؛ لأنّه يَقْدُم القوم نحو وجهتهم ليدلّهم. وهداه: تقدّمه. والهدى: الرشاد والدلالة ضد الضلال.[9]
تعريف اسم الله الهادي اصطلاحاً
الهادي من أسماء الله تعالى الحسنى: "هو الذي بصّر عباده وعرّفهم طريق معرفته حتى أقروا بربوبيته، وهدى كل مخلوق إلى ما لا بد له منه في بقائه ودوام وجوده".[10] فالله تعالى هو يهدي عباده إليه، ويدلهم عليه، وعلى سبيل الخير والأعمال الصّالحة.[11] كما أنّه يهدي عباده ويرشدهم إلى جميع المنافع وإلى دفع المضار، ويلهمهم التقوى ويجعل قلوبهم منيبة إليه منقادة لأمره.[12] أي: الذين يهدي ويرشد عباده إلى جميع المنافع، وإلى دفع المضار وما لا يعلمون، ويهديهم لهداية التوفيق والتسديد، ويُلْهِمُهُم التقوى، ويجعل قلوبهم منيبة إليه، منقادة لأمره.[2][13]
قال ابن القيم: " والهداية: هي دلالةٌ بلُطفٍ، وهداية اللَّه تعالى للإنسان على أربعة أوجه :
- الأول: أحدها: الهداية العامة المشتركة بين الخلق، المذكورة في قوله:﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ٥٠﴾ [طه:50]. أي أعطى كل شيء صورته التي لا يشتبه فيها بغيره وأعطى كل عضو شكله وهيئته وأعطى كل موجود خلقه المختص به ثم هداه إلى ما خلقه له من الأعمال.
- الثاني:هداية البيان والدلالة والتعريف لِنَجْدَي الخير والشر، وطريقي النجاة والهلاك، وهذه الهداية لا تستلزم الهدى التام، فإنها سبب وشرط لا موجب، ولهذا ينتفي الهدى معها، كقوله تعالى:﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ١٧﴾ [فصلت:17]أي بينا لهم وأرشدناهم ودللناهم فلم يهتدوا.
- النوع الثالث: هداية التوفيق والإلهام وهي الهداية المستلزمة للاهتداء فلا يتخلف عنها وهي المذكورة في قوله: {يضل من يشاء ويهدي من يشاء} وفي قوله: {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل} وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له " رواه مسلم.
- النوع الرابع: غاية هذه الهداية وهي الهداية إلى الجنة والنار إذا سيق أهلهما إليهما قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم} وقال أهل الجنة فيها: {الحمد لله الذي هدانا لهذا} وقال تعالى عن أهل النار: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم}[14]
- وعليه؛ فإنّ الهداية المسؤولة في قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} تتناول النّوع الثاني والثالث خاصة، فهي طلب التعريف والبيان والإرشاد والتوفيق والإلهام.[15]
في القرآن
- ورد اسم الله الهادي في آيتين من القرآن الكريم، وهما:
قوله تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ٥٤﴾ [الحج:54]، وفي قوله تعالى ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ٣١﴾ [الفرقان:31]
- وقد ورد معنى الهداية بصيغة الفعل كثيرًا، وكلّها تحصر معنى الهداية في الله تعالى.
- ومعنى الهادي في قوله تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ٥٤﴾ [الحج:54]. أي أنّ الله تعالى لمرشد المؤمنين، وموفّقهم إلى الحق الواضح، وحفظ أصول الدين الصحيحة في نفوسهم، والعمل بها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. فالله عزّ وجلّ يهدى الذين آمنوا إلى تأويل ما تشابه من الدين، وتفصيل ما أجمل منه، فلا تلحقهم حيرة، ولا تعتريهم شبهة، ولا تزلزل أقدامهم الأباطيل.[16] ومعناه في قوله جلّ شأنه: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان: 31]. أي "وكفاك يا محمد بربك هاديا يهديك إلى الحقّ، ويبصرك الرشد".[17]
- نفي الهداية : ورد في القرآن نفي الهداية كقوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[البقرة: 258]، والمراد بها النّوع الثّالث التي هي التوفيق الذى يختص به المهتدون.[18]
في السُنّة
أمّا في السنّة الّبوية فلم يرد اسم الله الهادي.[4]
الآثار الإيمانية والسّلوكيّة المترتّبة على الإيمان باسم الله تعالى الهادي:
- محبّة الله عزّ وجل وتعظيمه: فقد أعطى كلّ شيء خلْقه، وهداه إلى ما لا بد منه في قضاء حاجاته. وأعظم من ذلك هدايته سبحانه لعباده بإنزال الكتب وإرسال الرسل لبيان سبيل الهدى والحق والتحذير من الضلال ووضع في الكون الآيات التي تدل العباد عليه وتعرفهم به تعالى.
- سؤال الهداية من الله: انحصار الهداية والتوفيق بالله تعالى يشعر العبد بافتقاره إلى ربه عز وجل في طلب الهداية والعون عليها وهذا يثير في العبد التضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يهديه ويثبته ويوفقه. والهداية أكبر نعمة ينعم به الله تعالى على عباده إذا كل نعمة دونها زائلة، وبقدر هداية الله للعبد تكون سعادته في الدنيا ويطيب عيشه فيها، وفي الآخرة ينال الفوز والدرجة العالية.
- سعي المؤمن إلى أن يكون هاديا إلى الله تعالى داعيا إلى صراطه المستقيم بنشر العلم وإرشاد الناس إلى الحق وتحذيرهم من الضلال والباطل الذي يؤدي إلى سخط الله وغضبه.[19] فمن آداب المؤمن مع اسم الله تعالى الهادي أن يكون داعيا إلى الله تبارك وتعالى مقتديًا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ملتزما قول الله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ١٠٨﴾ [يوسف:108]، والمسلم يتلو قول الله تعالى كلّ يوم :﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ٦﴾ [الفاتحة:6] فيوقن أن الهداية بيده سبحانه، فيعمل على دعوة النّاس حتّى يكون هاديا مهديا.[20]
الهداية إلى الحقّ فعل خاصّ بالله تعالى، وتطلق على الأنبياء والعلماء الذين يرشدون الخلق إلى السعادة في الدّار الآخرة، ويهدونهم إلى صراط الله المستقيم، والحقّ أنّ الله هو الذي يهدي النّاس بما يجري على ألسنة الدّعاة؛ فهم مسخرون تحت قدرته وتدبيره.[21] فالإنسان يقدر أن يهدى بالدعاء وتعريف الطرق وإلى أشار بقوله: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} ، وبقوله: {ولكل قوم هاد} . ولكنّه لا يقدر على ما سوى ذلك من الهدايات وإليه أشار بقوله: {إنك لا تهدي من أحببت}.[18]
ابن منظور، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين الأنصاري الرويفعى الإفريقى (المتوفى: 711هـ) (1414 هـ). لسان العرب (ط. 3). بيروت: دار صادر. ج. 15. ص. 353. صيانة الاستشهاد: أسماء عددية: قائمة المؤلفين (link)
الرازي، فخر الدين محمد بن عمر الخطيب لرازي الشافعي(ت: 606هـ) (1323هـ). لوامع البيانات شرح أسماء الله تعالى والصفات (ط. 1). مصر: المطبعة الشرقية. ص: 456.
الجليل، عبد العزيز بن ناصر (1439هـ). ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها –دراسة تربوية للآثار الإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى، (ط. 1). القسطاوي للطباعة والتجليد. ص: 445
العيد، نوال عبد العزيز ، موسوعة شرح أسماء الله الحسنى، (1441هـ) (ط.1): 3/228
ابن فارس، أحمد بن فارس الرازي، أبو الحسين (المتوفى: 395هـ) (1399هـ- 1979م). معجم مقاييس اللغة. دار الفكر. 6/ 42.
الأزهري، أبو منصور، محمد بن أحمد بن الأزهري، (ت 370هـ) (2001م)، تهذيب اللغة. (ط. 1) دار إحياء التراث العربي – بيروت. 6/ 201
الرّاغب، أبو القاسم الحسين الأصفهاني، (ت 502هـ) (1412 هـ) المفردات في غريب القرآن، (ط. 1) دار القلم، الدار الشامية - دمشق بيروت. ص: 835.
الفيومي، أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس (المتوفى: نحو 770هـ). المصباح المنير في غريب الشرح الكبير. بيروت: المكتبة العلمية. 2/ 636.
جبل، محمد حسن حسن ، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم. (2010م). مكتبة الآداب – القاهرة. (ط. 1). 4/ 2294
ابن الأثير، مجد الدين أبو السعادات الجزري (ت 606هـ). النهاية في غريب الحديث والأثر. (1399هـ - 1979م). المكتبة العلمية – بيروت. 5/ 253
الزجاجي،عبد الرحمن بن إسحاق البغدادي النهاوندي الزجاجي، أبو القاسم (ت 337هـ)، (1406هـ - 1986م): اشتقاق أسماء الله، المحقق: د. عبد الحسين المبارك، (ط. 2)، مؤسسة الرسالة. ص: 187
السّعدي، عبد الرحمن بن ناصر (ت 1376هـ) تفسير أسماء الله الحسنى (1421هـ) جمعه: عبيد بن علي العبيد، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة: العدد 112 - السنة 33. ص: 242.
القحطاني، سعيد بن علي بن وهف. شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة. الرياض: مطبعة سفير. ص. 134–135.
ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب (٦٩١ - ٧٥١ هـ) (١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م). بدائع الفوائد (ط. 5). الرياض: دار عطاءات العلم. ج. 2. ص. 447–449. صيانة الاستشهاد: أسماء عددية: قائمة المؤلفين (link)
ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب (٦٩١ - ٧٥١ هـ) (١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م). بدائع الفوائد (ط. 5). الرياض: دار عطاءات العلم. ج. 2. ص. 2/ 445- 448. صيانة الاستشهاد: أسماء عددية: قائمة المؤلفين (link)
المراغي، أحمد بن مصطفى (ت 1371هـ)، (1365 هـ - 1946 م) تفسير المراغي. (ط. 1). شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر. 17/ 131
الطّبري، أبو جعفر، محمد بن جرير (224 - 310هـ). جامع البيان عن تأويل آي القرآن. توزيع: دار التربية والتراث - مكة المكرمة. 19/ 265
الفيروزآبادي، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب (ت 817 هـ) (1412 هـ - 1992 م)، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز. المحقق: محمد علي النجار. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة. 5/ 314.
الجليل، عبد العزيز بن ناصر (1439هـ). ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها –دراسة تربوية للآثار الإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى- (ط. 1). القسطاوي للطباعة والتجليد. ص: 450- 452
الكردي، عبد الحميد راجح (1428هـ – 2007م). أسماء الله الحسنى في القرآن الكريم –آثارها الوجدانية والسلوكية (ط. 1). دار المأمون للنشر والتوزيع. ص: 195- 196.
الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد (ت 505 هـ) (1407ه– 1987م). المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى. (ط. 1). الجفان والجابي – قبرص. ص: 146.